“السلام الأزرق”.. مبادرة تسعى لتحويل المياه إلى عامل سلام في الشرق الأوسط
أطلقت الرئيسة السويسرية مؤخرا مبادرة للتعاون بين دول الشرق الأوسط في مجال المياه تحمل شعار "السلام الأزرق". وفيما جاءت الخطوط العريضة للمبادرة ضمن تقرير أعد بتمويل سويدي - سويسري أطلق عليه شعار "الدبلوماسية الزرقاء"، يرى خبير عربي في مجال المياه أنها تأتي في توقيت "غير ملائم".
شهدت مدينة جنيف بعد ظهر يوم الخميس 10 فبراير 2011 إطلاق مبادرة جديدة تسعى إلى تحويل عنصر المياه في منطقة الشرق الأوسط، إلى عنصر سلام، بدل كونه عاملا لتأجيج الصراع والحروب.
وصرحت ميشلين كالمي – ري، رئيسة الكنفدرالية ووزيرة الخارجية أن هذه المبادرة التي تشترك فيها كل من سويسرا والسويد، ستعمل “على تحويل المياه في الشرق الأوسط إلى مادة لها نفس أهمية النفط وبإمكانها أن تمثل بالنسبة لبلدان المنطقة، ما مثلته مادة الفحم والحديد والصلب بالنسبة لأوروبا في بداية مشوارها”، في إشارة الى نواة التعاون الصغيرة الأولى التي تأسست في بداية الخمسينات من القرن الماضي وأدت لاحقا إلى تشكل الإتحاد الأوروبي في صيغته الحالية.
“السلام الأزرق”
ترتكز مبادرة التعاون في مجال المياه في منطقة الشرق الأوسط، على تقييم لمشكلة المياه في المنطقة تضمنه تقرير أعدته مجموعة التنبؤات الإستراتيجية الهندية بتفويض سويسري – سويدي، الذي نُـشـر تحت عنوان “السلام الأزرق أو ضرورة إعادة النظر في قضية المياه في الشرق الأوسط”.
التقرير الذي اشتمل على 150 صفحة، تطرق لجرد لواقع مخزون المياه في المنطقة اليوم، والتحديات والمخاطر المؤثرة في ظاهرة شح المياه بالمنطقة، سواء بسبب التغيرات المناخية أو الزيادة الديموغرافية أو التوسع العمراني وتعميق عدم الثقة، وكذا العقلية التي يتم بها التعامل مع مشكلة المياه وما قد تقود إليه مع استمرار شح المياه.
ومن أهم النتائج التي توصلت إليها هذه الدراسة، المعتمدة الى حد كبير على تقارير دول المنطقة، أي تركيا والعراق والأردن وسوريا ولبنان وفلسطين وإسرائيل أن ارتفاع درجة الحرارة بالمنطقة خلال الـ 50 الى الـ 70 عاما القادمة، قد يزداد بما بين 2،5 الى 3،7 درجة مئوية في الصيف، وبما بين 2 الى 3،1 درجة مئوية في الشتاء، وهو ما سيعمل على تسريع نسبة تبخر المياه السطحية. ومن النتائج المترتبة على ذلك، نقص في تهاطل الأمطار وسرعة في مساحة التصحر في كل من تركيا وسوريا والعراق والأردن.
كما ستؤدي هذه التطورات إلى انخفاض منسوب المياه في البحر الميت من 390 مترا تحت مستوى سطح البحر في الستينات الى 420 مترا في الوقت الحاضر. بل إن مستوى الانخفاض سيصل الى 450 مترا تحت مستوى سطح البحر بحلول عام 2040، وهو ما سيكون له تأثير على مساحة البحر الذي يرى الخبراء أنه سيتحول الى بحيرة في غضون 50 عاما، قبل أن يندثر نهائيا. ونفس الشيء، يهدد منطقة الأهوار العراقية التي يقول التقرير إن مساحتها الإجمالية تقلصت بحوالي 90%.
