الصحف السويسرية: “بعد تونس.. على من سيكون الدور القادم؟”
أجمعت الصحف السويسرية الصادرة يوم الإثنين 17 يناير على اعتبار أن "ثورة الشعب التونسي ضد نظام الرئيس بن علي ستكون لها لا محالة، أصداء لدى بقية الشعوب العربية". ومع أنها اختلفت في اختيار عناوينها فإنها تطرقت - على اختلاف لغاتها وميولاتها السياسية - للموضوع من زاوية تأثيراته المحتملة على بقية الأنظمة العربية.
صحيفة بازلر تسايتونغ (تصدر في بازل بالألمانية) كتبت تحت عنوان “القادة العرب يتخوفون من الشرارة التونسية” أن “احتجاجات تونس التي أدت الى فرار الرئيس المكروه، تعمل على تشجيع المعارضات في دول المنطقة”. وترى الصحيفة أن “أحداث تونس أثارت الحماس لدى شعوب الدول العربية المجاورة. أما بالنسبة للحكام فتعتبر تحذيرا واضحا”.
وتعلق الصحيفة بقلم مراسلتها آستريد فريفل التي تعرف العالم العربي جيدا بحكم تواجدها منذ عقود في القاهرة بأن “الهزة التي أصابت تونس عملت على خلق تصدع كبير في سقف الدار العربية مما يهدد بانهيار صخري كبير”. وترى الصحيفة أن المعني بالدرجة الأولى هو الرئيس المصري حسني مبارك الذي يتلاعب بالأفكار ويعتزم في 30 سبتمبر القادم ترشيح نفسه لعهدة قادمة، وإن كانت لا تستثني الأنظمة العربية الأخرى.
صحيفة “لاندبوتيه” Landbote كانت أكثر وضوحا بعنونة مقالها “على أي دكتاتور سيأتي الدور القادم؟” وكتبت بقلم ميخائيل فراس “بعد الإطاحة ببن علي يهتم العالم العربي بمحاولة الإجابة على سؤال: من مِن الحكام المستبدين سيُلقى به في الصحراء من طرف شعبه؟”.
وترى الصحيفة مستعينة بتحليل أستاذ التاريخ بجامعة ميشيغان خوان كولي أن “تأثيرات ثورة الياسمين قد تكون أكبر بكثير مما أثرت به الثورة الإسلامية في إيران”. وتفسر ذلك بالقول: “إذا كانت الثورة الإسلامية (في إيران) قد وجدت تعاطفا من الشيعة في لبنان والعراق والبحرين، فإن الإنتفاضة الشعبية في تونس قد تكون قدوة بالنسبة للسنة الذين يمثلون الأغلبية في العالم العربي”. وترى الصحيفة أيضا أن “الناس انتظروا منذ أكثر من اربعة عقود لرؤية ثورة الشارع تتمكن من اقتلاع دكتاتوري سني من وزن بن علي”. ولا تستبعد الصحيفة بالإعتماد على اقوال الخبير السابق الذكر أن “يتبع مصريون أو سوريون أو أردنيون أو جزائريون التقنيات الثورية التي اتبعها التونسيون”.
تحت عنوان “رقعة حمى الثورة تتسع” تطرقت صحيفة نويه لوتسرنر تسايتونغ (تصدر بالألمانية في لوتسرن) للموضوع، قائلة: “لقد كان رد فعل حكام المنطقة العربية متشنجا، وأن الخوف يتصاعد من خطر انتشار الشرارة التونسية الى باقي المنطقة”.
وتشير الصحيفة الى المظاهرات التي عرفتها مصر واليمن والأردن على غرار النقابيين الأردنيين الذين رددوا بأن “تونس قد قدمت لنا الدروس”. كما أوردت الصحيفة مقتطفات من تدخل الزعيم الليبي الذي قالت عنه أنه “يرغب في التمسك بنظام بن علي” والذي كان رد فعله على أحداث تونس “قويا” وهذا قبل أن تذكر الصحيفة بأنه “هو نفسه يتمسك بالسلطة في ليبيا منذ 40 عاما”.
صحيفة نويه تسورخر تسايتونغ في عنوان عريض أن أحداث تونس ” تحذير للقادة العرب”. معتبرة ” أن كافة شعوب العالم العربي تعاني من نفس الظروف التي أدت الى الإطاحة بالدكتاتور التونسي”.
