الـ “لاسلام” في المشرق .. والحرب في الشرق؟
إدارة الرئيس الأمريكي أوباما إذن جادة حقاً في سعيها إلى تحقيق سلام عربي - إسرائيلي، كما أشرنا قبل أيام، لكنها لا تفعل ذلك حباً في السلام، بل لأهداف استراتيجية عُـليا تتعلق برغبتها في إغلاق ملف الصراع في المشرق العربي في سبيل التفرّغ لحروب الشرق الإسلامي، خاصة في أفغانستان وباكستان وإيران. كيف؟ ولماذا؟
فلنقل أولاً أن تحوّل المصالح الأمنية الأمريكية بعيداً عن المشرق العربي وقريباًُ من الشرق الإسلامي، لم يبدأ مع إدارة اوباما، بل هو دُشّن بشكل تدريجي منذ نهاية الحرب الباردة، ومع ذلك، فإن السياسة الأمريكية المُنفِّـذة لهذه المصالح لم تتغير فوراً آنذاك. فطالما كانت التهديدات الرئيسية تأتي من الكتلة السوفييتية، كانت مصر تمثّل البلد الأكثر تأثيراً في منطقة الشرق الأوسط، حيث استعادت قناة السويس أهميتها الإستراتيجية والاقتصادية بشكل كامل، وحيث كان المشرق العربي المركز الرئيسي للمصالح الأمنية الأمريكية.
بيد أن المصالح الأمنية الرئيسية للولايات المتحدة انتقلت منذ ذلك الحين باتجاه الشرق، بحيث أصبحت التهديدات الرئيسية تأتي الآن من إيران وأفغانستان وباكستان اولاً، ومن العراق ثانياً.
على رغم ذلك، لا يمكن للسياسة الأمريكية أن تعكس هذا التحوّل بشكل كامل، لأن الولايات المتحدة تظل ملتزمة بقوة بضمان أمن دولة إسرائيل، ولذلك تبقى متورطة في كل مشكلات المنطقة، ويمثّل هذا معضلة حقيقية للسياسة الخارجية الأمريكية. فبينما ليس ثمة احتمال أبداً لأن تتخلى الولايات المتحدة عن التزامها بإسرائيل وتنفض يديها من الصراع العربي – الإسرائيلي، فإن ذلك الالتزام يشكل استنزافاً لرأس المال السياسي الأمريكي، في وقت تحتاج فيه واشنطن إلى المساعدة في مواجهة التهديدات الآتية من الشرق، إذ يستمر الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني في استهلاك الجهود الدبلوماسية الأمريكية من دون حسم، ويبقى مصدر إزعاج في العلاقة بين الولايات المتحدة والبلدان العربية، وهو السبب الرئيسي للمشاعر المعادية لأمريكا في المنطقة.
كما أن الصراع المستمر في لبنان وسوريا وفلسطين، بكل تشعباته المعقدة، يبقي الولايات المتحدة منخرطة أكثر في الحياة السياسية في المشرق بأكثر مما ينبغي. فقد أصبحت واشنطن متورطة، على نحو متكرر بالسياسات الطائفية في لبنان وفي العلاقة بين لبنان وسوريا، وفي التنافس بين حماس وفتح في فلسطين، وهذه كلها قضايا أقل أهمية بالنسبة إليها من التهديدات الآتية من الشرق الإسلامي.
محاولة كارثية
إن التنازع بين الحاجة إلى إعادة التركيز على التحديات الأمنية من الشرق الإسلامي وبين الحركة البطيئة المستمرة في المشرق العربي، يتسبب في تعقيد السياسة الأمربكية.
فقد قامت إدارة بوش بمحاولة جريئة وكارثية في نهاية المطاف، للابتعاد عن النموذج القديم وتحويل اهتمامها إلى الشرق، وكان هذا في الحقيقة وبكل وضوح جزءاً من إستراتيجية وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، بيد أنها أرغمت في نهاية الأمر على العودة إلى المشرق ومحاولة إطلاق العلمية السلمية من جديد، إذ أدى اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في لبنان في فبراير 2005 وفوز حماس في الانتخابات في فلسطين في يناير 2006 والحرب بين إسرائيل وحزب الله في صيف عام 2006، إلى معاودة انخراط إدارة بوش في المشرق. ومع ذلك، فقد حاولت واشنطن تجاهل العملية السلمية، لكنها أرغمت على الخضوع على نحو متردد في عام 2007، ما أسفر عن عقد مؤتمر أنابوليس في نوفمبر.
