السفير السويسري في دمشق: “الشـائـعـات مُـربـكـة جــداً”
تزداد أعمال العُنف في سوريا يوماً بعد يوم، كما يبقى الوضع الإعلامي غيْـر مُسْتَقِر. وبِحُكمِ قُربِه من الأحداث، يلُاحِظ السفير السويسري في دمشق من ناحيته، المزيدَ من الإنفتاح في النِّـقاشات السياسية مع استقطاب في الآراء.
تمتاز الأخبار الواردة من سوريا في الوقت الرّاهن، بالتناقض، كما أنَّ التحقُق منها، أمرٌ صَعْب. وكان التلفزيون السوري الرّسمي قد أعلنَ يوم الجمعة 10 يونيو عن بدءِ الجيش السوري لعملية عسكرية في مدينة جسر الشغور (في محافظة أدلب، على بعد 330 كلم شمال دمشق قرب الحدود التركية شمال غرب البلاد)، التي هزّتها أعمال العُنف، من أجل “التصدي والقبض على العصابات المُسلحة” هناك.
من ناحيَتِهِم، يتَحَدَّث الناشطون في حقوق الإنسان عن ضربةٍ أخرى للجيش ضد الانتفاضة الشعبية المُناهضة للرئيس السوري بشار الأسد. وحَسْب التقارير الواردة من الأمم المُتَّحِدة، فقد قُتِل أكثر من 1100 شخص منذ الاضطرابات التي بدأَت منذ شهر مارس 2011.
swissinfo.ch: ما الذي تشْعُر به داخل السفارة السويسرية حيال الإضطرابات الدائرة في شوارع دمشق؟
مارتن أيشباخر: هنا في دمشق مُباشرة، لا أشعر بشيء. فَمَركز المدينة هادئ تماماً. هناك مظاهرات أصْغَر في مُحيط المدينة وأكبر منها في الضواحي. أما وَسَط مدينة دمشق، فهي واحة غريبة للسلام. ويَنطَبِق الأمر ذاته على مدينة حَلَب، التي عُدْتُ منها للتَّـو. ولكني بلا شك أشعر بالتوتر الحاصل بصورةٍ واضحةٍ من خلال اللقاءات الدائرة مع الأصدقاء السوريين الذين يَنتابهم القلق الشديد.
كيف تتعرّف على الأوضاع الدائرة في البلاد؟
مارتن أيشباخر: الوضع الإعلامي صعبٌ ومتناقضٌ للغاية، ولِدرجةٍ لم أشهدْها إلّا نادِراً. أنا أتابع البرامج الحكومية السورية من على شاشة التلفزيون وكذلك محطات البث العربية، كقناة الجزيرة وقناة العربية وقناة البي بي سي العربية. بالإضافة إلى ذلك، توجد الصحُف الرسمية التابعة للدولة وصحيفة خاصة شِـبه رسمية وصُحُف قومية عربية، كصحيفة الحياة. وهناك الإنترنت بالطبع، الذي يُمكن من خلاله العثور على مواقع جيدة جداً مُختصة بالشؤون السورية.
إلى جانب ذلك، تُشكل المحادثات الشخصية مع أناسٍ ينتمون إلى أصولٍ ومناطق مُختلفة، أهمية خاصة بالنسبة لي. الأمر المُربِك جداً هو الشائعات، التي يُمكن أن تكون سِـلاحاً سياسياً أيضاً. هناك بعض الشائعات التي تُنْشَر وتُوَجَّه عن عَمد لِغرَضٍ مُعيَّـن وينشأ القِسم الآخر بسبب الخوف الذي ينتاب الناس. وعلى العموم، توفر الشائعات، معلومات حول الحالة النفسية للسكان.
هل تغيَّـرت هذه المحادثات خلال الأشهر الأخيرة؟
مارتن أيشباخر: الناس أكثر انفتاحاً، وهم يتحدثون في الشؤون السياسية بِدرجة أكبر. هذا أمرٌ جديدٌ ومدهش. وبِغَضّ النظر عمَّـن ألتقي، يتطرَّق الحديث على الفور إلى المسائل السياسية. الناس قلِقون بسبب سيادة أجواء كبيرة من عَدَم اليقين. كما لاحظْتُ نوعاً من الإستقطاب في الآراء.
