الربيع اليمني.. بين الجمود والتردّد والتحفّـز للتصعيد
بعد أن ران الجمود على الساحات، لاسيما خلال شهر رمضان، بدا لبعض المراقبين أن ربيع الثورة في اليمن بدأ في الأفول وأنها أوشكت على دخول خريفها قبل الأوان.
لكن الأيام القليلة الماضية عرفت عودة ملحوظة لعنفوان الإحتجاجات الشعبية، وفاجأ الحضور الجماهيري الواسع لأداء صلاة العيد (يوم الثلاثاء 30 أغسطس الماضي) في ساحات التغيير والحرية المنتشرة في 17 مدينة، اكتظت جنباتها بالمحتجين المطالبين بالتغيير ورحيل ما يسمونه ببقايا النظام ، كما تجدد المشهَـد ذاته في حشود صلاة الجمعة الموالية (2 سبتمبر) والمسيرات الشعبية التي تخرج من حين إلى آخر.
جمود الاحتجاجات
فعلى مدار أزيد من ثلاثة أشهر، بدا للمراقبين هيمنة الجمود على الاحتجاجات الشعبية في اليمن نتيجة لعدّة عوامل. أولها، تحويل مسار الاحتجاج إلى مواجهات مسلّـحة في قلب العاصمة ومناطق أخرى في البلاد في منتصف مايو الماضي.
ثانياً: الهجوم الذي تعرّض له الرئيس اليمني وكبار المسؤولين مطلع شهر يونيو الماضي في دار الرئاسة وما اكتنفه من غموض وملابسات، أسفَـر عن ترقّـب الشارع اليمني.
ثالثا، انشغال مكوِّنات الثورة في التحضير والإعداد لتشكيل المجلس الوطني.
رابعاً: دخول شهر رمضان واختلاف طقوسه اليومية عن المألوف.
خامساً: استمرار مراوحة جهود التوقيع على المبادرة الخليجية، بين بوادر القبول بها وإجابات رفضها.
سادساً: تكثيف الأنشطة الأمنية والاستخباراتية داخل الساحات واستمالة بعض الفاعلين فيها أو الدفع بهم إلى صراعات أيديولوجية وسياسية بين مكوِّنات الساحات.
فشل المبادرة الخليجية
ومع أن الجمود الذي ران على الثورة الشبابية اليمنية خلال تلك الفترة قد حفّـز أنصار النظام إلى استعادة زمام المبادرة ووُلِـدت لديهم نشْـوة كبْـح ومحاصرة الثورة، إلا أن تلك النَّـشوة لم تَـدُم كثيراً.
فالبادي للمتابعين، استعادة الثورة لزخَـمها الشعبي بالتَّـزامن مع دعوات التصعيد، بعد تراجُـع فُـرص التسوية السلمية القائمة على وضع آلية لتنفيذ المبادرة الخليجية، التي ظهرت أولى علامات فشلها في انقسام المكتب السياسي للحزب الحاكم، بين مؤيِّـد ومعارض، لتوصية تقضي بقيام الرئيس علي عبدالله صالح بإصدار قرار يُـفوِّض بمُـوجبه سلطاته لنائبه عبد ربه منصور، بناءً على المبادرة وعلى توصيات جمال بن عمر، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، ورَفَـضها صالح مؤخرا، ما أعاد طرح إشكالية “مواجهة التحدّي بالتحدّي”، التي يردِّدها صالح مِـراراً من جديد، لاسيما مع ما يُـبديه المحتجّـون من إصرار على التصعيد، تشاطرهم فيه المعارضة والجيش والقبائل، التي أعلنت تأييدها لمطالب الثوار بإسقاط النظام، التي رفعت خيار التصعيد السلمي.
تردد وضبابية
في سياق متصل، يمكن القول أن استعادة الثورة لزخمها، ناتجة – بنظر المراقبين والمتابعين وكما بدا من خلال تكثيف حشود المحتجين – عن عدّة أسباب وعوامل، لعل أهمها، ضبابية الجهود المبذولة من قِـبل دول مجلس التعاون الخليجي لجهة التسوية التي اقترحتها في أبريل الماضي، والتي يستشف منها المحتجّـون عدم جدية دول المجلس، عدا قطر التي انسحبت منها في وقت مبكّـر، في التفاعل مع مطالبهم في التغيير، خِـشية من تأثيراتها على الأوضاع الداخلية لتلك البلدان وسعيها إلى تسوية يمنية، تُـعزِّز فاعليتها في رسْـم الخارطة السياسية ووضع قواعد لعبتها داخل اليمن.