ويقول كاتب المقال يورغ بيشوف من بيروت “إن طرد الدكتاتور التونسي ينظر له على أنه إشارة إلى إمكانية إحداث تغيير في العالم العربي”. وتشير الصحيفة الى خروج العديد من المتظاهرين للشارع في الأردن وفي اليمن وحتى في ليبيا.
صحيفة “تاغس أنتسايغر” الصادرة بالألمانية في زيورخ تطرقت للموضوع تحت عنوان “اختبار تونس” الذي تقول عنه إنه “مهد الطريق لتحول ديمقراطي”. ويرى كاتب المقال اوليفيي مايلر أن “هناك خمسة أسباب تدعو للتفاؤل”. وهي “تحرير المرأة وتكوين الإطارات منذ عهد الرئيس بورقيبة، وجود مؤسسات عريقة مثل الاتحاد العام التونسي للشغل، وعدم وجود انقسامات عرقية، وكون الاقتصاد التونسي غير مرتبط باسعار المواد الأولية بل بقطاع الخدمات وفي مقدمتها السياحة، وأخيرا كون الإسلاميين المتطرفين لا يملكون ثقلا كبيرا في تونس. فقد حاربهم بن علي بقوة في التسعينات فهم لم يلعبوا أي تأثير في الانتفاضة الأخيرة”، على حد تحليل اليومية.
وفي مقال آخر لنفس الصحيفة، تطرق توما افيناريوس إلى الوسائل التي استخدمتها هذه الثورة حيث عنون مقاله “إنترنت، والهاتف النقال، وتويتر حولوا القادة العرب الى أهداف يمكن مهاجمتها”. واستشهدت الصحيفة بمتظاهرين مصريين، قالت إن “عددهم كان قليلا”، خرجوا للشارع بمجرد فرار بن علي لكي يرددوا في شوارع القاهرة “يا رئيس مبارك هناك طائرة تنتظرك ايضا”.
ولدى تطرقها إلى طبيعة المتظاهرين الذين أطاحوا بالرئيس التونسي، أشارت الصحيفة إلى أنهم “من الغالبية التي تقل أعمارها عن الثلاثين وهم بذلك من جيل الإنترنت والهاتف النقال وتويتر الذي استفاد من حيز حرية أكبر نظرا لكونه غير منظم في احزاب المعارضة التقليدية وبالتالي يصعب على دولة البوليس مثلما هو الحال في تونس او في القاهرة التحكم في تصرفاته”. وأشارت الصحيفة أيضا بالدور الذي لعبته قناة الجزيرة الفضائية التي “سارعت الى نشر خبر الإطاحة بدون تردد”.
“ما قبل وما بعد تونس”
الصحف السويسرية الناطقة بالفرنسية لم تتردد بدورها في تخصيص حيز وافر من تعليقاتها للحدث التونسي. إذ تطرقت صحيفة لا ليبرتي الصادرة في فريبورغ إلى موضوع العدوى التي يخشاها قادة الدول العربية وذلك تحت عنوان “الانتفاضة التونسية تهز العالم العربي”. إذ يرى كاتب المقال جون بيار بيران أن “قادة العالم العربي من الخليج الى لبنان مرورا بسوريا ومصر لم يجرؤ أحد منهم على التعبير عن التهاني بسقوط الرئيس التونسي بن علي وإن شرعت غالبيتهم في اتخاذ الإحتياطات”.
وفي مقالة جانبية تحت عنوان “ما قبل وما بعد تونس”، تعرضت نفس الصحيفة بقلم خاطر أبو دياب إلى بعض الحالات المحتملة مستعرضا الوضع في تونس او في السودان بعد الاستفتاء حول انفصال الجنوب. وترى الصحفية على لسان هذا الخبير بأن “جدارا نفسيا قد تهاوى في العالم العربي خصوصا وان انهيار النظام تم بسرعة باغتت الجميع على غرار ما حدث لدى انهيار حائط برلين” في نوفمبر 1989.
أما صحيفة لوتون الصادرة في جنيف فقد تناولت الموضوع تحت عنوان كبير “زمرة الطرابلسي، شعار الظلم” استعرضت فيه عددا من القضايا التي تورط فيها بعض افراد عائلة الزوجة الثانية لزين العابدين بن علي والذين قالت عنهم الصحيفة “إنهم كانوا يمشون حفاة قبل ربع قرن ولكنهم استطاعوا السيطرة، بواسطة “الحلاقة” ليلى على خيرات البلد وموارده”. وأوردت الصحيفة شهادات عدد من التونسيين الذين ترددوا على مقار إقامة عائلة بن علي بعد فرارهم للوقوف بأنفسهم على احتراقها أو نهبها، بعضهم بدافع الفضول والبعض الآخر لأن له قصة طويلة مع أحدهم.
وفي مقال جانبي بقلم ديلفين مينوي، لم تتردد نفس الجريدة في تشبيه ما جرى في تونس “بثورة مايو 1968” بالنسبة للعالم العربي، وأشارت “لوتون” إلى أن “هناك العديد ممن سارعوا لتحية الانتفاضة الشعبية التونسية من الجزائر الى صنعاء مرورا بالقاهرة”. وبالمناسبة، أشارت الى ما شهدته الجزائر في عطلة نهاية الأسبوع من انتحار عاطل عن العمل في بلدية بوخضرة. وتساءلت الصحيفة نقلا عن صحيفة النهار اللبنانية “هل يجب انتظار تفاقم الأوضاع؟”.
الاستخبارات الليبية.. على الخط!
اكتفت الصحف السويسرية الصادرة باللغة الإيطالية في مدينتي بلّـينزونا ولوغانو، بمتابعة آخر تطورات الأوضاع في تونس من خلال برقيات وكالات الأنباء ولم تتضمّـن الأعداد الصادرة يوم الإثنين تعليقات أو تحليلات مفصّـلة.
في هذا السياق، أوردت صحيفة “كوريري ديل تيتشينو” تقريرا نقلته عن صحيفة لوموند الفرنسية، أفاد بأن ليلى بن علي، زوجة الرئيس المخلوع، قد تكون هرّبت طنّـا ونصف من سبائك الذهب، بقيمة 45 مليون يورو قبل تدهوُر الأوضاع وفِـرار زوجها يوم الجمعة 14 يناير 2011.
وطِـبقا لمعلومات تمّ تجميعها في العاصمة التونسية، اتّـضح أن زوجة الرئيس السابق قد تكون توجّـهت إلى مقر البنك المركزي التونسي لتسلُّـم سبائك الذهب، وعلى إثر رفض محافظ البنك، اتّـصلت بزوجها الذي قد يكون عارض المسألة في بداية الأمر، لكنه رضخ بعد ذلك للطلب. وقالت مصادر للصحيفة الفرنسية، “يبدو أن السيدة بن علي قد غادرت المكان مصحوبة بالذهب (1،5 طُـن)، أي 45 مليون يورو”.
وتضيف الصحيفة السويسرية، أن ليلى الطرابلسي (بن علي)، قد تكون اتّـجهت إثر ذلك إلى دبي، التي تحولت منها بطائرة أخرى إلى جدة في المملكة العربية السعودية، حيث التحق بها في نفس الليلة زوجها بعد فِـراره من تونس. وطِـبقا لما أوردته صحيفة لوموند، فإن الإستخبارات الفرنسية تحاول معرفة المزيد من المعلومات حول الظروف غير الواضحة، التي غادر فيها الرئيس المخلوع البلاد. وفي هذا الصدد، أفادت الصحيفة أن “الرأي السائد في السفارات الأوروبية، يُـشير إلى أن أجهزة الإستخبارات السرية الليبية قد لعِـبت دورا في المسألة”، حسبما جاء في “لوموند”.
منذ وصول الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي إلى الحكم في تونس يوم 7 نوفمبر 1987، مرّت العلاقات بين البلدين بالعديد من الأزمات المكتومة ويشير الموقع الرسمي لوزارة الخارجية السويسرية إلى أن “العلاقات بين البلديْن يشوبها من حين لآخر بعض التوتّر بسبب اختلاف وجهات النظر حول قضايا حقوق الإنسان”.
1988: بعد وقت قليل من وصوله إلى القصر الرئاسي في قرطاج، طلب بن علي نقل مقر إقامة السفير السويسري لدى تونس المجاوِر للقصر، إلى مكان آخر، بسبب رغبته في توسعة قصره وضم المساحة المجاورة له، لكن سويسرا رفضت ذلك ولا زال بيت السفير السويسري في مكانه إلى الآن.
في عام 1995، أدّى الرئيس التونسي السابق زيارة إلى جنيف كضيف شرف على المؤتمر السنوي لمنظمة العمل الدولية، لكنه استُـقبِـل بالشتم والتوبيخ من طرف العشرات من المتظاهرين المحتجِّـين، كما رفض فلافيو كوتي، وزير الخارجية في الحكومة الفدرالية آنذاك استقباله، وهو ما أدى إلى سحب تونس لسفيرها من برن وظل المنصب شاغرا إلى حدود عام 2000.
في فبراير 2001، رفع اللاجئ السياسي التونسي ناصر نايت ليمان، المقيم في جنيف، شكوى لدى بيرتوسّـا، المدعي العام لكانتون جنيف، ضد عبد الله القلال، وزير الداخلية التونسي السابق، الذي كان موجودا في سويسرا للعلاج، بتُـهمة ممارسة التعذيب، وقد استجاب بيرتوسّـا للطلب وأصدر أمرا بجلب القلال، لكن الوزير التونسي تمكّـن من الفِـرار ولا زال ملف الملاحقة مرفوعا أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، التي ستنظر فيه في شهر مارس 2011.
في نوفمبر 2005، ولدى إلقائه خطاب الافتتاح في القمة العالمية للمعلومات في العاصمة التونسية، انتقد سامويل شميد، رئيس الكنفدرالية آنذاك، بشكل غير مباشر، سجِـل تونس في مجال حقوق الإنسان وحرية التعبير، لكن التلفزيون التونسي قطع البث المباشر لحفل الافتتاح.
في فبراير 2006، استقبلت ميشلين كالمي – ري، وزيرة الخارجية السويسرية، في بادرة غير مسبوقة على المستوى الأوروبي والغربي عموما، وفدا من المعارضين التونسيين في مقر الوزارة في العاصمة السويسرية، وهو ما أدى إلى سحب السفير التونسي مجددا من برن.
في يونيو 2009، شهِـدت جنيف انعقاد المؤتمر التأسيسي لمنظمة المهجَّـرين التونسيين، بحضور العشرات من اللاجئين السياسيين، الذين قدِموا من معظم البلدان الأوروبية ومن شتى أنحاء العالم، للمطالبة بحق العودة إلى بلادهم وتمكينهم من جوازات سفرهم.
على مدى العشرين عاما المنقضية، منحت سويسرا حق اللجوء السياسي إلى العشرات من المعارضين التونسيين، ينتمي معظمهم إلى حركة النهضة الإسلامية المحظورة. وتشير بعض الأرقام إلى أن عددهم يناهز 800 شخص مع احتساب العائلات والأطفال.
منذ بداية التسعينات، شهِـدت سويسرا نشاطا حثيثا للعديد من الفصائل والشخصيات المعارضة لنظام الرئيس بن علي، شمل تأسيس عدد من المنظمات الحقوقية والجمعيات، من بينها منظمة الحقيقة والعمل المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان وجمعية الزيتونة، التي تضم عائلات اللاجئين التونسيين وجمعية ضحايا التعذيب في تونس، إضافة إلى هيئات تشكّـلت لدعم ضحايا القمع من مختلف التيارات السياسية والانتماءات الاجتماعية.
من جهة أخرى، ساهم العديد من المحامين السويسريين في الدفاع عن شخصيات سياسية وقيادات نقابية وطلابية تعرّضت للملاحقة والمحاكمة على مدى سنوات حُـكم الرئيس المخلوع بن علي، كما اهتمّـت منظمات حقوقية سويسرية، مثل رابطة حقوق الإنسان والفرع السويسري لمنظمة العفو الدولية والمنظمة الدولية لمناهضة التعذيب (يوجد مقرها في جنيف) بأوضاع حقوق الإنسان في تونس وقامت بالدفاع عن العديد من الضحايا.
رغم هذه العلاقات المشوبة بعدم الإستقرار، فإن عدد السياح السويسريين الذين يسافرون سنويا إلى تونس يتجاوز 100.000 سائح،
وتريد السلطات التونسية مضاعفة هذا العدد بحلول نهاية 2016.
في عام 2007، احتلت سويسرا المرتبة السادسة ضمن المستثمرين الأجانب في تونس التي تعتبر سابع شريك تجاري
لسويسرا على مستوى القارة الإفريقية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.