الرئيسة السويسرية تجدد رفضها لمبادرة حظر بناء المآذن
من النادر أن تحظى مبادرة شعبية في سويسرا بمثل الاهتمام السياسي والإعلامي، الذي رافق المبادرة الداعية إلى حظر بناء المآذن في سويسرا، منذ الإعلان عنها في بداية شهر مايو.
رئيسة الكنفدرالية أعلنت للمرة الثانية في غضون عشرة أيام، عن معارضتها لها وحذرت من انعكاساتها السلبية المحتملة على الجهود المبذولة من طرف سويسرا في مجال السياسة الخارجية.
لوضع الأمور في نصابها، لابد من التذكير بأن النظام السياسي في سويسرا يقوم على مبدإ الديمقراطية المباشرة، وعلى هذا الأساس، تتيح التشريعات العريقة المعمول بها منذ عشرات السنين، لأية مجموعة من المواطنين إطلاق مبادرات شعبية من كل الأصناف، يدعو أصحابها إلى إدخال تحوير على الدستور أو إلى إلغاء قانون سبق للبرلمان أن صادق عليه أو مقترحات جديدة مهما كانت درجة طرافتها أو غرابتها.
هذه الحقوق الشعبية هي التي تميّـز الممارسة الديمقراطية في سويسرا عن مثيلاتها في البلدان الغربية، ومع أنها تظل محكومة بالعديد من القوانين والإجراءات المؤطرة لها، إلا أن العديد من الأطراف السياسية والبيئية والنقابية والمدنية والجمعوية، عادة ما تلتجئ إليها لمحاولة الحصول على تفويض شعبي لإقرار توجه ما أو إلغاء قرارات محددة أو ممارسة المناورة السياسية المكشوفة.
في هذا السياق، لا يتردد معظم المراقبين على الساحة السياسية في وضع المبادرة الشعبية، التي أطلقها سياسيون ينتمون إلى أحزاب وتيارات اليمين المتشدد والداعية إلى تحوير بند في الدستور الفدرالي بما يؤدي إلى حظر بناء المآذن في سويسرا، في خانة البحث عن تسجيل الحضور ولفت الأنظار وحشد التأييد، قبل أسابيع معدودة من موعد إجراء الانتخابات البرلمانية في أكتوبر القادم.
وبالفعل، ترافق إعلان لجنة المبادرة عن الانطلاقة الرسمية لجمع التوقيعات الضرورية (100 ألف توقيع قبل 1 نوفمبر 2008)، لفرض إجراء استفتاء شعبي حول المقترح المثير للجدل، بموجة من ردود الفعل السياسية الحاسمة والمحذرة، تميّـزت بصدورها عن معظم الأحزاب والتيارات والشخصيات الاعتبارية.
معارضة ثلاث وزراء
وفي الحالات العادية، لا يتعجل أعضاء الحكومة الفدرالية في الإعراب عن مواقفهم الفردية من المبادرات الشعبية، التي يُـعلن عنها في سويسرا من حين لآخر، بل يغلب عليهم التحفظ والترقب قبل الإدلاء بتصريحات أو الإعلان عن مواقف محددة منها.
أما هذه المرة، وقبل أن تتخذ الحكومة الفدرالية موقفا موحدا من المبادرة الجديدة الداعية إلى حظر بناء المآذن، فاجأ ثلاثة من الوزراء الفدراليين الرأي العام ووسائل الإعلام بالسرعة التي تدخلوا بها لاتخاذ موقف منها.
أول المتدخلين، كان وزير الدفاع سامويل شميت، الذي أدلى بتصريحات نُـشرت في صحيفة سونتاغس تسايتونغ (تصدر في زيورخ) يوم 13 مايو الجاري، قال فيها إنه لا يؤيّـد المبادرة التي أطلقها أولريخ شلوور، زميله في حزب الشعب السويسري (يمين متشدد)، وأضاف “إننا لا نحلّ أي مشكل بهذه الطريقة”.
وشدد الوزير في تصريحاته على أنه إذا ما كان حظر المآذن من مشمولات التراتيب المعمول بها في مجال البناءات، فإن هذا من اختصاص القانون المعمول به في الكانتونات في هذا المجال. أما إذا كان الأمر يتعلق بحظر ديني، فإن هذا يتعارض مع حرية الأديان المثبتة في الدستور السويسري.