لم يكن أمام إدارة بوش من خيار: كانت الصراعات تتقيح في المنطقة، وأوضحت البلدان العربية، التي سعت الولايات المتحدة للحصول على دعمها في مواجهة إيران، أنها لن تتعاون مع الولايات المتحدة عن طيب خاطر ما لم تعد تنشيط عملية السلام.
عبر تناولها لمشكلات قديمة وجديدة، ثمة أمل لإدارة أوباما بتحقيق بعض النجاح، فقط إن هي تخلت عن أحادية إدارة بوش وسعت إلى تقاسم العبء مع بلدان أخرى، ولاسيما مع الأطراف الإقليمية الفاعلة، وهذا ليس بالخيار الإيديولوجي، بل مجرد تفضيل لمبدإ التعددية على مبدإ عرض عضلات القوة القومية. إنه ببساطة، رد براغماتي على حقيقتين اثنتين: تتمثل أولاهما بتعقيد وأهمية المشكلات الأمنية التي تواجهها الولايات المتحدة في الشرق، إلى جانب الحاجة إلى معالجتها في آن.
وتنقسم هذه المشكلات الأمنية إلى مجموعات: إحدى هذه المجموعات، والتي تركز على العراق وإيران وبلدان الخليج، تطورت نتيجة للإخلال بميزان القوى بين العراق وإيران بسبب الغزو الأمريكي ونتائجه المتمثلة بإضعاف الدولة العراقية والنفوذ السني فيها. أما المجموعة الثانية، والمكونة من أفغانستان وباكستان، فهي مرتبطة بصعود الجماعات الإسلامية الراديكالية في كِـلا البلدين، والتي أخفق التدخل الأمريكي إلى الآن في إخضاعها. فقد استعادت حركة طالبان قوتها في أفغانستان، غير أن لها أيضاً جذور قوية في باكستان، حيث تتحدى ومجموعات إسلامية راديكالية أخرى سلطة الحكومة وسيطرتها الإقليمية.
واشنطن وطهران
منذ عام 2001، جربت الولايات المتحدة مقاربتين لحماية أمنها في الشرق الإسلامي. تمثلت المقاربة الأولى في الاعتماد على قوتها العسكرية المتفوقة للقضاء على التهديدات، وأسفرت عن تحقيق انتصارات أولية سريعة في أفغانستان والعراق، لكنها تركت الجيش الأمريكي منذ ذلك الحين متعثراً في كِـلا البلدين ومتورطاً بشكل متزايد في شن غارات عبر الحدود داخل باكستان. ونتيجة لذلك، فإن الجيش الأمريكي الآن مُـنهك. وفي ظل هذه الظروف، فإن محاولة القيام بحل عسكري في إيران الآن لن تكون غير مستحسنة فقط، بل خطيرة إلى أبعد الحدود أيضاً، إن لم تكن مستحيلة تماماً.
لجأت الولايات المتحدة بدل ذلك إلى مقاربات مختلفة تجاه إيران. فقد حاولت، من دون قدر كبير من الصِّـدق، وقف برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني عبر مساندة المحاولات الأوروبية للتفاوض مع طهران والسعي لحشد دعم دولي واسع، لفرض مزيد من العقوبات المرهقة. كما حاولت بناء تحالف على غرار الحرب الباردة مع جيران إيران، لكن أياً من السياستين لم تحرز نجاحاً إلى الآن.
فشلت سياسة التحالف، لأن جيران إيران العرب، وبالرغم من خوفهم من القوة الإيرانية، لا يرغبون في حدوث مواجهة معها. وفي العراق، تحظى حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي الشيعية في معظمها بدعم إيران والولايات المتحدة، كما أن الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي ودولاً عربية أخرى قلقة تجاه قوة إيران واحتمال أن تحرض طهران أو على الأقل تلهم السكان الشيعة فيها للمطالبة بحقوق أكثر. ولكن مهما كانت هذه الدول تخشى إيران، فإنها لا ترغب في الوقوف علناً في صف الولايات المتحدة. فحتى البحرين وقطر والكويت، التي تسمح بوجود قواعد أمريكية على أراضيها ترددت في ذلك.
