الدور السعودي.. هل يُـقرِّر مصير ما يجري في اليمن؟
أظهر سير الأحداث في اليمن أن السعودية، قد تكون الطرف الأكثر فاعِـلية وتأثيراً على التفاعلات التي تشهدها البلاد منذ انطلاق الثورة الشبابية العارمة مطلع شهر فبراير الماضي.
هذا بدءاً من جرِّها إلى أروقة مجلس التعاون الخليجي عبْـر ما عُـرف بالمبادرة الخليجية، مُـروراً بسيْـر إجراءات التوقيع عليها، وانتهاءً بالتَّـداعيات التي ترتَّـبت على رفض الرئيس اليمني علي عبدالله صالح التوقيع عليها ثم خطوة نقله إلى المملكة، هو وأبرز أركان نظامه للعلاج، وما قد يترتَّـب عليها من تطوّرات لاحقة، ستقرر ملامح المرحلة القادمة، خاصة بعد صدور تصريحات لمسؤولين غربيين من البلدان المؤثِّـرة على اليمن والمنطقة في آن.
وطِـبقاً للخلفيات التاريخية وحضور الدَّور السعودي الفاعِـل في الشأن الداخلي اليمني منذ ما يزيد عن أربعة عقود، أصبح الشُّـغل الشاغل للشارع اليمني وكذلك لمُـختلف الأوساط السياسية، هو حدود تأثير المملكة على مصير الثورة، التي يرى العديد من المراقبين أنها تحوَّلت من ثورة جِـذرية تطرح مطالب تغيير شاملة، إلى مجرّد أزمة سياسية بين السلطة والمعارضة منذ جرّها إلى دهاليز التسويات البعيدة عن ساحات الحرية والتغيير وشبابها.
معطيات مُـقلقة
هناك مَـن يرى أن السعودية بأوضاعها الحالية (شيخوخة قياداتها وما تطرحه من إشكالات وخِـلافات حول القيادة المقبلة للمملكة وتنامي الحِـراك الشعبي المطلبي من منطلقات مذهبية أو الإصلاحي المُـطالب بإصلاحات سياسية أكثر حداثة، في بلد عُـرفت بمحافظتها الشديدة) سيجعلها أكثر انكِـفاء على نفسها لإعادة ترتيب بيْـتها الداخلي.
على العكس من ذلك، بدت فاعليتها في الملَـف اليمني على غيْـر ذلك التوقع، ما عزَّز الفَـرَضِية التي تذهب إلى أن تزايُـد التحديات والمخاطر الداخلية في أي بلد، ليس من شأنه بالضرورة أن يصرفها عن الأمور الخارجية (لاسيما إذا ما كانت تلك التحديات على علاقة بالخارج) أو عن السعي إلى الحدّ من أي مخاطر تأتي من الخارج، وخصوصاً من دول الجوار. وقد لوحظ ذلك في كيفية تعامُـل الرياض مع جارتها الشرقية البحرين عقِـب انْـدِلاع الإحتجاجات الشعبية في ذلك البلد.
اللاعب الأبرز
ويبدو للمراقبين أن التخوف من تنامي قُـدرات إيران في المنطقة، هو الذي دفع ولا زال بالمملكة إلى لعِـب دور إقليمي مؤثِّـر، وهو أمر لم يعُـد مرتبِـطا بها كمنافس لتصاعُـد الدور الإيراني، بل وبخيارات الأطراف الدولية التي تلتقي معها على مواجهة النفوذ الفارسي المُـتصاعد، سواء على مستوى قوَّته العسكرية أو بتسلُّـله عبْـر الجماعات الشيعية في المنطقة، واليمن واحدة من تلك الدول التي تنعكِـس أوضاعها على الجارة السعودية.
وقد تأكَّـد ذلك بعد أن بلغت قوّة المتمرِّدين الحوثيين الشِّـيعة في شمال اليمن، حدّاً مُـقلقاً بالنسبة لها منذ عام 2004 وحتى الآن، خاضوا خلالها ستة حروب متقطِّـعة مع نظام صالح، إحداها جُـرّت إليها السعودية ولم يكن أداؤها بالمستوى المأمول، فيما أصبح الحوثيون قوة لا يُـستهان بها في البلاد، وهُـم على ارتباط وثيق بإيران، لجهة المذهب الشيعي أو لجهة الأفكار الثورية التي يبشرون بها ضد الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة، وهي مُـعطيات مُـقلقة بالنسبة للسعودية، خاصة وأن لديها نِـسبة كبيرة من السكان الشيعة الاثني عشرية في المنطقة الشرقية، وشيعة إسماعيلية في المنطقة الجنوبية المحاذية لليمن.
