الحكومة الأردنية الجديدة.. الحسْـم في “الربع الساعة الأولى”!
منذ أسابيع، والمسيرات والاعتصامات تجُـوب المدن والمحافظات الأردنية، تطالب بإصلاحات سياسية واقتصادية جِـذرية، تبدأ برحيل حكومة سمير الرفاعي وحلّ البرلمان وتشكيل حكومة إنقاذ وطني.
عزّزت ثورَتَـا مصر وتونس من زَخم تلك المسيرات ودفعت بها إلى سقوفٍ أعلى من المطالب السياسية، بالدّعوة إلى إعادة النظر في تشكيل الحكومات وببرنامج إصلاح، يشمَـل تعديلات دستورية، بالتوازي مع ذلك، كانت المسيرات تهتِـف دعماً لشعبَـيْ تونس ومصر.
على وقع المسيرات وازدياد الضغوط الشعبية لإقالة حكومة الرفاعي وتحميلها وِزْر أزمات سياسية ورُوح عرفية في التعامل مع المعارضة والحريات العامة، أجرى العاهل الأردني حِـوارات موسّـعة ومكثّـفة مع الشخصيات السياسية والمُـخضرمين من المقرّبين للدِّيوان والمعارضة على السَّـواء، وكانت أغلب النصائح التي قُـدِّمت له، وِفقاً لمعلومات مؤكّـدة، تتمثّل بإقالة حكومة الرفاعي والبدْء بإطلاق برنامج إصلاح سياسي شامل وحقيقي، يستجيب للمشهد الشعبي العربي الجديد الذي وُلِـد مع تونس ومصر.
الاستجابة الأردنية لـ “دومينو التغيير” العربي، جاءت من خلال قرارات شعبية اقتصادية وحوارات سياسية، ومِـن ثَـمّ تغيير الحكومة وتكليف رئيس آخر الدكتور معروف البخيت بتشكيل الحكومة الجديدة، لكن هذه المرّة بكتاب تكليف مَـلكي غيْـر مسبوق في لُـغته، التي يؤكّـد فيها على المطالبة بـ “خطوات ملموسة وعملية” لإطلاق مسيرة إصلاح سياسي “حقيقي” ومطالبته بتغيير حِـزمة القوانين الناظمة للعمل السياسي، لتعزيز الحريات العامة وتغيير قانون الانتخاب، بما يكفل وجود مؤسسة برلمان قوية وفاعلة تقوم بأدوارها الدستورية، وفتح حوار وطني شامل وموسّع.
اللغة الجديدة، وإن كانت حاسِـمة، إلاّ أنّ الحكومات الأردنية المُـتعاقِـبة تُـعاني أزمة “غِـياب المصداقية” في المُـضي قُـدُماً بمشروع الإصلاح السياسي الحقيقي، بقدر ما شهِـدت هذه المسيرة مدّاً وجزْراً ودَوَرَاناً في الحَـلَـقة المُـفْـرَغة خلال السنوات الطويلة الماضية، فيما شهِـدت فترة رئيس الوزراء الأخير سمير الرفاعي، أزمات سياسية خانِـقة وبُـروز قِـوى المعارضة الصَّـلبة الجديدة، التي كان لها الدَّور الأكبر في تنظيم حِـراك الشارع الأردني، وشملت شرائح اجتماعية لم تكن – تقليدياً – على تماس مباشر مع الحِـراك السياسي الداخلي، كما هو الحال لعمال “المياومة” في القطاع العام والمتقاعدين العسكريين والمعلمين.
الرئيس الجديد.. ظِـلال تجربة ثقيلة
بالتَّـوازي مع التحدِّيات الإقليمية والداخلية الصّـعبة والمُـلِـحّة، يواجه معروف البخيت، رئيس الوزراء الجديد، ظلال تجربته الأولى الغيْـر الناجحة على الإطلاق في موقِـع رئاسة الوزراء، عندما جاء على إثر تفجيرات عمان 2005، وقد جرت في عهده أسوأ انتخابات نيابية وبلدية يشهدها الأردن على الإطلاق في عام 2007 وواجه الإسلاميون عاصفة رسمية ضدّهم، من مصادرة جمعية المركز الإسلامي واعتقال أربعة نواب لهم، بعد مشاركتهم بعزاء الزرقاوي.
ومن ثم، لاحقت البخيت بعد خروجه من الرئاسة، فضيحة موافقة حكومته على إقامة كازينو في منطقة البحر الميِّـت، وهي موافقة لقِـيت سُـخطاً شعبياً، فضلاً أنّ المشروع فيه رائحة فساد لمتنفذين، إلاّ أنّ أحداً لم يتَّـهم البخيت شخصياً بالفساد. فهو معروف بنظافة اليَـد، لكن كان المؤاخذ عليه، تمرير قرارات ومشاريع وسياسات تحت ضغط مؤسسات الظل المختلفة، من دون إبداء المقاومة الكافية له وحماية “ولايته العامة” كرئيس للحكومة.
