السيسي آتٍ.. لكن مصر قد “تتمخّـض” ثانية
أين الإخوان المسلمين؟ هذا السؤال طالعنا منذ اللحظة الأولى لوصولنا إلى مطار القاهرة، وبقي معنا طيلة الرِّحلة التي دامت نيْـفاً وأسبوع. السؤال لا علاقة له فقط بغِياب تحرّكات وتظاهرات الإخوان في شوارع القاهرة وميادينها (على الأقل خلال الفترة التي أمضيناها هناك)، بل أيضاً في "تبخّر" أيّ ذِكر لهذه الجماعة، التي كانت قبل أشهُـر قليلة، شاغلة الدنيا والناس، والمتربّعة على عرش مصر وبرلمانها وبعض مؤسساتها.
حين تسأل سائقي التاكسي عن الإخوان، يجيبون تقريباً بردٍّ واحد: “الأهَـم الآن، الأمن والإستقرار. عايزين نأكُـل”. وحين تطلب من القادة السياسيين والحِزبيين، الذين التقيناهم، تفسيراً لهذا التغييب، تجِدهم هم أنفسهم مُفاجَئين بعدَم ورود الإخوان إلى أذهانهم، على رغم أن خطر تفكّك الجماعة وتحوّل بعض أجنِحتها إلى العُنف، احتمال وارد بقوة، خاصة وأن 20 ألفاً من كوادِرهم (على ما يُشاع) خرجوا بين ليلة وضحاها من قصور المُوالاة إلى سجون المعارضة.
مصر “تنتظر”
الأرجح، أن سبب هذا الغياب أو التغييب، هو أن مصر والمصريِّين مشغولون هذه الأيام حتى الثَّـمالة. مشغولون بماذا؟ بالإنتظار. فهم ينتظرون أن يُعلِـن المشير عبد الفتاح السيسي ترشّحه رسمياً. وكذا الأمر مع الجنرال سامي عنان، الذي يُقال أنه يحظى بمباركة واشنطن (والإخوان مثلما يزعم البعض).
والأهم، أنهم ينتظرون مِن أيّ مَنْ سيمتطي ظهر نمر السلطة المصرية، أن يُحقِّق لهم بضربة واحدة الأمن الأمني والإستقرار السياسي والتنمية الإقتصادية، بعد أن أصابهم التَّعب من الإنتفاضات وأحبطتهم تجربة الإنتقال إلى الديمقراطية.
ولأن انتظارهم هذا يحمِل في طيّاته توقّعات عِظام، تسري الأحاديث الكثيفة عن تردّد كبير (وحقيقي غير مُصطنع) كان ينتاب حتى اللحظة الأخيرة، المؤسسة العسكرية حول ترشيح رأسها (السيسي) لمنصب الرئاسة، وعن استمرار تردّد السيسي نفسه في الترشّح حتى اللحظة الأخيرة أيضا.
الأسباب واضحة: الأزمات الإقتصادية – الإجتماعية في أكبر بلد عربي من حيث عدد السكان هائلة وجهاز الدولة القديمة، الذي يُفترض به أن يقود أيّ تنمية إنتاجية ذات معنى، تحوّل إلى إقطاعات مُتنافِسة، العديد منها مرتبط بأقطاب الرأسمالية الماركانتيلية، الذين برزوا وترعرعوا في العقود الأربعة من حُكم السادات – مبارك، هذا إضافة بالطبع إلى ارتباط هذه الإقطاعات بأجهزة أمْن هذه الدولة القديمة.
المؤسسة العسكرية، التي تُدرك هذه المعطيات، تخشى أن يتمدّد احتمال فشل السيسي كرئيس في دفع التنمية قدماً إلى الأمام إلى صفوفها، فيُـحمِّل الجيش ككل المسؤولية. وحينها، قد تفتح الأبواب والنوافذ على مِصراعيْها أمام التساؤلات والمُساءلات حول دوْر المؤسسة العسكرية الإقتصادي.