في عام 2007، قامت الولايات المتحدة بالمحاولة الأكثر علانية لبناء تحالف مناهض لإيران مع بلدان مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن، أو ما سُـمي “بلدان مجلس التعاون الخليجي +2”. وبالرغم من المحاولات العديدة من جانب وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس ومسؤولين كباراً آخرين، قاومت البلدان المعنية تلك المحاولة.
ومن المثير للاهتمام، أن مصر كانت البلد الأكثر استعداداً للوقوف في صف الولايات المتحدة وتبني موقف علني مناهض لإيران، وهي البلد الأبعد والأقل عرضة للخطر. وانتهجت بلدان مجلس التعاون الخليجي السبيل النقيض المتمثل بتمتين علاقاتها مع إيران، ودعت المسؤولين الإيرانيين لحضور اجتماعات مجلس التعاون والاجتماعات الإقليمية الأخرى، وأوضحت بأنها تنظر إلى إيران بوصفها جزءاً لا يتجزأ من أي ترتيبات أمن إقليمية.
وفي الوقت نفسه، استمرت بلدان مجلس التعاون الخليجي في تعزيز تسليحها وقدراتها الدفاعية عموماً، رغم أنها لم تكن تعتمد على الولايات المتحدة فقط، بل على مزودين آخرين، بمن فيهم فرنسا وروسيا. والأن، يتعين على الولايات المتحدة انتهاج مقاربات جديدة، إذا ما أرادت إنقاذ مصالحها الامنية الاستراتيجية في الشرق الإسلامي. لكن، هل تنجح؟
الأولوية الإسرائيلية
إدارة اوباما تبدو واثقة من انها ستنجح، في حال تفرغت تماماً لجبهة الشرق الإسلامي (أفغانستان – باكستان – إيران)، من خلال إغلاق ملف الصراع العربي – الإسرائيلي في المشرق العربي، لكن، ليس هذا ما تريده حكومة نتانياهو. فهي تدعو إلى وضع السلام العربي – الإسرائيلي في الثلاجة واستبداله بحلف يهودي – عربي – أمريكي يركّز على شن الحرب على إيران. والأغلب، ان وجهة النظر الإسرائيلية هي التي ستسود، كالعادة في واشنطن. كيف؟
لقد اعتاد هنري كيسينجر أن يسأل: لماذا ليس ثمة في إسرائيل سياسة خارجية، بل فقط مجرد سياسة داخلية”؟ هنري ربما عثر الآن على جواب لسؤاله، بعد سلسلة التطورات التي بدأت عام 2007 مع نشر كتاب البروفسوريين الامريكيين ميرشايمر ووالت المجلجل “اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأمريكية، وأيضاً مع الاستقالة الأكثر جلجلة مؤخراً لتشارلز فريمان من منصبه كرئيس لمجلس الاستخبارات الوطني الأمريكي.
فكلا الكتاب والاستقالة أطلقا رسالة واحدة: ليس هناك سياسية أمريكية في الشرق الأوسط، هناك فقط سياسة إسرائيلية تنفذها الولايات المتحدة في المنطقة. وهكذا تنغلق الدائرة وتنفك الطلاسم: فالسياسة الخارجية الإسرائيلية ليست غائبة، بل هي تنفّذ على يد واشنطن. والسياسة الامريكية بحلتها الإسرائيلية، حاضرة لأن هذه هي نفسها السياسة الداخلية الإسرائيلية أو هذا على الأقل ما أوضحه فريمان في كتاب استقالته، وما كشف عنه بروفسورا العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعتي هارفرد وشيكاغو.
فالأول اتهم أعضاء اللوبي الإسرائيلي بأنهم “مجردون من الأخلاق، وهم حاولوا تدميري عبر تشويه سمعتي، كما أنهم مصممون على منع أي وجهة نظر غير وجهة نظرهم حيال الأحداث في الشرق الأوسط”، وأضاف: “إن هدف هذا اللوبي هو السيطرة على العملية السياسية الأمريكية عبر ممارسة الفيتو على تعيين أي من يعارض وجهات نظره، وهذا ما أسفر عن منع أي نقاشات للخيارات الأمريكية حيال الشرق الأوسط، لا تتلاءم مع أهداف الطبقة الحاكمة في إسرائيل”.
