الحرب في غزّة وسِـباق المُـبادرات السياسية
على وقع طلقات المدافِـع وزخّـات الصواريخ ورائحة الدّم وصرخَـات الأبرياء العزّل، أطفالا ونساء ورجالا وشيوخا، ونقْـص الغذاء والدّواء والكهرباء، تستمِـرّ العمليات البرية والجوية الإسرائيلية في قطاع غزة، مخلِّـفة وراءها الشهداء والجرحى والخراب والدّمار، وتستمِـر أيضا دعوات الفصائِـل الفلسطينية للقِـتال والمواجهة والصِّـدام وإلحاق أكبر الخسائر المُـمكنة بالعدوّ. إنها الحرب.. لا شيء غيرها.
إنها الحرب في غزّة، حسبما تردد في عناوين الصحف الإسرائيلية صباح الأحد 4 يناير الجاري، يوم بدء الاندفاعَـة البرية إلى عُـمق القطاع، وبالتالي، فإن ما يجري على الميدان، هو أكبر بكثير من مجرّد عمليات عسكرية على أرض القِـطاع، الذي لا تتجاوز مساحته 360 كلم مربّـعا، يعيش فيه 1.5 مليون نسمة، طالما تعرّضوا لأقسى الضّـغوط وعاشوا أعلى درجات المُـعاناة، سواء في ظل هُـدنة مؤقتة أم حربٍ مفتوحة، حيث قدّموا في عشرة أيام، أكثر من 580 قتيلا و3800 جريحا، وما زال الحبْـل على الجرّار.
وبينما تواجِـه المدرّعات الإسرائيلية مقاومة شديدة من عناصر حماس والجهاد وسرايا القدس وغيرهم من فصائل المقاومة الفلسطينية، مستخدمين في ذلك أقل الإمكانيات وأسلوب حرب العصابات الشّـهير، إضْـرَب وأهْـرَب، ومحقِّـقين بعض الخسائِـر في آليات وجنود الجيش الإسرائيلي، تستمِـر الطائرات والمدفعية الإسرائيلية في صَـبّ نيرانها على أهداف مدنية ومناطق مأهولة بالسكّـان العزّل، ويستمِـرّ معها سقوط الجرحى والقتلى.
أهداف غامِـضة ومفتوحة
هذه الحرب كغيرها، لابُـدّ لها من أهداف ولابدّ لها أيضا من نِـهاية، سواء استمرت أياما أو شهورا، وككُـل سوابق الحروب التاريخية، فإنها تجذِب جُـهدا دوليا من أجل وقفها والبدء بكِـتابة صفحة جديدة بين أطرافها.
وهكذا تتفاعَـل مُـجريات العمليات العسكرية، الهجومية والدّفاعية، مع مستجدّات الأفكار والمبادرات والمناقشات في مجلس الأمن الدولي، المَـنوط به افتِـراضا، معالجة الأزمات الدولية المختلفة.
وبينما تبدو أهداف إسرائيل من الحرب مفتوحة على مِـصراعيْـها، حدّها الأقصى القضاء التام على حركة حماس، وهو الأمر الذي يدخل في باب المستحيلات، إلى حدّها الأدنى متمثلا في مجرّد ضمان أمن المستوطنات والمُـدن الإسرائيلية القريبة من القطاع.
وما بين الحدّيْـن، يوجد هدف آخر، يتمثّـل في إرهاق حماس وإضعافِـها وتشكيل بيئة فلسطينية نفسية جماعية، تنقلِـب على حُـكم حماس، نتيجة المُـعاناة التي تسبّـبت فيها للعزّل والأبرياء، وحِـرمانها من الادِّعاء بالنّـصر لاحقا.
أهداف الحرب على هذا النحو من الجهة الإسرائيلية، تقابلها أهداف من جِـهة حماس وفصائل المقاومة، أكثرها جسارة، إفشال تامّ للعمليات العسكرية البرّية، وهو ما لا يُـتيحه مِـيزان القِـوى العسكري، وأقلّها تكبيد الجيش الإسرائيلي خسائر كبيرة في المعدّات والجنود، حتى لا تُـصبح عملياته في غزّة مجرّد نزهة بلا ثمن، وبين الحدّين أيضا، الحِـفاظ يظل الهدف الأكبر، وهو البقاء واستِـيعاب الخسائر البشرية والمادّية والحصول على اعتراف دولي بشكل ما، بأن حماس تحديدا، عصِـية على الاختفاء وأنها باقية، رغم العدوان، وأن بعضا من مطالِـبها لا يُـمكن تجاوزه.
وإذا كان توازُن القِـوى له مردوده في أرض القِـتال، فإن حصيلة العمليات على الأرض سيكون له نصيب في تحديد مسار المبادرات والأفكار، الساعية إلى إنهاء القتال والعودة إلى حالة شِـبه طبيعية تحت عنوان هُـدنة طويلة بين المُـتحاربين، ومن يصمُـد أكثر يحصُـل على الأكثر.
