الشرق الأوسط يَتَمخّض.. أوبامياً
ثمة معزوفة واحدة هذه الأيام ترقُـص على أنغامها كل القوى الإقليمية في الشرق الأوسط، بحيث باتت هي المحرّك الأول والأخير لكلّ ما يحدُث في هذه المنطقة الأكثر اضطراباً في العالم.
إسم المعزوفة: خطة أمريكية لتسوية شاملة في المنطقة، يُرجّح أن يتِـم الإعلان عنها خلال أسابيع قليلة وربما قبل نهاية شهر رمضان، مؤلفاها: الرئيس الأمريكي باراك أوباما ومبعوثه الخاص إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل.
لكن، وعلى رغم أن النغمة واحدة، إلا أن الرقصات غاية في التنوّع. فإيران، على سبيل المثال، تشهد بسببها (في الدرجة الأولى)، ارتباكاً لم تعهَـده منذ 30 سنة، بعد أن بات “الشيطان الأكبر” يقدّم نفسه على أنه “الملاك الأكبر”، فيمدّ يده ويدعو إلى الحوار ويتجنّب التدخّـل في الصراعات الداخلية في بلاد فارس.
وكما في إيران، كذلك في إسرائيل، التي تبدو هذه الأيام وكأنها في سِـباق مع هذه المبادرة، التي تخشى أن تُـجبِـرها على تقديم “تنازُلات مُـؤلمة”، ولذا فهي تهدِّد إيران وتوتر الأجواء على حدود لبنان وتفتعل الحوادث على الحدود الفلسطينية – المصرية، وكل ذلك بهدف تجويف مبادرة أوباما، حتى قبل إعلانها (كما سنرى بعد قليل).
في الضفة الغربية، سارعت حركة فتح إلى عقد مؤتمرها العام السادس (للمرّة الأولى منذ 20 سنة)، لإعادة ترتيب منزلها الداخلي، استعداداً لاستقبال الضيف “الأوبامي” بما يحمل من وعود بإقامة الدولة الفلسطينية خلال فترة لا تتجاوز الـ 18 شهراً.
أما سوريا وبقية الدول العربية، فهي تبدو سعيدة للغاية بهذه الأجواء الأمريكية الجديدة وتبني كبير الآمال على أن تكون مبادرة أوباما الجِـسر، الذي ستعبر منه نحو الاطمِـئنان على بقاء أنظمتها واستقرارها. لكن، ما طبيعة هذه المبادرة؟
خطوط عامة
على رغم أنه لم تتكشّـف بعدُ تفاصيلها، إلا أن التسريبات التي رافقت اجتماعات أوباما وميتشل مع الفرقاء الشرق أوسطيين، تسمح بتحديد خطوطها العامة كالتالي:
• عقد مؤتمر دولي كبير، شبيه بمؤتمر مدريد، يحضره قادة إقليميون ورؤساء الدول الأساسيين في الدول الإسلامية والعالم.
• يتم بالتزامن مع هذا المؤتمر، إجراء مفاوضات ثنائية مكثّفة بين الإسرائيليين والعرب في كامب ديفيد أو في مكان آخر، بمشاركة أمريكية قوية، تهدف إلى تضييق شقّـة الخلافات وتليين المواقف.
• يُحدّد أوباما الخطوط العامة للسلام النهائي على المسارات كافة.
فالمسار الإسرائيلي – الفلسطيني مثلاً، سيستند إلى خطة الدّولتين وترتيبات أمنية مع ضمانات دولية وإزالة بعض المستوطنات في الضفة الغربية وتبادل الأراضي بين إسرائيل وفلسطين ورسم الحدود النهائية والإعتراف بحق العودة مع تعويضات مناسبة لأولئك الذين لا يستطيعون العودة وبلورة وضعية للقدس بوصفها عاصمة مزدوجة، مع ضمان الدخول إلى الأماكن المقدّسة للمسلمين والمسيحيين واليهود.
والمسار السوري – الإسرائيلي، سيتضمّـن عودة مرتفعات الجولان المحتلة، على أن يشمَـل ذلك ترتيبات أمنية واتفاقات تقاسُـم المياه وبروتوكولات تُـحدِّد كيفية الدخول البرّي وجداول زمنية لتطبيع العلاقات.
أما المسار اللبناني، فسيشمل تسوية أي نزاعات عالقة حيال الأراضي والموقوفين وحل قضايا المياه، وفق القانون الدولي، وعرض ضمانات أمنية دولية، يمكن أن تحمي لبنان من الإختراقات الإسرائيلية المتكرِّرة برّاً وبحراً وجوّاً، في مقابل نزْع سلاح حزب الله أو دمجه في إطار السلطة اللبنانية.
