الصحراء الغربية .. نزاع مُـزمِـن وسلام مفقود
شكّـل اعتقال سبعَـة ناشطين صحراويين مؤيِّـدين لجبهة البوليساريو عصاً جديدةً تمنَـع دُولاب تسوِية نِـزاع الصحراء من التقدّم، وهو الواقِـف في مكانه منذ عدّة شهور.
وهدّدت الجبهة بعدم الذّهاب نحو جولة جديدة للمفاوضات، التي لا زال موعِـدها مجهُـولا، إذا لم يطلق المغرب هؤلاء الناشطين الذين وجَّـهت لهم النيابة العامة تُـهَـما تتراوَح عقوبتها بين الإعدام والمؤبّـد.
ولم يكُـن المبعوث الدولي كريستوفر روس بحاجة إلى اعتقال الناشطين السّـبعة ليُـبدي تشاؤُما من إمكانية الوصول بالمغرب وجبهة البوليساريو إلى حلٍّ دائِـم ونهائي.
وجولة المُـفاوضات اليَـتيمة، التي أجْـريت بعدَ تكلِـيفه بمهمّـته، كانت غير رسمِـية، وما خلصت إليه لم يرْق إلى الطموحات التي ظهرت بين ثَـنايا تصريحاته، بعد أن عيّـنه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بداية من العام الجاري مُـمثِّـلا شخصيا له للصحراء الغربية. لكنه وجَـد في الاتِّـفاق أن توسيع تبادُل الزيارات بين العائلات الصحراوية في مخيّـمات تِـندوف والمُـدن الصحراوية، باستخدام النقل البري بعد سنوات من اقتِـصارها على النقل الجوي، بارقة للذهاب بطرفَـيْ النِّـزاع نحو مُـفاوضات تبحَـث قضايا أعمق تخترِق الجُـمود المُـهيْـمن على التسوية المتعثِّـرة منذ عام 1988.
اعتقال مُـدبّـر وفوري
في الثامن من شهر أكتوبر الماضي، أعلنت السلطات المغربية اعتِـقال اعلي سالم التامك، نائب رئيس تجمّـع المدافعين الصحراويين عن حقوق الإنسان، والتروزي يحظيه، الكاتب العام لنفس التجمع وإبراهيم دحان، رئيس الجمعية الصحراوية لضحايا الانتِـهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المُـرتكبة من طرف الدولة المغربية، والدكجة لشكر، عضو الجمعية والناصيري حمادي، الكاتب العام للّـجنة الصحراوية للدِّفاع عن حقوق الإنسان بالسّـمارَة والصالح لبيهي، رئيس المنتدى الصحراوي لحماية الطفولة ورشيد الصغير، عضو اللجنة الصحراوية لضحايا التّـعذيب بالدّاخلة، وهم من القِـيادات البارزة الذين يُـطلق عليهم بالمغرب اسم “بوليساريو الداخل”.
الاعتقال كان في مطار محمد الخامس بالدار البيضاء، فور وصول الناشطين من زيارة قاموا بها إلى الجزائر، حيث التقَـوا قيادة جبهة البوليساريو وزاروا مخيّـمات تندوف، حيث التجمع الرئيسي للاّجئين الصحراويين، ومنطقة تيفاريتي وهي المنطقة الواقِـعة خارج الحِـزام الامني والتي تعتبرها جبهة البوليساريو مِـنطقة محرّرة.
النائب العام لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء قال في بلاغ رسمي، إنه “تم اليوم توقيف الأشخاص الذين قاموا بزيارة إلى مخيمات تندوف، بمطار محمد الخامس بالدار البيضاء وتم تسليمهم لمصالِـح الشرطة القضائية المُـعيّـنة من طرف النيابة العامة من أجل البحث معهم”. وأوضح أنه “ستتم إحالة هؤلاء الأشخاص على الجِـهة القضائية المختصّـة فور انتِـهاء هذه الأبحاث”.