كما تتمتع المملكة بعلاقة واسعة مع زعماء قبَـليين محليين، يرتبطون مباشرة بالقصر الملكي ويحصلون على رواتب شهرية منه، وغالباً ما يلعبون أدواراً سياسية في البلاد تصُـب دوماً في اتجاه تدعيم النفوذ السعودي، وهو دور يعود إلى مطلَـع السبعينات، عندما فـُرضت تسوية للصراع الملكي الجمهوري، تقررت على أساسها ملامح النظام السياسي اليمني منذ سبعينيات القرن الماضي، جعلتها اللاعب الأبرز في تحديد شكل ومحتوى النظام في صنعاء، على الرغم من وجود قوى مناوِئة لهذا الدور الذي يزيد من أهميته – بنظر مراقبين ومحللين – ارتباط الإقتصاد اليمني ارتباطاً وثيقاً بجارتها الرياض من حيث المهاجرين إليها ولدعمها المالي لصنعاء، ما مكَّـنها من لعِـب دوْر هام في الترتيبات التي ربما تعُـد لهذا البلد. .
“دور مؤثِّـر بقوة.. ولكن”
الخبير العسكري والمحلل الاستراتيجي الجنرال عبدالحكيم القحفة قال في تصريحات خاصة إلى swissinfo.ch: “في الواقع، الدور السعودي في اليمن مؤثِّـر بقوة، لكنه مع الأسف، يقوم على تقديرات خاطئة منذ عام 1948. فقد وقفوا مع الإمام، ولو ظل موجوداً لانْـقلب عليْـهم. وفي ثورة 1962 ضد الملكية، انحازت السعودية إلى جانب الملكيين واتفقت معهم، لكن مع مرور الوقت، تحولت صعدة التي عُـرفت بمَـعقَـل الملكيين، إلى وكر لتجارة السلاح، حتى خرج منها الحوثيون الذين مثَّـلوا تحدياً كبيراً للسعودية، ثم عملت على دعْـم الاتجاه الوهَّـابي السلفي عبْـر المعاهد العِـلمية ومركز دار الحديث في منطقة “دماج” بصعدة، لمواجهة النفوذ الشيعي الزَّيدي، فخرج لها تنظيم القاعدة وما يُـسمى اليوم بالإرهاب”.
ويستطرد القحفة قائلاً: “مع الأسف، ما زالت السعودية تتَّـبع هذه السياسية التقليدية، وهي إضعاف اليمن كدولة، مقابل تقوية الجماعات القبَـلية المحلية، غيْـر مستوعِـبة للتحولات الإقليمية والدولية، التي من أهَـم ملامحها أنها لم تعُـد اللاعب الوحيد في المنطقة، بل هناك عِـدة لاعبين وهناك واقع جغروسياسي جديد، فيه العراق وإيران، وهناك طوائف وحركات إصلاحية غيْـر بعيدة عن التحوّلات التي تعصِـف بالمنطقة، ثم الثورات العربية”.
ويخلِّـص القحفة من كل ذلك، إلى القول أنه “إذا لم يُـترَك اليمن وشأنه في استغلال ثرواته وإمكاناته، بعيداً عن الاستراتيجية الإستخباراتية التي تتَّـبعها السعودية معه، فإن ذلك سيبقى مبْـعثا لاضطراب البلاد والمنطقة من حوله، وهو ما يدعوها إلى وضع مقاربة جديدة لسياستها تُـجاه اليمن، خاصة بعد أن تأكَّـد مِـراراً إخفاقها في تحقيق مُـرادها وانقلابها ضدّها”.
“.. الطريق الأمثل..”