في اليوم الموالي، أي 14 مايو، لم تتردد رئيسة الكنفدرالية السيدة ميشلين كالمي – ري في معرض الردٍّ على أسئلة صحفيين أجانب التقت بهم في جنيف، في القول بأن “مثل هذه المبادرة تضع أمن المصالح السويسرية والسويسريات والسويسريين في خطر”، مثلما نقلت عنها وكالة الصحافة الفرنسية، كما أعربت كالمي – ري، التي تتقلد أيضا منصب وزيرة الخارجية، عن رفضها للمبادرة، معتبرة إياها “قانونا استثنائيا” وتساءلت عن مدى ملاءمة حظر من هذا القبيل مع الدستور الفدرالي.
بعد يومين، جاء دور وزير الشؤون الداخلية باسكال كوشبان، للإعلان عن معارضته الواضحة للمقترح وقال “يجب تجنّـب حدوث مواجهة بين أشخاص ينتمون إلى عقائد مختلفة”.
ردود فعل أخرى
وسائل الإعلام السويسرية لم تُـفوّت الفرصة، واستجوبت العديد من الشخصيات السياسية والدينية والفكرية والخبراء حول مواقفهم من المبادرة ومبررات اعتراضاتهم أو تأييدهم لها، كما حفل بريد القراء في الصحف وفي المواقع الإلكترونية لوسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية، بردود الأفعال، بين رافض ومؤيد ومشكك في أهداف الداعين إلى هذه المبادرة.
ومع أن الوقت لم يحِـن بعد للخروج باستنتاجات نهائية من السجال الدائر حاليا، إلا أنه بدا جليا أن الأصوات الداعية إلى التعقل والتسامح وإلى الالتزام بروح القوانين السائدة حاليا واحترام المعاهدات الدولية، التي صادقت عليها سويسرا، كانت أعلى وأوضح مقارنة بما ردده أصحاب المبادرة والمؤيدون لها، من مبررات تستفز المشاعر وتبالغ في التخويف من الحضور المتزايد للمسلمين في البلاد.
الكنائس الكاثوليكية والبروتستانتية لم تتردد من جهتها في الإعراب عن الاستنكار والرفض للمطالبة بحظر بناء المآذن في سويسرا، فيما ذكّـر عدد من ممثلي الجاليات الإسلامية ورؤساء المنظمات الإسلامية بضرورة الانتباه إلى الواقع المتمثل في أن سويسرا بلد متعدد الثقافات والأعراق.
الدكتور هشام مايزر، رئيس فدرالية المنظمات الإسلامية في سويسرا (وهي أكبر تجمع للمنظمات الإسلامية في الكنفدرالية)، دعا إلى معالجة هذه القضايا بقدر أكبر من الحساسية، وأكد في تصريح أدلى به إلى صحيفة نويه تسورخر تسايتونغ ليوم الأحد 20 مايو، بأنه لا توجد مبررات للخوف، مشيرا إلى أن “المئذنة، يجب أن تكون علامة على المسجد لا أن تكون بناية يُـمكن أن يصعد عليها شخص ليؤذن للصلاة. إننا نعرف أين نعيش”.
وأضاف السيد مايزر أن الفقه الإسلامي ينص على أن “كل شخص يتوجه إلى بلد أجنبي، يُـبرم بشكل ما عهدا مع بلد الاستقبال، ويتوجب عليه أن يحترم فيه القوانين والنظام، لكن لا يجب عليه في المقابل، التخلي عن هويته”.
كالمي – ري تحذر مجددا
وفيما أشار معظم الخبراء في مجال القانون الدولي والدستوري، الذين استجوبتهم وسائل الإعلام، إلى وجود عقبات قانونية وإجرائية كبيرة بوجه تطبيق المقترح الذي ورد في المبادرة الشعبية، أكّـد النائب الاشتراكي أندرياس غروس في تصريح أدلى به يوم 21 مايو إلى صحيفة لوتون، الصادرة في جنيف، إلى أنه “لن يكون بالإمكان تطبيق المبادرة ضد المآذن أبدا”.
