مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

السفير العراقي في واشنطن: “أخطاء الأمريكيين في العراق.. فادحة”

swissinfo.ch

بمناسبة مُـرور ستة أعوام على الغَـزو الأمريكي للعراق، نظّـم مركز الحوار العربي في واشنطن ندوة لمُـناقشة التحدّيات السياسية والأمنية، التي تُـواجه العراق، فيما يبدو الرئيس الأمريكي الجديد عاقِـدا العزم على الانسِـحاب من العراق.

وتحدّث في الندوة، السفير العراقي في واشنطن السيد سمير الصميدعي، فاستهل حديثه بالتّـنبيه إلى أن ما يُـواجهه العراق اليوم من تحدّيات، سياسية وأمنية، تجد جُـذورا لها في القُـصور الأمريكي في الإعداد لِـما بعد إسقاط نظام الرئيس صدّام حسين بالقوّة، فلم يُـحسن الأمريكيون تقدير حجْـم القوات اللاّزمة لعملِـيات صِـيانة الأمن والاستِـقرار، ولم تكُـن لديهم خُـطط واضحة لإدارة شؤون البلاد بعدَ تسريح الجيش والأجهزة الأمنية وتفكيك مؤسّـسات الدولة العراقية، وهو ما حوّل العراق إلى أرضٍ خصبةً، مَـارَس عليها المتطرِّفون، من الداخل والخارج، العُـنف لتحقيق مآربهم السياسية، وسُـرعان ما أصبح الشعب العراقي ضحِـية، فيما بين تطلّـعه للخلاص من سطوة حُـكم صدّام حسين والرّغبة في الخلاص ممّـا خلّـفته الحرب في العراق من ضحايا وتدمير وانهيار لمؤسسات الدولة، بل وتمزّق النسيج الاجتماعي للشّـعب العراقي.

وأقرّ السفير العراقي في ندوته بمركز الحوار، أن مِـن أهَـم الأخطاء التي وقَـعت فيها الولايات المتّحدة في العراق، كان إسناد قِـيادة سُـلطة الحُـكم المؤقّـت لبُـول بريمر، الذي كان جاهِـلا تماما بالشأن العراقي، ولم يكّـن مؤهّـلا على الإطلاق لتولّـي ذلك المنصب، ممّـا فتح الباب على مِـصراعيْـه لسلسلة من الأخطاء القاتلة خلال سنوات الاحتلال الست، بدءً بحلِّ مؤسّـسات الدولة ومُـرورا بإهدار الموارد العراقية وتبديدها ووُصولا إلى عملِـيات القتل والدّمار والاعتداءات، التي تعرّض لها المواطنون العراقيون في الحُـديْـثة وغيرها، بالإضافة إلى الانتهاكات الفاضِـحة لحقوق الإنسان، التي وقعت في سِـجن أبو غريب.

وأشار السفير العراقي، إلى أن الانقسامات التي تشهَـدها الساحة العراقية، تجِـد تفسيرا لها في أخطاءَ أخرى وقَـعت فيها الولايات المتّحدة في التّـعامل مع العِـراقيين على أساسٍ طائفي ودِيني.

جرّب الأمريكيون الحلول الخاطِـئة أولا

ووصف السفير العراقي في واشنطن اختلاف المسلَـك الأمريكي في العراق في الفترة الأخيرة، بالمقارنة مع بِـداية التعاملات الأمريكية كقُـوة احتِـلال، بأنها تطبيق حيّ لمَـقُـولة رئيس الوزراء البريطاني الرّاحل ونستون تشرشل: “الأمريكيون يبدؤون دائما باستِـخدام كلّ الحلول البديلة المجافية للصّـواب، لكنهم يتوصّـلون في النِـهاية إلى القرار الصحيح”.

فبدلا من الدّخول بخطّـة مدروسة تكفل النّجاح وتتصدّى لكل احتمالات ما بعد انتهاء الحرب، جرب الأمريكيون كل السُّـبل البعيدة عن تحقيق النجاح، ليصلوا في نهاية المطاف إلى القرار الصحيح بزيادة عددِ القوات وتغيير المهمّـة، لتتلاءم مع أوضاع ما بعد انتهاء العمليات العسكرية.

