الصحافة السويسرية تنتقد بحنق ومرارة الإعتذار لليبيا
"إهانة"، "خزي"، "استسلام".. هذه بعض أبرز النعوت التي حرصت على استخدامها أهم اليوميات السويسرية الصادرة يوم الجمعة 21 أغسطس، لاسيما في المناطق الروماندية المتحدثة بالفرنسية، لوصف الاعتذار الذي قدمه يوم أمس رئيس الكنفدرالية لطرابلس عن اعتقال نجل الزعيم الليبي هانبيال القذافي وزوجته يوم 15 يوليو 2008 في جنيف.
“ميرتس يركع أمام القذافي”، “ميرتس يتأجج في طرابلس”، “مسكين السيد ميرتس!”، “الإعتذار الذي يؤلم”..
اختلفت تعابير المُعلقين وعناوين افتتاحياتهم لكن الجوهر ظل واحدا. اعتذار سويسرا لليبيا أهانها، كما سلط الضوء على عزلتها على الساحة الدولية، لا سيما وأن الاتفاق مع طرابلس تم غداة الاتفاق خارج نطاق القضاء الذي أبرمته سويسرا مع الولايات المتحدة لتسوية النزاع بين اتحاد المصارف السويسرية “يو بي إس” والسلطات الضريبية الأمريكية، والذي اعتبـر رضوخا سويسريا أمام واشنطن.
صحيفة “فانت كاتر أور” كتبت في افتتاحية بعنوان “على بعد ميليمترين من الإذلال التام: “فلنسعد بالإفراج (قريبا) عن السويسريّيـْن المحتجزين منذ عام في ليبيا. أما بالنسبة للباقي، فلا شيء يدعو إلى الرضى في هذه القضية العفنة منذ البداية والتي تكشف عن ضعف الموقف السويسري ونقائصه الداخلية”.
وتضيف اليومية التي تصدر بالفرنسية في لوزان: “إن حصيلة عملية هانيبال كارثية. فمنذ اعتقال الفاسق الليبي وزوجته، سحبت ضحيتان شكواهما مقابل لا شيء، وحـُرم شخصان بريئان تماما من حريتهما. إن دولة القانون لدينا تعرضت للإنتهاك، وستقوم محكمة مُدرعة بنظام يحتقر العدالة بمحاكمة نظامنا (…) أما شرف سويسرا، فهو قد التبس بالإعتذار المثير للسخرية الذي قدمه يوم أمس رئيسها، هانس-رودولف ميرتس”.
“اتفاق ابتلع الكبرياء والكرامة”
وفي فريبورغ، كتبت “لا ليبرتي” أن “القذافي فاز في نهاية المطاف في مصارعة الذراعين الطويلة ضد سويسرا”. وفي افتتاحيتها بعنوان “مسكين السيد ميرتس!”، أضافت اليومية الناطقة بالفرنسية:
“ميرتس، أجــبر، من أجل إنقاذ بلاده، على الركوع اليوم أمام القوة الأمريكية العظمى (في إشارة للاتفاق المبرم مع الولايات المتحدة حول “يو بي إس، التحرير)، وفي اليوم الموالي أمام “كلب الشرق الأوسط المسعور”، مثلما كان يصف (الرئيس الأمريكي الراحل) رونالد ريغن معمر القذافي!”
وبلهجة تمتزج فيها السخرية بالمرارة، أشار كاتب الإفتتاحية، لوي روفيو، إلى أن ذلك “النجاح” الذي حققه السيد ميرتس “له بطبيعة الحال مذاق ثعبان متعب تم ابتلاعه مع سد الأنف، وابتلعت معه الكبرياء والكرامة وقيم دولة القانون التي تبرر اعتقال شخص بشع يُعنّف خدمه”.
استسلام وعزلة
أما صحيفة “لوتون”، فتناولت الموضوع تحت عنوان “سويسرا قررت الرضوخ لإرادة القائد الليبي”، وكتبت في افتتاحية بعنوان “الإستسلام”: “عندما اعتقلت شرطة جنيف هانيبال القذافي وزوجته قبل عام، دعمت سويسرا الرسمية بصوت واحد تقريبا التدخل الذي طلبته النيابة العامة (…) ففي سويسرا، الأقوياء ليسوا محميين. فالمساواة أمام القانون والعدالة هي حجز زاوية في دولتنا، دولة سيادة القانون (…) لكن بعد مضي 12 شهرا، استسلمت سويسرا، وأجبـِرت على دعم ليبيا (في موقفها) على كامل الخط”.
وتابعت اليومية التي تصدر بالفرنسية في جنيف حيث وقعت حادثة هانبيال القذافي: “الأسوأ من ذلك أن الإعتذار الثقيل التي قدمه هانس-رودولف ميرتس لا يكفي، لأن سويسرا مجبرة على قبول أن تنظر في هذه القضية محكمةٌ محايدة”، منوهة إلى أن “لا شيء في الاتفاق الموقع يوم أمس (20 أغسطس 2009) يضمن عودة السويسريّيـْن في أجل قريب”.
وأضاف كاتب الافتتاحية فرونسوا مودو: “في هذه الأزمة، فقدت سويسرا أكثر من شرفها، فقد تم تذكيرها بفظاظة بعزلتها المذهلة. ولم يسارع أي بلد صديق من أجل إغاثتها”.