من جهته، يرى علي سيف حسن، المحلل السياسي ورئيس منتدى التنمية السياسية، أن سياسة السعودية لجهة علاقتها باليمن، تشهد عملية مُـراجعة شاملة يقودها الملك عبدالله، مضيفاً: “أعتقد أن دورها القيادي في المنطقة، يفرض عليها أن تتجاوز المنظور التقليدي وصياغة سياسة تُـجاه اليمن ضِـمن منظور مجموعة أصدقاء اليمن، وهذه أول تجربة لاختبار التوفيق بين سياستها والتكيُّـف مع سياسة أصدقاء اليمن، التي تنشد على حد تعبيره، بداية جديدة إزاء هذا البلد”.
ويوضح سيف ذلك بالإشارة إلى أن السعودية هي الجهة الأكثر تأثيراً على أطراف الصِّـراع العائلي (أي ضمن عائلة آل الأحمر) على السلطة في اليمن حيث تلقى طرفا العائلة دعماً مالياً ونفوذاً سياسياً على مدار العقود الماضية، ولا يستطيع أي منهما تحدّي الإرادة السعودية. ونظراً لأن العائلة لم تعـد تغطي كافة مكوِّنات المشهد السياسي اليمني، وإنما هناك فاعلين آخرين، فإن تكامُـل الدور السعودي مع الخليجي وكل أصدقاء اليمن، يصبح هو الطريق الأمثل للحل السياسي في البلاد، بحيث يجري التركيز السعودي، كما يرى سيف، على الفرع العائلي. وبمشروع متكامل مع الأطراف الأخرى للتسوية السياسية الشاملة. ويُرجح سيف أن تلتجئ السعودية إلى لَـمِّ بقية أطراف الصراع العائلي للتسوية فيما بينهم خارج التسوية السياسية الوطنية، بما يؤدي إلى تحييد تأثيرهم على الأوضاع.
ومن الواضح، أن المملكة ستستخدم خِـبرتها الطويلة في إيجاد تسوية تخدِم الاستقرار الداخلي وتحفظ مصالحها، لكن ذلك يتوقَّـف إلى حدٍّ بعيد على قُـدرتها على تحقيق التوازن بين كل الأطراف وإرضاء كل المكوِّنات المُـنخرطة في الصِّـراع، أو على الأقل المكوِّنات الأكثر ثباتاً في ميزان القوى، وأهمها شباب الثورة والتغيير والإستجابة لأهدافهم المطلبية، التي خرجوا من أجلها. ولعل ذلك هو المِـحك لاختبار تحوّل السياسة السعودية تُـجاه اليمن، وإذا ما استطاعت أن تبلغه، فإن سياساتها ستكون فِـعلاً قد جاوزت منظورها التقليدي إلى مقاربة أكثر واقعية، مُـستوعبة للمعطيات التي أفرزتها التحوّلات الداخلية والخارجية المتعلِّـقة باليمن.
لندن (رويترز) – تمنح مغادرة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح للسعودية للعلاج، فرصة ثمينة لليمن لوقف انزلاقه نحو حرب أهلية وبدء انتقال سِـلمي للسلطة، ولكن قد يواجه الكثير من المشاكل.
ورحَّـب محتجون من الشبان، حريصون على إضافة اسم صالح لقائمة الزعماء العرب الذين أطيح بهم، بخروجه بحماسة، ولكن يخشون عودة الرئيس الماكر الذي أصيب وعدد من كبار المسؤولين في هجوم على قصره يوم الجمعة 3 يونيو الجاري.
ونقلت وكالة أنباء سبأ عن عبد ربه منصور هادي، نائب الرئيس اليمني والقائم بأعمال الرئيس حاليا قوله، أن صحة صالح تتحسن وأنه سيعود لليمن في غضون أيام. وتحيط الشكوك بمستقبل اليمن. وتجاور اليمن السعودية وممرات ملاحية حيوية لنقل النفط، ويتواجد على أراضيها تنظيم القاعدة في جزيرة العرب ويستغل ضعف سيطرة الدولة التي تموج بصراعات بين قادة العشائر والعسكريين والساسة.
وقال غريغوري جونسن، الخبير في الشؤون اليمنية “إذا بقي صالح خارج البلاد ولم يقم أبناءه أو أقاربه بالتحريض أو أعمال استفزازية يمكن، لليمن أن يتجنب حربا شاملة. في ذات الوقت، اقتربنا بشكل خطير في الأسبوعين الأخيرين لِـما يُـمكن توصيفه بسهولة بحرب أهلية. لذاـ من السابق لأوانه الحكم. الاحتمالان قائمان.” وسيكون موقف السعودية، التي تلعب دورا تقليديا في السياسة اليمنية حاسما.