والآخران، ميرشايمر ووالت، أثبتا بالوقائع والأرقام أن اللوبي الإسرائيلي، الذي عرّفاه بأنه “تحالف فضفاض من الأفراد والمنظمات، يسعى بدأب ونشاط لتوجيه السياسة الأمريكية في اتجاه مؤيد لإسرائيل”، يتسبّب “بجرائم ضد الفلسطينيين وأيضاً بتسعير العداوات ضد سوريا وإيران”، كما أن هذا اللوبي “هو السبب الرئيسي الذي يدفع الولايات المتحدة إلى وضع أمنها جانباً بهدف تعزيز مصالح دولة أخرى (إسرائيل)، وبأن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط تتحرك أساساً بدفع من السياسات الداخلية الأمريكية، خاصة من جانب اللوبي الإسرائيلي.
ويوضح الكاتبان أن “نواة هذا اللوبي هم يهود أمريكيون يبذلون بشكل يومي جهوداً مهمة للّي ذراع السياسة الامريكية كي تتلاءم مع مصالح إسرائيل، لكن، ليس كل اليهود أعضاء في هذا اللوبي، ويهود أمريكا متباينون في نظرتهم إلى هذا الأمر”.
المؤلفان اتهما هذا اللوبي بأنه وراء كل الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة في الشرق الاوسط (خاصة حرب العراق)، وشدّدا على أنه “ليس ثمة لوبي آخر نجح في حرف السياسة الأمريكية بعيداً عن المصالح الأمريكية كاللوبي الإسرائيلي، فيما كان هو ينجح باقناع الأمريكيين بأن المصالح الإسرائيلية والأمريكية متطابقة”، هذه التطورات تعتبر إلى هذا الحد أو ذاك، انتصاراً لمدرسة على أخرى في المنطقة العربية. فكما هو معروف، سادت العالم العربي طيلة حقبة الصراع العربي – الإسرائيلي منذ 60 عاما نظريتان متنازعتان حول أسباب الدعم الأمريكي المطلق للدولة العبرية.
النظرية الأولى التي تتحدث عن سيطرة اللوبي اليهودي على المفاصل الرئيسية للقرارالأمريكي، بدت لوهلة وكأنها تتضمن إدانة قوية لـ “الإستسلام الأمريكي” لليهود، لكنها كانت في الواقع إعتذارية وتبريرية إلى حد كبير، لأنها تبرّئ واشنطن من كل سياساتها الخاطئة في الشرق الأوسط وتُـلقيها على عاتق هذا اللوبي، وبالتالي، فهي لم تكن تدعو إلى مجابهة امريكا، بل تحث على العمل للحد من نفوذ اللوبي اليهودي فيها.
النظرية الثانية، لم تر في إسرائيل أكثر من أداة في يد الإمبريالية الأمريكية، كما كانت من قبل أداة في يد الإمبريالية البريطانية. اليهود هنا، سواء في أمريكا أو إسرائيل، ليسوا أكثر من ملحق في كتاب التاريخ الإستعماري الغربي في الشرق الاوسط.
ثم برزت لاحقاً نظرية ثالثة، لكنها هذه المرة ليست من تأليف وإخراج العرب، بل من وضع واحد من أبرز الباحثين الأمريكيين: وولتر رسل ميد، بيد ان العديد من المثقفين العرب تبناها.
تقول هذه المقاربة، التي نشرتها “فورين أفيرز” في عدد يوليو – أغسطس 2008، إن الدعم الأمربكي المطلق لإسرائيل، ليس ناجماً عن قوة اللوبي اليهودي ولا حتى عن المصالح الإمبراطورية الأمريكية، بل عن الدعم الشعبي الحقيقي الأمريكي للدولة العبرية.
ويورد رسل ميد ما يعتبره الأدلة التالية على ذلك:
دعم “الغوييم” (غير اليهود) الأمريكيين لإسرائيل، هو واحد من أهم العوامل السياسية الفاعلة في السياسة الخارجية الأمريكية منذ نصف قرن وحتى الآن، وهذا حدث على رغم تقلّص حجم اليهود الديموغرافي من 8،3% عام 1948 إلى 8،1% الآن.