الهُـدنة.. أي هُـدنة؟
تبدو الهُـدنة بمثابة هدف في حدّ ذاته، ولكنها لن تكون هُـدنة بلا ضوابِـط، هذا إذا أُرِيـدَ لها أن تعيش وتستمِـرّ بعض الوقت. وفي المحاولات الجارية في مجلس الأمن، حيث الوفد الوزاري العربي، المُشكّـل وفقا لقرار مجلس وزراء الخارجية العرب نهاية ديسمبر الماضي والمساعي التّـركية والفرنسية، وتلك التي قام بها وفد الاتحاد الأوروبي إلى بلدان المنطقة، وأخيرا ما عُـرف بالمبادرة المصرية الفرنسية، يبرُز الهدف المباشر، وهو وقف العُـدوان الإسرائيلي، وفي المقابل، تتوقّـف المنظمات الفلسطينية عن إطلاق النار، وبعدها يتِـمّ تأمين ممرّات آمنة لوُصول الموادّ الضرورية لأهالي القطاع عبْـر المعابِـر المعروفة بين غزّة وكل من إسرائيل ومصر، وبعدها يتِـم البحث في شروط هُـدنة طويلة.
هذه العناصر المُـشتركة في الجهود الدولية، لا يتِـم التعبير عنها بالعِـبارات نفسها، ولِـذا، تظهر بعض الخِـلافات في الأولويات. فالوفد الوزاري العربي يسعى إلى قرار يُـوقف العدوان الإسرائيلي ويسحب القوات الإسرائيلية من القطاع ويُـؤمِّـن احتياجات الفلسطينيين، ولا يشير إلى ما يجِـب على حماس أن تفعله في المقابل، أما المطالِـب الإسرائيلية المضادّة، والتي تعضّـدها المطالب الأمريكية، فالمسألة بصراحة ووُضوح هي مُـقايضة بين وقفِ العُـدوان وسحب القوات لاحقا، وبين وقفِ الصواريخ الفلسطينية وإجراءات أو ضمانات دولية، لمنع ما يُـوصف بتهريب الأسلحة إلى القطاع ومنع إعادة تسلّـح حماس في المستقبل.
أما المبادرة المصرية الفرنسية، ذات المبادئ الأربعة، فتَـمزِج بين وقفِ العُـدوان والقتال، بما في ذلك وقف الصواريخ الفلسطينية بصورة مؤقّـتة ولمدّة محدودة أولا، يتبَـعها بحث في هُـدنة طويلة، تتضمّـن إجراءات لفتح المعابر بصورة دائمة وعودة إلى المُـصالحة الفلسطينية، لتشكيل حكومة وِحدة وطنية.
جهود مُـتعثِّـرة
وتَـبعا لتوازُن القِـوى في مجلس الأمن، تبدو جُـهود الوفد الوزاري العربي متعثِّـرة، فهناك الموقِـف الإسرائيلي والأمريكي الرّافض أولا للمطالب العربية، إضافة إلى تردّد بعض الأعضاء في تبنّي الصِّـيغة العربية، دون تعديل.
ويبدو أن مشهد تأخير عمل المجلِـس ومنعه من اتِّـخاذ قرارٍ لوقْـفٍ فوري للقِـتال، تماما كما حدث إبّـان الحرب على لبنان صيف 2006، حتى تتمكّـن القوات الإسرائيلية من تحقيق مُـعظم أهدافها على الأرض في غزّة، ومِـن ثمّ يأتي أي قرارٍ لصالِـح المطالب الإسرائيلية بالدّرجة الأولى، هو المشهد الذي نراه الآن.
وتبدو ملاحظة صائب عريقات، كبير المفاوضين الفلسطينيين حول هذا المعنى، دقيقة إلى حدٍّ كبير.
إسرائيليا، هناك تضارُب في مسألة اتِّـخاذ قرار من الحكومة المصغّـرة المَـعنِـية بإدارة الحرب في غزّة، بالدّخول إلى ما يُـوصف بالمرحلة الثالثة من العمليات البرّية، والتي يُـفترض أنها ستعني التوغّـل أكثر في المناطق السكنية في غزّة ومُـدن القِـطاع الأخرى، وبُـغية تنظيفها من منصّـات إطلاق الصواريخ الفلسطينية وإنهاك حماس وضرب بنيتها التحتية، وربّـما اعتِـقال عشرات من الشباب الفلسطيني.
هذا الغُـموض الإسرائيلي قد يُفسّـر على أكثر من محمل، فقد يكون بادرة بالتّـعامل الايجابي مع المبادرة المصرية الفرنسية أو كونه مجرّد غموض مقصُـود، كجُـزء من خطّـة خِـداع حماس والمنظّـمات الأخرى، ولكن نظرا لعدم الإعلان المُـسبق عن مراحل العمليات البرية الإسرائيلية ولا أهداف كلّ مرحلة ولا النقطة الزمنية التي يجب الانتقال فيها من مرحلة إلى أخرى، يبدو الاستنتاج الأقرب أنه مجرد إشارة غامضة بالتعامل الايجابي النسبي مع المبادرة المصرية الفرنسية، دون أن يكون هناك التِـزام بالتوصّـل إلى شيء محدّد تَـبعا لها.