هل يعني ذلك بُروز ثقافة نقاشٍ جديدة، بِمَعنى زوال الخوف من القَمع، نتيجة الإدلاء بِتعليقاتٍ نَقْدية؟
مارتن أيشباخر: نعم، إلى حدٍّ ما. في السابق، كان الرجال والنساء في سوريا، حَذرين للغاية عند الإدلاء بآرائهم، وهو أمر تغيَّـر اليوم. لقد أصبحوا أكثر انفتاحا. مع ذلك، فالأمر يعتمد أيضاً على هوية المُتحدث وظروف الحديث.
إلى أي مَدىً يُغَيّـر الوضع الراهن عمَـلكم اليومي في السفارة؟
مارتن أيشباخر: الحياة الاجتماعية تغيَّـرت كثيراً. وقد أُلغِيـَت الدّعوات إلى الحفلات الرسمية الكبيرة بالكامل تقريباً. لا تزال هناك لقاءات مع الأشخاص، ولكن في دوائِر أصغر. إِلى جانِبِ ذلك، لا توجد لدينا هنا وفود من سويسرا تقريباً، كما تقلَّص حَجْم العمل الإقتصادي والثقافي. في المقابِل، أحتاج إلى المَزيد من الوقت لِلتحليل السياسي وجَمع المعلومات.
وتَحتل مسألة رعاية الجالية السويسرية في سوريا، جُزءاً مُهِـماً من عمَـلي. وقد عُدْتُ للتَّـوّ من مدينة حَلَب، التي قُـمت بزيارتها من جُـملة أمورٍ أخرى، كي ألتقي بالسويسريين المُقيمين هناك ولِأطَّـلِع على أحوالهم.
هل غادر العديد من السويسريين سوريا؟
مارتن أيشباخر: تَنْصَح وزارة الخارجية السويسرية رَعاياها بِمغادرة البلاد، إنْ لمْ تكن هناك ضرورة لِوجودهم. ولكن جزءاً كبيراً من السويسريين في سوريا، والبالغ عددهم 210 شخصاً، هُـم من ذوي الجنسية المُزدوجة الذين يُقيمون هنا بشكل دائم، ولا يُمكن مُقارنة وضع هؤلاء بالمُغترب الذي يأتي إلى سوريا للعمل لِبِضعِ سنوات.
كذلك يَبقى الأشخاص العاملون في اللجنة الدولية للصليب الأحمر أو في السفارة السويسرية هنا أيضاً. بالإضافة إلى ذلك، يعيش ثُـلُـثي المواطنين السويسريين في مدينتيْ دمشق وحَلَب، حيث الحالة الأمنية طبيعية في الوقت الحالي. ولِحَدِّ الآن، لَم يُغادر سوريا سوى بَعض المواطنين السويسريين.
كيف تَتَصَرَّف الشركات السويسرية الناشطة في سوريا؟
مارتن أيشباخر: مُعظم الشركات السويسرية مُمَثَّـلة من قِـبَل أشخاص سوريين. وبِشَكل عام، تراجَعَت أغلَب الأعمال التجارية في سوريا. الوضع مُختلِف من صناعة إلى أخرى. فالسياحة مثلاً، انهارت تماماً.
هناك حالة خاصة مُمَثَّـلة بشركة نيستلي التي تُصَنِّع مُنتجات تتطلَّـبها الحياة اليومية والتي تستمر الحاجة إليها هنا في سوريا. ويشهد قِـطاع الزراعة أوقاتاً جيِّـدة حالياً، بسبب سقوط الأمطار أخيراً. والشيء ذاته، يُمكن أن يُقال عن قِـطاع البناء الذي ازدهر في الآونة الأخيرة بسبب أعمال البناء – غير القانونية – في مُعظم الحالات.
قبل سنتيْـن، نظَّـمت السفارة السويسرية في دمشق حفلاً مع مغنّـي الراب السويسري غرايس Greisوالذي لاقى إعجاباً كبيراً بين جموع الشباب السوري. هل ما تزال إقامة حفلٍ كهذا أمراً مُمكناً اليوم؟
مارتن أيشباخر: في دمشق، هذا مُمْكن من حيث المبدأ، وسيأتي هناك مشاهدون بالتأكيد. ولكن المزاج العام اليوم غير مُلائِم لإقامة مناسباتٍ كبيرة. وفي مثل هذه الحالات، يَطرح السؤال نفسه إن كان ينبغي العَمَل في مجال الثقافة، على الرَّغم ممَّـا يجري أم أن الظرف غير ملائم حالياً. ذلك أنَّ الحياة مأساوية في أنحاء مختلفة من البلاد، وهناك دماء تسيل.