ميتشل “الجرّافة”
بعد هذه التسويات بين إسرائيل وفلسطين وسوريا ولبنان، سيُشَـرع الباب على مِـصراعيه أمام دفع مبادرة السلام العربية، التي أقرتها قمة بيروت عام 2002، قُـدماً إلى الأمام ووضع الصِـيغ النهائية للسلام بين إسرائيل والدول العربية.
في الطريق إلى هذه “المبادرة الكبرى”، سيقوم ميتشل بدور “الجرّافة”، التي تكسِـر الجليد وتُـزيل العقبات السيكولوجية والإيديولوجية والدبلوماسية أمام المفاوضات العربية – اليهودية.
وهذا بالتحديد ما بدأ به المبعوث خلال الأسابيع القليلة الماضية، حين طرح مقايضة إغلاق نوافِـذ الاستيطان، مقابل فتح أبواب التّـطبيع العربي مع إسرائيل، أي أن ميتشل، وعلى رغم أنه سيكون المؤلّف الحقيقي لملحمة أوباما الشرق أوسطية الجديدة، سيعمل “من تحت” لـ “تعويد” العرب على الجلوس والتحادث وتبادل النكات والهدايا مع اليهود، فيما يقوم أوباما بالعمل “من فوق”، لحشد دعم كل دول العالم الإسلامي وغير الإسلامي لفكرة التسوية الشاملة.
مشروع طموح؟
أجل، طموح للغاية وذكي أيضاً للغاية، خاصة وأن على رأسه الدبلوماسي (ميتشل، الذي حقق مُـعجزة إنهاء حرب أهلية – إقليمية دامت 800 عاماً في ايرلندا الشمالية، والذي تعشعش في خلاياه خلطة فريدة من الجينات “التجارية” الفينيقية والكروسومات البراغماتية الأمريكية.
لكن، هل الطُّـموح والذَّكاء سيكونان كافِـيين كي يحقق الثنائي أوباما – ميتشل مُـعجزة ثانية في الشرق الأوسط، تُنهي ما يعتبره العرب صِـراعاً ينتمي إلى القرن العشرين، فيما يعود به اليهود 2000 سنة إلى الوراء؟ وهل تمتلك “المبادرة الكبرى” مقوّمات نجاح ما؟
حتماً، لكن بشروط حتمية، وهي أن يمتلك هذا الرئيس الشاب الإرادة والحزم في التعاطي مع إسرائيل وأنصارها الكُثُر في أمريكا، جنباً إلى جنب مع الحِـكمة والمثابرة.
الفُـرص موجودة، لأن المؤتمر الدولي الضّـخم الذي سيُـرافق أو يسبِـق المبادرة، سيكون حدثاً تاريخياً فريداً، ليس لأنه سيجمع مُـعظم دول العالم الرئيسية وحسب، بل أولاً وأساساً، لأنه سيتحوّل إلى أول منبر تبحث فيه الحضارتان، الإسلامية والغربية، وسائل تحييد اللّـغم الصهيوني الذي لطالما زعزع أسُـس العلاقات بينهما طيلة قرن كامل.
وعلاوة على المؤتمر الدولي، ستكون المفاوضات الثنائية على المسارات الفلسطينية والسورية واللبنانية، فرصة جلى لأوباما كي يتحرّك، وبدعم دولي كامل لوضع فلسفة مُـقايضة الأرض بالسلام (التي تضمنها القرار الدولي 242) موضع التنفيذ؟
كل هذه مزايا ستمنح مبادرة أوباما زخماً وفرصاً لم تتوافر لغيره من الرؤساء الأمريكيين، الذين لم يتذكّـروا مسألة السلام الشرق أوسطي، سوى في الأشهر الأخيرة من ولا يتهم، فيما أوباما اندفع بقوّة إلى هذا الهدف في الأشهر الأولى من عهده.
إسرائيل تردّ
غير أن هذه الإيجابيات لصالح مبادرة أوباما العتيدة ستتبدّد هباء منثوراً، إذا ما وهنت عزيمة هذا الأخير بتأثير الضغوط الضخمة التي يُتوقّـع أن يمارسها اليمينيون المتطرّفون في إسرائيل وبين يهود أمريكا، الذين سينخرطون في مبادرته، ليس محبة بها، بل كُـرهاً لها وبهدف نسفها من الداخل، وهذه ليست مجرّد فرَضية، بل هي محصِّـلة قراءة عِـلمية للطريقة التي جوّف بها هؤلاء اليمينيون كل مسار عملية مدريد عام 1991.
ففي الفترة بين 1992 و1996 وفي ذروة العملية السلمية التي انطلقت هي الأخرى آنذاك بزخم دولي، حصدت الدولة العِـبرية كل مكاسِـب السلام من دون أن تُبرم السلام. فالاعتراف الدبلوماسي بها تضاعف من 85 إلى 161 دولة وصادراتها قفزت بمعدّل الضعفين والاستثمارات الخارجية فيها بمعدّل ستة أضعاف، في حين كان مستوى دخْـل الفرد في المناطق المحتلة ينحدِر بأكثر من الثلُـث في الفترة نفسها ويقفز عدد المستوطنين اليهود في الضفة الغربية بنحو النصف (من 200 إلى نحو 400 ألف).
