الحركات النسوية في العالم العربي بين مكاسب الثورات وتحدياتها
يتساءل المعنيون بالدفاع عن قضايا المرأة وحقوق الإنسان عن الانعكاسات المرتقبة للانتفاضات الاجتماعية التي تشهدها بلدان شمال إفريقيا ومنطقة الشرق الاوسط عموما عن أوضاع المرأة العربية.
وبالقدر الذي أتاحت فيه هذه التحولات فرصا أمام الحركة النسوية العربية، طرحت عليها تحديات جسيمة في الآن نفسه قد يكون لسويسرا دور في معالجة البعض منها او التخفيف من آثارها.
لتدارس هذه التطوّرات وتحديد سبل التعامل معها، نظم “مركز تعزيز السلام” بمنظمة Swisspeace مائدة مستديرة بالعاصمة السويسرية، برن، يوم الجمعة 27 مايو 2011 استمع خلالها الحضور إلى عرضين تقدمت بهما كل من نهاد أبو القمصان، رئيسة المركز المصري لحقوق المرأة، وبشرى بالحاج حميدة، الرئيسة السابقة للمنظمة التونسية للنساء الديمقراطيات، وكان من بين المشاركين موظفين من وزارة الخارجية، والوكالة السويسرية للتنمية والتعاون، وأعضاء من بعض السفارات العربية بسويسرا، ومنظمات أهلية ناشطة في مجال المساعدات الإنسانية.
وعن الهدف من هذه المائدة المستديرة تقول أنيتا موللّر ، مديرة منظمة “سويسرا من أجل السلام” swisspeace في حديث إلى swissinfo.ch: “هو توفير إطار للحوار وتبادل الرأي بين الجهات السويسرية التي لها مصالح وأنشطة في البلدان العربية للاطلاع بشكل جيّد عن التطوّرات في تلك المنطقة من خلال الاستماع إلى رؤيتيْن من تونس ومصر، وكذلك تبادل الرأي حول الكيفية التي تستطيع من خلالها الأطراف السويسرية أن تكون أشد نجاعة وأكثر فاعلية”.
مشاركة المرأة في الثورات العربية
خلال افتتاح هذه المائدة المستديرة، أشارت راهيل فيشّر إلى أن اختيار swisspeace لموضوع حقوق المرأة محورا للنقاش اليوم جاء “لأن الصور التي تناقلتها وسائل الإعلام المختلفة أبرزت المشاركة الواسعة للنساء في الثورتيْن التونسية والمصرية، وأنهن كنّ طرفا فاعلا ومؤثرا في مجريات الأحداث”.
لكن الحقائق أيضا التي واكبت بدايات عملية الإنتقال الديمقراطي، وبدلا من أن تحقق المزيد من العدل والمساواة بين الجنسيْن، أثارت لدى الأوساط النسوية على حد عبارة فيشّر: “مخاوف ومخاطر من إقصاء النساء، وتهميش حقوقهن”. وهذا ما يجعل من الاهمية بمكان الإسراع ببحث السبل التي تجعل مشاركة المرأة في العملية الديمقراطية مشاركة مستدامة، والنظر في طبيعة المساعدة التي يمكن ان تقدمها سويسرا لتعزيز حقوق النساء غداة هذه الثورات.
اما نهاد أبو القمصان، الناشطة المصرية في مجال حقوق المرأة، فقد أشارت خلال كلمتها إلى المفارقة المتمثلة في حيوية الدور الذي قامت به المرأة المصرية خلال أحداث الثورة من جهة، وتهميش قضاياها خلال عملية البناء التي أعقبت الثورة من جهة أخرى.
وتقول السيدة أبو القمصان: “قبل الثورة كانت المرأة المصرية تعاني من ضغوط النظام السياسي الاستبدادي، وخلال الثورة كنّ مجددات في نشاطهن السياسي، مما جعلهن يتعرضن إلى عنف شديد من طرف أجهزة الامن، فضلا عن ضغوط القيم الاجتماعية المحافظة التي كانت تعرقل تحررهن”.