في سياق متصل، سجل انخفاض في موارد المياه العذبة المتجددة في الطبقة الجوفية الجبلية، التي تتقاسمها كل من إسرائيل وفلسطين ما بين عامي 1993 و2010 بنسبة 7%، مما يتطلب تصحيحا للمعطيات المتداولة في المحافل التفاوضية بين الطرفيين. إضافة الى ذلك، يشدد التقرير على ضرورة تعزيز بناء الثقة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، وهو ما دفع الساهرين على المبادرة لاستثناء الطرفين من خطوات التعاون العملية الأولوية، التي تقتصر على كل من تركيا وسوريا والأردن ولبنان والعراق.
استمرارية لمبادرة جنيف
وللتوصل الى توفيق بين آراء الشركاء المختلفين، تم تنظيم سلسلة من اللقاءات، نذكر منها لقاء مدينة مونترو بسويسرا في شهر فبراير 2010 ولقاء في عمان بالأردن في شهر مايو 2010 ولقاء آخر في سانليورفا بتركيا.
وترى رئيسة الكنفدرالية في ردها على احد الأسئلة بأن “هذه المبادرة هي استمرارية لمبادرة جنيف، التي قالت عنها إنها لم تمت، بل وضعت نقاطا يعتمد عليها بين الأطراف المختلفة في المحادثات من أجل تحقيق بعض التقدم في النقاط التي تعرف تأزما”.
أما جون دانيال روخ، السفير المكلف بملف الشرق الأوسط في وزارة الخارجية فيعتبر أنه “على الرغم من مرور المنطقة بتقلبات سياسية كبرى”، في إشارة الى ما حدث في تونس ويحدث في مصر، “فإن هذه الخطوات (مبادرة جنيف ومبادرة السلام الأزرق)، تمهد الطريق لحلول ممكنة، عندما تصبح الأوضاع السياسية ناضجة”.
توصيات بمثابة خارطة طريق
ومن النتائج التي توصلت إليها الدراسة، عشر توصيات ينظر لها على أنها خارطة طريق لتوضيح ما يجب القيام به على المستويات القصيرة والمتوسطة والطويلة، وبالنسبة لمختلف الدوائر ذات الاهتمام المشترك، إذ حددت الدراسة توصيات على المدى القصير، تتمثل في تشكيل مجلس تعاون في مجال الموارد المائية، يقتصر على كل من تركيا وسوريا والعراق ولبنان والأردن، ويستثني إسرائيل وفلسطين، في انتظار أن تحل المشكلة السياسية. وقد رصدت لهذا المجلس إدارة التنمية والتعاون السويسرية ميزانية لإعداد دراسة عن مقوماته، ستكون جاهزة في نهاية عام 2011.
وعلى المدى المتوسط، هناك عدة آليات لتنظيم التعاون المائي في المناطق الشمالية وفي منطقة حوض نهري دجلة والفرات. أما على المدى الطويل، فهناك اقتراحات لمشاريع متعددة، بعضها يتمثل في إقامة محطات لتحلية المياه، تشترك فيها عدة دول متجاورة أو مشاريع تصدير مياه عبْـر الأنهار من دول لها فائض مائي، مثل تركيا.
وهناك مشاريع عملاقة على المدى الطويل أيضا، مثل مشروع البحر الميت بين الأردن وإسرائيل وفلسطين، والمتمثل في إقامة أنابيب لجلب مياه من البحر الأحمر. ومن النقاط التي تحتاج الى إيجاد حل مشكلة بحيرة طبرية المتنازع عليها بين إسرائيل وسوريا والتي يقترح التقرير “اعتبارها منطقة ذات انتفاع مشترك بين الطرفين لفترة زمنية محددة” بغرض تسهيل استغلالها بطريقة مدروسة. وتشكيل لجنة خبراء تقدم اقتراحات تكون جاهزة لحل المشكلة، عندما تتوفر الإرادة السياسية لدى الطرفين للحل.
