السياسة الخارجية لسويسرا بين عـهـديْـن.. وتحديات جديدة في الأفـق
في العام المقبل، يُـنتظر أن يواجِـه المسؤول الجديد عن وزارة الخارجية، تحديات جمّـة، تشمل العلاقات مع الإتحاد الأوروبي ونوعية المشاركة في الأمم المتحدة وملف الحياد.
ومن المؤكّـد أن المهمة لن تكون يسيرة، بالنظر إلى حجم الإانقسامات التي تشُـق الأحزاب المشاركة في الإئتلاف الحكومي، بشأن أهداف السياسة الخارجية السويسرية.
وبالتزامُـن مع الإعلان عن استقالتها بحلول موفى السنة الجارية، حذرت ميشلين كالمي – ري، وزيرة الخارجية يوم 7 سبتمبر من أن “الترابط بين الدول يزداد قوة يوما بعد يوم، كما أن العديد من القرارات تُـتّـخذ في إطار قِـمم دولية، مثل مجموعة العشرين. إضافة إلى ذلك، أصبحنا معرضين إلى مخاطر كونية، كالإرهاب والهجرات أو التغيرات المناخية. وكل هذا، يؤثّـر أكثر فأكثر على سياستنا الخارجية.. فالحدود الفاصلة بين السياسة الداخلية والخارجية، تزداد تضاؤلا”.
ورغم التغييرات المتسارعة على الساحة الدولية، لم تنجَـح الأحزاب الكُـبرى بعدُ في التوصّـل إلى تفاهُـم حول الملفات الرئيسية، المُـرتبطة بالعلاقات مع الخارج. وعلى مدى العشرين سنة المنقضية، دُعِـي الشعب السويسري إلى الإدلاء برأيه بشأن قضايا تتعلق بالسياسة الخارجية، بوتيرة تفوق ما شهِـده القرن المُـنقضي بأكمله. وعلى سبيل المثال، شهدت سويسرا منذ عام 1992 تنظيم ثمانية اقتراعات فدرالية حول ملف العلاقات مع الإتحاد الأوروبي لوحده.
“حياد نشـط”
على صعيد آخر، يفتقِـر السويسريون إلى إجماع ورؤية واضحة، بشأن الكيفية التي يتوجّـب على بلادهم أن تتّـخذ لنفسها موقعا في العالم منذ نهاية الحرب الباردة أو بكلمة أخرى، منذ أن تراجعت أهمية وضعية الحياد ولم تعُـد كافية لوحدها، لتبرير دور الوسيط التقليدي للدبلوماسية السويسرية.
خلال السنوات الأخيرة، سعت ميشلين كالمي – ري إلى تعزيز حضور سويسرا على الساحة الدولية، عبر انتهاج سياسة “حياد نشِـط” وأطلقت على سبيل المثال، مبادرات عدة من أجل أن تُـتيح للكنفدرالية إمكانية لعِـب دور الوسيط في النزاعات الإقليمية من جديد وأن تتموقع أيضا، باعتبارها فاعلا يحظى بالإعتراف في مجال حقوق الإنسان.
وفي هذا السياق، قالت الإشتراكية التي قادت الدبلوماسية السويسرية منذ يناير 2003، “إنني على قناعة بأنه إذا ما أردنا الانغلاق على أنفسنا وبناء جُـدران من حولنا، فإننا لا نخدِم مصالح سويسرا. فمن أجل الحفاظ على الازدهار والأمن والسيادة الوطنية، يجب علينا على العكس من ذلك، الإعتناء بشكل أكبر بشبكة علاقاتنا وتعزيز إسهامنا على المستوى الدولي”.
المزيد
الحياد
انتقادات اليمين
على عكس ما يعتقد البعض، قوبِـلت المبادرات التي أطلقتها ميشلين كالمي – ري في معظم الأحيان بانتقادات شديدة داخل سويسرا، وخاصة من طرف اليمين المحافظ المناهض لأي سياسة حياد نشِـطة. وفي هذا الصدد، يقول أولريخ شلوير، النائب عن حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي) “الحياد، يعني الإحجام عن أي تدخّـل والبقاء في صمت وعلى جانب. فبهذه الطريقة فسحب، تُـضمن مصالح سويسرا والأطراف المتنازعة، التي تبحث عن وسيط لإطلاق حوار بكل هدوء وبعيدا عن الأنظار”.
ويضيف البرلماني اليميني أن “تحركات ميشلين كالمي – ري على الساحة الدولية، سمحت لها بالظهور بشكل فُـرجوي أمام وسائل الإعلام وتلبية غرورها الشخصي، لكنها (أي التحركات) لم تصلُـح لأي شيء، بدءً بعبورها للخط الفاصل بين الكوريتين أو ألحقت الضرر بسويسرا مثل ظهورها بالحجاب في طهران، الذي أثار التململ من الجانب الأمريكي والإسرائيلي”.
تبعا لذلك، ينتظر أولريخ شلوير تغيُّـرا في الوجهة من طرف المسؤول المقبل عن الدبلوماسية السويسرية، ويقول: “نحتاج إلى وزير خارجية قادر على إعادة الاعتبار إلى القيم القديمة لحياد مؤسس على الحذر والتحفظ”.