وللتخفيف من هذيْن الصنفيْن من الضغوط، إلتجات الشابات المصريات إلى الإنترنت التي مكنت الكثير منهنّ “من أخذ المبادرة، وقيادة التحركات الاجتماعية من وراء شاشة الحاسوب، ومن الالتفاف على المعوقات الاجتماعية المترسبة في المجتمع المصري”.
وتذكّر السيد أبو القمصان بأن “النساء ملئن ميدان التحرير في أيام الإعتصامات”، مما دفع بعض المحللين الإجتماعيين كما تقول إلى “التصريح بان ميدان التحرير حرر المرأة المصرية”. لكن المشكلة تجلت بحسب رأيها في الأيام التي أعقبت رحيل حسني مبارك: “عندما نقلت صناعة القرار من الميدان إلى الغرف المغلقة، بدأ إستبعاد النساء عن مواقع إتخاذ القرار”.
وتحذّر أبو القمصان أصحاب الشأن في هذه المرحلة الانتقالية من أنهم “إذا لم ينتبهوا إلى حالة التهميش التي باتت تعاني منها المرأة بعد الثورة، فإن الإستحقاقات الإنتخابية القادمة سوف تفرز مجالس منتخبة خالية من النساء”.
من جهتها، أكّدت بشرى بالحاج حميدة، الرئيسة السابقة للمنظمة التونسية للنساء الديمقراطيات، كذلك على الدور الحيوي والنشط الذي لعبته المرأة التونسية في الاحداث التي شهدتها البلاد خلال شهري ديسمبر ويناير من هذا العام، خاصة وأن وضع المرأة التونسية على حد قولها: “يمتلك خصوصية وفرادة، إذ أقرت مجلة الاحوال الشخصية قبل صياغة أوّل دستور للبلاد، وقبل إرساء النظام الجمهوري، والمرأة التونسية هي الوحيدة من بين نظيراتها في العالم العربي التي يمكن لها أن تطلب الطلاق في أي لحظة”.
وتمثل مجلة الاحوال الشخصية بحسب هذه الناشطة التونسية “أوّل ثورة عرفتها تونس”، جعلت ” النساء اليوم يمثلن 40% من المحامين والقضاة، وأزيد من 50% من عدد الطلاب في الجامعات، ورفد حرية المرأة بترسانة من القوانين الضامنة للمساواة بين الرجال والنساء”. لكن كل هذه المكاسب، ترافقت في نفس الوقت على حد قولها: “باستبداد سياسي منع الجمعيات النسائية من الدفاع عن حقوق المرأة، ووظّف قضاياها في الحملات الإعلامية لصالح بن علي ونظامه في معركته ضد الإسلاميين”.
تحديات ما بعد الثورة
مقابل هذه المشاركة الفاعلة، اشتكت كلا الناشطتيْن التونسية والمصرية من تهميش حقوق المرأة والتضييق على مشاركتها في المعادلتيْن التونسية والمصرية لما بعد الثورة، إلى الحد الذي ذهبت فيه أبو قمصان إلى القول بأن “التحديات التي تجابه اليوم المدافعين عن حقوق المرأة أعقد مما كان عليه الحال في عهد الأنظمة المستبدة”.
وتقول في مورد تعدادها لتلك التحديات: “لقد أصبح هناك اليوم من يشكك في مشروعية حديثنا بإسم القضية النسائية، وأصبحت النساء مقتنعات بأن الأولوية اليوم لإرساء الديمقراطية، وليس لقضية المرأة ولا يعلمن أنه لا يمكن إرساء الديمقراطية في غياب مشاركة المرأة، وبتنا اليوم نخاف من تراجع السلطات الجديدة عن بعض الاتفاقيات والالتزامات بشان حقوق الإنسان، ووصل الأمر بالبعض في مصر إلى حد المطالبة بتجميد عمل المجلس القومي للمرأة لأنه كان تحت سلطة زوجة مبارك”.
