الجامعة العربية والأزمة السورية: إصرار على الحل العربي.. ولكن!
بينما كان وزراء الخارجية العرب مجتمعِـين في الرباط يتباحثون في خطوات تأمين المدنيين السوريين تحت رعاية الجامعة العربية، ومُصِـرّين على أن الحلّ المطروح، هو حل عربي يمنع التدخل الخارجي ويغلق أبوابه المحتملة..
.. أصدر حزب البعث السوري بيانا يُـدين فيه تحرّكات الجامعة العربية، واصفا إياها بأنها فقَـدت مِـصداقيتها وتحوّلت إلى أداة من أدوات حِـلف شمال الأطلسي (الناتو) وصارت مَـطية من مطايا الولايات المتحدة.
وفي الوقت نفسه، قام متظاهرون مُـوالون للنظام بالاعتداء في دمشق على عدد من سفارات دول عربية، وافقت على خطة الحلّ العربي.
الرُّؤيتان على هذا النحو، تمثِّـلان صراعا مُـعلنا وصريحا بين أسلوبيْـن في إدارة الأزمة السورية. أسلوب توافَـقت عليه الجامعة العربية، شمل تقديم خطة عمل وتلويح بعقوبات، إن لم يحدث التجاوب المطلوب، ومصحوب بضغوط عربية متدرّجة. وأسلوب سوري، يسعى للإنفراد بحلّ الأزمة وتوظيف الوقت للاستمرار في الحل الأمني القمعي، الذي ثبت فشله جُـملة وتفصيلا.
حماية المدنيين ودلالاته
الجامعة العربية من جانبها، وتأثُّـرا بدموية ما يجري على الأرض السورية والنِّـداءات العربية والدولية المتكرِّرة لحماية المدنيين، ترى نفسها معنِـية بحماية المدنيين من بطْـش النظام وآلته القمعية، وتعتَـبِـر نفسها مسؤولة، بدرجة أو بأخرى، عن تقديم مَـخرج لسوريا، نظاما وشعبا ومعارضة، في الخارج والداخل، يُـبعِـد شبح التدخل الخارجي ويحافظ على الدولة السورية، بعيدة عن الخُـطط الخارجية و الإقليمية التي تسعى إلى الهيمنة على مستقبل سوريا وقرارها.
وقد كان وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو صريحا، حين قال إن بلاده والجزائر تعاوَنتا على استِـبدال وحذْف عبارات وصِـياغات من مشروع الخطة العربية، التي اتفق عليها في 2 نوفمبر الجاري، لمنع أي تدخل خارجي مُـحتمَـل، وللحفاظ على عُـروبة الحلّ، فكرةً ومسارا.
والمعنى أن الجامعة كانت واعِـية بأن ثمّـة صراعا خفِـيا بين أي حل عربي مُـرتقب يحفظ لسوريا عُـروبتها وتماسُـكها، وبين حلول أخرى تسعى إليها قِـوى إقليمية لمُـمارسة نوع من الهيْـمنة الإقليمية، انطلاقا من سوريا بعد تغيير نظامها.
الوزير المصري نفسه وفي قول آخر، أكَّـد على أن مصر لن تسمح بأي تدخّـل خارجي في الشأن السوري ولن توافِـق إلى استِـنساخ الحالة الليبية مرّة أخرى، في إشارة إلى رفض أي تدخل تحت مِـظلَّـة الناتو أو غيره.
وتأكيدا على بقاء قنوات للتَّـواصُـل مع دمشق، سيظل السفير المصري هناك، رغم توصية الخطّـة العربية باستدعاء السفراء العرب، للضّـغط على الرئيس بشار وحكومته.