ويوضح لنا مصدر قريب من السيسي، أن هذا الأخير نفسه يجِد مُتنازعاً بين قوّتيْ جذب ضاريتيْن إثنتين، إذ هو يتعرّض إلى ضغوط قوية من تحت (الطبقات الشعبية والوسطى)، لإحداث نُـقلة نوعية في النظام المصري، اقتصادياً وسياسياً، وإلى ضغوط قوية أيضاً من فوق (رجال الأعمال وبيروقراطية الدولة)، لإعادة إنتاج نظام مبارك، وإن بحُلَّة شعبية جديدة.
كِلا الخياريْن، أحلاهُـما مُـرّ، لأنهما يتضمّنان بالضرورة خوض معارك طاحِنة، قبل أن يتمكن أيّ نظام جديد من شقّ طريق جديد لمصر جديدة.
“القنبلة المَوْقوتة”
هذا ما قد يدفع إلى الإستنتاج بأن القادة السياسيين أو العديد منهم على الأقل، يُمارسون هُم أيضاً، كما مواطنيهم العاديين، لُعبة الإنتظار.
طرف واحد فقط في كلّ مصر يرفُض هذه اللعبة: فِئة الشباب، التي كانت “الدينامو” الحقيقي لكل الإنتفاضات المصرية الأخيرة. فهؤلاء بكل أطيافهم وألوانهم لمّا يتعبوا بعد ولا يقبلون بأقل من نظام ثوري جديد، يقطع كلياً مع الأنظمة السابقة ويؤسس لوطن جديد ودولة متطوِّرة.
الشباب هؤلاء باتوا “وجَع رأس”، حتى لأحزاب المعارضة، بسبب حركِيَـتهم واندِفاعهم. وينتظر أن يكون لهم دوْر فاعِل لاحقاً في تقرير الوجهة التي ستسير إليها الأمور في مصر، سواء باتِّجاه إعادة إنتاج دولة مبارك الأمنية – الماركانتيلية أو إقامة دولة حديثة تستند إلى قطاعات إنتاجية استراتيجية.
إنهم – وبدون مواربة – القنبلة المَوْقوتة التي قد تنفجِر بوجه الجميع في أيّ لحظة.
أين السيسي؟
أيْن السيسي من كل هذا الذي يجري؟ لم يحدث قبل الآن في كل تاريخ مصر منذ 7 آلاف سنة، أن تردّدت شخصية ما في الجلوس على عرش الفراعنة، لا بل قد يكون هذا أيضاً مخالِفاً للطبيعة البشرية الساعِية دائماً وأبدا إلى السلطة والقوة و”المجد”، الذي ينبع من فوْهة الحُكم.
لكن السيسي كسر هذا القالب – القانون. فهو بقي متردِّداً حتى اللّحظة الأخيرة في الترشّح للرئاسة، مع ميْل قوي في البداية، إلى عدم خوض انتخابات الرئاسة. هذا لا يعني أن السيسي لا يريد السلطة، لكنه يُريدها من دون مسؤوليات الرئاسة، عبْر مُمارستها من وراء الكواليس، انطلاقاً من موقعه المُحصَّن كوزيرٍ للدِّفاع.
أسباب هذا التردّد واضحة، كما ألمحنا. فالأزمة الاقتصادية – الإجتماعية المصرية، والتي كانت في جذر كل الإنتفاضات والإضطرابات التي تواصلت في مصر طيلة ثلاث سنوات، باتت متجذِّرة وعميقة إلى درجة خطِرة، وهي تترافق في الوقت نفسه مع تحوّل الشارع المصري إلى شارع حيّ وقوة سياسية ضخمة، ما يوجب أن يزاوج الحُكم، أيّا كان هذا الحكم، بين النمو الإقتصادي وبين تحقيق المطالب الإجتماعية للطبقات الفقيرة والمتوسطة التي تشكّل غالبية الشعب المصري، وهذا أمر في غاية الصعوبة، إن لم يكُن مستحيلاً في ظلّ السياسات الإقتصادية الليبرالية الرأسمالية الحالية.
