الحوار الوطني يقترب من نهايته.. وصراعٌ مذهبي يلُوح في الأفق
بعد فشل اللجنة الرئاسية مؤخرا في تهدئة الأوضاع بين السلفيين والحوثيين في منطقة "دماج" القريبة من محافظة صعدة، تلوح نُـذُر تجدد القتال بين الجانبين بارتفاع حدة الدعوات الجهادية الدينية بين طرفي المعادلة المذهبية بنسختيهما "السلفية - الحوثية" ما يضع اليمن مُجددًا أمام تحديات متجددة قد تفوّت عليه فرص التسوية السياسية المُرتقبة من مؤتمر الحوار الوطني الذي شارف على نهايته.
في هذا السياق المتوتر جاء احتفال الحوثيين بيوم الغدير (الذي يعُدّه الشيعة يوم الوصيّة للإمام علي بالولاية) ليرفع حدة التوعد والتلاسن بين أنصار الفريقين، حيث حفلت الصحف ووسائل الإعلام التابعة أو المناصرة لهما في الأيام الاخيرة بدعوات تحريضية للأتباع والمريدين، لاسيما بعد خطاب قائد الحوثيين السيد عبد الملك الحوثي الذي ذكر فيه أن أنصاره تعرضوا خلال الإحتفال بهذه المناسبة إلى “ما يقارب أحد عشر اعتداءً قامت القوى الهمجية بتنفيذها في كثير من المناطق اليمنية”، كما وصف من يتصدى لهذه الإحتفالات ويحاول منعها بـ “القوى الهمجية الباغية الظالمة والتي للبعض منها ارتباط بأجندة تخدم الخارج”، على حد زعمه.
وخلص الحوثي في خطابه إلى أنه “لا مخرج للأمة إلا بمبدإ الولاية، ولاية الله سبحانه وتعالى، والتي من امتداداتها ولاية رسوله، ومن امتدادات ولاية رسوله ولاية الإمام علي عليه السلام”.. وقد خلّفت إشارته لهذا المبدأ ردود فعل غاضبة، لاسيما لدى السلفية الذي سبق لأحد مشائخها (الشيخ عبدالمجيد الزنداني) أن دعا إلى منح آل البيت ما أسماه بالخُمُس في بادرة عُـدّت محاولة لتلطيف العلاقة المتوترة بين السلفيين والحوثيين، والتي قد تشهد مزيداً من التدهور بعد التطورات الأخيرة واحتدام الصراع على مواقع السلطة، خاصة مع اقتراب الحوار الوطني من نهاياته.
انهار وقف اطلاق النار بين المتمردين الحوثيين الشيعة والسلفيين في منطقة دماج بشمال اليمن بعد ساعات من إعلانه ودخول الصليب الاحمر لاجلاء الجرحى من منطقة النزاع، بحسبما افادت مصادر من الطرفين يوم الثلاثاء 5 نوفمبر 2013.
وكان مبعوث الامم المتحدة الخاص لليمن جمال بن عمر اعلن الاثنين التوصل الى وقف لاطلاق النار بين الطرفين بعد ايام من القتال المستعر، فيما اكد الصليب الاحمر اجلاء 23 جريحا هم الذين اصاباتهم الاكثر خطورة بين الجرحى.
وقال علي البخيتي المتحدث باسم الحوثيين في مؤتمر الحوار الوطني لوكالة فرانس برس ان “وقف اطلاق النار سرعان ما انهار بعد ساعات فقط”.
وبحسب البخيتي، فان السبب “هو ان الشيخ يحيى الحجوري (الذي يدير المجمع التعليمي السلفي في دماج) لم يستطع السيطرة على المسلحين الاجانب المتمركزين في محيط دماج”.
والمركز التعليمي السلفي الواقع في ضواحي مدينة صعدة، معقل الحوثيين الشيعة، هو في صلب نزاع مستمر منذ عدة سنوات بين المتمردين الشيعة والسلفيين السنة.
وقد احتدم القتال الاسبوع الماضي بين الطرفين فيما اكد السلفيون ان قصف الحوثيين اسفر عن مقتل العشرات منهم، الامر الذي لم يتسن تأكيده من مصادر محايدة.
وشدد البخيتي على ان “المواجهات هي بين انصار الله (وهو الاسم الرسمي للحوثيين) والمقاتلين الاجانب في دماج، وهم بالمئات”.
ويقول الحوثيون ان مركز دماج يضم مئات المسلحين الاسلاميين الاجانب “التكفيريين”.
وقال البخيتي ان “المعركة الحقيقية ليست مع السلفيين بل مع ال الاحمر الذين يستخدمون السلفيين، ومع النظام السابق”.