وأوضح السفير الصميدعي، إلى أن الولايات المتحدة مرّت في العِـراق بتجارب، أكثرها جانَـبه الصّواب وتوصّلت إلى قناعة بأنها تخسِـر الحرب في العراق، مما دفعها إلى البحث عن إستراتيجية بديلة لتوفير الوضع الأمني الأفضل وتوفير الحماية للمواطنين العراقيين، بدلا من الاقتِـصار على توفير الأمن للقوات الأمريكية. وعندما بدأ العراقيون يشعُـرون بزيادة الأمن، بدؤوا في التّـعاون مع القوات العراقية لمُـواجهة عمليات التمرّد واحتواء دائرة العُـنف، وكانت البداية في الأنبار ضدّ عناصِـر تابعة لتنظيم القاعدة، وسُـرعان ما تكرّر نمَـط التعاون ومجالس الصّحوة في مناطق أخرى من العراق.

وركّـز السفير العراقي في ندوة مركز الحِـوار، على الدّور الجوهري الذي لعِـبه الشعب العراقي في مُـقاومة خُـطط تفتيت الجسَـد العراقي، برفض كلّ دعاوى التقسيم، رغم الخِـلافات الحادّة والتّـنافس المُـحتدم بين مختلف أطياف القِـوى السياسية العراقية على السلطة والنفوذ، بل على الموارد والثروات، ورغم التّـدافع الخارجي والإقليمي من أجل بسْـط قَـدر من النفوذ على عِـراق المستقبل.

وعاد السفير العراقي بذاكِـرته إلى اقتراح تقسيم العراق إلى ثلاث دُويلات، للسُـنة والشيعة والأكراد، الذي طرحه السِّـناتور الديمقراطي جوزيف بايدن، عندما كان رئيسا للجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ، في ذِروة الخلافات والانقسامات والمشاحنات بين الفئات العراقية، غير أن بُـزوغ خطر التقسيم بمجرّد الدّعوة إليه كحلّ عَـملي في مواجهة تعثُّـر عملية المُـصالحة الوطنية، وحّـد صفوف العراقيين فتركوا خلافاتهم جانبا ووقفوا صفّـا واحدا إلى جِـوار الحفاظ على وِحدة العراق وسلامةِ ووحدةِ أراضيه، وتعالت الأصوات بضرورة الحِـفاظ على دولة عراقية مُـوحّـدة.

الأمل في عِـراق المستقبل

وعدّد السفير العراقي في واشنطن المشاكل والتحدّيات، التي تعترِض سبيل العراق في المرحلة القادمة على النحو التالي:

أولا، التباطؤ في سُـرعة تعافي العِـراق من سنوات الحرب والاحتلال، بسبب هجرة أفضل الخِـبرات العراقية إلى خارج البلاد، بسبب تردّي الأوضاع الأمنية والمعيشية، وهو ما أدّى إلى ترك فراغٍ في مدى توفّـر الخِـبرات التي تمسّ إليها حاجة العراق لإعادة البناء والتعمير والنهوض بمؤسسات الدولة.

ثانيا، التأثيرات والانعكاسات السّـلبية للأزمة الاقتصادية العالمية على فُـرص نُـموّ وانتِـعاش الاقتصاد العراقي، وخاصة انخِـفاض حصيلة صادرات البِـترول العراقية.

ثالثا، استمرار التنافُـس السياسي على السلطة والموارد وتأخّـر المصالحة الوطنية العراقية، مع ترسيخ الانقسامات بين القِـوى السياسية والأطياف العِـرقية، من خلال الأطواق الأمنية التي نصَـبتها القوّات الأمريكية في مناطِـق شهِـدت صراعات بين الفئات المُـتصارعة بشكل كرّس الانقسامات والشّـعور بمنطِـق الكانتونات المُـنفصلة، مع عدم سِـيادة مفهوم المُـواطنة، الذي يَـحُـول دون التّـفريق على أساس طائفي أو عِـرقي أو دِيني أو حزبي.