وذكر بأن النيابة العامة “في إطار ما تناقلَـته وسائل الإعلام حول قِـيام أشخاص بزيارة إلى مخيمات تِـندوف، التقَـوْا خلالها بجِـهات مُـعادِية للمغرب، وهو ما يُـعدّ مسّـاً بالمصالح العُـليا للبلاد، قد أمرت بإجراء بحث في الموضوع وإيقاف المعنِـيين بالأمر للبحث معهم وإحالتهم على العدالة”. وبعد عرضهم على النيابة العامة، وُجِّـهت للمُـعتقلين السبعة “تُـهمة التّـخابُـر مع أجنبي من أجل المسّ بالمصالح العُـليا للبلاد” والتي تتراوَح عقوبتها بين الإعدام والمؤبّـد، وتمّـت إحالتهم إلى المحكمة العسكرية.
السلطات المغربية مهّـدت للاعتقال بحملة إعلامية مكثّـفة، شاركت فيها الأحزاب السياسية والنّـقابات ومنظمات أهلية وشيوخ القبائِـل الصحراوية، ووجدت في النشاطات التي قام بها الناشطون في الجزائر، ما يسمح لها قانُـونِـيا بمُـتابعتهم، وهم الحامِـلون لهُـوية وطنية وجواز سفر مغربي، وإن كانت الصحف المغربية تحدّثت عن لقاءات جمعت بين الناشطين السبعة وضبّـاطا في المخابرات العسكرية الجزائرية، وعن وضع خطّـة للتمويل والتحرّك لإحداث اضطرابات في المُـدن الصحراوية.
نقاشات ومبررات وأسئلة
وقبل اعتقال الناشطين السبعة، أثيرت نِـقاشات ساخِـنة وأسئلة حول مبرّرات الزيارة والنشاطات التي قاموا بها، والتي حمَـل بعضُـها طابَـعا عسكريا، لم تقتصِـر على الصحف المغربية، بل شملت أيضا الناشطين في صفوف “بوليساريو الداخل” وطرحت أجوبة مُـختلفة وآراء متعدِّدة، دون أن تكشِـف النيابة العامة عن أجوبة المعتقَـلين على هذه الأسئلة، واكتفاء جبهة البوليساريو على لِـسان زعيمها محمد عبد العزيز بالقول، أنهم كانوا يقومون بزيارة لعائلاتهم، رغم أن مِـن بين الناشطين المعتقَـلين مُـنحدرين من مناطِـق ومُـدن تقع خارج المنطقة المتنازع عليها، مثل اعلي سالم التامك، الذي حملت المجموعة اسمه وينتمي ألى منطقة آسا الزّاك.
والأسئلة مشروعة، لأن بعضاً ممّـن اعتُـقلوا (التامك مثلا)، قاموا قبل عدّة أسابيع بزيارة إلى الجزائر العاصمة وشاركوا في مؤتمرات حوْل الشباب في القارّة الإفريقية وتحدّثوا عن المغرب كبلد مُـحتل للصحراء الغربية وأدلَـوا بشهادات عن انتِـهاكات حقوق الإنسان التي تعرّضوا لها، وعادُوا بعد ذلك إلى المغرب ولم يتعرّض لهم أحد ولم تُـلاحقهم السلطات، وإن كانت الصحف ندّدت بزيارتهم.
“أكباش فداء”
ناشطون حقوقيون مؤيِّـدون لجبهة البوليساريو تحدّثوا لـ swissinfo.ch بمَـرارة عن زيارة المُـعتقلين السبعة إلى الجزائر ومخيّـمات تِـندوف، وقالوا في جلسة بمدينة العيون، إنهم يدفعون ثَـمن هذه “الغلطة” لأن السلطات المغربية زادَت من تضيِـيقها على تحرّكاتهم ومنَـعت عدداً من الناشطين من مُـغادرة المغرب، رغم أنهم جميعا كانوا يتحرّكون ويُـسافرون، دون أن يعترّضهم أحد.
