الدعم الأوروبي لسويسرا في الخلاف مع ليبيا يشكو من بعض النقائص
لا يُساور أحد الشك في القوة الاقتصادية التي يتمتع بها الإتحاد الأوروبي، لكن دوره في السياسة الخارجية قد لا يكون قويا بما فيه الكفاية لمساعدة سويسرا على الـغلبة في خلافها مع ليبيا.
وكان النزاع السويسري – الليبي أصبح أوروبيا مؤخرا عندما أعلنت طرابلس أنها ستتوقف عن إصدار تأشيرات الدخول لمعظم مواطني البلدان الأعضاء في الإتحاد الأوروبي، ردا على القيود التي فرضتها سويسرا على منح تأشيرات “شنغن” لبعض المسؤولين الليبيين الرفيعين.
“من الصعب جدا التفاوض مع ليبيا التي تنتهج مقاربة “الحصول على كل شيء أو لا شيء على الإطلاق”. هذا الرأي جاء على لسان جون هاملتون الذي يساهم في تحرير مقالات موقع “الطاقة الإفريقية” (African Energy). وأضاف في تصريحاته لـ swissinfo.ch: “من خلال إظهارهم للجميع أنهم مستعدون دائما لوضع شروط جديدة، أصبح الليبيون لاعبين خطرين جدا في البوكر الدبلوماسي”.
رشيد حمداني، أحد رجليْ الأعمال السويسريين اللذين احتجزا في ليبيا منذ يوليو 2008، عاد إلى سويسرا يوم الثلاثاء 23 فبراير المنصرم، بينما تم اقتياد ماكس غولدي إلى السجن لقضاء عقوبة سجن مدتها أربعة أشهر.
وعلى الرغم من التضامن الذي أبدته مجموعة من سفراء دول الاتحاد الأوروبي الذين حرصوا على التواجد في مقر السفارة السويسرية في طرابلس، اضطرت سويسرا في نهاية المطاف للإذعان وتسليم مواطنها ماكس غولدي لقضاء عقوبة بالسجن بتهمة “ممارسة نشاطات اقتصادية غير مرخص بها” في ليبيا.
سويسري وراء القضبان
تطبيق طرابلس حظرا على سفر مواطني الدول الموقعة على اتفاقية شنغن الراغبين في الدخول إلى ليبيا لم يثر فقط غضب العديد من شركائها التجاريين في الاتحاد الأوروبي، بل تسبب أيضا في نقل النزاع إلى بروكسل ثم اقتياد مواطن سويسري إلى السجن.
ويقول هاميلتون في هذا السياق:”عندما تتعامل مع الليبيين، ينبغي أن تعلم أنه لا وجود للحدود المعتادة (أثناء التفاوض)، فأنت لا تعلم إلى أي مدى هم مستعدون للذهاب عندما يدافعون عن الأشياء التي يعتبرونها مهمة”.
يانيس إيمانويليديس، الخبير في السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، يرى أيضا أن الحظر على سفر مواطني شنغن هو خطوة مــُتَعمـَّـدة. وفي إيضاحاته لـ swissinfo.ch، قال الخبير الذي يعمل في مركز السياسة الأوروبية في بروكسل: “طرابلس كانت تـُدرك تماما أنها ستحصل على رد فعل بنقلها للخلاف إلى الاتحاد الأوروبي، ولكن عندما تحاول بلدان غير عضوة في الاتحاد الأوروبي [في هذه الحالة ليبيا] استغلال نقاط الضعف داخل الإتحاد للاستفادة منها، فهذا يتسبب في مشكلة أكبر”.
وقت تصفية الحسابات؟
وقد شهد منتصف شهر فبراير المنصرم جهودا دبلوماسية مكثفة من قبل عدد من الدول الرائدة في الاتحاد الأوروبي للمساعدة على حل الأزمة، بلغت ذروتها عندما احتشدت مجموعة من سفراء الاتحاد الأوروبي في السفارة السويسرية بطرابلس يوم الإثنين 22 فبراير للحيلولة دون اقتحام قوات الأمن الليبية لمجمع السفارة.