وشددت على هذه العزلة أيضا صحيفة “لوماتان” الشعبية الواسعة الإنتشار التي كتبت في افتتاحية بعنوان “الإعتذار الذي يؤلم”: “لا يمكن تفسير تصرف هانس-رودولف ميرتس إلا على النحو الآتي: سويسرا تبدو ضعيفة على الساحة الدولية لدرجة أنه حتى عندما يكون على حق، يتعين على هذا البلد الصغير إحناء (تقويس) ظهره”.
ولفتت اليومية الصادرة في لوزان والناطقة بالفرنسية الإنتباه إلى أن رئيس الكنفدرالية “لم يحظ حتى بمقابلة العقيد القذافي”. ولربما كانت الأمور ستبدو مختلفة لو عاد السيد ميرتس إلى بلاده رفقة السويسريّيْن المُحتجزين في طرابلس منذ أكثر من عام…
تساؤلات
وفي كانتون تيتشينو الجنوبي الناطق بالإيطالية، عبرت صحيفة “لا ريجيوني” التي تصدر في بيلّينزونا عن سخطها إزاء وصف السيد ميرتس لاعتقال هانيبال القذافي في جنيف بـ “غير المتناسب وغير الضروري”، مؤكدة أنه “ليس من صلاحيته كمستشار فدرالي (وزير في الحكومة الفدرالية السويسرية، التحرير) أن يحكم على عملية بوليسية (نُفذت) على مستوى كانتوني”.
وفي مناطق سويسرا المتحدثة بالألمانية، كتبت صحيفة “بليك” الواسعة الانتشار بأن ما يظل “غامضا، هو ما يقف وراء التماس هذا العذر”. وتساءلت اليومية التي تصدر في زيورخ إن كانت الكنفدرالية قد دفعت بعض الأموال ضمن الاتفاق، مذكرة بأن العقيد معمر القذافي كان قد طالب بنصف مليون فرنك لغسل شرف ابنه وربيبته.
وفي بازل، ورغم انتقادها للإتفاق، أشادت صحيفة “بازلر تسايتونغ” مع ذلك بـ “نهاية النزاع” معتبرة أن ذلك “في صالح الدولة ورجلي الأعمال المُحتجزين كرهينتين”. لكن، على غرار العديد من اليوميات السويسرية، تساءلت الصحيفة إن كان العقيد القذافي سيتصرف بنفس القدر من الوحشية لو كانت سويسرا عضوا في الاتحاد الأوروبي، مُستخلصة أن كل هذا “يبدو أنه ثمن النهج الإنعزالي (الذي تسلكه سويسرا)”.
خيار براغماتي
أما بقية الصحف السويسرية الناطقة بالألمانية فكانت أقل قسوة في تعليقاتها، مثل “برنر تسايتونغ” التي تصدر في العاصمة برن، والتي أعربت عن اعتقادها بأن السيد ميرتس “اختار بواقعية الطريق السليم”.
من جهتها، سارعت صحيفة “نويه تسورخر تسايتونغ” في زيورخ (القريبة من الحزب الراديكالي الليبرالي الذي ينتمي إليه السيد ميرتس) إلى مساندة رئيس الكنفدرالية، فكتبت: “من المؤكد أن الحبة (التي تم تجرعها) مُرة، لكنها كانت ضرورية للحصول على الإفراج عن السويسريين المحتجزين كرهينتين منذ عام”.
إصلاح بخات وإيزابيل أيشنبرغر، swissinfo.ch
“إن الجماهيرية العربية الليبيبة الشعبية الاشتراكية العظمى والاتحاد السويسري (ويشار إليهما فيما بعد بالطرفين).
رغبة منهما في تسوية الخلاف الناشئ عن حادثة اعتقال الدبلوماسي الليبي هانيبال معمر القذافي وما صاحب ذلك من إجراءات وتصرفات غير مبررة وغير ضرورية تجاهه وتجاه أسرته من قبل سلطات كانتون جنيف والسلطات الفيدرالية السويسرية قبل، أثناء، وبعد 15/07/2008.
اتفاقا على ما يلي:
أولا: – تعبر حكومة الاتحاد السويسري عن اعتذارها رسميا وعلنيا عن عملية القبض غير المبررة وغير الضرورية التي قامت بها شرطة جنيف بتاريخ 15/07/2008، على الدبلوماسي الليبي وأسرته، والأفعال المصاحبة من قبل شرطة جنيف، ومسؤولين سويسريين آخرين.
ثانيا: – يوافق الطرفان على إنشاء هيئة للتحكيم تتكون من ثلاثة محكمين على النحو التالي:-
أ. يعين كل طرف، خلال عشرة أيام من تاريخ التوقيع على هذه الاتفاقية، عضوا واحدا على أن يكون شخصية مستقلة من دولة ثالثة.
ب. يختار المحكمان المعينان وفقا للفقرة السابقة محكما ثالثا رئيسا للهيئة، وفي حالة عدم توصلهما إلى قرار في هذا الشأن خلال “30 يوما” من تاريخ توقيع هذا الاتفاق، يحال الأمر إلى رئيس محكمة العدل الدولية لتسمية المحكم الثالث.
ج. يتحدد اختصاص الهيئة بالنظر في الواقعة وملابساتها (…) .
(يمكن الإطلاع على النص الكامل للنسخة العربية للاتفاق الموقع بين سويسرا وليبيا بتاريخ 20 أغسطس 2009 في طرابلس من خلال النقر على الرابط الموافق أدناه)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.