رابعا، الخوف من المُـستقبل، إذا لم تتمكّـن القِـوى السياسية والفِـئات العراقية من التوصّـل إلى صيغة حقيقية للمُـصالحة الوطنية، خاصة بعد إمعان رئيس سُـلطة الحُـكم المؤقّـت بُّـول بريمر في تكريس التفرقة بين العراقيين، على خطوط تفصل ما بين ما هو سُـني وما هو شيعي وما هو كردي.

إلا أن السفير العراقي سمير الصميدعي أعرَب عن الأمَـل في مستقبلٍ أفضَـل للعراق، واستشهد بعدّة مؤشِّـرات منها:

أولا، أن كافة الفِـئات العراقية المُـتنافسة سلّـمت بحقيقة أنه سيكون من المُـستحيل أن تنفرِد طائفة أو فئة عراقية معيّـنة بحُـكم العراق أو أن يكون لها وحدها اليَـد العليا في إدارة شؤون البلاد.

ثانيا، إدراكُ كلّ القِـوى السياسية في العراق، لحقيقة أنه لن يكون بوسْـع أيٍّ منها استِـخدام العُـنف والقوّة، لتحقيق أهدافها السياسية، وهو ما يفسِّـر مشاركة كل القِـوى السياسية العراقية في الانتِـخابات المحلية، التي جرت في العراق قبل شهرين، لاقتِـناع الجميع بأن الوُصول إلى السلطة، سواء على المستوى المحلّـي أو القومي، لن يكون إلاّ مِـن خلال صناديق الانتخابات.

وخلّـص السفير الصميدعي في ندوته بمركز الحوار العربي في واشنطن، إلى أن العراقيين يُـدركون أن المهمّـة أمامهم ستكون صَـعبة وطويلة وحافلة بالمشاق، بل ولن يعود الهدوء والاستِـقرار الكامل إلى الشارع العراقي بين ليلة وضحاها، فستكون هناك دائما مُـحاولات لتنفيذ حوادِث تفجيرٍ انتحارية، ولكن ما يُـطمئن، هو أنه لن يكون هناك صِـراع مسلّـح بين الفئات العراقية.

محمد ماضي – واشنطن

بغداد (رويترز) – بعد مرور ست سنوات على اليوم الذي أضاءت فيه الصواريخ الامريكية سماء بغداد في بداية حرب العراق، أصبحت رؤية مشهد المركبات الامريكية التي تجوب شوارع العاصمة المتربة نادرة بشكل متزايد، مما يعطي مؤشرا على انسحاب القوات الامريكية القريب. ويلقي الاعلان عن انهاء الاحتلال الذي تقوده الولايات المتحدة بظلاله على كل شيء في عراق اليوم، حيث تسعى الحكومة المبتلاة بالخصومات جاهدة لوضع نهاية لاعمال العنف التي قتلت عشرات الالاف وأدت الى نزوح 4.7 مليون شخص منذ عام 2003 ولجمع شتات الاقتصاد والمجتمع اللذين مزقتهما الحرب. وتركز خطة واشنطن لسحب جميع القوات بحلول عام 2012 الاهتمام على ما اذا كان العراق يستطيع تجنب تفجر أعمال العنف مجددا، وما اذا كان بوسعه نزع فتيل الخلافات الحادة على النفط والسلطة.

ويقول حازم النعيمي، المحلل السياسي ببغداد، ان الاعوام الستة التي أعقبت الاطاحة بصدام حسين، أصابت اقتصاد العراق وصراعاته السياسية وأمن شعبه بحالة من الصدمة. وأضاف “الشيء الوحيد الذي تغير، هو اننا الان نستطيع رؤية ضوء في نهاية النفق، لكن يبدو ان السنوات الست الماضية غير كافية للوصول الى هذا الضوء. وبعد سنوات من أعمال العنف المفجعة، تكدست خلالها الجثث على أرصفة بغداد بالعشرات كل يوم، انخفض العنف بالعراق الى أدنى مستوياته منذ أواخر صيف 2003. ويعزو المسؤولون الامريكيون الفضل في انخفاض معدلات العنف الى الزيادة التي شهدتها اعداد القوات بالعراق عام 2007 والتعاون من قبل شيوخ العشائر السُـنية الذين ضاقوا ذِرعا بالتكتيكات الوحشية التي اتّـبعها تنظيم القاعدة وثقة الحكومة المتزايدة.

