الجزائر تشكِّـل مِـحورا مغاربيا صحراويا وتستبعِـد منه المغرب وتونس
تتكثّـف الاجتماعات الأمنية والعسكرية بين ثلاث دُول مغاربية وأربع من جيرانها الصحراويين لتشكيل قوة تدخّـل مشتركة، في تطوّر يُؤشِّـر إلى تشكيل مِـحور إقليمي لمكافحة "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي".
وبرزت الجزائر من خلال زعامتها لهذا المِـحور وتعزيز تعاوُنها العسكري في الوقت نفسه، مع كلٍّ من فرنسا وروسيا والولايات المتحدة، بوصفها الشرطي الإقليمي لمنطقة الساحل والصحراء، متجاوِزة ليبيا التي كانت وراء إنشاء “تجمّـع دول الساحل والصحراء” في 1998.
ولوحظ أن مراحِـل تشكيل هذا الحِـلف تتقدّم بخُـطىً حثيثة. فبعد اجتماع وزراء خارجية كلٍّ من الجزائر وليبيا وموريتانيا ومالي والنيجر وتشاد وبوركينا فاسو في الجزائر أواسط شهر مارس الماضي، جاء الدّور على وزراء الداخلية مطلع شهر أبريل 2010، فيما يجتمِـع قادة الأركان في البُـلدان السّـبعة في الأيام المقبلة في الجزائر أيضا.
وأتى تبلوُر هذا التّـحالف الجديد ردّا على تصعيد عملِـيات خطْـف الرهائن الغربيين وترحيلهم إلى مِـنطقة الساحل والصحراء، التي تبدو ملاذا آمنا للجماعات المسلحة، ما حمل البلدان المعنِـية على تكتيل جهودها من أجل محاولة القضاء عليها عسكريا. وتزامن ذلك مع تراجُـعٍ واضحٍ في عمليات الفرع الجزائري لـ “القاعدة” في المحافظات الجزائرية، بسبب تضييق الخِـناق على عناصره في الفترة الأخيرة.
ترابط “عضوي” بين صنفين من الجماعات
ولم تقتصر عمليات الخطْـف على المواطنين الغربيين، وإنما شمِـلت حتى السعوديين الذين اعتادوا على التوغّـل في المناطق الصحراوية، الجزائرية والتونسية، في فصل الخريف لصيْـد الحبارى وأصناف من الغِـزلان، وتصِـل قوافلهم إلى شمال مالي والنيجر. وتعرّضت هذا العام قافلة مؤلفة من ثلاث سيارات رُباعية الدّفع، كان يستقلها صيادون سعوديون ومرافقوهم إلى هجوم في غرب النيجر، رجحت مصادر عليمة بأن هدفه كان خطفهم وبيْـعهم لـ “القاعدة”، لكنه انتهى بمجْـزَرة لأن السعوديين كانوا مسلّـحين.
واستبعد الصحفي الجزائري أحمد ناصر المختصّ في شؤون الجماعات المسلّـحة، احتمال أن تكون عناصر “إمارة الصحراء” في تنظيم “قاعدة المغرب الإسلامي”، هي التي اغتالت السعوديين الأربعة وجرحت اثنين آخرين بسبب صعوبة تنقّـل الجماعات الإرهابية في المنطقة الآهلة بالسكان، التي تقع غرب بلدة دجامبالا في المثلّـث الحدودي بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو.
وأكّـد ناصر لـ swissinfo.ch أن كلّ المؤشِّـرات الأولية، تدُلّ على أن المجموعة المسلّـحة التي قتلت السعوديين، هي نفسها المسؤولة عن خطْـف الدبلوماسي الكندي روبرت فاولر مع مساعده قبل عام. ورجّـح أن هدف الاعتداء هو “خطْـف السعوديين بنِـية بيْـعهم لجماعة الإرهابي حميد السوفي، المُـتمركزة في وادي زوراك على الحدود بين النيجر ومالي، كما حدَث مع الدبلوماسي الكندي.