برأيي الشخصي، أعتقد بأنَّه ينبغي المحاولة للذَّهاب إلى المناسبات الثقافية أو تنظيم فعاليات من هذا القبيل في الظروف الصَّـعبة أيضاً، ولكن ضمن حدود بالتأكيد. وفي مُعظَم المناسبات التي حَضَرتُها، كانت هناك دائماً في البداية، دقيقة صَمْتٍ على أرواح الضحايا من جميع الأطراف.
هل تتِـم حراستكم أكثر من ذي قَبْل؟
مارتن أيشباخر: على الأقل، لَم أشْعُر بذلك من ناحيتي. أنا أتحرّك بِحريةٍ في دمشق كما هو الحال دائماً. ما تغَيَّر، هو الوضع الأمني خارج العاصمة. أنا أتردّد اليوم بالخروج من المدينة بالسيارة، ما لم يَكُنْ ذلك ضروريا. فقد يَجِد المَرءُ نَفسَه وَسْط مظاهرة أو قد تُطْلَقُ عيارات نارية فجأة عند حاجزٍ للطريق. وليس بالإمكان معرفة ما هو بالإنتظار، ولاسيما أيام الجمعة والسبت. أنا لا أريد تَهويل الأمر، ولكن الوضع غيْـر آمن.
طالبت اللجنة الدولية للصليب الأحمر السلطات السورية بالوصول الفوري إلى جميع ضحايا العُنف في البلاد، بالإضافة إلى كافة المسجونين.
بِدوره، عَبَّـر جاكوب كيللينبيرغر، رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن استعداده للسفر شخصياً إلى سوريا لإقناع الحكومة هناك.
ويوم 10 يونيو الجاري، صرَّح رئيس اللجنة السويسري الجنسية في بيان نُشر في جنيف أنه “على الرغم من طلباتنا المُتكرِّرة للسلطات السورية، لم نَحْصل على الحق في الوصول إلى الأشخاص المُعَرَّضين للمخاطر”.
حتى الآن، تمكَّـنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر وجمعية الهلال الأحمر، من زيارة مُدن درعا وطرطوس وحِمْص فقط. ووِفقاً لِلمعلومات الصادرة عن اللجنة و كما أوضح رئيسها كيللينبيرغر، فقد تَمَّـتْ هذه الزيارات خلال شهر مايو الماضي وكانت لفترةٍ قصيرةٍ لم تكفِ لِتَقييم الوضع على أرض الواقع وتوضيح الاحتياجات الإنسانية.
في مقابل ذلك، توجد تقارير عديدة حول سقوط مئات القتلى والجرحى وآلاف الأسرى والمُعتَقلين، فضلاً عن آلاف الأشخاص الذين لا يجرؤون على الخروج من ديارِهم بسبب أعمال العُنف الدائِرة.
العلاقات السياسية بين سويسرا وسوريا ليست بالوطيدة جداً.
يمتاز التبادل التجاري بين البلدين، بالتواضع، رغم نموّه المسجل خلال السنوات القليلة الماضية.
تتكون الصادِرات السويسرية إلى سوريا أساسا من الآلات والمكائن والمُنتجات الصيدلانية والكيميائية.
منذ عام 2005، تقوم الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون بإدارة مكتبٍ للتعاون الإقليمي في العاصمة السورية دمشق.
تشارك سوريا في المشروع الإقليمي للوكالة السويسرية للتنمية والتعاون المُسمّى “المشرق” الذي يهتم بالقيادة الحكومية الرشيدة وتعزيز فُرَص العَمل والقضايا البيئية.
تُخَصص المساعدات الإنسانية السويسرية لِصالح اللاجئين الفلسطينيين المُقيمين في المخيمات السورية.
في عام 2009، كان هناك 196 شخصاً من الرعايا السويسريين المُقيمين في سوريا، بضمنهم 148 شخصاً من ذوي الجنسية المزدوجة.
وفي العام ذاته، وصل عدد المواطنين السوريين المقيمين في سويسرا إلى 1023 شخصاً.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.