التدخل الخارجي.. مخاوِف وحقائق
هذه المواقِـف يُـمكن تلمس أهميَّـتها في ضوء التحركات التركية المدعومة من بعض العواصم الأوروبية والتي تتحيّـن الفرصة للتدخّل المباشر في الأزمة. هنا، علينا أن نلاحظ أن تركيا تتدخّـل بالفعل من خلال ثلاثة مسارات. الأول، تأييد المجلس الوطني السوري السماح له بإقامة مكتب في أنقرة، يتحرّك من خلاله. والثاني، تأييد حركة التمرّد العسكري، التي يقودها العميد رياض الأسعد. وثالثا، التحرك العسكري على الحدود مع سوريا، ربَّـما استعدادا لإقامة مِـنطقة حظْـر جوي وملاذٍ آمن للمدنيين السوريين.
في الوقت نفسه، يلاحِـظ المراقِـب حالة التّـنسيق التي تقوم بها أنقرة مع باريس، والتي تُـعوِّل بدورها على دوْرٍ تركي مباشِـر في الأزمة السورية، وِفق استراتيجية تغيير النظام في سوريا، وربما نيابَـةً عن الناتو وبدعم مُـباشر منه.
كل ذلك يوضِّـح المعنى الحقيقي لتصريحات وزير الخارجية المصري وتحرّكات الجامعة العربية، ومَـفادُه، إبقاء سوريا في الحظيرة العربية، ويكفي ما حدث وما زال يحدُث في العراق.
رؤية سوريا الرسمية: “اتركونا نعمل في صمت!”
رؤية النظام في سوريا، تختلف بالطبع عن هذا المعنى. فهي لا تريد أي مسعىً عربي أو غير عربي، وتصِـرّ على توصيفها للأزمة باعتبارها مواجهة من النظام الشرعي مع القِـوى العميلة المأجُـورة المسلّـحة، التي تستهدِف مواقف سوريا العربية والقومية، وبالتالي، فإن ما ينتظره النظام السوري من الجامعة، هو أن تتبنّـى كامل الرُّؤية السورية الرسمية وأن تُـدين المعارضة، باعتبارها أداة في أيدي قِـوى استِـعمارية، وأن تمتنِـع عن مُـمارسة أي ضغط سياسي أو إعلامي، وفي المحصِّـلة، أن تدافِـع عن كل المَـقولات الرسمية.
مشكلة الرؤية السورية، أنها لم تستوعِـب بعدُ مُـفردات البيئة العربية الجديدة، المرهونة بالربيع العربي وبالتغيرات الثورية الكبرى، التي تقودها الشعوب في مواجهة النُّـظم الإستِـبدادية، كما لم تستوعِـب أن الجامعة لم يعُـد بإمكانها الصَّـمت على ما يجري في سوريا من قتْـل يومي للمدنيين، يصاحبه تجاهُـل تامّ للإصلاحات السياسية والاقتصادية الكُـبرى، التي لا مفرّ منها، كما لم تُـدرك بعدُ أن الجامعة العربية، حين تقدِّم خريطة طريق للخروج من تلك الأزمة العاصفة، فإنها تفعل ذلك مدْفوعة بالحِـفاظ على موقع سوريا في المنظومة العربية ككل.
المفارقة الكبرى هنا، أن وضوح هذه الدّلالات، يُـصاحبه إيمان جازِم بأن النظام السوري عبْـر مجموعة من المُـناورات السياسية والدِّعائية، قادِر على الإفلات من أي ضغوط داخلية أو خارجية، وأن بعض الوقت كفيل بالسَّـيطرة التامة على الأمور، وبالتالي، تنتفي الحاجة إلى أية أدوار عربية أو غير عربية.
حماية المدنيين السوريين.. عقبات بالجُـملة
هذه القناعات السورية، تشكِّـل صعوبات كُـبرى أمام تلك المهمّـة الكبرى، المُـتمثِّـلة في حماية المدنيين السوريين، والتي تجاهد الجامعة العربية القيام بها، وهي مهمّـة جديدة تماماً على العمل العربي المُـشترك، إذ لم يسبَـق للجامعة أن شكّـلت مهمَّـة مراقبة وتحقّـق وتقصٍّ في أزمة عربية داخلية طاحنة. ورغم حدوث أزمات عربية تنطبِـق عليها بشكل أو بأخر مواصفات الحالة السورية الراهنة، كما حدث في الجزائر في التسعينات من القرن الماضي وكذلك ما حدث في الصومال منذ 1991 وحتى الوقت الرّاهن وما يجري في اليمن حاليا، فلم تفكِّـر الجامعة العربية في تشكيل بِعْـثات مُـراقبة ومَـهام إنسانية وقانونية، كالتي يُراد لها في الحالة السورية الرّاهنة.
عدم توافُـر خِـبرة سابقة، لا يعفي الجامعة العربية من المسؤولية لحِـماية المدنيين العرب في أي مكان، سواء في سوريا أو الصومال أو اليمن أو في أي بلد آخر قد يتعرّض لمِـحنة مُـماثلة لما يجري في سوريا. ومن هنا، قد يحدث بعض الارتباك، غيْـر أن الخِـبرات الدولية المُـتوافرة لدى منظمات إقليمية ودولية معروفة بالاسم، يمكن أن تقدّم بعض الخِـبرات وأن تساعد في التوصّـل إلى إطار عملي وقانوني يُـسهِّـل مهمة البعثة العربية ويُـسهِـم في نجاحها، كما هو مأمول، ويُـقدِّم الحماية لأعضائها ويوفِّـر لهم أماكن الإقامة الآمنة ووسائل الاتصال غيْـر المُـخترقة وسُـبل التواصل بين المجموعات المختلفة، التي ستقوم بزيارة بُـؤَر التوتُّـر أولا، ثم تنطلِـق إلى أماكن أخرى.
ملامح دور جديد للجامعة العربية
والأمر المؤكّـد أن إرسال هذه البعثة العربية، وأيّـاً كان حجْـمها ومهامّ أعضائها، يتطلّـب تعاوُنا شفّـافا من الحكومة السورية، كما يتطلّـب أيضا تعاونا بنفس القدْر من قِـبل المعارضة السورية. ولذا، فإن بروتوكول البِـعثة وتحديد مهامِّـها الذي أشار إليه د. نبيل العربي، والمطلوب أن توقِّـعه الحكومة السورية، سوف يُـمثِّـل أولى خِـبرات العمل العربي المُـشترك في مجال فضِّ والسَّـيطرة على النزاعات الداخلية العربية، ويُـمثل أيضا، في حال نجاحه، أول ملامِـح تغيّـر دوْر الجامعة العربية من مجرّد جامعة للحكومات لا تضع في الحسبان حقوق الشعوب وتطلّـعاتها في الحرية والعدالة.
كما سيكون أول نماذج التّعاون الوثيق بين الجامعة كمؤسسة للنظام الإقليمي العربي الجديد والمنظمات العربية المعنِـية بالإغاثة وحقوق الإنسان وإعمال القانون وتقصّـي الحقائق وتحديد المسؤوليات، وهو تعاون سيكون بمثابة خُـطوة أولى لدَمْـج هذه المنظمات في صُـلب عمل الجامعة، ليس فقط في أوقات الأزمات، بل أيضا في الأوقات العادية بكل ما تشمَـله من مشكلات التنمية البشرية والإصلاح السياسي والاجتماعي والحقوقي.
وِفقا لتصريحات الدكتور العربي، يتَّـضح أيضا أن مهمّـة البعثة في إرسال تقارير مَـيدانية تُـحدِّد طبيعة ما يجري على الأرض السورية وحجم العُـنف ومصدره ومدى التِـزام الحكومة السورية بالبند الأول من الخطة العربية، سيُـساعِـد على اتخاذ القرار بشأن باقي بنود الخطة، التي تتعلَّـق برعاية الحِـوار بين النظام وبين المعارضة، ورعاية الإصلاحات التي سيتم الاتِّـفاق عليها، وبالتالي، فإن نجاح مهمّـة حماية المدنيين، ستُـعَـدّ الخطوة الأولى اللاّزمة لتطبيق مُـجمَـل الخطة العربية. ب
عبارة أخرى إن الحل العربي كله مرهُـون بمدى نجاح هذه البعثة، وإن كان هناك من لا يريد لهذه البِـعثة النجاح، فمِـن اليسير أن يُـوقِـف عمل هذه البعِـثة، والعكس صحيح.