وبينما حذر بعض الساسة السويسريين من العواقب الوخيمة من الشعور بقدر كبير من الإمتنان للاتحاد الأوروبي – خاصة عندما يتعلق الأمر بالتوصل إلى حل وسط في ملف السرية المصرفية – قلّل الخبير إيمانويليديس من هذه المخاوف، قائلا: “إذا كان السويسريون يعتقدون بأنهم مدينون الآن بشيء لأوروبا، فذلك يعود فقط لتصوُّرهم الخاص. إن الوضع أكثر تعقيدا من ذلك ولا يعني (ضرورة) تقديم مقابل (للإتحاد الأوروبي) بشكل تلقائي”.
وأضاف الخبير في مجال السياسة الخارجية للإتحاد الأوروبي أن “ليبيا قد تكون قطعة من أحجية الصور المُركبة في حل نزاع السرية المصرفي مع أوروبا، ولكنها ليست القطعة الحاسمة” بالتأكيد.
وتتمثل نقطة ضعف الاتحاد الأوروبي الأساسية عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الخارجية في عدم وجود توافق في الآراء حول القضايا الحساسة داخل التكتل المكون من 27 دولة. وقد سارعت إيطاليا، على سبيل المثال، إلى انتقاد سويسرا على جرأتها في “اللعب” بورقة شنغن مع ليبيا.
وينوه الخبير إيمانويليديس إلى ضرورة “النظر في كل قضية على حدة”، مذكرا بأن “المشاركة في الحرب ضد العراق كانت مثالا جيدا، بحيث أحدثت انقساما داخل الاتحاد الأوروبي”.
الطاقة.. مسألة شائكة لكن مربحة
وتقف وراء حرص الاتحاد الأوروبي على حل أي نزاع مع ليبيا قضية الطاقة الشائكة والمربحة في الآن نفسه. فهنالك أشياء كثيرة على المحك في ليبيا، إذ هي إحدى البلدان الرئيسية المنتجة للنفط، وهي اجتذبت مليارات الدولارات من الاستثمارات الأجنبية منذ أن خرجت من عزلة دولية دامت عدة عقود، ومنذ أن اشتد تنافس الشركات الأوروبية بُغية انتزاع أكبر قطعة من الكعكة.
وكاد اتفاقٌ ليبي مُبرم مع شركة “بريتيش بتروليوم” (BP) البريطانية حول التنقيب عن الغاز – والذي تقدر قيمته بمليارات الدولارات، أن ينهار لو لم يوافق البريطانيون العام الماضي على الإفراج عن المواطن الليبي عبد الباسط المقرحي وإعادته إلى بلاده بعد أن كان مسجونا بسبب تورطه في تفجير طائرة أمريكية فوق لوكربي عام 1988.
وذكــّر الخبير هاميلتون في هذا الصدد بأن الزعيم الليبي معمر القذافي “كان على استعداد تام للرمي بصفقة الغاز خارج النافذة إن لم يحصل على عودة المقرحي”، مشيرا إلى “أننا إذا نظرنا إلى هذه المسألة بدون انفعال، قد نتساءل كيف يمكن أن تكون عودة فرد واحد من السجن ذات أهمية أكبر بالنسبة للمصلحة الوطنية من صفقة غاز ضخمة؟”.
ويظل بإمكان ليبيا الاستفادة من الميزة الاستراتيجية التي يمنحها لها وضعها كمورد كبير للنفط في الوقت الحالي، ولكن تجدر الإشارة إلى أنه لم يُعثر على حقول نفط كبرى في هذه البلاد الواقعة شمال إفريقيا في السنوات الأخيرة، ولييبا ليست لديها احتياطات مؤكدة من الغاز.
ويقول هاميلتون: “إن مستقبل امدادات الغاز هو الذي يستأثر الآن باهتمام الجميع، وإذا ما اكتـَشفت برامج التنقيب الضخمة الجارية بعض الحقول الكبيرة الجديدة، فذلك سيعزز بالتأكيد وضع ليبيا”.