منذ بداية القرن التاسع عشر، برز خطان صهيونيان بين الامريكيين غير اليهود، كلاهما يدعو إلى إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين: الأول ضم “الأصوليين النبوئيين”، الذين رأوا في عودة اليهود إلى أرض الميعاد ترجمة حرفية لنبوءة الكتاب المقدس حول ظهور المسيح ونهاية العالم. والثاني، تمّثل في “الصهيونيين التقدميين”، المسيحيين منهم والعلمانيين، الذين وقفوا ضد إضطهاد اليهود والأقليات المسيحية في كل العالم، أي نقاش لمواقف الولايات المتحدة في دعم إسرائيل، يجب أن يبدأ وينتهي من الكتاب المقدس بشطريه، العهد القديم والعهد الجديد.
شعور الولايات المتحدة بهويتها الخاصة ومهمتها في العالم، تشكّلت من قراءتها للتاريخ والفكر العبريين،وهي تعتبر نفسها “إسرائيل الجديدة” التي تشبه كلياً تقريباً إسرائيل القديمة: فهي شعب الله المختار وهي مثل العبرانيين، تألفت من مستوطنين يقاتلون سكاناً أصليين غير متطورين، وهي كانت حتى القرن التاسع عشر معزولة ومحاصرة مثل إسرائيل التوراتية.
ما يود رسل ميد قوله واضح: إسرائيل جزء من الهوية الامريكية نفسها، وهذا أمر ثابت لن يتغّير، على رغم كل المطالبات بسياسة أمريكية أكثر توازناً في الشرق الأوسط، لأن هذا ما تريده غالبية الأمريكيين. إذا ما كانت مقاربة رسل ميد صحيحة، فهذا يعني ان سيطرة اللوبي اليهودي على السياسة الأمريكية في الشرق الاوسط، ليست صحيحة فقط، بل هي “بديهية” أيضاً”.
وعلى أي حال، سِـجل العلاقات الامريكية اليهودية واضح في هذا الاتجاه منذ عصر الرئيس ويلسون، الذي ضم بعد الحرب العالمية الأولى وعد بلفور لليهود إلى ميثاقه الشهير حول حق تقرير المصير، إلى الرئيس روزفلت الذي “نسي” خلال الحرب العالمية الثانية وعده بالتشاور مع العرب قبل تقرير مصير فلسطين، وانتهاء بالرئيس ترومان، الذي كان يجهز نصف مليون جندي لدعم الحركة الصهيونية، فيما لو عجزت عن حسم موازين القوى العسكرية في فلسطين لصالحها.
والآن، هذا السجل الامريكي – اليهودي أصبح سجلاً أمريكياً – إسرائيلياً، تتخذ فيه القرارات في تل أبيب وتنفّذ في واشنطن، كما تدل على ذلك دحرجة رأس فريمان الناقد للسياسات الإسرائيلية، وكما تدل عليه أيضاً معظم التعيينات في إدارة أوباما الجديدة.
لقد قيل ان الرئيس أوباما خسر المعركة مع اللوبي الإسرائيلي، حيث لم يستطع الدفاع عن ليبرمان حين كان هذا الأخير يتعرّض إلى “ليلة السكاكين” الإسرائيلية في واشنطن، وهو الآن قد يخسر معركة خياراته الاستراتيجية الجديدة في الشرق الأوسط مع حكومة نتانياهو.
سعد محيو – بيروت – swissinfo.ch
القدس (رويترز) – رفض رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو يوم الاحد 24 مايو دعوات أمريكية لتجميد جميع الانشطة الاستيطانية في الضفة الغربية وتعهد بعدم قبول وضع قيود على بناء الجيوب الاستيطانية داخل القدس.
وتنذر هذه التصريحات بصدام محتمل مع ادارة الرئيس باراك أوباما التي مارست ضغطا على نتنياهو في واشنطن الاسبوع الماضي من أجل وقف جميع النشاط الاستيطاني، بما في ذلك “النمو الطبيعي”، وفقا لما تقضي به خطة “خارطة الطريق”.