بيد أن الأمور لم تتوقف عند هذا الحد. فقد تواصلت خلال حِـقبة السلام، الحروب الإسرائيلية في المشرق العربي وألحقت دماراً واسعا بلبنان وشِـبه تام في غزة، في حين كانت موارد الجولان المحتل المائية والطبيعية تستنفذ بشرهة لا سابق لها.
أجل، مبادرة أوباما تمتلِـك بالفعل أوراق دعمٍ إسلامي وعربي ودولي قوية للغاية، لكن، إذا ما استخدم اوباما هذه الأوراق لحمل العرب على التطبيع وأهمل ضرورة حمل الإسرائيليين على تطبيع أنفسهم كجزء من الشرق الأوسط الإسلامي، فلن يكون مصير مبادرته أفضل من مصير كل مبادرات الأنبياء غير المسلّحين في التاريخ، الذين عانوا الأمرّين على يد قُـدماء اليهود!
سعد محيو – بيروت – swissinfo.ch
دمشق (رويترز) – قال دبلوماسيون، ان وفدا أمنيا أمريكيا سيزور سوريا يوم الاربعاء 12 أغسطس، في علامة على التعاون المتزايد بين البلدين منذ بدء الرئيس الامريكي باراك اوباما حوارا مع حكومة دمشق.
وقال الدبلوماسيون في العاصمة السورية، ان الوفد سيناقش اساسا الجهود السورية لمنع التسلل الى العراق المجاور وشبكات المتمردين، التي تقول واشنطن انها تعمل انطلاقا من سوريا.
وكان التعاون الامني بشأن العراق هدفا رئيسيا لتقارب الولايات المتحدة مع سوريا، الذي أدى الى مساندة واشنطن لاستئناف مباحثات السلام بين سوريا واسرائيل واعلان ان واشنطن ستعيد سفيرها الى دمشق بعد انقطاع دام اربعة اعوام. وقال احد الدبلوماسيين لرويترز “الامريكيون قدموا الى السوريين اسماء القائمين الرئيسيين على تسلل المتمردين الذين تريد اعتقالهم”.
وأكد متحدث باسم وزارة الخارجية الامريكية نبأ الزيارة، وهي الثانية منذ يونيو وقال ان الوفد سيرأسه جنرال من القيادة العسكرية المركزية الامريكية.
وسيضم الوفد ايضا مسؤولا من مكتب وزير الدفاع ومسؤول وزارة الخارجية فريدريك هوف، المسؤول عن تضييق شقة الخلافات بشأن القضايا الخاصة بالارض بين اسرائيل وسوريا، والتي كانت من اسباب انهيار مباحثات سلام سابقة. وقال مسؤول وزارة الخارجية ان الزيارة التي تأتي مع اشتداد العنف في العراق “سوف تتركز على مواصلة حوارنا بتفصيل أكبر فيما يتصل بالفرص المتاحة للتعاون في قضايا الامن الاقليمي”.
وقال الدبلوماسيون ان سوريا طردت بالفعل هذا العام محمد يونس، وهو شخصية رئيسية في حزب البعث العراقي المحظور، والذي تريد حكومة العراق المدعومة من الولايات المتحدة تسلمه ولكن ليس له اهمية تذكر من حيث العمليات العسكرية على الارض. واضافوا قولهم ان الرئيس بشار الاسد وافق على زيارة الفريق الامني الامريكي خلال اجتماع الشهر الماضي في دمشق مع جورج ميتشل، المبعوث الامريكي للشرق الاوسط.
وناقش الاجتماع ايضا استئناف مباحثات السلام بين اسرائيل وسوريا. وتم رسميا تعليق المحادثات التي توسطت فيها تركيا اثناء الغزو الاسرائيلي لغزة في ديسمبر الماضي.
وقال دبلوماسي ثان “يرتبط التقدم في المباحثات بين سوريا واسرائيل بتحسن روابط سوريا مع الولايات المتحدة”. وفي علامة اخرى على انفراح محتمل، قال الدبلوماسيون ان واشنطن دعت نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد الى واشنطن لمباحثات بشان العراق، لكن الزيارة لم تتحدد بعد تفاصيلها.
وكان الاشتباه في دور سوريا المزعوم في مساعدة المقاتلين الاجانب والمتمردين في العراق سببا رئيسيا لسن تشريع في عام 2004 بفرض عقوبات امريكية على سوريا.
وقال احد الدبلوماسين “انهم يتبنون موقفا اوسع، لكن الجهود لاقناع سوريا بتغيير سلوكها، ليست مطلقة بلا حدود”.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 12 أغسطس 2009)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.