الرئيس التونسي يوجه رسائل متعددة انطلاقا من جنيف
حملت أول زيارة للدكتور منصف المرزوقي بصفته رئيسا للجمهورية التونسية إلى جنيف في ثناياها رسائل متنوعة موجهة إلى الأطراف المعنية.
هذه الرسائل شملت مطالبة المجموعة الدولية عبر منظمة العمل بـ “تحقيق أكبر قدر من العدالة الاجتماعية”، وشكرا لسويسرا على “سرعة مبادرتكم لتجميد الأموال… ولكننا في حاجة ماسة لها اليوم وليس غدا”، أما رسالته إلى الجالية التونسية المقيمة في الكنفدرالية فتتلخص في “ساعدونا من أجل إقامة النظام الديمقراطي” في البلاد.
أهمية زيارة الرئيس التونسي منصف المرزوقي لجنيف، والتي اتت لحضور أشغال مؤتمر العمل الدولي، قوبلت بنوع من الاهتمام المتزايد لكونها الزيارة الأولى لرئيس من بلدان الربيع العربي.
وقد كانت التوقعات في محلها للتعرف على ما تم انجازه في البلد الذي عرف أول انتفاضة في سلسلة انتفاضات الربيع العربي ، والتعرف بالخصوص على التحديات والمشاكل التي تواجهها هذه الديمقراطيات الفتية.
وهناك من كان يولي أهمية لمعرفة كيفية تصرف وحديث من كان معارض الأمس، وكيفية تصرفه في دوره الرئاسي الجديد. ويمكن القول ان الغالبية تكون قد اقتنعت بأن هناك تحولا في الخطاب وفي الأسلوب: رئيس يسافر على متن رحلة تجارية عادية، ويلتقي بمواطنيه بدون إجراءات أمنية مبالغ فيها، ورئيس لا يتردد في تسمية المشاكل بأسمائها: سواء في خطابه الموجه للسلطات السويسرية، او الخطاب الموجه للمجموعة الدولية.
نحو عقد اجتماعي جديد!
زيارة الرئيس التونسي لجنيف جاءت تلبية لدعوة منظمة العمل الدولية التي استضافته كضيف شرف في دورتها ال 101. وفي خطابه أمام الجمعية العامة للعمل يوم الجمعة 08 يونيو، ركز منصف المرزوقي على البعد الاجتماعي في مسعى الحكومة الحالية لتحقيق المطالب التي ثار من أجلها شعب تونس. مذكرا ” بان ثورة شعبنا ضد الديكتاتورية اندلعت من أكثر مناطق وطننا تعرضا للتهميش والإهمال…”
وبما أنه كان يتحدث أمام مؤتمر العمل الدولي، وبعد أن ذكر بالعلاقات التي ربطت الدولة التونسية بمنظمة العمل الدولية، وبعد ان اعترف بارتفاع عدد العاطلين عن العمل بعد الثورة، انتهى الى التذكير ” بان الهدف الأساسي لثورة شعبنا كان ولا يزال العمل اللائق الذي يحفظ الكرامة ويجعل المواطن يمارس مواطنته الكريمة في كل ما يأتيه من نشاط وعمل”. وإلا إذا لم يحصل ذلك ” لتحولت الديمقراطية الى ممارسة جوفاء لا تطعم جائعا ولا تلبس عاريا” على حد قوله.
من أجل تحقيق ذلك يرى الرئيس التونسي في خطابه للمجموعة الدولية ” باننا نحتاج الى الاستفادة من تجارب الأمم الأخرى التي استطاعت أن تبني اقتصاداتها على إمكانياتها الذاتية، ونحتاج ايضا الى مساعدة المنظمات الدولية مثل منظمة العمل الدولية”.
وبعد أن أشار الى ” أننا نفكر بجدية في طرق أخرى للتقدم الاجتماعي، وضمان حق العمل لأكبر عدد ممكن من المواطنين خارج طرق التفكير التقليدية الليبيرالية الكلاسيكية”، انتهى الى الدعوة الى ضرورة إبرام عقد اجتماعي جديد، من خلال ” التوافق على الأهداف التي نروم تحقيقها جميعا، عبر عقد اجتماعي جديد يكون أكبر اساس نبني عليه ديمقراطيتنا ومؤسساتها الناشئة”.