أما في تونس، فالصورة التي قدمتها بشرى بالحاج حميدة عن وضع حقوق المرأة، لا تبتعد كثيرا عن الصورة التي قدمتها أبو القمصان، وتشير بالحاج حميدة على سبيل المثال إلى أنه لأوّل مرة “توضع حقوق المرأة موضع السؤال، ولا تكمن المشكلة في تيارات الإسلام السياسي بل في ردود فعل الشارع عامة”. ومن المفارقات الملفتة في هذا المستوى اعتراف الناشطة التونسية بأن “الحركة النسوية في تونس لا تستطيع اليوم المطالبة بما كانت تطالب به بأكثر جرأة في العهد السابق”.
وتخشى هذه الأخيرة: “أن تصبح قضية المرأة ثانوية جدا، وهي كذلك فعلا في أذهان أغلبية السياسيين الذين كانوا يطلبون منا انتظار الديمقراطية، واليوم انتظار تحقيق أهداف الثورة، واخشى ان تطوّر مشكلتيْ الأمن والشغل في المستقبل فكرا رجعيا يتصوّر ان مرد مشكلة البطالة تواجد النساء في فضاء الشغل، ولابد أن نعترف أن النظام السابق كان ضامنا لعدم التراجع عن حقوق النساء، ونحن نفتقد اليوم لهذا الضمان”.
وتضيف متحدثة عن استراتيجية النساء الديمقراطيات في تونس اليوم: “نسعى اليوم إلى خلق توافق حول عدم وضع مجلة الأحوال الشخصية موضع السؤال، وكان رد قيادة النهضة الرسمي أنها متمسكة بمكاسب المرأة”.
وتضيف السيدة بالحاج حميدة: “إن المعركتيْن القادمتيْن للمدافعين عن حقوق المرأة: ضمان انتخاب أكبر عدد ممكن من النساء في المجلس الوطني التأسيسي، والمطالبة بتضمين الدستور المقبل مادة تنص على المساواة بين الجنسين”.
وعلى عكس مطالب الحركة النسوية المصرية اليوم والمتمثلة في تعزيز حضور المرأة على مستوى المؤسسات العامة، ترى الناشطة التونسية أن “التحدي الذي يواجه المرأة التونسية حاليا هو ضمان مساواتها مع الرجل داخل إطار العائلة”.
المطلوب من الطرف السويسري
أشفع الضيفتان عرضهما حول أوضاع حقوق المرأة في بلديهما، بتقديم حزمة من المطالب للجهات السويسرية تتلخّص في جوهرها في التنصيص عن حقوق الإنسان عامة والمرأة خاصة في أي مساعدات أو تعاون مع البلديْن المعنييْن، بتقديم ضمانات على احترام حقوق الإنسان والمحافظة على مكاسب المرأة ضمن المعادلات السياسية والدستورية التي هي بصدد التشكل.
ولسويسرا كما ترى بشرى بالحاج حميدة: “تاريخ مشرف في المنطقة لانها لم تلعب دورا إستعماريا سلبيا كما فعلت البلدان المجاورة لها، وكانت مواقفها دائما متوازنة، لكن نحن نقول إلى كل أوروبا بأن تتعامل مع الشعوب العربية بأكثر احترام، وان تنظر إلى قضايانا من منظار حقوق الإنسان”.
كما تدعو السيدة بالحاج حميدة البلدان الغربية إلى “التخلّي عن الرؤية المشوّهة التي قدمتها لها الانظمة الفاسدة، التي لم يكن لها من غرض سوى البقاء في السلطة”.
