الفلسطينيون بعد حرب غزّة: الخروج من الرّمضاء إلى النار
لم يكُـن حال السلطة الفلسطينية سعيدا أبدا ولا يبدو على الإطلاق أنها ستتخطّـى عتبات تعاسة جديدة تحملها الحرب الإسرائيلية الدائرة بضراوة في قطاع غزّة، بل إن المؤشِّـرات المختبِـئة خلف نِـيران المدافع والقذائف وأنات الضحايا، ربما كانت الأسوأ.
وإذ ينهمك الرئيس محمود عباس ورئيس وزرائه سلام فيّـاض في العمل على “أولوية” وقف العدوان والتّـشديد على القبول بالمبادرة المصرية لوقف إطلاق النار، تكون إسرائيل قد نجحت في تكريس مرحلة أخرى تلي مرحلة الانسِـحاب من طرفٍ واحد من غزّة، قبل أربعة أعوام.
في حينه، رفضت السلطة الفلسطينية مشروع الإنسحاب من طرف واحد، لكنها لم تتمكّـن من منعه، فهي لم تكن راغبة ولا مُـمانعة ذات الوقت. لم يكن بالإمكان في حِـينه سوى الخروج باتفاقية حول إدارة المعابر، وهي الاتفاقية التي لم تنجح سوى لبعض الوقت، حتى جاءت سيطرة حماس على قطاع غزّة وانتقل حال السلطة الفلسطينية إلى مرحلة جديدة من التعقيد.
وعلى مدار العامين الأخيرين، وخاصة عشية اندلاع الحرب الأخيرة، كانت قُـدرة السلطة الفلسطينية على التأثير في أمور قطاع غزّة قد وصلت أدنى مستوياتها. ومع تكريس حُـكم حماس، لم يعُـد في وسع عباس وفياض إلا أن يواصلا فقط دفع رواتب الموظفين والموافقة على مشاريع ومساعدات المانحين الخاصة بغزّة.
ومع تشديد الحصار الإسرائيلي على القطاع واستمرار الانقسام الفلسطيني، بدأ الانسحاب الإسرائيلي من طرف واحد حقيقة واقعة، وقد ساهم ذلك في خلق انطباع دولي وإقليمي، أن إسرائيل تتعامل مع قطاع غزّة، وكأنه بالفعل “كِـيان معادي”، كما أعلنت ذلك رسميا العام الماضي.
مرّة أخرى، كانت السلطة الفلسطينية عاجِـزة أمام هذا الواقع الجديد وراحت إسرائيل تمعن في تأكيد ذلك مع الإعلانات والتصريحات المتواصلة بقرب شن “عملية عسكرية واسعة”، بحجة منع إطلاق صورايخ المقاومة الفلسطينية.
وفي غضون ذلك، جاء التوصّـل إلى “تهدئة” بين حماس وإسرائيل في يونيو 2008 بوساطة مصرية ليزيد عُـزلة السلطة الفلسطينية وليُـضفي “شرعية” جديدة على عُـمق الانقسام الفلسطيني. ومع صباح يوم 27 ديسمبر 2008، كانت صواريخ إسرائيل على غزّة تُـصيب السلطة الفلسطينية وشرعيتها، والفلسطينيين عموما، في مقتل.
تصدير الأزمة
لا يتعلّـق الأمر بالجغرافيا فحسب. على الأرض، تفصل إسرائيل بين الضفة الغربية وقطاع غزّة، وفي السياسة أيضا، وهكذا، عكس مشهد الحرب في غزّة نفسه على الطريقة التي عبّـر بها أهل الضفّـة وقيادتهم، عن تضامنهم مع إخوانهم في غزّة.
في حين واصل عباس جولاته في الخارج من أجل التوصّل إلى وقف لإطلاق النار، لم يتحقق، وانهمكت حكومته في جلسات مفتوحة، خُـصّصت في غالبها للاتصال مع دول العالم ولترتيب إدخال مساعدات إنسانية لغزّة، كانت ردّة فعل مواطني الضفة محصورة في عدد من التظاهرات وجمع المساعدات لإخوانهم.
بدت الضفة الغربية وكأنها مجرّد بلد عربي آخر يُـعلن تضامنه مع غزّة في حين غاصت الرئاسة والحكومة في شخصية النظام العربي التقليدي: دعوات لوقف العدوان والقبول بالمبادرة المصرية وإبداء الرأي في عقد أو عدم قمّة عربية.
ولم تغفل الرئاسة الفلسطينية، ومعها الحكومة، التّـشديد على ضرورة التقيّـد باتفاق المعابِـر، الذي يُـخوِّل السلطة الفلسطينية إدارة معبر رفح بإشراف أوروبي ورقابة إسرائيل. وقد خصّص رئيس الوزراء سلام فياض مؤتمرا صحفيا، للتأكيد على هذا الأمر.
في تلك الأثناء، كانت إسرائيل تنسِّـق مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لاسيما ألمانيا، لفرض ترتيبات جديدة على الحدود مع مصر، لمنع تهريب الأسلحة إلى قطاع غزّة ومنع حفر الأنفاق، ستسمح إسرائيل لمصر بزيادة عدد عناصرها على الحدود إلى أكثر ما تنُـص عليه اتفاقيات السلام بين الطرفين.
ويلخص أستاذ الدراسات الثقافية في جامعة بيرزيت، عبد الكريم البرغوثي، الوضع الجديد بقوله “ما يجري الآن، هو استكمال الأهداف الإسرائيلية بتصدير الأزمة إلى الفلسطينيين والعرب”، وقال البرغوثي في حديث إلى سويس انفو “بعد الحرب على غزّة، يغادر النزاع خانة، إسرائيلي فلسطيني عربي، إلى فلسطيني فلسطيني وفلسطيني عربي”.