لقاء مع الجالية كمواطن عادي
وفي لقائه مع الجالية التونسية يوم الخميس 07 يونيو، فتح الرئيس التونسي تقليدا جديدا اتسم “بالتقليل من المراسيم البروتوكولية والأمنية”، و ” باعتماد خطاب واضح وصريح” حسب بعض المشاركين.
اللقاء الذي جمع عددا غفيرا من الرعايا التونسيين المقيمين في سويسرا وفرنسا المجاورة، ضم ايضا منتمين الى تيارات النهضة واليسار وهو ما يتضح من الأسئلة التي رد عليها الرئيس التونسي والتي كانت في معظمها إما تساؤلات شخصية، مثل ارتفاع أسعار تذاكر شركة الخطوط الجوية التونسية، او لها علاقة بالتوجه الذي تنتهجه تونس الجديدة على المستوى السياسي والاقتصادي.
ومن التساؤلات العامة تساؤل البعض حول واقع العنف السلفي، ورد الرئيس على عزمه “التحرك على الفور” لمواجهة ذلك. كما تطرق الى احتمال قيام الثورة المضادة وضرورة تجنيد كل القوى لمنع ذلك.
وانتهى الرئيس التونسي الى دعوة أبناء الجالية للعمل من أجل انجاح المسار الديمقراطي في البلاد.
“شكرا لسويسرا على مبادرتها، ولكننا في حاجة للأموال”
في خطابه الموجه للسلطات السويسرية ، والذي سبق قدومه الى جنيف عبر حوار تلفزيوني مع القناة الناطقة بالفرنسية، أثار الرئيس التونسي جملة من ردود الفعل السياسية، كما اثار اهتمام وسائل الإعلام السويسرية التي لم تتردد في الاستفسار عن سبب قلقه بخصوص مسار إعادة الأموال المجمدة في سويسرا.
في حواره مع عدة وسائل إعلام سويسرية، عاد السيد منصف المرزوقي الى موضوع الأموال المجمدة محاولا التخفيف من حدة الانتقادات السابقة موضحا للإذاعة الناطقة بالفرنسية ” بأنني لم أستخدم عبارة اتهام السلطات السويسرية لأن العبارة قوية بالنسبة لي”.
وثمن الرئيس التونسي” الخطوة التي اتخذتها سويسرا التي سارعت للاعتراف بأن هناك أموالا غير مشروعة مودعة لديها، والتي قات إنها مستعدة لا عادتها لنا”.
ولكنه أوضح ” باننا نقول بان هناك أوضاعا طارئة، وأن الاحتياجات في تونس كبيرة، وأن الناس يطالبون بفرص العمل، وأننا نحتاج للموارد المالية، حتى لو كانت تلك الأموال قطرة في محيط”.
وبخصوص حقيقة حجم الموال المهربة تحدث الرئيس منصف المرزوقي لصحيفة لوتون الناطقة بالفرنسية في سويسرا بقوله ” لقد اوضح لي خبرائي الاقتصاديون بأن التجربة العالمية تظهر بأن ما يتم التعرف عليه من الأموال المجمدة لا يتجاوز 10% من حقيقة الأموال المهربة (في وضع تونس حوالي 60 مليون فرنك).
وقال الرئيس التونسي في حديثه” لذلك نطالب أصدقائنا السويسريين بإعادة تلك الأموال على وجه السرعة ، ومساعدتنا على العثور على البقية”.
وكان وزير الخارجية السويسري ديدي بوركهالتر قد عبّر في مداخلة قام بها يوم الإثنين 4 يونيو أمام مجلس النواب للرد على تساؤل طرحه نائب عن حزب الخضر عن “استغراب” بلاده مما تضمّنه حوار السيد المرزوقي مع قناة تلفزيونية سويسرية عمومية بُث يوم 28 مايو الماضي، ووصف ما جاء فيه بأنه “في غير محلّه”، مجّددا التأكيد على أن سويسرا “عازمة على إعادة الأرصدة التونسية بأسرع ما هو ممكن”.
في الوقت نفسه، ذكّر ديديي بوركهالتر الجهات التونسية أيضا بأن “سويسرا دولة قانون”، وأشار إلى أن الحل الوحيد لتسريع الإجراءات بشأن ملف استعادة الأرصدة المهربة يكمُن في “إرساء شراكة وثيقة، خاصة وأن العلاقات مع تونس جيّدة” مضيفا بأن هذه الشراكة “حققت أخيرا نتائج متقدّمة”.