حذّر وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو في مقابلة مع وكالة فرانس برس الجمعة 18 نوفمبر من “مخاطر الانزلاق الى حرب اهلية” في سوريا.
وصرّح داود اوغلو ان المنشقين عن الجيش السوري “بدؤوا بالتحرك في الفترة الاخيرة، ولذلك هناك مخاطر بالانزلاق الى حرب أهلية”.
وتابع أنه وحتى الآن “من الصعب التحدث عن حرب اهلية، لان في هذه الحالة هناك جانبان يتحاربان. بينما في الوضع الحالي، غالبية السكان يتعرضون لهجمات من قوات الامن. لكن هناك دائما خطر ان يتحول ذلك الى حرب اهلية”.
وباتت تقع مواجهات متزايدة بين منشقين عن الجيش السوري وقوات الامن النظامية في مختلف انحاء سوريا.
وللمرة الاولى منذ بدء الاحتجاجات الشعبية في سوريا، تعرض مقر للمخابرات الجوية في ريف دمشق لهجوم فجر الاربعاء بصواريخ اطلقها جنود منشقون، الذين لجأ قائدهم العقيد رياض الاسعد الى تركيا. ويضم “الجيش السوري الحر” الذي اعلن مسؤوليته عن الهجوم، آلاف الجنود المنشقين عن النظام.
ولدى سؤال داود اوغلو حول ما اذا كان الاسعد ادلى بتصريحات سياسية في تركيا، اجاب بان الاسعد استقبل “على اساس انساني” في تركيا. واضاف ان “كل السوريين الفارين من العمليات والمذابح (في سوريا) هم ضيوف لدينا”. وتابع “ليس العقيد الاسعد وحده، بل هناك قرابة 8 آلاف سوري يقيمون في تركيا ويتلقون مساعدات على اساس انساني”.
واشار الى ان بلاده ستساعد المجلس الوطني السوري الذي يضم غالبية تيارات المعارضة على تعزيز موقعه في سوريا وفي العالم. وصرح داود اوغلو “سنساعد المجلس الوطني على تعزيز موقعه من خلال تطوير علاقاته مع الاسرة الدولية والشعب السوري”. واضاف، “من المهم في هذه المرحلة ان يكون المجلس الوطني السوري على اتصال مع الشعب السوري ومع الاسرة الدولية وان تكون لديه قاعدة شعبية متينة بصفته هيئة منبثقة من الشعب السوري”. وكان داود اوغلو التقى مرتين ممثلين عن المجلس السوري الذي تم تاسيسه اثر اجتماعات عدة في تركيا.
ولدى سؤاله حول اقامة منطقة عازلة في سوريا او منطقة حظر جوي فوق الاراضي السورية لحماية المدنيين، رد داود اوغلو بان مثل هذه القرارات رهن بتطور الوضع. واضاف ان “الامر رهن بالتطورات” وان “تركيا لا يمكنها اتخاذ مثل هذا القرار بمفردها، ولا بد من اجماع دولي حول هذه المسائل”.
وحول العقوبات على النظام السوري، اكد داود اوغلو ان تركيا تعتزم اتخاذ قرار بهذا الصدد بالتشاور مع الجامعة العربية. وصرح “نحن نعتزم القيام بذلك، انما بالتشاور مع الجامعة العربية”. واضاف “من المقرر ان يعقد وزراء اقتصاد الجامعة العربية وتركيا اجتماعا وسنرى ما سيصدر عنه. وغالبية العقوبات ستكون اقتصادية”.
وقطعت تركيا كل صلاتها بحليفتها السابقة سوريا احتجاجا على القمع الذي تمارسه بحق المتظاهرين المعارضين للنظام.
وشاركت في اجتماع للجامعة العربية التي منحت سوريا يوم الاربعاء 16 نوفمبر مهلة ثلاثة ايام لاتخاذ “اجراءات فعالة لوقف القتل”، وإلا فسيتم فرض عقوبات اقتصادية عليها.
(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ.ف.ب. بتاريخ 18 نوفمبر 2011)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.