وآل الاحمر يتزعمون قبائل حاشد، فيما يعد رجل الاعمال حميد الاحمر من اهم قادة التجمع اليمني للاصلاح الذي يمثل تيار الاخوان المسلمين ويضم جناحا سلفيا في نفس الوقت.
من جهته، قال المتحدث باسم السلفيين في دماج سرور الوادعي لوكالة فرانس برس ان “الهدنة انهارت بعد ساعتين فقط بسبب تعنت الحوثيين”.
وذكر الوادعي ان المسلحين الحوثيين “لم يسمحوا بهدنة حتى اثناء دخول فريق الصليب الاحمر حين قتل احد طلاب المركز”.
وبحسب المتحدث السلفي، فان مركز دماج ما زال يتعرض للقصف بشتى انواع الاسلحة من قبل الحوثيين الذين يحاصرون المنطقة، مشيرا الى ان الصليب الاحمر اجلى 23 جريحا من اصل مئتين في المكان.
كما ذكر ان بين قتلى المركز “عدد من الاجانب بينهم فرنسي وكندي وروسي واسيويون”.
وصعدة هي معقل التمرد الحوثي الشيعي الذي خاض ست حروب مع الحكومة اليمنية منذ 2004 ويشارك حاليا في العملية السياسية الانتقالية. وشهدت منطقة دماج مواجهات متقطعة بين السلفيين والحوثيين منذ 2011.
وكانت هذه المواجهات اشتدت خلال الاحتجاجات التي شهدها اليمن في 2011 ضد الرئيس السابق علي عبدالله صالح. واحتدمت التوترات مجددا في الاونة الاخيرة في المنطقة بموازاة عدم التوصل الى توافق نهائي في الحوار الوطني اليمني، وبموازاة احتدام التوتر الطائفي في المنطقة عموما.
(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب بتاريخ 5 نوفمبر 2013)
داخلي وإقليمي
في معرض تعليقه على هذه التطورات، أشار الباحث السياسي سليم الجلال لـ swissinfo.ch إلى أن الصراع في اليمن هو “صراع سياسي على السلطة وإن تدثّـر بالأيدولوجيا وتمسّح بالطائفية المذهبية”، واستشهد الجلال ببعض المعطيات “أولها أن اليمن – تاريخيا – لم يشهد صراعا مذهبيا بين الشافعية والزيدية، والمعتنقون لهذين المذهبين ليسا محط صراع البتة لأنهما (أي المذهبين) أقرب لبعضهما حسب لغة الفقهاء (وقد استنتجت باربرا بودين، السفيرة الأمريكية في اليمن سابقا أنهما أقرب الى السلف الصالح الأوائل) كما أن التسامح هو الغالب على علاقتهما. ثانياً: عند تدقيق النظر في الإدعاءات بوجود هويات وجماعات مختلفة، لا أرى فوارق تذكر بل هي أقرب للأسطورة والوهم والخرافة ليس من جانب العادات والتقاليد فحسب، بل وحتى الممارسات على الصعيد الشخصي والثقافة السياسية وصولا للمشتركات في الرموز والطقوس حد التطابق والتماهي وإلى درجة يصعُب معها الفصل بين المذهبين”.
ومع أن هذه الصورة للتعايش النموذجي للتركيبة المذهبية في اليمن (الشافعية والزيدية) تبدو حقيقة تفرض نفسها على جميع المراقبين والباحثين اليمنيين والأجانب على حد سواء، إلا أن آخرين يذهبون – في ضوء التوترات الحاصلة – إلى القول بأن هذه الصورة المثالية قد لا تصمد أمام ما تشهده المنطقة من صراعات واستقطابات مذهبية، وأمام طبيعة الممارسة السياسية الحالية في اليمن وما يُحيط بها من انتظارية، أو ما قد يطرأ عليها من متغيرات وتبدلات في التوازنات كنتيجة طبيعية للحوار الوطني حول قضايا سياسية جوهرية.
على المستوى الإقليمي، لم تبقى الساحة اليمنية بمنأى عن الصراع السّنّي – الشيعي في المنطقة. فعلى مدى العامين الأخيرين، دفعت الأقطاب الإقليمية المتنافسة في الظاهر مذهبياً (السعودية، إيران، تركيا، قطر) بكل ثقلها إلى الساحة الداخلية، وتجلّى ذلك في الأدوار التي لعبتها كرعاة وداعمين لانتقال السلطة أو كحلفاء لقوى سياسية وعشائرية وقبلية محلية. وما من شك في أن هذا التنافس قد يزيد من حدة الصراع المذهبي في البلاد.