في المقابل، كانت المطالب التي توجهت بها الضيفة المصرية إلى الجهات السويسرية أكثر دقة وتحديدا، ومن ذلك دعوة هذه الأخيرة إلى الربط بين ملفيْ استعادة اموال مبارك المنهوبة في البنوك السويسرية وضرورة ضمان احترام حقوق المرأة المصرية، وكذلك التأكيد على ضرورة تضمين أي اتفاقية أو معاهدة أو أي شكل من اشكال التعاون بين مصر وسويسرا ببنود واضحة تشترط احترام المساواة بين الجنسين، فضلا عن دعم المنظمات النسائية لتعيد بناء ذاتها.
أمام هذه المطالب المتعددة والمتنوعة، لازم الجانب السويسري موقع المستمع المتأمّل، وفي بعض الأحيان المتسائل المطالب بالمزيد من المعطيات والتوضيحات، لعل ذلك يساعده في المستقبل على وضع السياسات والخيارات التي تمكنه من تحقيق الجدوى والفعالية المطلوبتيْن، والتي كانت هدف هذا الملتقى والدافع إليه منذ البداية.
اعتادت منظمة “سويسرا من أجل السلام”، التي هي هيئة بحثية حول “النزاعات وقضايا السلام” في العالم، والتي تتعاون بشكل وثيق مع وزارة الخارجية السويسرية، وجميع المنظمات الحكومية النشطة في مجال تشجيع التنمية ونشر السلام، على تنظيم موائد مستديرة تستدعي إليها جهات حكومية وغير حكومية، وذلك من أجل الحصول على فهم أعمق وأشمل للأوضاع السائدة في هذه المنطقة أو تلك من العالم.
الهدف من هذه الموائد المستديرة، كما تقول مديرة هذه الهيئة: “التوصل من خلال الإستماع إلى أطراف محلية والنقاش وتبادل الرأي التوصل إلى فهم مشترك بين جميع الحضور للأوضاع السائدة في بلد من البلدان يحتاج إلى الدعم السويسري سواء في مجال الدعم التنموي أو الإصلاح الديمقراطي، او معالجة المصاعب والمشاكل التي مرّ بها ذاك البلد في الماضي، كانتهاكات حقوق الإنسان،..”.
بالنسبة لمنظمة “سويسرا من أجل السلام”، من المهم جدا أن تكون لديها مصادر معرفة متنوعة حول الوضع الذي تعتني به، وتعمل دائما على أن تتشكل رؤيتها للواقع من خلال مصادر متعددة ومتنوعة حتى تكون تلك الرؤية أقرب ما يكون للواقع.
تعتمد منظمة “سويسرا من أجل السلام” في نشاطها، خطة تقوم على أربعة مرتكزات: معالجة الآثار التي تتركها النزاعات الدولية او الأهلية، وتنظيم القضاء الإنتقالي، ومعالجة آثار انتهاكات حقوق الإنسان، وانجاح الإنتقال الديمقراطي والإصلاح السياسي.
وضمن هذا الإطار تسعى منظمة “سويسرا من أجل السلام” حاليا إلى توسيع دائرة نشاطها في بلدان عربية تأتي في مقدمتها مصر وتونس، وذلك للمساعدة في المجالات الأربع المذكورة سابقا، وكذلك مساعدة الأطراف السويسرية النشطة في هذه البلدان على التعرّف بشكل جيّد وأفضل على واقع هذيْن البلديْن لضمان فعالية وجدوى البرامج التي يعتزمون تنفيذها هناك.
للوصول إلى هذه المعرفة الدقيقة بالواقع يقوم مسؤولو منظمة “سويسرا من أجل السلام”، إما بزيارات ميدانية إلى البلدان المعنية للإتصال بأغلب الأطراف الفاعلة هناك، او من خلال إستدعاء ممثلي منظمات وأحزاب وهيئات مختلفة للإستماع إليهم في سويسرا بحضور الجهات السويسرية المعنية. في هذا السياق جاءت الأسبوع الماضي زيارة كل من نهاد أبو القمصان، رئيسة الإتحاد النسائي المصري، وبشرى بالحاج حميدة، الرئيسة السابقة للمنظمة التونسية للنساء الديمقراطيات إلى برن.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.