وأضاف عضو مجلس النواب أن “هذه المبادرة تتعارض بوضوح مع المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان، التي تضمن الحرية الدينية”، واعتبر أنها تقيم الدليل على أن بعض السويسريين لم يستخلصوا الدروس من الحرب العالمية الثانية، مشيرا إلى أنه لن يكون بالإمكان تطبيقها، حتى ولو صادق عليها الناخبون، نظرا “لأن أي شخص سيتقدم باعتراض على هذا النص أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ، سيكسب القضية”، على حد قوله.
وفي أحدث تطور، عادت السيدة ميشلين كالمي – ري في حديث أدلت به إلى صحيفة نويه لوتسرنر تسايتونغ، الصادرة في لوتسرن يوم 23 مايو، إلى التحذير من هذه المبادرة ووصفتها بـ “الخطيرة”.
وفي رد على سؤال حول موقفها – باعتبارها وزيرة للخارجية – من هذه المحاولة الهادفة لمنع بناء المآذن في سويسرا، قالت كالمي – ري: “لقد تساءلت عما إذا كانت هذه المبادرة قائمة على أسس صحيحة. فبناء المآذن من صلاحيات الكانتونات، وهذا من خلال قوانين البناء المطبقة فيها، ولست أرى ما هي المبررات التي تدفعنا للقيام باستثناء في هذا المجال وإصدار قانون خاص، والتدخل في صلاحيات الكانتونات. ليست هناك ضرورة لإصدار قوانين خاصة”.
وأشارت رئيسة الكنفدرالية إلى أن الأمر لا يتعلق – بالنسبة لها – بقوانين البناء فحسب، معتبرة أنه “يتعلق بمدى مطابقة هذه المبادرة لبنود الدستور الفدرالي. فقد ضمَـن الدستور حرية المعتقد والحق في ممارسة الشعائر الدينية، ومن هذا المنطلق، لست متيقنة من أن أصحاب هذه المبادرة قد احترموا مراعاة مبادئ الدستور. يضاف إلى ذلك، أن هذه المبادرة قد تثير أخطارا أمنية بالنسبة لسويسرا، فنحن بلد محايد ونحاول أن نحصل على احترام الجميع، ولكننا فجأة ننهال على أقلية تقيم في بلدنا، وهذا قد يُـفهم خطأً وقد يتحوّل إلى عمل خطير”.
وردا على سؤال حول ما إذا كان هذا الأمر سيؤدي إلى أن تُـصبح السياسة الخارجية لسويسرا محط انتقاد، أجابت السيدة كالمي – ري: “إن ذلك يعني أن المبادرة تتعارض كلية مع كل جهودنا المبذولة في مجال السياسة الخارجية”.
سويس انفو
1 مايو 2007، الإعلان عن إطلاق مبادرة شعبية تدعو لتحوير بند في الدستور الفدرالي للتنصيص على حظر بناء المآذن في سويسرا.
3 مايو 2007، أطلق أعضاء لجنة المبادرة، وأغلبهم سياسيون من اليمين المتشدد، الحملة الرسمية لجمع التوقيعات الضرورية لفرض إجراء استفتاء شعبي حول المبادرة.
ينتهي الأجل المحدد لجمع المائة ألف توقيع الضرورية يوم 1 نوفمبر 2008.
أعلنت ثلاثة من الأحزاب السياسية الأربعة المشاركة في الائتلاف الحكومي عن رفضها للمبادرة، وهي الحزب الاشتراكي والحزب الراديكالي والحزب الديمقراطي المسيحي.
من المنتظر أن يُـعلن الحزب الرابع في الائتلاف الحكومي، أي حزب الشعب السويسري (يمين متشدد) عن موقفه الرسمي من المبادرة في موفى شهر يونيو القادم.
الحكومة الفدرالية لم تتخذ بعد موقفا رسميا من المبادرة، لكن وزراء الدفاع والخارجية والشؤون الداخلية، بادروا بعد أيام قليلة من الإعلان عنها، لاتخاذ مواقف سلبية ورافضة لها.
حذر عدد من ممثلي الجاليات الإسلامية المقيمة في سويسرا من تداعيات المبادرة وحثوا على التعقل وتجنب الممارسات التمييزية تجاه المسلمين، الذين تشير آخر التقديرات إلى أن عددهم يفوق 350 ألف شخص.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.