الحياد السويسري بعد 100 عام على معاهدتي لاهاي
اعتبر رئيس إدارة القانون الدولي بوزارة الخارجية السويسرية بول زيغر أن "على الحياد أن يساير متطلبات السياسة الخارجية وليس العكس" في المرحلة الحالية.
وفي مناسبة مرور 100 عام على معاهدتي لاهاي المحددتين لمعايير الحياد، تطرق الخبير القانوني إلى المراحل التي مر بها الحياد السويسري وما آل إليه اليوم على ضوء التغيرات الجغرافية السياسية التي شهدها العالم.
بمناسبة الاحتفال بمرور 100 عام على معاهدة لاهاي التي حددت مفهوم الحق في الحياد على مستوى القانون الدولي، عقد بول زيغر، رئيس إدارة القانون الدولي بوزارة الخارجية السويسرية ندوة صحفية يوم 18 أكتوبر 2007 في جنيف استعرض فيها المراحل التي مر بها نظام الحياد في سويسرا وتطرق إلى التغيرات التي أدخلت عليه في الآونة الأخيرة وتوقعاته بخصوص التطورات لهذا الحياد في المستقبل على ضوء التغيرات التي تعرفها السياسة الخارجية السويسرية.
مفهوم الحياد
يرى السيد زيغر أن الحياد مفهوم يصعب فهمه حتى داخل سويسرا. وهو عبارة عن مفهوم قانوني يحدد الإطار القانوني لدولة اختارت أن تتخلى بصورة دائمة أو مؤقتة، عن المشاركة في صراع مسلح بين دولتين.
ويوضح السيد زيغر أن هناك نوعان من الحياد، الحياد المؤقت المطبق على صراع محدد، تعود بعده الدولة المعنية الى إطار غير محايد. وهناك الحياد الدائم الذي اختارته سويسرا وهو الحياد الذي يتم تطبيقه حتى في زمن السلم.
ويرتكز الحياد قانونيا على معاهدتي لاهاي لعام 1907 ويعني عدم مشاركة الدولة المحايدة في صراع مسلح أو عدم دعم هذا الصراع عسكريا. وهذا يعني في مفهوم السيد زيغر “إعلانا من جانب واحد من قبل الدولة المحايدة بعدم استعمال القوة العسكرية في العلاقات الدولية”.
كما أن الحياد الدائم الذي تعتمده سويسرا يفرض أيضا الالتزام بذلك في حالات الحرب وهو ما يحظر على الدولة المحايدة الانضمام إلى أحلاف عسكرية متعددة الأطراف (مثل حلف شمال الأطلسي أو غيره)، أو السماح لقوات اجنبية بالتمركز فوق ترابها أو إقامة قواعد عسكرية لها عليه.
وفي المقابل، يتطلب مبدأ الحياد الدائم ان تحترم الدول الأخرى السيادة الترابية للبلد المحايد. وهو ما يرى فيه السيد زيغر “عبارة عن ضمان أمني بالنسبة لسويسرا يسمح لها باستمرار في الحفاظ على علاقاتها الاقتصادية والسياسية حتى مع دول مشتركة في الحرب”.
وأشار السيد زيغر الى أن معاهدتي لاهاي تسمحان أيضا باستمرار المؤسسات الخاصة (وليس الحكومية) التابعة للدولة المحايدة في بيع الأسلحة إلى دول مشاركة في الحرب. ويوضح أنه “في حال إقدام الدولة المحايدة على فرض تحديد على بيع الأسلحة لمنطقة صراع، فعليها أن تفرض ذلك الحظر بشكل متساو على كل الجهات المشاركة في ذلك الصراع”.
لكن الحياد “لا يعني الصمت عما يجري في العالم باللغات الوطنية الأربعة” حسب تعبير السيد زيغر الذي يضيف بأن “سويسرا لم تطبق في يوم من الأيام حياد الضمير، أو التخلي عن القيم التي نتشبث بها مثل الدفاع عن حقوق الإنسان وتطبيق القانون الانساني الدولي ودولة القانون”، ويرى أنه لا وجود لتعارض بين الحياد والدفاع عن تلك المبادئ.
“مجرد وسيلة في خدمة السياسة الخارجية”
بالعودة إلى كتب التاريخ، ترتبط نقطة البداية للحياد السويسري بهزيمة “تحالف الكانتونات” السويسرية في معركة مارينيان عام 1515، لكن السيد زيغر يرى أن جذور الحياد السويسري تعود الى القرن السابع عشر وبالأخص إلى معركة ويستفاليا التي وضعت حدا لحرب الثلاثين عاما والتي تم فيها الاعتراف من قبل القوى العظمى آنذاك بالحياد السويسري الذي لم يُعترف به رسميا إلا في عام 1815 من قبل مؤتمري فيينا وباريس.
ويرى السيد بول زيغر أن البعض يعطي للحياد مفهوما أكثر مما يستحق، ويذهب إلى أنه بحيث أنه “مجرد وسيلة في خدمة السياسة الخارجية” وليس العكس، ويستشهد رئيس دائرة القانون الدولي بوزارة الخارجية على ذلك مذكرا بأن الحكومة التي سبقت مرحلة بناء الدولة السويسرية الحديثة في عام 1848 حددت بانه “بالإمكان التخلي عن الحياد إذا اتضح بأن هذا الحياد لم يعد يخدم أمننا واستقرارنا واستقلالنا”.