بالطبع، سيكون السيسي في الرئاسة في حالة تنازُع أخرى بين شروط صندوق النقد الدولي التي تدعو إلى فرض التقشّف على 70 مليون فقير مصري (…) تحت شعار إصلاح الإقتصاد المصري لجذب الإستثمار الخارجي، وبين آمال هؤلاء الفقراء بتحقيق المطالِب التي رُفعت في يناير 2011 ويونيو 2013: “الخبز والحرية”.
“ثورة ثالثة”؟
المؤسسة العسكرية المصرية التي تعي جيداً هذه المُعطيات، كانت تفضِّل أن تحكُم البلاد من وراء الستار، كما في الجزائر وقبلها في تركيا. على أي حال، بدا واضحاً من خِطاب السيسي الأخير في حفل تخريج عسكري، أنه حسَم أمره وقرّر الترشح، وهو ينتظر الآن إنجاز قانون الانتخابات، ليستقيل من منصبه في وزارة الدفاع، تمهيداً لإعلان ترشحه رسميا.
بالطبع، سيحتلّ المشير كرسي الحُكم، كما تؤكِّد كل الإستطلاعات، وهو يتمتع بمزايا عديدة، إذ هو يأتي وهو يمتطي جواد الوطنية المصرية التي انفجرت كالبُركان، شعبياً، خلال السنة المنصرمة بفعل عوامِل معقّدة للغاية، والتي تمحْوَرت أساساً حول الدفاع عن الدولة، بغضِّ النظر عن مضمونها أو شكلها، سواءٌ كانت استبدادية أو حديثة، وهذا رصيد دسم للغاية في جُعبة السيسي.
علاوة على ذلك، سيكون في وسع المشير استخدام ورقة الحرب على الإرهاب ومعها ورقة إعادة الأمان والأمن والإستقرار، كوسيلة فعّالة أخرى لتعزيز شرعيته الشعبية. وهذا أمر نجح فيه حتى الرئيس السابق مبارك، الذي حاز هو الآخر حيِّزاً من الشرعية حين قاتل الإرهاب الأصولي طيلة حقبة التسعينيات.
وفي حال واصل الإخوان المسلمون سياسة التصعيد الحالية، فهذا أيضاً سيصبّ لصالح السيسي، لأنه سيؤدّي في نهاية المطاف إلى ربط الجماعة ربطاً وثيقاً بجماعات الإرهاب وإلى شرذمة قوتها الإنتخابية والسياسية، التي تناهز 25% من إجمالي الأصوات في مصر.
السيسي قادِرٌ إذَن أن ينطلِق من موقع الرئاسة وهو يمتلك أوراقا قوية. لكن هل سيكون هذا كافياً لتحقيق النجاح؟ كلا. لماذا؟ لأنه ما لم يتمكّن من إخراج الإقتصاد المصري من عُنق زجاجة الرأسمالية الزبائنية والإستهلاكية والخَدَماتية خلال فترة قصيرة، فسيكون على موعِد مع “ثورة ثالثة” اجتماعية ستلعب فيها “القنبلة المَوْقوتة” (فئة الشباب) الدور الرئيسي.. مُجدّدا.
القاهرة (رويترز) – قالت حركة شباب 6 أبريل الاحتجاجية، التي ساهمت في الإطاحة بالرئيس المصري الأسبق حسني مبارك عام 2011 يوم الأربعاء 5 مارس، إنها تعارض ترشح وزير الدفاع المشير عبد الفتاح السيسي للرئاسة، معتبرة أن ذلك سيؤدّي إلى مزيد من الإنقسام وعدم الاستقرار.