على المستوى الداخلي، يتميز الظرف الحالي بالترتيبات الجارية من أجل تقاسم النفوذ السياسي بين الفاعلين السياسيين بما فيها القوى التقليدية الدينية والقبلية المتنافسة على السلطة والثروة في بلد ظلت فيه الإعتبارات الجهوية والمذهبية والعشائرية والقبلية المحدّد الحاسم في توزيع عائدات السلطة ومنافعها الإقتصادية، حيث لا توجد في اليمن حدود فاصلة بين النشاط السياسي (بما هو وسيلة تعاقدية بين الحاكم والمحكوم لإدارة الشأن العام ووسيلة لضمان التعايش والإستقرار السياسي والإجتماعي)، والنشاط الإقتصادي (بما هو حقل نشاط منفصل عن المجال السياسي).
قوى تقليدية منظمة.. وأخرى سياسية مهمشة
هذا الواقع القائم يزيد من سُخونة طموحات كل الأطراف لجني أكبر قدر من ثمار ومنافع هكذا سياسة، خاصة في المرحلة الإنتقالية الحالية التي يُنتظر أن تتمخض عنها جملة من التغييرات المترتبة على نقل السلطة وبروز توازنات سياسية جغرافية واجتماعية واقتصادية جديدة قد تقترن باحتدام الخلافات وارتفاع الرهانات على المواقع وعلى الأدوار المحتملة لكل القوى والجماعات.
لهذا السبب، يرى البعض أن ما يدور حاليا من تهيئة لصراع مذهبي “ليس ببعيد عن تلك الظروف والمعطيات الإقليمية والوطنية”، وهو ما يؤيّده الجلال حيث يرى أنه “لا شك، هناك من يدفع بالتنافس السياسي نحو المنحى الطائفي المذهبي، وهذه الأطراف نستطيع القول بأنها مراكز القوى والنفوذ المتسلطة والفاسدة ليس لكونهم يمتلكون الوسائل القادرة على الدفع والتوظيف فحسب، بل وللأسباب الآتية: إعادة ترميم لتلك النخب التقليدية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، لاسيما بعد التصدعات التي أحدثتها داخلها الإنتفاضة الشعبية مطلع عام 2011 والتي تمخضت عن حالة ثورية يمكن البناء عليها وتغيير المعادلة باتجاه الإنفراج، خصوصا وأن ذلك قد يُلحق بتلك النخب التقليدية فقدانها لبعض الإمتيازات، لذلك فقد تكون وراء ذلك وإذكائه على هذا الأساس”، على حد قوله.
الأمر الآخر كما يضيف الجلال هو أن “الثورة التي أخرجت رأس السلطة، بعد تدخلات إقليمية ودولية أبقت على أساسيات وجوهر النظام، ولذلك فإعادة نمذجته والإبقاء عليه هو أحد الأهداف من وراء تسييس الصراع وإدخال المفخخات الطائفية والمذهبية فيه، ناهيك عن أن ذلك قد يكون طريقا أسهل لتصفية الثورة وترميم التصدعات والشروخ المستحدثة بتلك القوى وصفوفها، خاصة والوقائع تدلل على ذلك. وما تقارب الخطابين من قبل الزنداني وعبد الملك الحوثي وتناغمهما، إلا أحد مؤشراته وما جاء فيهما من مضامين ودلالات الزمان والمكان”.
في الأثناء، يرى الباحث اليمني أنه “من الأهم التركيز على أن هذا الإنقسام – تجاوزا – بفعل الطائفية في حال افتراضنا لذلك يكاد يكون منعدما داخل النخبة الحاكمة تقليديا وتحالفاتها المتجاوزة للطائفية ذاتها، وحتى الأطراف الممسكة بالسلطة اليوم. أما ظهور نوع من هذا الصراع، فليس إلا بوصفه على المكانة والإستحواذ ومدّ أذرع النفوذ وترسيخه وليس العكس”.
إجمالا، يبدو المشهد الراهن في اليمن مُحتكراً من قبل القوى التقليدية القبلية والعشائرية والدينية في حين لا زالت القوى المنظمة تلعب في الهامش السياسي، وهو ما يزيد من مخاوف السقوط في براثن صراع مذهبي يُحرّف مسار التسوية السياسية المنتظرة من مؤتمر الحوار الوطني، خصوصا في ظل اقترانه بغفلة القوى السياسية الحداثية الواقعة على ما يبدو تحت هاجس ترتيب أوضاعها في المرحلة الإنتقالية. إذ أن ما يحكمها اليوم يتلخّص في الحشد والتعبئة واسترضاء القوى الدينية والإجتماعية من أجل استحقاقات الوضع الجديد.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.