حيوية وخِـبرات
في مقابل ذلك، تُـقابَـل السياسة الخارجية، التي انتهجَـتها الوزيرة الإشتراكية، بتأييد واسع من طرف اليسار. ويُـلاحظ كارلو سومّـاروغا، النائب عن الحزب الاشتراكي في الغرفة السفلى للبرلمان أنه “في عالم يزداد عولمة يوما بعد يوم، يجب على سويسرا أن تتحرّك بحيوية وأن تُـقيم الدليل على خِـبرة محدّدة في نقاط قوتها (مثل): القانون الإنساني وتوسيع مجال القانون الدولي العام والوساطة. فالتدخّـل في هذه المجالات، يشتمل أحيانا على بعض المخاطِـر، لكنها الوسيلة الوحيدة كي نتمكّـن من التواجد على المستوى الدبلوماسي في العالم”.
هذا الموقف يشاطره جزءٌ هام من ممثلي أحزاب الوسط، بالرغم من وجود العديد من التحفظات بخصوص العمل الذي أنجزته المسؤولة الأولى عن وزارة الخارجية. وتقول كريستا ماركفالدر، النائبة عن الحزب الليبرالي الراديكالي: “بكل تأكيد، لا يُـمكن الخلط بين الحياد والسلبية. ففي المستقبل أيضا، سيتوجب على سويسرا انتهاج سياسة خارجية نشِـطة للدفاع عن الحقوق الإنسانية وتعزيز السِّـلم”.
وتضيف البرلمانية أنه “في هذا السياق، نجحت ميشلين كالمي – ري بالتأكيد في إضفاء قدر أكبر من الحضور على السياسة الخارجية السويسرية، إلا أن العديد من مبادراتها لم تقترن بالنجاح المأمول، كما أنها لم تتصرّف بالشكل الأفضل فيما يرتبط بالعلاقات مع الاتحاد الأوروبي بوجه خاص، وذلك في مرحلة عسيرة جدا، بالنسبة للمفاوضات”.
المزيد
الاتفاقيات الثنائية
اعترافٌ وإيجابيات
سياسة الحياد النشِـط لا زالت مثار جدل وانقسام في صفوف الأحزاب والطبقة السياسية، لكنها تُـقابل بتقييمات تتسم بقدر كبير من الإيجابية من طرف المنظمات العاملة في مجالات الدفاع عن حقوق الإنسان وتعزيز السِّـلم والاستقرار.
في هذا السياق، يرى لوران غوتشل، مدير المؤسسة السويسرية للسلام Swisspeace أن “انخراط الدبلوماسية السويسرية في العديد من عمليات السلام – مثلما هو الحال في الشرق الأوسط وإفريقيا أو القوقاز – لا يُـمكن أن يُـسفِـر دائما عن نتائج على المدى القصير، لكنه يسمح في المقابل بإقامة علاقات، سواء مع شركاء إقليميين أو مع القوى الكُـبرى، ويمنح بالتالي لسويسرا، شكلا من أشكال الاعتراف وأهمية ذاتية، على المديين، المتوسط والبعيد”.
تقييمات إيجابية صدرت أيضا عن مانون شيك، مديرة الفرع السويسري لمنظمة العفو الدولية، التي قالت: “لقد سجّـلت السياسة السويسرية الخارجية تطورات مختلفة في السنوات القليلة الماضية، وخاصة من أجل تحسين آليات تطبيق الحقوق الإنسانية في إطار المنظمات الأممية. فعلى سبيل المثال، كافحت سويسرا من أجل إنشاء مجلس حقوق الإنسان في جنيف، الذي تلعب فيه اليوم دورا قياديا في معظم الأحيان في الدفاع، على سبيل المثال، عن حقوق المِـثليين أو لمناهضة عقوبة الإعدام”.
منذ التحاقها بالحكومة الفدرالية في 1 يناير 2003، أشرفت الاشتراكية ميشلين كالمي – ري على تسيير وزارة الخارجية السويسرية.
يوم 7 سبتمبر 2011، أعلنت عن قرارها الاستقالة من منصبها قبل موفى السنة.
يوم 14 ديسمبر 2011، سيتم انتخاب خلفها من طرف أعضاء البرلمان الفدرالي (مجلسي النواب والشيوخ)، في إطار العملية الدورية لإعادة انتخاب جميع أعضاء الحكومة السويسرية.
خلال السنوات التسع التي قضّـتها على رأس وزارة الخارجية السويسرية، “فازت” ميشلين كالمي – ري في جميع الاقتراعات الفدرالية المتعلِّـقة بالسياسة الخارجية.
5 يونيو 2005: وافق الشعب بـ 54،6% من الأصوات المؤيِّـدة على انضمام سويسرا إلى اتفاقية شنغن ومعاهدة دبلن.
25 سبتمبر 2005: أيّـد 56% من الناخبين توسيع مجال تطبيق اتفاقية حرية تنقل الأشخاص بين سويسرا والاتحاد الأوروبي لتشمل عشرة من الأعضاء الجُـدد في الاتحاد.
26 نوفمبر 2006: أعرب 53،4% من السويسريين عن موافقتهم على مساهمة برن بمليار فرنك في ميزانية الاتحاد الأوروبي، تُـخصَّـص لتطوير ودمقرطة بلدان أوروبا الشرقية.
8 فبراير 2009: عبّـر 59،6% من المواطنين عن تأييدهم لتوسيع الاتفاقية المتعلقة بحرية تنقل الأشخاص، لتشمل كلا من بلغاريا ورومانيا.
17 مايو 2009: منح 50،1% من الناخبين موافقتهم لاعتماد سويسرا لجواز السفر البيومتري، المطابِـق للمقاييس المنصوص عليها في اتفاقية شنغن.
(ترجمه من الإيطالية وعالجه كمال الضيف)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.