ويفرق السيد بول زيغر ما بين “قانون الحياد” و “سياسة الحياد”، إذ يعتبر أن قانون الحياد هو “بمثابة النواة الصلبة التي تحدد الالتزامات التي على الدولة المحايدة احترامها، بينما يرى أن سياسة الحياد هي كل الخطوات التي تتخذها الدولة المحايدة طواعية لتعزيز مصداقيتها كبلد محايد”. وأهمية ذلك تتجلى في مدى المصداقية التي تكتسبها الدولة المحايدة في نظر القوى الأخرى في حالة نشوب صراع مسلح.
ويرى رئيس إدارة القانون الدولي بوزارة الخارجية أن “سياسة الحياد عرفت تطورا يمكن حصره في أربعة مراحل مهمة:
– مرحلة حياد تام حتى العام 1920: طبقت فيها سويسرا الحياد بصرامة وبصورة شاملة
-مرحلة حياد متفاوت مابين الحربين العالميتين: كانت فيها سويسرا عضوا في عُصبة الأمم وشاركت في عقوبات فرضتها عصبة الأمم.
– عودة لحياد تام أثناء الحرب الباردة وحتى نهايتها.
-الوضع الحالي: يتمثل حسب السيد زيغر في “وضع جيو سياسي مغاير دفع سويسرا إلى استكمال الحياد بمفهوم “الأمن عبر التعاون”.
وهي الرؤية التي اعتمدتها الحكومة الفدرالية في تقرير 1993 الذي حدد مفهوم الحياد على ضوء التغيرات التي يشهدها العالم بعد نهاية الحرب الباردة، كما تم تأكيدها في تقرير الحكومة الفدرالية الصادر عام 2000 حول الأمن.
أبعاد ربط تطبيق الحياد بقرارات مجلس الأمن الدولي
من التطبيقات الأولية لسياسة الحياد التي انتهجتها سويسرا بعد نهاية الحرب الباردة، مشاركتها في العقوبات التي فرضها مجلس الأمن الدولي ضد العراق في الحرب التي أدت إلى تحرير الكويت.
وفي هذا الصدد، يرى السيد بول زيغر أن سويسرا “رغم أنها لم تكن عضوا في منظمة الأمم المتحدة، وأمام هذا الإجماع للمجموعة الدولية على إدانة غزو بلد كبير لبلد صغير، لم يكن بإمكانها البقاء في معزل عن رغبة المجموعة الدولية واتخاذ موقف من الانتهاك الذي ارتكبه العراق”، وهو تطور مثل برأي الخبير القانوني “بداية لفتح المجال أمام مشاركة سويسرا في عقوبات في صراعات أخرى مثل رواندا ويوغسلافيا والبوسنة وغيرها”.
وفي معرض تعليله لذلك، قال السيد زيغر “إن مجلس الأمن الدولي الذي تلقى تفويضا من المجموعة الدولية ويقوم بدور الحكم أو الشرطي العالمي ليس بمثابة شريك في الصراع بحيث يجب البقاء محايدا بالنسبة لقراراته وتصرفاته”، ولم يتردد في تشبيه المسألة بعلاقة المواطن بالشرطي الذي يتوجب عليه دعمه في أداء مهامه.
ولكن السيد زيغر حرص في هذا السياق على التذكير بأن سويسرا طبقت الحياد في الحرب الأخيرة التي شنتها الولايات المتحدة وحلفاؤها ضد العراق معتبرة أن “دول التحالف خاضت الحرب بدون تفويض من مجلس الأمن”.
وقد دعمت الحكومة الفدرالية هذه النظرة في تقريرها الأخير الصادر في صيف عام 2007 والذي دعت فيه إلى “حل مشاكل العالم بالاعتماد على قوة القانون وليس على قانون القوة”، كما شددت في نفس التقرير على “الرغبة في توظيف الحياد السويسري من أجل إقامة عالم أكثر عدالة”.
أظهر استفتاء نظمه مركز السياسة الأمنية بالمعهد التقني الفدرالي العالي بزيورخ حول نظرة السويسريين للحياد أن:
61% يرون أن الحياد عامل أمن بالنسبة لسويسرا.
80 % يرون أن الحياد عامل محدد للهوية السويسرية.
18% فقط عبروا عن الرغبة في التخلي عن الحياد في حال فقدان صلاحيته.
– مرحلة حياد تام حتى العام 1920: طبقت فيها سويسرا الحياد بصرامة وبصورة شاملة
-مرحلة حياد متفاوت مابين الحربين العالميتين: كانت فيها سويسرا عضوا في عصبة الأمم وشاركت في عقوبات فرضتها عصبة الأمم.
-عودة لحياد تام أثناء الحرب الباردة وحتى نهايتها.
-الوضع الحالي: يتمثل حسب السيد زيغر في “وضع جغرافي – سياسي مغاير دفع سويسرا الى إكمال مفهوم الحياد بمفهوم “الأمن عبر التعاون”. وهو ما اعتمدته الحكومة الفدرالية في تقرير 1993 الذي حدد مفهوم الحياد على ضوء التغيرات التي يعرفها العالم بعد نهاية الحرب الباردة. وهو ما تم تأكيده في تقرير الحكومة لعام 2000 حول الأمن.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.