وقال السيسي خلال حفل تخرّج في الكلية الحربية يوم الثلاثاء، إنه سيبدأ قريبا في الإجراءات الرسمية لترشّحه لأنه “لا يوجد إنسان مُحبّ لوطنه ويُحب المصريين أن يتجاهل رغبة الكثير منهم أو يدير ظهره لإرادتهم”.
وأيّدت الحركة عزل الرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين في يوليو الماضي، لكنها عادت إلى موقفها الرّافض للحُكم المدعوم من الجيش، مثل جماعات عِلمانية أخرى. وقالت الحركة في بيان نشِر على صفحتها على فيسبوك “إن ترشح وزير الدفاع لمنصب رئيس الجمهورية، لن يكون في صالح الوطن المنقسِم ولن يحقِّق أهداف ثورته.” وأضافت “بل سيزيد الأزمة احتقانا ويبعدنا عن الاستقرار والتقدم المنشوديْن.”
ورغم أن حركة 6 أبريل ساهمت في الحشْد ضد مبارك، إلا أنها لا تملك قواعد سياسية كبيرة. ومن غيْر المرجّح أن يؤثِّر موقِف الحركة على فرص السيسي لاكتساح انتخابات الرئاسة، التي لم يتحدد موعدها بعدُ.
ويبدو أن السيسي، الذي يتمتع بشعبية كبيرة، في طريقه ليكون أحدث الحكّام القادمين من الجيش، وهو الأمر الذي لم يتغيّر إلا بمرسي، الذي حكم البلاد عاما واحدا. وسبّب عزل مرسي حالة من الإستقطاب السياسي الحاد في مصر. وقتَلت قوات الأمن المئات من المحتجّين المؤيِّدين لمرسي أثناء فضّ اعتصاميْن في أغسطس 2013. واعتُـقِـل مرسي وقياديون آخرون لجماعة الإخوان المسلم، وكذلك الآلاف من المؤيِّدين لهم. كما اعتُـقِل نشطاء ليبراليون كانوا قد أيّدوا عزل مرسي بعدما اتّهموه بتنفيذ نهج إسلامي ضيِّق التفكير وإساءة استغلال سلطاته من خلال دستور ذي توجّه إسلامي. وسجِن أحمد ماهر، مؤسس حركة 6 أبريل في نوفمبر الماضي، بتهمة مخالفة قانون جديد ينظم الاحتجاجات.
ومنذ عزل مرسي، صعّد متشددون يتمركزون في شِبه جزيرة سيناء هجماتهم ضد قوات الأمن. وتحمِّل السلطات جماعة الإخوان المسلمين مسؤولية العنف، وتقول إن حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية حماس المتحالِفة معها تساعد المتشدِّدين، وهو الأمر الذي تنفيه جماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس، التي تدير قطاع غزة. ورحَّل مسؤولون في مطار القاهرة ثلاث ناشطات أجنبيات كنّ يعتزمن زيارة غزّة الخاضِعة لحصار مشدّد في بعثة إنسانية.
وقال متحدث باسم البعثة، ان الناشطة ميريد ماجواير، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، وهي من إيرلندا الشمالية، تم ترحيلها يوم الأربعاء ومعها ناشطة أمريكية. وقالت الناشطة المناهضة للحروب ميديابنجامين، التابعة لجماعة كود بينك النسائية الأمريكية يوم الثلاثاء، إنه تم ترحيلها.
وأبلغت رويترز برسالة نصية إن الشرطة كسرت ذراعها أثناء احتجازها بمطار القاهرة. ونفى مسؤول أمني بالمطار الاعتداء عليها، وقال إنها كانت على قوائم الممنوعين من دخول البلاد لتورّطها في أعمال ضارّة بالأمن القومي المصري.
وأعلنت الحكومة المصرية الإخوان المسلمين جماعة إرهابية وحظرت محكمة مصرية يوم الثلاثاء 4 مارس جميع أنشطة حركة حماس في مصر.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 5 مارس 2014)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.