ويُعتَـقد أن المُـعتدين كانوا يبحثون عن أحد المُـنتسبين للأسرة الحاكمة السعودية لخطفه ثم طلب الفِـدية. وذكر ناصر أن الهجوم الذي استهدف السعوديين، تمّ التخطيط له وِفقا لمعلومات حصَـل عليها المُـعتدون، ما يعني أن الساحل بات مكشوفا من الناحية الأمنية ويدُلّ على مدى تغَـلغُـل العِـصابات الإجرامية المُـتعاونة مع المسؤول العسكري لـ “قاعدة المغرب” في الساحل حميد السوفي.
وتشكِّـل هذه العملية مؤشِّـرا على تطوّرٍ جديد، يتمثَّـل في التعاون بين العِـصابات الإجرامية والجماعات المسلحة، إذ تخضَـع المِـنطقة التي تمّ فيها قتل الرّعايا السعوديين وخطْـف الدبلوماسي الكندي، لسيْـطرة عِـصابة مسلّـحة من عرب النيجر، كان يقودها المدعو ”بكيرير”، الذي قُـتِـل قبل عدّة أشهر في ذات المنطقة، ويُـعتقد بأن خليفته على رأس العِـصابة هو المسؤول عن الاعتداء الأخير.
وأدّى هذا الترابط العُـضوي بين نوعيْـن من الجماعات، إلى تركيز الحكومات المعنِـية على وضع هذا الموضوع في مقدّمة خُـطط مكافحة الإرهاب، وهو ما عكسه جَـدْول أعمال الدّورات الأخيرة لمجلس وزراء الداخلية العرب، الذي أبرز التّـرابط بين الجريمة المُـنظَّـمة والمخدّرات والإرهاب. كما لوحِـظ أن مراد مدلسي، وزير الخارجية الجزائري شدّد في الكلِـمة التي افتَـتح بها اجتماع وزراء خارجية البلدان المغاربية والصحراوية السّـبع في الجزائر، على ضرورة مكافحة الخطَـر الإرهابي وارتباطاته مع الجريمة العابِـرة للحدود.
تحديث القوات المسلحة
التّـنسيق الأمني والاجتماعات السياسية المُـشتركة لا يمثلان الوجه الوحيد للتعاون الإقليمي الجديد لمكافحة العصابات الإجرامية والجماعات المسلحة. فتحديث الجُـيوش وتطوير تجهيزاتها يشكِّـلان مِـحورا مُـهمّـا في الحرب الجماعية التي فتحتها بُـلدان المنطقة على تلك الجماعات.
ففي موريتانيا، أعلن محمد ولد أبيليل، وزير الداخلية أن بلاده تعمَـل حاليا على تحديث القوات المسلحة وقوات الأمن الوطني “من أجل حماية مُـمتلكات المواطنين والدِّفاع عن الوطن والتصدّي لكل أشكال الإرهاب”. ولم يُفصِـح ولد أبيليل عن أنواع التجهيزات التي ستقتنيها موريتانيا، إلا أن خُـبراء أشاروا إلى حاجتها الماسّـة إلى مِـروحيات وأجهِـزة رصْـد ومراقبة.
وأتى هذا التطوّر في أعقاب تزايُـد عمليات اختطاف مواطنين إسبانيين وإيطاليين على الحدود بين موريتانيا ومالي، وكذلك على الطريق الرّابطة بين نواكشوط ونواذيبو في الشمال. والظّـاهر أن “القاعدة في المغرب الإسلامي” تستفيد من قلّـة خِـبرة القوات المسلّـحة وقوات الشرطة الموريتانية في مكافحة الإرهاب، لتُـكثِّـف من عملياتها في البلد وتنسحب من الجزائر مؤقّـتا.