بالرغم من تلك التجربة المريرة، فإنّ هنالك توافُـقاً، حتى بين خصوم الرجل، أنّه “ضحية” لتلك التجربة بقدْر أكبر ممّـا كان مسؤولاً عمَـلياً عنها، باستثناء تحمُّـله مسؤوليته السياسية والأدبية، لاعتبار موقعه رئيساً للوزراء خلالها.
لماذا معروف البخيت؟
يُـشير مُـقرَّبون من “مطبخ القرار”، أنّ اختيار معروف البخيت جاء استجابة لأغلب النصائح والمؤشرات التي قُـدِّمت للملك خلال حواراته مع النُّـخب السياسية مؤخّـراً، وأنه كان خِـياراً من ضمن خيارات أخرى، وقد رُجِّـحت كفَّـته لاعتبارات متعدِّدة، سياسياً واقتصادياً.
البخيت، هو لواء متقاعد من الجيش الأردني، حاصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية ودرّس في جامعة مؤتة. تنوّعت خِـبراته العسكرية والأمنية وشهاداته في هذا المجال، قبل أن ينتقل إلى الحقل الدبلوماسي سفيراً للأردن في إسرائيل وتركيا، ومن ثَـمَّ يعود ليكون مُـقرِّراً لمجس الأمن الوطني في الديوان الملكي، قبل أن يُـصبح رئيساً للوزراء في عام 2005، ومن ثَـمَّ عُـضواً في مجلس الأعيان، ويعود حالياً مرة أخرى رئيساً للوزراء.
البخيت، على الصعيد الاقتصادي، يؤمن بالطريق الثالث، وهو يرفض النَّـهج الليبرالي المتطرِّف وأقرب إلى الليبرالية الاجتماعية، لكن هذه الرُّؤية العامة لم تُـتَـرجم إلى الآن من خلال برنامج عمَـل واضح، وهذا بالتأكيد لا يستطيع فرض تحديده، فهو بحاجة إلى فريق اقتصادي متخصِّص.
وسياسياً، فهو محسوب على “المدرسة المحافظة” تقليدياً، لكن المقرَّبين من الرجل يلاحظون أنه استطاع تطوير مُـقاربات نقدية جدّية في السياسات العامة في البلاد خلال العامين الماضيين، وصاغ تصوّرات في هذا السياق، برزت من خلال محاضراته وحواراته الإعلامية، فضلاً أنه اكتسب خِـبرة سياسية جيدة بلقاءاته مع النُّـخب السياسية الفاعِـلة خلال المرحلة السابقة.
البخيت، عنوان مقبول لأوساط من المعارضة الوطنية، وتحديداً ذات الخَـلفية الاجتماعية الشرق أردنية، نظراً لمواقِـفه الصلبة المُـعلنة من أيّ حلول سياسية للقضية الفلسطينية على حساب الأردن، وهو ما يُـطمئِـن شريحة واسعة. وهو مقبول من حركة المتقاعدين العسكريين، التي نشطت خلال السنوات الأخيرة في المعارضة السياسية.
عرض رؤيته للإصلاح السياسي في محاضرات له مؤخّـراً، قبل إعادة تكليفه برئاسة الوزراء، وتضمَّـنت تصوّراً لتطوير الحياة السياسية والثقافية في الأردن، وصولاً إلى ديمقراطية حقيقية وتعدُّدية سياسية وتداوُل السلطة، لكن المأخذ الحقيقي على هذه المقاربة، أنها تمتد إلى 20 عاماً، وهو ما دفع بالمعلِّـقين والمراقبين السياسيين للمسارعة بعد تشكيله، إلى مطالبته بإعادة النظر في الفترة المحدّدة، لتُـصبح أقل من ذلك بكثير، بما لا يتجاوز أعواماً معدودة على إيقاع التغيرات الواضحة في المنطقة العربية.
المشكلة الرئيسية تبدو للبخيت مع جماعة الإخوان المسلمين، الذين يشعُـرون بالمرارة وخيْـبة الأمل من فترته السابقة، بعد أن أجريت أسوأ انتخابات بلدية ونيابية ضدّهم وصودرت منهم جمعية المركز الإسلامي واعتُـقِـل أربعة من النواب الإخوان حينها، ممّـن شاركوا في عزاء لأبو مصعب الزرقاوي (زعيم القاعدة في العراق، الذي قُـتل في منتصف عام 2006)، الذي أقيم في الأردن.
وقد سارعت جبهة العمل الإسلامي وقِـوى متحالفة معها، إلى إصدار بيانات تُـطالبه بالاعتذار عن تشكيل الحكومة، فيما تُـفيد مصادر مَـوْثوقة داخل الجماعة، إلى أنّ القرار المركزي ذهب باتِّـجاه منحه فرصة محدودة ووقتاً قصيراً لتقديم رسائل واضحة حول موقفه من المطالب الإصلاحية.