ونسب مسؤول إلى نتانياهو قوله لحكومته “أن المطالبة بالوقف التام للبناء ليس شيئا يمكن تبريره ولا أعتقد أن أحدا هنا على هذه الطاولة يقبل به”، وأضاف نتانياهو أن اسرائيل ليست لديها اي خطط لبناء أي مستوطنات جديدة في الضفة الغربية”، لكنه قال لاوباما بحسب المسؤول، ان حكومته “لا تقبل بفرض قيود على البناء” ضمن ما تعتبره اسرائيل عاصمتها، وهي بلدية القدس التي تضم القدس الشرقية العربية وأجزاء من الضفة الغربية التي احتلت في حرب عام 1967.
ويريد الفلسطينيون اقامة دولة مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة عاصمتها القدس. وبناء المستوطنات في المدينة قضية حساسة بشكل خاص للجانبين.
وقال محمد اشتية، وزير الاشعال العامة والاسكان الفلسطيني، ان المهم بالنسبة للفلسطينيين هو أنه يتعين على اسرائيل تنفيذ التزاماتها بموجب خارطة الطريق، التي تتضمن وقف الانشطة الاستيطانية ومنع التوسع بشكل أشكاله، وأضاف انه اذا كانت اسرائيل تريد اظهار جديتها بشأن محادثات السلام مع الفلسطينيين، فيتعين عليها الامتناع عن توفير المرافق العامة للمستوطنات وحجب التمويل الحكومي عنها.
وجاءت تصريحات نتانياهو أيضا تأكيدا لموقف تبناه في مسعاه للترشح لرئاسة الوزراء في انتخابات جرت في فبراير. وحينما تتحدث اسرائيل عن النمو الطبيعي، فانها تشير للبناء ضمن حدود المستوطنات القائمة من أجل ايواء الاسر التي يزداد حجمها.
ومن المتوقع أن يدعو أوباما نتانياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس لاستئناف محادثات السلام المتوقفة منذ أمد طويل خلال خطاب سيلقيه في القاهرة في مطلع الشهر المقبل.
واستبعد عباس استئناف تلك المحادثات قبل أن يعلن نتانياهو التزامه بالحل القائم على قيام دولتين ويوقف التوسع الاستيطاني. وتولت حكومة يمينية مقاليد الامور في اسرائيل في 31 مارس الماضي.
وفاجأ أوباما اسرائيل من خلال اثارته لموضوع المستوطنات، ولكن لم يتضح كم من الضغط سيمارسه على نتانياهو من أجل التجميد التام لبناء المستوطنات. وكان الرئيس الامريكي السابق جورج بوش قد دعا الى تجميد الاستيطان، ولكن البناء استمر دون رقابة، على حد قول جماعات اسرائيلية مناهضة للاستيطان.
ويعيش نصف مليون يهودي في كتل استيطانية وفي مواقع أصغر حجما بنيت في الضفة الغربية والقدس الشرقية العربية وجميعها أراض احتلتها اسرائيل في حرب عام 1967.
وقضت محكمة دولية بعدم مشروعية المستوطنات وتعتبرها الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي عقبة في طريق السلام.
وقال مارك ريجيف، المتحدث باسم نتانياهو، ان مصير المستوطنات القائمة لابد أن يتحدد خلال مفاوضات مع الفلسطينيين، وأضاف “في الفترة المؤقتة، يتعين السماح باستمرار الحياة عادية في تلك التجمعات السكنية”.
وأحجم نتانياهو حتى الآن عن الالتزام بالدخول في مفاوضات مع الفلسطينيين في قضايا متعلقة بالاراضي.
وقال مسؤول اسرائيلي رفيع، طلب عدم الافصاح عن اسمه، ان حكومة نتانياهو تأمل في تفادي الضغط الامريكي من خلال ازالة الجيوب الاستيطانية التي بنيت دون تصريح من اسرائيل، وهي خطوة نصت عليها خارطة الطريق أيضا، وأضاف “ان ازالة الجيوب الاستيطانية سهل نسبيا”، بالمقارنة بتجميد نمو المستوطنات الاكبر التي تريد اسرائيل الابقاء عليها في ظل أي اتفاق للسلام في المستقبل.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 25 مايو 2009)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.