ويُـشير هؤلاء إلى منْـع السلطات المغربية لخمسة ناشطين من عُـبور الحُـدود مع موريتانيا، كانوا في طريقهم إلى تِـندوف للمشاركة في مؤتمر تنظِّـمه جبهة البوليساريو، كما منعت ناشطة أخرى كانت متوجِّـهة من مطار العيون إلى لاس بالمَـاس.
ويقترح معنِـيون بنِـزاع الصحراء أن قيادة جبهة البوليساريو أرادت بالناشطين السبعة وَقُـودا لتصعيد حملتها الدولية ضدّ المغرب على خلفِـية انتهاكات حقوق الإنسان، وكانت تُـدرك أن البرنامج المُـعلن الذي أعدّ لهم، كان يذهب بهِـم فور عوْدتهم إلى المغرب مباشرة الى السِّـجن، ويستدِلّ هؤلاء بالحملة التي أطلقتها الجبهة فور الاعتقال، من رسائل وجِّـهت إلى الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن الدولي ورئيس الاتحاد الاوروبي وجمعيات التّـضامن، التي شكِّـلت في عدد من الدول الأوروبية، وحملات التضامن التي نُـظّـمت هنا وهناك.
وتشكِّـل جمعية حقوق الإنسان الأرضية الأكثر سخونة بين المغرب وجبهة البوليساريو في ظل وقْـفٍ لإطلاق النار منذ 1991 وجُـمود العملية السِّـلمية منذ انطلاقتها. وتسعى الجبهة من خلال إبراز انتِـهاكات حقوق الإنسان إلى توسيع صلاحيات قوات الأمم المتحدة المنتشرة في الصحراء الغربية (المينورسو)، لتشمَـل مراقبة حقوق الإنسان، وهو ما يرفضه المغرب، لأنه يعتبر ذلك مسّـا بسِـيادته على الإقليم.
في انتظار معجزة!
السلطات المغربية، ومنذ الاضطرابات التي شهِـدتها مدينة العيون ومُـدن مغربية أخرى في مايو 2005 أو ما تُـطلِـق عليه الجبهة “انتفاضة مايو” قالت إن انتهاكات حقوق الإنسان في المدن الصحراوية، وجميع الرسائل التي بعث بها محمد عبد العزيز إلى الأمم المتحدة منذ منتصف 2008، تتحدّث عن انتِـهاكات في مُـدن ليست صحراوية وضدّ ناشطين مؤيِّـدين لجبهة البوليساريو، غير أنهم لا ينتمون لمناطِـق الصحراء المُـتنازَع عليها.
وتركت السلطات المغربية لمؤيِّـدي جبهة البوليساريو هامِـشا واسِـعا للتحرّك، ما دام ليس تحرّكا عامّـا ولا يُـعرقل مسار الحياة اليومية بالمُـدن، وساعدها السفر المكثف للناشطين خارج المغرب، وبه كانت تضَـع مسافة بين هؤلاء والمواطنين. ويؤكِّـد مراقبون مستقلّـون أن حجم الاحتجاج على اعتِـقال الناشطين السبعة في المُـدن الصحراوية، كان أقل بكثير من توقّـعات الجبهة.
في أغسطس الماضي، جمع كريستوفر روس، مبعوث الأمين العام للصحراء، بالقرب من العاصمة النمساوية فيينا، ممثِّـلين عن المغرب وجبهة البوليساريو وحَـرِص على وصفِـه بلقاء غير رسمي، لأنه خلص من جولة قام بها إلى المنطقة قبل اللقِّـاء بأسابيع، أن كل طرف جاء إلى العاصمة النمساوية مُـتمترِسا بموقِـفه النّـقيض من الطرف الآخر. فالمغرب ذهب بمبادرة منْـح الصحراويين حُـكما ذاتيا تحت السيادة المغربية كحلٍّ نهائي ودائم للنِّـزاع، وجبهة البوليساريو ذهبت بإصرارها على إجراء استفتاء يُـقرِّر من خلاله الصحراويون مصيرهم بدولة مستقِـلة أو الاندِماج بالمغرب.