وعلى رغم ظهور محمد ولد عبد العزيز، الرئيس الموريتاني لدى انقلابه على سلفه محمد ولد عبد الله في مظهَـر العسكري المُصمّـم على القضاء على “القاعدة”، تبدو موريتانيا حَـلَـقة ضعيفة في الجَـبهة المعادية لـ “القاعدة”.
وقال محمد بن حمو، رئيس المركز المغربي للدراسات الإستراتيجية لـ swissinfo.ch، إن شساعة مساحة البلد (1 مليون كيلومتر مربّـع) وقلّـة السكان (3 ملايين)، تجعلان مراقبة حدوده أمرا شِـبه مستحيل، واستطرادا، فإن رصْـد التحرّكات المشبوهة، يبقى تقريبيا، كما أن الحدود المشتركة مع الجزائر ومالي، حيث القواعد الخلفية لـ “القاعدة”، سهلة الاختراق.
وفي هذا السياق، عزّز الموريتانيون تعاوُنهم العسكري مع باريس، إذ زار جان لوي جورجولان، رئيس أركان الجيوش الفرنسية نواكشوط في شهر أكتوبر 2009، موفدا من رئيسه ساركوزي. وما لبثت أن وصلت تجهيزات فرنسية حديثة من باريس في مطلع السنة الجارية، بالإضافة للتعهّـد بتدريب عناصِـر من الدّرك والجيش وتكثيف تبادُل المعلومات الأمنية مع الأجهزة الموريتانية.
وتسلّـمت الجزائر أيضا في الفترة الأخيرة تجهيزات وأسلحة متطوّرة، لتكثيف حربها على الجماعات المرتبطة بـ “القاعدة”، بما فيها قاذِفات ودبّـابات وأنظِـمة روسية مُـضادّة للطائرات. وأعلنت وكالة الأنباء الروسية “إنترفاكس” أواخر شهر مارس الماضي، أن موسكو ستشْـرَع في تسليم الجزائر 38 نظاماً مُـضادّاً للطائرات من نوْع «بانتسير أس 1» خلال الفترة ما بين 2010 و2011، في إطار تكمِـلة العِـقد الذي تمّ التوصّـل إليه بين الدولتين خلال زيارة الرئيس الروسي السابق فلاديمير بوتين للجزائر في عام 2006.
إقصاء المغرب وتونس
من الواضح أن الجزائر هي عراب هذا الحِـلف المغاربي – الصحراوي الجديد، ويبدو أن الدول المشاركة سلمت لها بدورها القيادي في بناء هذا المِـحور، الذي أقصى المغرب وتونس. وبالإضافة إلى المُـنافسة التقليدية بين المغرب والجزائر على الزّعامة، لابد من إشارة إلى عُـنصر إستراتيجي آخر يتعلّـق بتزايُـد أهمية الثّـروات النفطية والغازية والمنجمية، التي يتمّ اكتشافها تِـباعا في المنطقة المُـمتدة من تشاد شرقا إلى شمال موريتانيا غربا.
غير أن عبد القادر مساهل، وزير الدولة الجزائري للشؤون المغاربية والإفريقية عزا في تصريح لمجلة “جون أفريك” الفرنسية، استبعاد المغرب إلى أنه ليس بلدا مطِـلا على الصحراء الكُـبرى. ولم تسأله المجلة عن سبب استبعاد تونس من اجتماع وزراء الخارجية، لكن الأرجح أن الجواب سيكون هو نفسه، بالإضافة للبرود الذي يطبع العلاقات الثنائية في الفترة الأخيرة، لأسباب تجارية أساسا.
ولئن لم يُعلِّـق التونسيون على استبعادِهم، فإن الرباط احتجّـت بشكل غيْـر مباشر على تجاهلها. وشدّد الطيب الفاسي الفهري، وزير الخارجية المغربي في كلِـمة ألقاها في الرباط في ندوة حوْل الأمن الأوروبي المتوسطي، بعد أيام قليلة من اجتماع الجزائر، على «ترابُـط الأمن في شمال إفريقيا»، ووصف الأوضاع في المِـنطقة المغاربية بأنها تشكِّـل «أخطاراً مُـتقاطعة»، مؤكِّـدا أنه «لا يمكن التّـضحية بالقضايا الأمنية تحت طائلة أفكارٍ سياسة مُـسبقة أو حِـسابات تكتيكية»، في إشارة إلى التّـوازُن الهشّ في العلاقات بين الدول المغاربية وامتداداتها نحْـو الساحل والصحراء.
وانتقد الفاسي ما وصفه بـ «الفوْضى العارمة» التي تسُـود المنطقة، موضِّـحاً أن استقرار الفضاء الأوروبي «رهْـن باستقرار مناطق أخرى مجاوِرة، مثل الساحل والصحراء والواجِـهة الأطلسية ومنطقة الشرق الأوسط».
وطِـبقا لمعلومات مصادِر مطَّـلِـعة، باركت باريس وواشنطن تبلوُر الحِـلف الجديد، انطِـلاقا من قلقهِـما المُـتزايد من تكاثُـر عمليات اختطاف الرّهائن في المنطقة، لكنهما تتساءلان عن تُـخومه والمكانة التي سيمنحها للتّـعاون العسكري مع الدول الغربية، فيما تُـراقب مدريد وروما تطوّره لفَـهْـم ما يجري.
وكان مدلسي، وزير الخارجية الجزائري ناقش توسيع مجالات التعاون الأمني مع نظيرته الأمريكية خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن، وصرّح بعد الاجتماع أن “الولايات المتحدة مُـرتاحة جدّا بالنسبة للجزائر، نظرا للمجهودات المسجّـلة في أرض الميْـدان على المستوييْـن، الاقتصادي والاجتماعي، وأيضا الإجراءات التي اتّـخذت حتى نؤمّـن محيطنا ومحاربة الآفات والإرهاب بكل أصنافه. فالجزائر في اعتبارِهم رائِـدة في المجاليْـن معا، وهو ما يجعلنا شركاء مثاليين، ليس فقط للعمل معهم في المشاريع الثنائية، بل أيضا في المشاريع الإقليمية”. وفِـعلا، يبدو أن واشنطن والعواصِـم الغربية عموما تُـولي أهمية مُـتساوية لمكافحة الإرهاب ومحاربة عصابات الاتجار في المخدرات.
وفي هذا السياق، حذّر سليمان بوباي مايغا، المحلِّـل المالي من أبعاد تحالُـف الفرع الصحراوي لـ “القاعدة في بلاد المغرب” مع تجّـار المخدرات في بلدان الساحل، التي لا تملك حكوماتها وسائل السيْـطرة على الأوضاع. وقال مايغا، الذي كان وزيرا للدِّفاع في بلده في تصريحات لوكالة “رويترز” أخيرا إن “(القاعدة) تستمِـد قوتها من إدراكها لفقْـر الحكومات في دول الساحل والصحراء، الذي يجعلها لا تفكِّـر بمنطقٍ إستراتيجي، وإنما بدافع الحاجة الماسّـة لسدّ الرّمَـق”.
وبحسب مايغا، فإن الجماعات المسلَّـحة باتت تتعاطى بشكلٍ مكثّـف تِـجارة السلاح والسجائر، وخاصة الكوكايين، الذي يدر عليها أموالا طائلة. وأضاف “إذا كانت فِـدية الرهينة الواحدة ثلاثة ملايين يورو، تخيّـلوا كَـم سيكسب الخاطِـفون من أُسَـرِ سِـتّ رهائن؟”. ومن شأن عمليات المُـقايضة هذه التي تقوم بها “القاعدة”، أن تُخفِّـف من الضّـغط المالي الذي يتعرّض له رأس التنظيم في الجزائر بفعل الضّـربات العسكرية المتوالية.
أما ألان أنتيل، الخبير لدى المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (Ifri)، المتخصِّص في شؤون الساحل والصحراء فقال لـ swissinfo.ch، إن الذِّراع الصحراوية لـ “القاعدة”، تشكِّـل قِـطعة من لُـعبة “Puzzle” مُعقّـد، يجمع شبكات التّـهريب القوية في المِـنطقة وجماعات قبلية متمرِّدة تقليديا على الحكومات المركزية، مثل الطوارق.
وأشار إلى أن عناصِـر مكافحة المخدِّرات الأمريكيين، اعتقلوا في غانا في وقت سابق ثلاثة ماليين على ارتباط بـ “القاعدة”. واستنتج إمكان تطوّر الوضع في الساحل والصحراء إلى حالة كولومبية، حيث تتداخل عناصر “القوات المسلحة الثورية الكولومبية” (Farc) مع شبكات المخدرات، وما يُؤكِّـد هذا الاحتمال، النزول الاضطراري لطائرة نقْـل من طِراز بووينغ 727 مُحمَّـلة بعشرة أطنان من القنّـب وقادمة من كولومبيا عبْـر فنزويلا، في مطار صغير في الصحراء الواقعة شمال مالي.
واتّـضح أن رحلة الطائرة، التي تملكها واحدة من الشبكات الدولية لتجارة المخدِّرات، واحدة من الرحلات الكثيرة بين أمريكا الجنوبية وأوروبا عبْـر غرب إفريقيا لنقل المخدّرات. ويعتقد أنطونيو ماريا كوستا، مدير مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدّرات والجريمة، أن الجماعات المسلحة تستفيد من تجارة المخدّرات لتسليح عناصِـرها ودفْـع رواتبهم وتمويل العمليات التي يُكلَّـفون بتنفيذها.
حساسيات
مع تزايُـد شبح التّـحالف بين الجماعات المسلحة وشبكات المخدّرات والتهريب، تتّـجه الجزائر إلى توثيق التعاون العسكري والأمني مع بلدان الساحل والصحراء، مع مُـراعاة حساسية البلدان المعنِـية التي قد تتضايَـق من زعامة الجزائر للمِـحور الجديد.
فمع مالي، ليست العلاقات على ما يُـرام منذ إقدام سُـلطاتها على إطلاق أربعة عناصر موريتانية من “القاعدة” كانوا معتقلين لديها، نزولا عند ضغوط فرنسية لقاء إطلاق الرهينة بيير كامات. وأتى ردّ الفعل الموريتاني والجزائري قويَّـيْـن باستِـدعاء سفيريْـهما من باماكو، إلا أن العلاقات عادت إلى مجاريها في الآونة الأخيرة، مثلما أكّـد ذلك مختار وان، وزير الخارجية المالي خلال زيارته الأخيرة للعاصمة الجزائرية.
أما مع ليبيا، فالأمور أيْـسر وأعقَـد في الآن نفسه، إذ يُعتبر العقيد القذافي أول العرب الذين استهواهم إغواء الزعامة في منطقة الساحل والصحراء، بإقدامه على تأسيس تجمّـع “سين صاد” في 1998 وتعيين مدني الأزهري، أحد المقرّبين منه، أمينا عاما له، إلا أن ثلاثة متغيِّـرات نقلت الاهتمام الليبي بعيدا عن المِـنطقة، وهي استضافة القمة العربية الأخيرة مع احتمال استضافة قمة ثانية (طارئة)، ما جعل القضايا العربية تتصدّر الأجندة الليبية للفترة المُـقبلة. وثانيها، طي صفحة الصِّـراع داخل ليبيا مع “الجماعة الليبية المقاتلة”، التي كان بعضُ عناصِـرها أعلَـنوا ولاءهم لـ “القاعدة”. وثالثها، إخفاق القذافي في الفوْز بولاية ثانية على رأس الإتحاد الإفريقي في قمّـة أديس أبابا الأخيرة، ما جعله يشعُـر بخيْـبة أمل من الأفارقة.
من هذا الفراغ النِّـسبي، دخل الجزائريون بقوّة إلى مسرح الساحل والصحراء، مع مُـراعاة حساسية اللِّـيبيين، بوصفهم القوّة المالية والعسكرية الوحيدة القادِرة على مُـنافستهم أو التّـشويش عليهم. ومن هنا، حرِصوا على دعْـوة موسى كوسة، وزير الخارجية اللِّـيبي إلى اجتماع وزراء خارجية الدول السبع في الجزائر، ولوحظ أن كوسة كان وزير الخارجية الوحيد الذي استقبله الرئيس بوتفليقة، فيما اكتفى الباقون بحضور مأدُبة عشاء أقامها على شرفهم رئيس الوزراء أحمد أويحيى.
وبعد معالجة الحساسيات مع الجيران الثلاثة، المغرب وتونس وليبيا، يُتَـوقّـع أن ينطلِـق الجزائريون إلى تشكيل قوّة تدخّـل إقليمية تُـتيح لهم ملاحقة الجماعات المسلحة في بلدان الساحل والصحراء، بالتعاون مع قوات محلية، بعد تأمين العناصر الثلاثة التي تنقصُـها، وهي التدريب والتسليح والمعلومات الإستخباراتية. والأرجَـح، أن العواصم الغربية ستجِـد نفسها مضطرّة لدعْـم المبادرة، على رغم شكْـواها الدائمة من أن الجزائري شريك صعْـب المراس.
تونس – رشيد خشانة – swissinfo.ch
يتزامَـن الدور الإقليمي الذي تسعى الجزائر أن تلعبه في منطقة الساحل والصحراء، مع تنامي نزعة التسلح وتكثيف الشراكة العسكرية مع كل من روسيا وفرنسا والولايات المتحدة.
فقد عاد تدفّـق الأسلحة الروسية بشكل كرّس تجاوُز ما يُعرف بـ «أزمة الأسلحة الفاسدة»، عندما أعادت الجزائر سرباً من الطائرات المُـقاتلة إلى موسكو بسبب «مخالفات تِـقَـنية». وكانت الجزائر وروسيا وقّـعتا خلال زيارة بوتين عام 2006، صفقة بقيمة إجمالية قدرها 6.3 بليون دولار مخصّـصة لشراء الأسلحة. وخُصِّـص من هذه الصفقة، مبلغ 3.5 بليون دولار لاقتناء الطائرات الحربية. وفي المقابل، وافقت روسيا على مسْـح الدُّيون الجزائرية المُـتراكمة منذ عهْـد الاتحاد السوفييتي.
وكثّـفت في الوقت نفسه التّـعاون العسكري مع فرنسا، على رغم توتُّـر العلاقات السياسية، إذ أجريت الشهر الماضي في تولون مُـناورة ثُـنائية للمراقبة والأمن البحرييْـن في غرب البحر المتوسط، بمشاركة قوات بحرية فرنسية وجزائرية، لكي تُستكمل في سواحل العاصمة الجزائرية.
واندرجت المناورة في إطار اتِّـفاق التعاون والصداقة في المجال الدِّفاعي الموقَّـع بين الجانبيْـن في 21 يونيو 2008. ووسّـعت الجزائر هذا التعاون إلى أمريكا، بسبب حاجتها الأكيدة للتكنولوجيات الأمريكية المتطوِّرة، مثل الطائرات بدون طيار ومناظير الرُّؤية الليلية، ومُـعدّات أخرى ذات فاعلية في الحرب غير التقليدية، التي تشنُّـها قواتها على الجماعات المسلحة في مناطق شديدة الوُعورة، تتَّـسم بتنوّع التّـضاريس من غابات وجبال وصحارى. كما أعلن مراد مدلسي، وزير الخارجية خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن، أن التعاون العسكري يشمَـل حاليا تكوين المَـوارِد البشرية وتبادُل المعلومات.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.