وقال خالد فتاح، خبير الشؤون اليمنية “سينتهز السعوديون الفرصة.. ليتحوّل التعافي الطبي إلى استراحة سياسية”، مضيفا أن خطر انزلاق اليمن لحالة من الفوضى، على غرار الصومال، كان “كابوسا للأمن القومي السعودي”.
ونُـقِـل صالح لتلقِّـي علاج عاجل في مستشفى في السعودية، فيما وصفه مسؤول سعودي بأنه تحرك إنساني. وقال المسؤول إن السعودية لن تتدخل في قرار صالح البقاء في السعودية أو العودة لليمن.
وربما يكون هذا موقف الرياض العلني ،ولكن الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين يضغطون سِـرا على السعودية لضمان أن يصبح غياب صالح عن اليمن دائما. وقالت الحكومة السعودية يوم الاثنين 6 يونيو، إن دول الخليج ستواصل مسْـعاها للتوصل لاتفاق لنقل السلطة.
وقال دبلوماسي غربي “لا أعتقد أن السعودية أو شعبه (اليمني) يريدون عودته. إنه لا يتمتع بتأييد في المنطقة. ستدهشني عودته، وهو مخرج جيد للغاية له”. وقال مصدر حكومي يمني إن صالح أجَّـل سفره في بداية الأمر، ليحصل على تأكيدات من العاهل السعودي الملك عبدالله بأنه سيتمكن من العودة بعد علاجه.
والسعودية الدولة الرئيسية المانِـحة للمعُـونة لليمن وتقدم أموالا للقبائل اليمنية منذ فترة طويلة لضمان التمتع بأقصى نفوذ ممكن، ولكنها وجدت صعوبة في علاج الأزمة في البلاد، بعدما فشلت في إقناع صالح بالتوقيع على خطة لتخلِّـيه عن السلطة أعِـدَّت بوساطة خليجية.
وبعد أن أمضى 33 عاما في الحكم، ترك صالح أفقر دولة عربية في وضع أقرب للفوضى والانهيار الاقتصادي. وساهمت هدنة هشة في إعادة الهدوء إلى صنعاء بعد أسبوعين من القتال بين قوات صالح واتحاد قبائل حاشد القوي، مما أسفر عن سقوط 200 قتيل وإرغام الآلاف على النزوح.
وربما يكون الرئيس سلم السلطة لنائبه غير المعروف، ولكن عددا من أبنائه وأقاربه لا زالوا يُـسيطرون على وحدات الجيش والأمن، جيدة التسليح. وهم يملكون قوة عسكرية لتحدّي اللواء محسن علي، وهو قريب لصالح انضم بقواته للمعارضة أو للتصدي لقبائل حاشد التي قاتلت ضد أنصار صالح.
ومن القوى الأخرى التي ستطالب بدور إسلاميين وأحزاب يسارية، فضلا عن محتجِّـين شبان يريدون “يَـمَـنا جديدا”، دولة مدنية يسودها حُـكم ديمقراطي، وليس سياسة حماية الفساد التي وصَـمَـت حُـكم صالح. وقال فتاح “لا توجد مؤسسة وحيدة أو فردا واحدا في اليمن قادر على الإمساك بزِمام الأمور.”
ويضيف “المؤسسات الرسمية في اليمن، مثل الأحزاب السياسية والمؤسسات الحكومية، ليست في وضع يتيح لها أن تُـبلْـور الأحداث. وعلى الجانب الآخر، يـعد الجيش المنقسم، انعِـكاسا لتحالفات قبلية وصِـراع الصفوة، وليس سلطة الدولة.”
وتشمل خارطة الطريق المُـحتملة لنقل السلطة، تشكيل مجلس وطني من زعماء القبائل وقادة الجيش ورجال الدين وساسة معارضين، من بينهم ممثلون للمتمرِّدين في الشمال والجنوب، فضلا عن الحركة الشبابية الوليدة. وأيد ائتلاف المعارضة تولي نائب الرئيس السلطة كخطوة أولى نحو نقل السلطة، قبل إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 7 يونيو 2011)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.