ولم يطلب روس، وهو الدبلوماسي الأمريكي الخبير بشؤون المنطقة، بعد سنوات من عمله كدبلوماسي بمدينة فاس المغربية وكسفير في الجزائر، كثيرا من لقاء فيينا، لكن الأمل من اللِّـقاء كان أن يُـمهِّـد الأجواء لعودة المفاوضات الرسمية، التي كانت تَـجري في مانهاست، القريبة من نيويورك وتجمّـدت منذ 2008، ولم يجر منذ أغسطس أي اتِّـصال رسمي لتحديد موعِـد هذه المفاوضات، لانه لم يتوصّـل بجديد من الرباط أو تندوف، والآن عليه أن ينتظر لكي تهدَأ جبهة المُـعتقلين السبعة، لكي يتلمّـس قنوات جديدة يأتي من خِـلالها بالمغرب وجبهة البوليساريو إلى طاولة المفاوضات، لعلّـهما يتفقان على ترتيبات تبادُل زيارات العائلات عن طريق البرّ، لكي يضع في تقريره الذي يجِـب أن يُـقدِّمه للأمين العام نهاية أبريل القادم، منجزا يفتخِـر به بان كي مون أمام مجلس الأمن ويُـبرِّر طلبه 50 مليون دولار أخرى، لتمويل عملية البحث عن السلام الصحراوي المفقود.
محمود معروف – الرباط – swissinfo.ch
الرباط (رويترز) – قالت مصادر رسمية يوم الخميس 5 نوفمبر، ان الحكومة المغربية استدعت سفير السويد بالرباط احتجاجا على نقل السفارة لوثيقة رسمية صادرة عن الحكومة المغربية إلى “عناصر مُـرتبطة بالجزائر وبالبوليساريو”، التي تتنازع مع المغرب على الصحراء الغربية.
وقالت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون المغربية، انها استدعت يوم الاربعاء 4 نوفمبر سفير السويد مايكل أودفالد لتُـبلغه أن “المستشارة في السفارة السويدية بالرباط السيدة انا بلوك مازويير، أخلت بالاعراف الدبلوماسية بشكل كبير وارتكبت خطأً مهنيا غير مقبول”، وطالبت بأن تغادر البلاد فورا.
وأضافت “السيدة بلوك مازويير كانت قد نقلت بالفعل الى عناصر مرتبطة بالجزائر والبوليساريو وثيقة رسمية كانت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون قد سلمتها لسفارة السويد بالرباط في اطار اجراء دبلوماسي، ووجدت هذه الوثيقة فيما بعد لدى أعداء الوحدة الترابية للمملكة”.
ويعد النزاع حول الصحراء الغربية من أقدم النزاعات في إفريقيا، حيث اشتعل بعد أن ضم المغرب الصحراء اليه إثر انسحاب الاستعمار الاسباني منها في عام 1975. وتأسست جبهة البوليساريو بعد ذلك بعام وخاضت نزاعا مسلحا ضد المغرب، مطالبة بانفصال الاقليم الغني بالفوسفات والاسماك، ويعتقد أن به مكامن نفطية. ولم تتوقف الحرب الا بعد تدخل الامم المتحدة في عام 1991 لوقف اطلاق النار.
وقالت الخارجية المغربية، انهاعقدت في أوائل الشهر الماضي اجتماعا اخباريا “خصص لآخر مستجدات قضية الصحراء المغربية لفائدة البعثات الاوروبية المعتمدة بالرباط، بما فيها بعثة الاتحاد الاوروبي، الذي تقوم السويد برئاسته الدورية”. وأضافت أن تسليم بلوك مازويير للوثيقة “يتناقض مع القواعد الاخلاقية والمهنية الدبلوماسية التي تفرض توجيه مضمون الوثائق المتبادلة بصفة حصرية الى السلطات الحكومية للبلدان الممثلة، ولا يمكن والحالة هذه أن تستعمل ضد مصالح بلد الاعتماد”. وتعذر الاتصال بسفارة السويد في الرباط للتعليق.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 5 نوفمبر 2009)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.