وظهر رئيس الوزراء نوري المالكي، الذي كان يُـنظر اليه ذات يوم على أنه ضعيف، في صورة الزعيم القوي بعد مكافحته للميليشيات الشيعية العام الماضي ويعزو الكثير من العراقيين الفضل اليه الان في التحسن الشديد بالاوضاع الامنية. لكن أماكن مثل الموصل في شمال العراق، حيث نجا المسلحون السُـنة من سنوات من الهجمات، ما زالت واقعة في قبضة العنف اليومي. وفي أنحاء العراق، ما زال المسلحون قادرين على شنّ هجمات على نطاق كبير. وفي الشهر الحالي وحده، قتل اكثر من 60 في تفجيرات انتحارية كبيرة ببغداد على مدار ثلاثة ايام. وينحي البعض، مثل المحلل غسان العطية، باللائمة على الولايات المتحدة في إشعال القتل الطائفي والعرقي، حيث سعت في الايام الاولى الى تمكين الاغلبية الشيعية التي كانت مهمّـشة في ظل نظام صدّام، الذي قاده السُـنة، ولتشكيل حكومة تمثل الاغلبية.

وقال العطية، الذي يرأس المعهد العراقي للتنمية والديمقراطية “لقد فشلوا في فهم العراق وارتكبوا أخطاء جسيمة تعزِّز في الاساس الانقسامات بين العراقيين”. واليوم، ينظر الى نهج الجيش الامريكي على أنه اكثر دهاءً، حيث يقوم بدرجة اكبر على التواصل مع المجتمع وتعليم قوات محلية تتّـسم بالكفاءة، لكن اكثر استقلالا بكثير، بدلا من استخدام القوة المطلقة، لكن البعض يقول إن الاوان قد فات. وأضاف العطية أن “المارد خرج من القمقم والمجتمع الان مستقطب بين القوى الطائفية والعرقية”. وبعد أن حقّق نجاحا باهرا في الانتخابات المحلية، التي جرت في يناير، صعد المالكي من نداءاته بالمصالحة بين الفصائل المتناحرة بالعراق، بما في ذلك الصفح عن حلفاء صدام. لكن البعض يشكون في اخلاص المالكي. وظهرت تحذيرات، أبرزها من شمال العراق، حيث تمتعت الاقلية الكردية بحُـكم ذاتي نِـسبي، بشأن مخاطر وجود زعيم أكثر قوة ببغداد.

ومع تراجع عُـنف المسلحين، يرى البعض تهديدا كبيرا في التوتر المتزايد بين المالكي والاكراد المتشبثين بمطالبهم الخاصة بموارد النفط والمناطق الحدودية المتنازع عليها. وقال مسؤول أمريكي في بغداد “على مدار الشهرين الماضيين شهدنا محاولات أقل لتضييق الهوّة (بين الاكراد والعرب)، وبعض المحاولات لاحراق الجسور”. ويبدو عمق هذه الانقسامات واضحا في جمود الموقف بشأن السيطرة على مدينة كركوك، التي يزعم الاكراد أحقيتهم فيها، بوصفها موطن أجدادهم، على الرغم من اعتراضات التركمان والعرب بالمدينة. وتسعى منظمة الامم المتحدة الى الوصول الى حل وسط، لكن لا توجد مؤشرات على أن ايا من الجانبين سيتراجع، كما عطلت الخلافات بين الاكراد والعرب قانونا وطنيا جديدا للنفط، يعتبره الراغبون في الاستثمار تمريره الضوء الاخضر لضخ رأس المال الى العراق. وتسلط هذه التوترات الضوء على التحديات التي تواجه العراق في تحقيق الوحدة السياسية قبل الانتخابات العامة، التي تجري في العام الحالي 2009 والتي ستكون اختبارا، لكيف يمكن أن تستمر هذه الديمقراطية الشابة.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 17 مارس 2009)

الأكثر قراءة
السويسريون في الخارج

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية