الـشّـرق الأوسـط يـنـفـجـر.. مـذهـبـيـاً؟
قد يكون الرئيس الإيراني أحمدي نجاد على حق، حين قال قبل أيام إن "سوريا وإيران أحبطتا خُـطط المحافظين الجدد، الأمريكيين والليكوديين الإسرائيليين، لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط". بيد أن الإفشال شيء والانتصار شيء آخر.
وهذا الأخير لم يتحقّـق بعد، لأن المنطقة لا تزال أشبه بمدينة دمّـرها زلزال عنيف، وتُسيطر عليها الفوضى الأمنية والاضطراب السياسي والإيديولوجي. فالمشروع الشرق أوسطي الجديد سقَـط أو هو وضع على الرّف، إلى أن تحين ظروف أفضل، لكن بديله، النظام الإقليمي الإسلامي، الذي ترفع لواءه إيران، لا زال أبعد ما يكون عن التحقق.
العكس، هو الصحيح! فبدلاً من أن يولد نظام جديد، برزت فوضى جديدة يتِـم في إطارها على قدَم وساق، تفجير الأوضاع الداخلية في الدول العربية والإسلامية، في قوس يمتَـد من القرن الإفريقي إلى جنوب آسيا، مروراً بالطبع بالخليج والمشرق العربييْـن.
وهكذا، من الكويت إلى البحرين، ومن السعودية إلى اليمن، ومن لبنان وفلسطين والعراق إلى إيران، ومن اليمن إلى السودان، برز إلى الوجود شبَـح أسوَد واحِـد، مُوزّعاً كل أنواع الفتن، المذهبية والطائفية والحروب بالواسطة والصراعات الإيديولوجية.
حروب المذهبيات
بالطبع، لهذه الفِـتن أسبابها المحلية الخاصة. فبسبب الطابع المذهبي، الذي تتَّـسم به العديد من الدول في الشرق الأوسط، كان مُحتّـماً أن يرتدي أيّ خلاف سياسي أو صراع على النفوذ، طابعاً مذهبيا، وهذا لم يكُـن الحال في الخمسينيات والستينيات، على سبيل المثال، حين كانت الصِّـراعات السياسية بين القوى الإقليمية الرئيسية آنذاك (مصر والسعودية والعراق وإيران الشاه وتركيا الأتاتوركية) تتّـخذ شكل التنافس بين ما كان يسمّـى “القوى التقدّمية والرِّجعية”.
أما الآن، وبعد انزِواء الأطراف القومية والعِـلمانية واليسارية، بات كلّ خلاف دُنيَـوي مدخلاً إلى صراع أخـروي، وكل ضربة كفّ تذكير بإهانة أو صراع نشب قبل ألف عام، وهذا الأمر يسحب نفسه، حتى على التظلمات الاجتماعية الداخلية. فلم تعُـد الأقليات أو الفئات المُهمّـشة عموما تجِـد منفساً لها في شعارات المواطنة أو الاشتراكية أو الديمقراطية أو حتى في مفهوم الدولة الحديثة، بل في عملية إعادة إحياء ثقافي – دِيني، يضعها حتماً وجهاً لوجه مع الثقافات الدِّينية الأخرى.
ثم هناك بالطبع الشّـحن الذي يأتي من الخارج، إما بصفة تهديد في الولايات المتحدة بإحراق المصاحف لإشعال النيران اللاهوتية بين الحضارتيْـن الإسلامية والغربية، أو في شكل حملات في بريطانيا على رموز تاريخية إسلامية لتحريك نزاعات عمرها 1400 سنة.
الحديث عن مؤامرة هنا، قد يكون صحيحاً، لكن المؤامرة لا تنجح إلا إذا ما توافرت لها بيئة محلية مناسبة، تمكِّـنها من التّـرعرع والازدهار. ومثل هذه البيئة، أكثر من مناسبة الآن لهكذا مؤامرة.
هل ثمة مخرج من هذا الأتون الملتهب؟ واقعياً، لا، رغائبياً نعم.
فالوقائع تشير إلى أن شياطين التعصّب والانغلاق التي انطلقت منذ نيف و30 سنة، لن تتوقف إلا بعد أن ترتوي من بحر من دِماء الأبرياء. أما التفكير الرغائبي، فهو ما يجعل المراقب يحلم ببروز قوى مُخلصة تدقّ نواقيس الخطر، لتذكّـر الجميع بأن الحضارة الإسلامية لم تسقط في حُـضن الاحتلالات الغربية والتخلّـف والتأخّـر، إلا بعد أن انفجرت في داخلها الفِـتن المذهبية، ثم الحروب الصفوية – العثمانية، لكن هذا، يظل كما قلنا، مجرّد تفكير رغائبي. فمن يحكُـم المنطقة الآن، هو الجنون والغرائز حسبما يبدو، لا الحِـكمة والعقلانية.
لبنان العيّـنة
لبنان يشكّـل عيّـنة فاقِـعة على مثل هذا الجنون، إذ هو يبدو هذه الأيام وكأنه مُـنشطر إلى كوكبيْـن متباعديْـن لا يلتقيان، أشبه بالمرّيخ وزحل.
الكوكب الأول، يقع في الجنوب، حيث الوحدة الوطنية والقومية والإسلامية وحيث الاستعدادات على قَـدم وساق لحرب وشيكة وآتية لا ريب فيها مع “إسرائيل”. هنا، تذوب الإيديولوجيات أو على الأقل، تتراجع لصالح وِحدة الهَـدف ورفقة السلاح، فيقبع الإسلامي والقومي السّوري والقومي العربي واليساري في نفَـق واحد من سلسلة الأنفاق الضخمة، التي بناها حزب الله في 160 قرية جنوبية. وهنا أيضاً، تذوب “الأنا” وتبرز الرّوح الجماعية المُتحرّرة من القلق والألم اللّذين تفرزهما الانقِـسامات المذهبية والشقاقات الاجتماعية والثقافية.
الكوكب الثاني، يُغطّـي بيروت وبقية المناطق اللبنانية ويغشاه كل ما هو نقيض الكوكب الأول: العصبيات المذهبية والطائفية والصراعات السياسية المُـغمسّة بما يعتبره كل طرف المقدّس في ثقافته وشبكات التجسّـس “الإسرائيلية”، التي تجد في مثل هذه الظروف بيئة مُـمتازة للتّـرعرع، كما البكتيريا فوق الجرح.
انفِـصال الكوكبيْـن
الصورة لم تكُـن على هذا النحو طيلة حرب التحرير، التي شنّتها المقاومة اللبنانية في عقد التسعينيات ولا حتى بعد التحرير عام 2000 وصولاً إلى عام 2005، حين كان الشعار استعادة مزارع شبعا. ففي تلك الفترة، كان الإجماع الوطني يحتضِـن المقاومة وكانت المقاومة تمدّ شعاع الوحدة الوطنية من جنوب لبنان إلى شماله.
كل ما نشهد الآن من “انفصال” الكوكبيْـن اللبنانيين على هذا النحو المأساوي، كان حصيلة خطّـة دولية مُحكمة ذات شطريْـن، بدأت باغتيال رفيق الحريري وتتوجّـت بحرب الأسِـيرين عام 2000.
الشطر الأول، حقق أهدافه الكاملة حين قَسَمَ اللبنانيين إلى معسكريْـن مذهبييْـن متناحريْـن، على وقع الانسحاب العسكري السوري القسري من البلاد. ثم درّع هذه القِـسمة بثلاثة إجراءات: قرار مجلس الأمن رقم 1559 ثم شقيقه القرار 1701 وبعدهما المحكمة الدولية. من بين هذه الأجراءات الثلاثة، كانت المحكمة هي الأكثر خطورة، بعد أن تبيّـن سريعاً أن أهدافها سياسية من الألف إلى الياء. فهي بدأت في ابتزاز سوريا وانتهت الآن في شكل حِـصار كامل، ليس فقط لحزب الله، بل أيضاً لأي محاولة لإعادة بناء الإجماع الوطني اللبناني.
الشطر الثاني، وهو حرب 2006، نجح أيضاً في تحقيق جزء من استهدافاته: منع المقاومة من أن تكون مقاومة عبْـر وقف كل العمليات العسكرية في مزارع شبعا. صحيح أن المقاومة أفادت هي الأخرى من هذا التجميد العسكري، لتقوم بتحصين قُـرى الجنوب وتدريب عشرات الآلاف من الكوادر والأنصار (من الأحزاب كافة بالمناسبة)، إلا أن الصحيح أيضاً، أن وقف العمليات العسكرية سَمَح للكوكب الثاني بإرخاء ظِـلاله الانقِـسامية على الكوكب الأول. وهكذا، طُـرحت على بِـساط البحث، مسألة إستراتيجية الدّفاع الوطني وعلاقة المقاومة بالدولة، وبات سلاح حزب الله موضِـع تساؤل، خاصة بعد أحداث 7 مايو 2008 في بيروت.
الخطة ذات الرأسيْـن لا تزال قيْـد التنفيذ، وبنشاط دائب. والمُنقذ من ضَـلالها لا يبدو واضحاً حتى الآن، إلا بالطبع إذا ما أقدمت “إسرائيل” على تفجير الوضع في الجنوب اللبناني.
بيروت (أ ف ب) – دعا الرئيس اللبناني العماد ميشال سليمان في مقابلة تلفزيونية مساء الاحد المحكمة الدولية المكلفة النظر في اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري الى “استعادة مصداقيتها”، مشددا على ان القرار الظني للمحكمة لن يتسبب بوقع “فتنة” في لبنان.
وقال سليمان في مقابلة مع تلفزيون “الجديد” من نيويورك حيث يشارك في اعمال الجمعية العامة للامم المتحدة “المطلوب من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان ان تستعيد مصداقيتها لدى الراي العام من خلال اظهار استقلاليتها وابتعادها عن التسييس”.
واضاف ان على المحكمة الدولية “النظر في من له مصلحة في اغتيال الحريري، والتحقيق في كل الاحتمالات المطروحة، وايضا التدقيق بروية وبتمهل في كل القرائن”، مشيرا كذلك الى ان اتهام حزب الله لاسرائيل باغتيال الحريري “احتمال جدي الى حد بعيد ويمكن البحث فيه”. وتابع “هكذا تكون محكمة تبحث عن الحقيقة وليست محكمة تبحث عن الاتهام السياسي”.
وردا على سؤال حول التخوف من وقوع حرب في لبنان اذا اتهم القرار الظني المتوقع صدوره عن المحكمة حزب الله باغتيال الحريري، اكد الرئيس سليمان ان “الحرب تقع اذا اردنا الحرب، المهم كيفية التعاطي بروية والاستعجال ليس مفيدا”.
وشدد الرئيس اللبناني على ان “الفتنة والتفجيرات والتوتر الامني امور اصبحت وراءنا (…) ولا سبيل لنا الا بالاجتماع مع بعضنا”.
وجاءت مقابلة سليمان في وقت يشهد لبنان تبادل حملات اعلامية عنيفة بين قوى 14 آذار وابرز اركانها رئيس الحكومة سعد الحريري نجل رفيق الحريري، وقوى 8 آذار، وابرز مكوناتها حزب الله، على خلفية المحكمة الخاصة بلبنان.
وقتل الحريري في 14 شباط/فبراير 2005 في عملية تفجير في وسط بيروت. واقر مجلس الامن الدولي قيام تحقيق دولي في العملية.
وفي تموز/يوليو 2010، توقع نصر الله ان يتضمن القرار الظني المنتظر صدوره عن المدعي العام للمحكمة اتهاما الى حزب الله في القضية.
ومنذ ذلك الحين، يشن الحزب حملة على المحكمة تصاعدت خلال الايام الاخيرة، متهما اياها بانها “مسيسة” واداة “اسرائيلية واميركية” لاستهدافه، فيما يتهم فريق رئيس الحكومة حزب الله بمحاولة تعطيل المحكمة.
ونفى سليمان علمه بوجود نية لدى سعد الحريري للاستقالة على خلفية السجال الدائر حول المحكمة ولا بامكان حصول اي تغيير حكومي للسبب ذاته “لان الموازين السياسية هي نفسها ولم تتغير”، مؤكدا ان “لا شيء يبرر تغيير الحكومة”.
وعن وجود “شهود زور” في قضية الحريري وجهوا اصابع الاتهام الى سوريا وحزب الله الذي يطالب بمحاكمتهم امام القضاء اللبناني، قال سليمان “هناك اجماع على وجود شهود زور (…) وشهادتهم اساءت الى التحقيق والى العلاقة مع سوريا”.
وبلغ التوتر بين حزب الله والحريري اوجه الاسبوع الماضي مع الاستقبال الذي اعده الحزب في مطار بيروت للمدير العام السابق للامن العام اللواء جميل السيد الذي سجن لمدة اربع سنوات للاشتباه بعلاقته باغتيال الحريري، ثم افرج عنه مع ثلاثة من قادة الاجهزة الامنية الاخرين بقرار من المحكمة الدولية “لعدم كفاية الادلة”.
فقد استقبل نواب وشخصيات من الحزب وحلفائه السيد ودخل بعضهم ترافقهم عناصر مسلحة، الى المدرج لاستقباله عند مدخل الطائرة.
ووصف الرئيس اللبناني مساء استقبال حزب الله للسيد بانه يمثل “طريقة اعتراضية” على حدث “وليست بروفة” لكن ما جرى “اعطى انطباعا سيئا عند المواطنين وافقدهم بعض الثقة بالمؤسسات”، داعيا “للعودة الى القوانين”.
وكان سليمان قال خلال جلسة حكومية الثلاثاء الماضي ان “ما حدث في المطار اعطى انطباعا بان البلاد على عتبة مرحلة محفوفة بالمخاطر”.
واعلن النائب نواف الموسوي المنتمي الى حزب الله الاحد، بحسب ما نقلت عنه الوكالة الوطنية للاعلام، ان “ما حصل (في المطار) سيحصل في كل مرة نشاء له ان يحصل”. واضاف “لا تهاون في الدفاع عن انفسنا او في مواجهة اتهامات الزور، ولنا الحق المطلق في استخدام ما نراه مناسبا لذلك”.
وتطرق الرئيس سليمان في مقابلته ايضا الى وضع قوة الامم المتحدة الموقتة في لبنان (يونيفيل)، قائلا ان “قوات اليونيفيل لا تقوم بالردع الكافي للخروق الاسرائيلية”.
(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب بتاريخ 26 سبتمبر 2010)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.