كلير أودي – swissinfo.ch
(ترجمته من الإنجليزية وعالجته: إصلاح بخات)
تبلغ ساكنة بلدان الاتحاد الاوروبي 500 مليون نسمة، وهو يمثل أكثر من 25٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. ويعتبر الاتحاد، بأعضائه السبعة والعشرين، فاعلا قويا على مستوى الدبلوماسية العالمية.
يـُقدم الاتحاد الأوروبي نصف المساعدات التنموية ويساهم بـ 20% من إجمالي الواردات والصادرات العالمية.
للاتحاد الأوروبي سياسة خارجية مشتركة، ويحاول التحدث بصوت واحد، لكن هذا الأمر ليس سهلا دائما عندما يتعلق الأمر بالقضايا الدولية.
بعد تونس والجزائر، عبرت المملكة المغربية يوم الإثنين 1 مارس الجاري عن تضامنها مع ليبيا في أزمتها مع سويسرا.
وجاء في بلاغ أصدرته وزارة الشؤون الخارجية والتعاون المغربية في الرباط: “تتابع المملكة المغربية عن قرب وبانشغال بالغ تطور العلاقات بين الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى الشقيقة والاتحاد السويسري إثر القرار المؤسف للسلطات السويسرية مؤخرا بمنع مواطنين ليبيين، ومن بينهم أسمى الشخصيات السياسية لهذا البلد الشقيق، من الدخول إلى أراضيها. والمملكة المغربية التي تدعو دائما إلى الحوار البناء لتجاوز الأزمات و لخلافات، تؤكد تضامنها الكامل والأخوي مع الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى الشقيقة وتدعو إلى العمل، في إطار الاحترام المتبادل بين الدول ووفقا لما تقتضيه الأعراف الدولية، على تجاوز هذه الوضعية. (…)
(المصدر: الموقع الإلكتروني لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون المغربية)
4 نوفمبر 2009: الحكومة السويسرية تقرر تعليق العمل باتفاق 20 أغسطس وتعلن عن مزيد من التشدد في منح تأشيرات الدخول إلى المواطنين الليبيين.
7 فبراير 2010: القضاء الليبي يبرئ رشيد حمداني من تهمة “ممارسة نشاطات اقتصادية غير مرخص بها” بعد أن برأه في محاكمة سابقة من تهمة “انتهاك قوانين الهجرة والإقامة” في ليبيا.
11 فبراير 2010: خفضت محكمة استئناف ليبية الحكم الصادر على ماكس غولدي بتهمة “ممارسة نشاطات اقتصادية غير مرخص بها” من 16 إلى 4 أشهر سجنا، بعد ان حكم عليه سابقا بغرامة تبلغ قيمتها 800 دولار في تهمة “انتهاك قوانين الإقامة والهجرة”.
14 فبراير 2010: ليبيا تباشر تنفيذ قرارها بمنع دخول رعايا الدول الأوروبية الأعضاء في فضاء شنغن، باستثناء بريطانيا.
18 فبراير 2010: وزيرة خارجية سويسرا تلتقي نظيرها الليبي بحضور وزير خارجية إسبانيا في مدريد الذي يُشير إلى تحقيق “بعض التقدّم” في المفاوضات بين البلدين.
19، 20، 21 فبراير 2010: تكتم شديد يحيط بمحادثات تحتضنها ألمانيا في برلين بين وفدين من المفاوضين الليبيين والسويسريين.
22 فبراير 2010: رشيد حمداني يتحصل على تأشيرة خروج ويغادر الأراضي الليبية عبر الحدود البرية مع تونس وماكس غولدي يسلم نفسه للشرطة القضائية ويُودع في سجن قريب من طرابلس.
23 فبراير 2010: رشيد حمداني يصل إلى مطار زيورخ ويتوقف بعد ذلك عن الإدلاء بتصريحات إلى وسائل الإعلام.
25 فبراير 2010: العقيد معمر القذافي يدعو من بنغازي إلى “الجهاد ضد سويسرا” والإتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وفرنسا تستنكر.
1 مارس 2010: هانيبال القذافي يزور ماكس غولدي في السجن وسط تغطية إعلامية واسعة ويتحادث معه على انفراد لأكثر من ساعة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.