ووفقا لما يرصده المراقبون والمتابعون، فإن الجهود المبذولة حتى الآن في هذا الشأن يشوبها التردّد، نتيجة للمنظور التقليدي الذي حكم التعاطي مع الشأن اليمني خلال الثلاثة عقود الأخيرة من قبل دول الخليج، والذي يرجِّـح رغبتها في وجود سلطة يمنية ضعيفة في مقابل قبيلة قوية، إلا أن هذه الرغبة تصطدم اليوم بعدّة عوائق، أبرزها صعوبة هندسة الحقل السياسي اليمني بالشكل الذي كان عليه قبل موجة ثورات الربيع العربي، التي غيّـرت في شروط اللعبة السياسية الداخلية وفي اللاعبين في البلدان العربية، ومنها اليمن التي ظلت السعودية الفاعل الرئيسي في تشكيل نمط السلطة داخلها وفي محتواها.
التصعيد نحو “الحسم الثوري”
العائق الآخر، صعوبة التنبُّـؤ بمآلات ووجهة الربيع العربي، لاسيما في ظل تواتر واستمرار تداعياتها داخل كل بلد على حِـدة، وعلى مستوى الدول العربية ككل، وأدّت إلى ضبابية الموقِـف الخليجي في التعاطي مع المبادرة التي اقترحها، فضلاً أنه قلّـص من خياراته التقليدية في مواجهة المتغيِّـرات التي تعصِـف بالمنطقة العربية واليمن على حدٍّ سواء، ما أوقعها في فخّ سياسات المعايير المزدوجة، وِفق ما يردِّده المحتجون في الساحات، الأمر الذي استفزّ كثيراً من الحالمين بالتغيير وحفّـزهم على الرِّهان الذاتي، لا على الموقف الخليجي ولا الدولي، الذي بدا هو الآخر طوال الفترة الماضية تابِـع للمنظور التقليدي للدول الخليجية، إما بإحالته إلى المبادرة التي وضعوها أو إلى الجهود التي يبذلونها في هذا الشأن، وهي جهود لا تبدو مقنِـعة للشباب المحتجِّـين ولا للمجلس الوطني، الذي شدّد على التصعيد الثوري في اتجاه الحسم .
ثانيا، تسُـود قناعةٌ شديدة لدى الأوساط والفعاليات الاحتجاجية والشعبية، أن معاناة الناس من قطْـع التيار الكهربائي وانعدام وقُـود الطاقة ومضاعفة أسعاره، وما ترتَّـب على ذلك من تصاعُـد الأسعار، هو عقاب جماعي من قِـبل ما يسمونه ببقايا نظام، هدفه توجيه النِّـقمة الشعبية على المحتجِّـين، باعتبارهم السبب في ما يعانيه المواطن اليمني، إلا أن النِّـقمة، على ما يبدو، وُجِّـهت إلى النظام بفضْـل الشبكات الاجتماعية والإعلام المفتوح، التي تُـتيح توثيق وتصوير ونقْـل المعلومات والحقائق وتداولها بيُـسر وسهولة عبْـر شبكات التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية .
ثالثا، استمرار دعْـم المعارضة التقليدية لأحزاب اللقاء المُـشترك ومساندة المكوِّنات القبَـلية للثوار، وانضمام قادة بارزين في الجيش ورفضهم الموافقة على التسويات القبلية بعيداً عن تحقيق مطالب التغيير، عزّز ثِـقل جبهة الاحتجاجات الشعبية على قاعدة تغيير النظام. وعلى الرّغم من التباينات التي ظهرت في الساحات بين الاتِّـجاهات السياسية المختلفة، والتي كادت تتحوّل إلى صِـراعات في بعض الأحيان، إلا أن تلك التباينات تتراجع لصالح الاتفِّـاق على أولوية إسقاط بقايا النظام، المُـلهم لكثير من المعتصمين والمحتجين .
العامل الرابع، الذي أعاد الاحتجاجات في اليمن إلى عُـنفُـوانِـها، تَـواصُـل انتصار الثورات العربية وما ترتّـب عليها، ولأول مرة في التاريخ العربي، من مثول وخنوع للطُّـغاة والجبابِـرة العرب أمام منطق الثوار المُـطالِـب بمُـقاضاتهم عن الأفعال التي اقترفوها ضد مواطنيهم، وقد حفَّـزت بعض المشاهد التي خلّـفتها الثورات العربية، الكثير من اليمنيين إلى معانقة قِـيم جديدة وولدت قناعات أصبحت الشُّـغل الشاغل للشارع اليمني، مثل مشهد الملاحقة القضائية لزين العابدين بن علي في تونس ومحاكمة الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك ونجليه ووزراء ومسؤولين في عهده، كما أن مشهد سقوط وفِـرار عميد الحكام العرب معمر القذافي وصمود السوريين أمام دمَـوية بشار الأسد ونظامه، كلّـها مشاهد حفّـزت هِـمَـم المحتجين في اليمن وألهبت حَـماسهم، كما بدا من خلال حضورهم الكثيف وعودتهم إلى ساحات وميادين الاحتجاجات بقوة، بل وتوسعهم إلى مناطق ومُـدن جديدة، تماشياً مع دعوات التصعيد نحْـو الحسم الثوري، كرِهَـان ذاتي يردِّده المحتجون، رغم تنوّع اتِّـجاهاتهم السياسية والأيديولوجية، ونتيجة لِـما يقولون إنه خذلان إقليمي ودولي لثورتهم .