من جهتها، أوضحت كارول فالتي، الناطقة باسم الخارجية السويسرية ردّا على سؤال توجهت به إليها swissinfo.ch بأن “مرافق المساعدة القضائية في البلدين توصلت مؤخرا إلى إحراز تقدم هام. فقد تم تقديم طلبات مساعدة قضائية من هذا الطرف أو ذاك، بشأن نقاط محددة. ثمّ تم بعد ذلك تبادل الأدلة والحجج بين الطرفيْن. ومثلما سلّمت سويسرا عدد من الوثائق إلى تونس، قامت تونس بتسليم عدد كبير من الوثائق إلى سويسرا، وهذا يُعتبر خطوة هامة في جهود إعادة الاموال المكتسبة بطرق غير مشروعة. وتتم حاليا دراسة وتحليل كل هذه الوثائق”.
تؤدي وزيرة العدل والشرطة السويسرية سيمونيتا صوماروغا زيارة عمل إلى تونس من التاسع إلى الحادي عشر من يونيو 2012 .
وخلال اللقاء الذي تعقده مع وزير الخارجية رفيق عبد السلام ستوقع على بروتوكول شراكة في مجال الهجرة بين البلدين وعلى اتفاقيتن اضافيين، حسبما أوضحت وزارة الخارجية السويسرية في بيان صحفي أصدرته يوم 7 يونيو 2012 في برن.
تقضي هذه الاتفاقيات بتوضيح معايير تبادل هجرة الشباب المحترف، وشروط الدخول، والإقامة، والعودة لرعايا البلدين.
كما ستقابل الوزيرة أثناء زيارتها عددا من الوزراء وممثلي المنظمات غير الحكومية، وستؤدي زيارة إلى مخيم للاجئين على الحدود التونسية – الليبية جنوب البلاد، وإلى مشروع سويسري لإعادة تأهيل إحدى المدارس.
هو الرئيس الرابع لتونس. وهو مفكر وسياسي تونسي ومدافع عن حقوق الإنسان، ورئيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية منذ تأسيسه حتى 12 ديسمبر 2011. يحمل شهادة الدكتوراه في الطب.
ولد محمد المنصف المرزوقي في 7 جويلية 1945 في قرمبالية. تنحدر عائلته من الجنوب التونسي (من قبيلة المرازيق من دوز ولاية قبلي). والده محمد البدوي المرزوقي ووالدته عزيزة بن كريم، له أربعة أشقاء وسبعة أخوة. نشأ في تونس والتحق من عام 1957 حتى 1961 بالمدرسة الصادقية بالعاصمة تونس. غادر تونس للالتحاق بوالده سنة 1961، وعاش مع عائلته في مدينة طنجة حتى عام 1964، حيث سافر إلى فرنسا وتزوج هناك، فأنجب مريم ونادية. أقام في فرنسا 15 سنة
تمدرس في طنجة، المغرب حتى حصل على البكالوريا، ثم سافر إلى فرنسا ليدرس في جامعة ستراسبورغ، كلية علم النفس ثم الطب.
في سنة 1975 سافر إلى الصين ضمن وفد لمعاينة تجربة الطب في خدمة الشعب في الصين. عاد المرزوقي إلى تونس عام 1979 رغم إلحاح أقربائه على بقائه في فرنسا، وعمل أستاذاً مساعداً في قسم الأعصاب في جامعة تونس. شارك في تجربة الطب الشعبي الجماعي في تونس قبل وقف المشروع.
اعتقل في مارس 1994 ثم أطلق بعد أربعة أشهر من الاعتقال في زنزانة انفرادية، وقد أفرج عنه على خلفية حملة دولية وتدخل من نيلسون مانديلا.
أسس مع ثلة من رفاقه المجلس الوطني للحريات في 10 ديسمبر من عام 1997 بمناسبة الذكرى السنوية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وقد اختير أول رئيس للجنة العربية لحقوق الإنسان من عام 1997 حتى 2000.
غادر إلى المنفى في ديسمبر 2001 ليعمل محاضراً في جامعة باريس. حيث بقي هناك حتى أعلن عن عزمه العودة بدون أخذ الإذن من السلطات التونسية.
انتخب رئيساً مؤقتاً لتونس في 12 ديسمبر 2011 بواسطة المجلس الوطني التأسيسي بعد حصوله علي أغلبية 153 صوتاً مقابل ثلاثة أصوات معارضة وامتناع اثنين و 44 بطاقة بيضاء يمثلون 202 عضو من إجمالي عدد الأعضاء البالغ 217 .
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.