أما عن الوضع الفلسطيني الإسرائيلي، فنلاحظ ان التقرير خصص له توصيتين: الأولى، عبارة عن حلول مؤقتة للوضع الفلسطيني، والمتمثلة في محطات محلية لاستخراج المياه تشتغل بالطاقة الشمسية او بالوقود العضوي، ومحطات مركزية لمعالجة مياه الصرف من جهة وإجراءات تعزيز الثقة بين الطرف الإسرائيلي والفلسطيني من جهة أخرى، عبر لجان المياه المشتركة، ومرافق التحكم في المياه ولجان مراقبة التلوث البيئي.
وتشير هذه التوصية إلى أن بعض الخبراء الإسرائيليين يوافقون على ما جاء في الملحق الثاني من مبادرة جنيف، الذي يقترح ضرورة الإشراف على الموارد المائية عبر “هيئات متكافئة في الصلاحيات”، في انتظار التوصل الى حل سياسي بين الفلسطينيين والإسرائيليين ولكن جميع هذه المشاريع تظل مرهونة بالتطورات السياسية في المنطقة وبمدى تدخل المجموعة الدولية في دعم هذا التمشي وتمويله.
في تعليق له على ما جاء في مبادرة سويسرا والسويد حول “استخدام المياه كوسيلة سلم بدل عامل صراع” في منطقة الشرق الأوسط، يرى نضال سليم، مدير المعهد العالمي للمياه والبيئة والصحة، أن “هذا التقرير لم يأت بشيء جديد عما قيل منذ عشر سنوات او أكثر في أوساط الخبراء المتتبعين لواقع المياه في الشرق الأوسط”.
ويرى الخبير، الذي كان مسؤولا عن ملف المياه في إدارة السلطة الفلسطينية قبل أن يستقر في جنيف أنه “عند الحديث عن المياه في الشرق الأوسط، يجب أن لا نخلط الأوراق، لأنه عندما نتحدث عن المياه في الشرق الأوسط، يجب أن نفرق بين الحديث عن المياه في منطقة تركيا وسوريا والعراق، وبين الحديث عن الوضع الفلسطيني – الإسرائيلي – الأردني، لأن خلط الأوراق قد يعقد الأمور أو يؤدي الى حلول إقليمية قد تخدم مصلحة ما”.
من جهة أخرى، يرى الخبير نضال سليم، أنه “عند الحديث عن شح المياه في منطقة الشرق الأوسط، يجب التفريق بين الشح الطبيعي في بعض المناطق، وليس في كل المناطق، وهناك الشح الاقتصادي وشح فريد من نوعه تعرفه المنطقة، وبالأخص بين فلسطين وإسرائيل، وهو الشح الناتج عن سيطرة الاحتلال على مصادر المياه”.
ويعترف الخبير في ميدان المياه بأن التقرير يتضمن “مقترحات إيجابية وقابلة للتطبيق” فيما يتعلق بالمسائل الخاصة بتركيا والعراق وسوريا. ويعتبر أن ذلك “أصبح ممكنا بسبب التطورات السياسية وبالأخص بسبب الدور الذي تلعبه تركيا كلاعب أساسي”.
لكن عند الحديث عن الوضع مع إسرائيل، يعتبر نضال سليم أن “التوقيت الذي تم اختياره لنشر التقرير وإطلاق المبادرة، غير ملائم، لأن الحديث عن تعاون إسرائيلي تركي في مجال المياه، الذي يتطلب مقدارا من الثقة ومن الإرادة السياسية يأتي في وقت تعرف فيه العلاقات بين البلدين توترا”. يضاف الى ذلك، فيما يتعلق بالعلاقات الإسرائيلية الفلسطينية “يوجد تأزم في المسار السلمي”.
ومن الانتقادات التي يوجّهها الخبير نضال سليم إلى هذه الدراسة، إهمالها إدماج ملف النيل ويقول: “عند الحديث عن المياه في الشرق الأوسط، يجب إدماج نهر النيل، لأنه يمثل عنصرا حيويا، خصوصا وأن الدول المعنية بمياهه، لم تعد عشر دول، بل أحد عشر بعد انفصال جنوب السودان عن شماله”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.