وعلى كلّ، فإن هذا الغموض العسكري مع التفاعل السياسي بأفكار لوقف إطلاق النار، يخفِّـف من وجهة نظر إسرائيل ما تتعرّض له من ضغوط سياسية.
مطالب متعارضة
مصريا، هناك دعوة لكلّ من حماس وإسرائيل للتّـباحث في شروط هُـدنة جديدة. الإسرائيليون من جانبهم، يُـصرّون على ضمانات دولية لمنع إعادة حماس من التسلّح ومن إطلاق الصواريخ مجدّدا، ولكنهم يرفضون في الآن نفسه، منح حماس ما يُـشبه اعترافا دوليا، ومن هنا، تأتي إشاراتهم الغامِـضة حول ضرورة وجَـودة السلطة الوطنية في القطاع، جنبا إلى جنب المراقبين الدّوليين أو القوات الدولية، أيهما يتم الاتِّـفاق عليه لاحقا.
حماس بدورها، تدرس المبادرة المصرية أو هكذا تُـعلن وتُـصر، حسب قول خالد مشعل، رئيس مكتبها السياسي، على فتح المعابِـر ورفع الحِـصار وترفُـض أي قوات دولية ولا تتحدّث عن وقفِ إطلاق الصواريخ أو عودة السلطة مرّة أخرى إلى القطاع، وتعتبِـر أن لديها فرصة لتلقِـين العدوّ درسا قاسيا وان النّـصر حليفها، وتتغاضى عن سقوط الشّهداء والجرحى، والأهَـم من ذلك كله، تشعر بعدم ارتِـياح للجهود الدولية.
مصر بدورها تعتبِـر نفسها معنِـية بما يجري، فهي ليست مجرّد وسيط، فأي إجراءات على الحدود أو بشأن معبَـر رفح تحديدا، يدخل في صميم مصالِـحها الأمنية والوطنية العُـليا، كما أن استمرار القِـتال وما يُـصاحبه من قتلى وجرحى وحرب إعلامية موجّـهة إليها من مصادر عربية عديدة، يجعلُـها حريصَـة على المُـشاركة في أي عمل، وتعتبِـر نفسها معنِـية بصِـياغة هذا العمل بالدّرجة الأولى.
خريطة الموقِـف على هذا النّـحو، تقول بعد ثلاثة عشر يوما من بدء العمليات العسكرية الإسرائيلية، إن قرارا من مجلس الأمن يحدّد المطلوب من هذا الطرف أو ذاك، ما زال بعيدا، أما المبادرة المصرية الفرنسية، فقد تفتح بابا للتّـفاوض غير المُـباشر بين إٍسرائيل وحماس، ولكنه أيضا سيأخُـذ وقتا قبل الوصول إلى محطة مُـرضِـية للجميع.
وبينما تستمِـر المناورات السياسية وطرح الشروط والشروط المضادّة، سوف يسقط شهداء جُـدد وجرحى كثيرون.. ولا عزاء للقانون الدولي الإنساني ولا لحقوق الإنسان.
د. حسن أبوطالب – القاهرة
القدس (رويترز) – قال مسؤولون اسرائيليون، إن ثلاثة صواريخ اطلقت من لبنان سقطت على شمال اسرائيل يوم الخميس 8 يناير واصابت اثنين اصابات طفيفة، مما دفع اسرائيل الى الرد بنيران المدفعية. وهذا أول هجوم من نوعه من لبنان على اسرائيل منذ عام 2007، وجاء في اليوم الثالث عشر من الهجوم الاسرائيلي على قطاع غزة. ولم يتضح على الفور من أطلق الصواريخ.
وأطلق فلسطينيون صواريخ من لبنان على شمال اسرائيل في يونيو عام 2007 دون ايقاع اي اصابات. وخلال حرب عام 2006 بين اسرائيل وحزب الله اللبناني، تعرضت الدولة اليهودية لهجمات صاروخية متكررة أوقعت خسائر في الارواح.
وقال ميكي روزنفيلد، المتحدث باسم الشرطة الاسرائيلية، إن الصواريخ الثلاثة سقطت على ثلاث مناطق مختلفة من منطقة الجليل في شمال اسرائيل.
وقال متحدث باسم الجيش الاسرائيلي، ان اسرائيل “ردت بدقة على مصدر النيران”، وأضاف مصدر أمني ان اسرائيل أطلقت خمس قذائف مدفعية.
وذكرت مصادر امن لبنانية ان ما بين ثلاثة وخمسة صواريخ اطلقت من جنوب لبنان على شمال اسرائيل.
وقال محللون اسرائيليون أيضا، ان حزب الله اللبناني المدعوم من ايران، قد يحاول التدخل في المعركة التي تشنها إسرائيل على حركة المقاومة الاسلامية (حماس) في قطاع غزة، وتؤيد إيران حماس أيضا.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 8 يناير 2009)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.