هل نوايا الإصلاح “حقيقية”؟
ما سيُـحدّد أكثر مستوى الأجَـندة الإصلاحية ومِـصداقيتها لدى حُـكم الربع الساعة الأولى من عمرها وليس الأخيرة، إذ أنّ الوقت يعمل ضدّها وليس معها.
إذا جاء الرجل بتشكيلة من الوجوه الإصلاحية وفتح حوارات موسّـعة وبعث برسائل واضحة وصارِمة باتِّـجاه الإصلاح السياسي ومكافحة الفساد والعدالة والكرامة الوطنية والحريات العامة، فإنه يكون قد كسب الجولة الأولى بامتياز. وإذا كان العكس، سيفقد التماس مع الشارع منذ الأيام الأولى وسيُـصبح عِـبءً على شرعية النظام، كما حصل مع الحكومة السابقة.
إلى الآن، ما يصدر عن البخيت يُـشير إلى أنّه يتعامل بجدّية مع هذا التحدّي ويؤكِّـد أنه ينوي تشكيل حكومة توافُـقية وبدأ مشاوراته مع البرلمان وأحزاب المعارضة وسيُـحاور في الأيام المقبلة النقابات والقوى السياسية المختلفة.
ولعل جود شخصية إصلاحية شعبية، مثل طاهر المصري، رئيس مجلس الأعيان إلى جوار البخيت في هذه اللحظة الإنتقالية، يمنحه دفعاً أكبر، وربما يساعد في استكشاف بَـوْصلة المسار الصحيح في طريق وعْـر وصعْـب.
عقد رئيس الوزراء الأردني المكلف معروف البخيت مساء الأربعاء 2 فبراير 2011 لقاء مع قيادات في حزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسية للإخوان المسلمين في الأردن، وصفه الجانبان بـ “الإيجابي”، فيما أبقى الحزب على خُـططه للاحتجاج يوم الجمعة.
والتقى البخيت على مدى أكثر من ساعة، أمين عام الحزب حمزة منصور ونائبه نمر العساف وزكي بني ارشيد، عضو المكتب التنفيذي ورئيس الدائرة السياسية للحزب، الذي انتقد يوم الثلاثاء 1 فبراير، تكليف البخيت بتشكيل حكومة. وقال عضو في الوفد، الذي التقى البخيت، إن “اللقاء كان إيجابيا وصريحا، ونأمل أن يطبّـق ما تم مناقشته وننتظر الأفعال”.
ولدى سؤاله عن النشاطات الاحتجاجية التي دعا الحزب إليها عقب صلاة يوم الجمعة 4 فبراير، قال المصدر “سنستمِـر في تحرّكاتنا حتى يتحقّق الإصلاح السياسي”. من جانبه، وصف مصدر مقرّب من رئيس الوزراء المكلف اللقاء بأنه كان “إيجابيا”.
وقال المصدر إن “اللقاء كان إيجابيا وقد تعهَّـد رئيس الوزراء بإعطاء الأولوية في الحوار لتعديل قانون الانتخاب من أجل الوصول إلى قانون انتخاب نموذجي”.
وقد بدأ البخيت الأربعاء 3 فبراير، حوارا حول “النهج والسياسة العامة” لحكومته مع ممثلي مجلسيْ الأعيان والنواب والقيادات الحزبية.
وقال المصدر “ليس من المُـستبعد أن تضم الحكومة الجديدة، التي يتوقع أن تعلن تشكيلتها السبت أو الأحد، أشخاصا مقرّبين من الإسلاميين واليساريين”.
والتقى البخيت الأربعاء رئيس مجلس الأعيان طاهر المصري ورئيس مجلس النواب فيصل الفايز ورؤساء اللجان والكُـتل في مجلسيْ النواب والأعيان، للتحاور حول الإصلاحات السياسية.
وأكد مصدر نيابي لوكالة فرانس بريس أن البخيت “أعاد التأكيد أنه ينوي فتح جميع ملفات شبهات الفساد، بما فيها تلك المتعلِّـقة بفترة رئاسته الحكومة بين 2005 و2007”.
وكانت الحركة الإسلامية انتقدت تعيين البخيت رئيسا للوزراء خلفا للرفاعي، معتبِـرة أنه “ليس رجل إصلاح”.
واتهمته الحركة بأنه “قاد أسوأ انتخابات نيابية في تاريخ الأردن” في إشارة إلى الانتخابات البلدية والتشريعية عام 2007، داعية إياه إلى “الاعتذار عن تشكيل الحكومة وإفساح المجال لشخصية وطنية مقبولة تقود البلاد إلى الإصلاح المنشود”.
وكان البخيت، وهو عسكري سابق من مواليد ،1947 ترأس الحكومة الأردنية بين 24 نوفمبر 2005 و22 نوفمبر 2007.
(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ.ف.ب بتاريخ 3 فبراير 2011)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.