احتمالات متعددة
على ضوء هذه التطوّرات وما تحمِـله من تطلُّـعات، يبدو أن ربيع الثورة اليمنية، الذي دخل شهره الثامن، مُـقبل على مرحلة جديدة مفتوحة على كل الإحتمالات، طالما استمَـر المحتجون على إصرارهم في التصعيد، حتى تحقيق أهداف ثورتهم، فيما لا يُـبدي علي عبدالله صالح رغبة في التخلي عن السلطة، خاصة بعد أن اكتفى يوم الأحد 11 سبتمبر بتفويض صلاحياته بشأن التفاوُض مع المعارضة على آلية تنفيذ المبادرة الخليجية إلى نائبه عبد ربه منصور، بمقتضى المادة (124 من الدستور) المتعلِّـقة بتفويض سلطاته لنائبه وليس نقْـل سلطاته إلى هذا الأخير، وِفقاً للمادة (116) التي توجب تولي نائب الرئيس لمهامّ وسلطات رئيس الدولة، في حالة شغور منصبه أو عجْـزه عن أداء مهامِّـه لمدة ستين يوماً، يجري خلالها انتخاب رئيس جديد.
ومن الواضح أن تفويض السلطات إلى النائب تعني الدُّخول في مرحلة جديدة من الإنتظار من أجل الحوار حول آلية نقْـل السلطة، قد يخفق أو ينجح، وفي الحالتيْـن، يبقى مربوطا بقبول صالح أو رفضه نقْـل سلطاته، وهو أمر ترفض المعارضة الخوْض فيه قبْـل إجراء نقل السلطة، لأن أي اتِّـفاق على الآلية، سيُعلّـق بالضرورة على موافقة صالح الذي تراجَـع عنها في آخر لحظة عدة مرّات.
واشنطن (رويترز) – قالت الولايات المتحدة انها ترى “بوادر مشجعة” في اليمن وتأمل بأن توقع حكومة الرئيس علي عبد الله صالح اتفاقا سياسيا انتقاليا مع المعارضة في غضون اسبوع.
وقالت فيكتوريا نولاند المتحدثة باسم وزارة الخارجية الامريكية في بيان يوم الخميس 15 سبتمبر 2011 “الولايات المتحدة ترى بوادر مشجعة في الايام القليلة الماضية من الحكومة والمعارضة في اليمن تشير الى استعداد جديد لتنفيذ انتقال سياسي”.
واشارت نولاند الي قرار صالح في 12 سبتمبر ايلول تخويل نائب الرئيس التوقيع على خطة لانتقال السلطة تم التوصل اليها بوساطة مجلس التعاون الخليجي وقالت ان الجانبين انتهيا الان من تحديد الاطار العام لاتفاق دائم.
ويتضمن هذا تشكيل حكومة وحدة وطنية والموافقة على اجراء انتخابات رئاسية جديدة بحلول نهاية 2011 وانشاء لجنة للاشراف على الشؤون الامنية والعسكرية لحين اجراء الانتخابات.
وقالت نولاند “تعتقد الولايات المتحدة ان هذه المهام الباقية يمكن بل ينبغي انجازها بسرعة وتأمل بأن يتم التوصل لاتفاق وتوقيع مبادرة مجلس التعاون الخليجي في غضون اسبوع.”
ويتعافى صالح (69 عاما) في السعودية منذ ان اصيب بجروح بالغة في هجوم بقنبلة في يونيو الماضي وسط تزايد الاحتجاجات المطالبة بانهاء حكمه المستمر منذ 33 عاما.
وكان صالح قد تراجع عن توقيع الاتفاق الانتقالي ثلاث مرات قبل محاولة الاغتيال وعبر ائتلاف المعارضة الرئيسي عن شكوك بشان أحدث اعلان صدر عن الرئيس.
وقالت نولاند ان الولايات المتحدة ستواصل دعم عملية انتقالية سلمية ومنظمة في اليمن وانها قلقة بشان تقارير عن استمرار العنف ودعت حكومة اليمن الي حماية المحتجين السلميين والامتناع عن العنف وتقديم اولئك المسؤولين عن العنف الي العدالة.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 16 سبتمبر 2011)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.