ويضيف مسؤول من حماس، رفض الكشف عن هويته على ذلك، بقوله “أخشى أن الحرب الدائرة حاليا ستُـعزِّز الانقسام بين السلطة الفلسطينية وحماس. نحن نتحدّث عن طرفين على نقيض تامّ لا يلتقيان، ما يجري حاليا، سيؤدّي إلى تكريس ذلك”.
ولا تؤشِّـر تطوّرات الوضع على الأرض، بأكثر من التوصّـل إلى هُـدنة جديدة تسمح بفتح المعابر ورفع الحصار وفرض قيود جديدة على المقاومة، سيُـواجه خرقها بعُـدوان مُـشابه، إن لم يكن أكثر قسوة.
المربع الأول
وإن كان الانشغال بأولوية وقف الحرب والقتل يغلب على الالتفات إلى تداعيات المسألة، فإن القراءة الأولية لمستقبل الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزّة، لا تحمل عناصر تفاؤل على الإطلاق.
ومع ارتفاع سقوط الضحايا إلى أكثر من ألف، والتخوّفات من الوصول إلى أعداد أكثر بكثير عندما تضع الحرب أوزارها، فإن حديث وقف إطلاق النار لا يتضمّـن أي مطالبات سياسية من جانب الفلسطينيين.
وبالرغم من الملاحظات التي أبدتها حركة حماس على المبادرة المصرية، فإن العناصر الأساسية لا تتعدّى تفاصيل حول الحياة اليومية لفلسطينيي قطاع غزّة، لاسيما رفع الحصار وفتح المعابر.
ومن غير المتوقع الانتقال إلى مرحلة سياسية “خالصة”، بعد وقف الحرب وتطبيق الهدنة المتوقعة. حماس كانت أبدت في السابق قبولا بقيام دولة فلسطينية في حدود عام 1967 مقابل هُـدنة طويلة مع إسرائيل، لكن مع غير المرجّح أن تقبل إسرائيل بذلك، وهي التي تواصل اتفاقها مع منظمة التحرير حول تسوية دائمة.
ويؤكِّـد مقرّبون من حماس، أن الحركة الإسلامية لا ترغب حاليا في الدخول بهدنة طويلة، لاسيما وأن مثل هذا الأمر سيُـبعدها عن خِـيار المقاومة، الذي أكسبها هذا التأييد الشعبي الواسع.
لكن هذا الموقف لا يلقى بَـالا لحجم الخسارة الكبيرة، التي سبّـبتها الحرب الحالية، ولا إلى احتمال بروز معارضة وتململ لدى صفوف الفلسطينيين في قطاع غزّة ضد سياسة الحركة الإسلامية عموما.
ربما كان في ردّة فعل الفلسطينيين في الضفة الغربية، حيال التضامن مع أشقائهم في غزّة، عناصر يُـمكن أن تفسِّـر احتمال تغييرات مستقبلية مشابهة في غزة، لكن، ثمّـة يَـقين آخر في هذه الحرب، إضافة إلى سفك الدّماء، مفاده عودة الفلسطينيين في طرفي الوطن إلى مربع الصف الأول.
هشام عبدالله – رام الله
(رويترز) – فيما يلي تسلسل زمني للاحداث التي وقعت منذ انتهاء تهدئة استمرت ستة شهور بين اسرائيل وحركة المقاومة الاسلامية الفلسطينية (حماس) في قطاع غزة الشهر الماضي..
19 ديسمبر عام 2008: حماس تعلن انتهاء التهدئة.
24 ديسمبر: نشطاء فلسطينيون في غزة يطلقون صواريخ على اسرائيل.
27 ديسمبر: اسرائيل توجه ضربات جوية على غزة، ردا على اطلاق صواريخ وقذائف مورتر وتقتل 229 فلسطينيا على الاقل.
28 ديسمبر: الضربات الجوية الاسرائيلية تستهدف الجامعة الاسلامية وأنفاق التهريب في قطاع غزة.
31 ديسمبر: جلسة طارئة لمجلس الامن بشأن قرار عربي يدعو لوقف اطلاق النار تتأجل دون تصويت.
1 يناير 2009: اسرائيل تقتل نزار ريان أحد قادة حماس في هجوم جوي على منزله في قطاع غزة.
3 يناير: اسرائيل تشن هجوما بريا في قطاع غزة وترسل الدبابات والمشاة لخوض المعركة ضد حماس.
4 يناير: اسرائيل تقسم القطاع الى نصفين من السياج الحدودي حتى البحر المتوسط. والجنود والمدرعات تحاصر مدينة غزة.
5 يناير: الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يقوم بمهمة سلام والرئيس الامريكي جورج بوش يوجه نداء لوقف اطلاق النار.
6 يناير: مقتل 42 فلسطينيا في قصف اسرائيلي لمدرسة تابعة للامم المتحدة في مخيم جباليا للاجئين كان مدنيون يتخذونها مأوى.
– مصر تقترح بتأييد من فرنسا ودول أوروبية أخرى وقفا فوريا لاطلاق النار.
7 يناير: استئناف العنف بعد هدنة استمرت ثلاث ساعات في غزة.
– اسرائيل تقول إنها تنظر بشكل ايجابي للمحادثات التي تجرى مع القاهرة بشأن خطة موسعة لوقف اطلاق النار، أطلقها الرئيس المصري حسني مبارك وساركوزي.
8 يناير: إطلاق صواريخ من لبنان على شمال اسرائيل واصابة شخصين.
– مجلس الامن يقترع على قرار يدعو لوقف اطلاق النار في غزة والولايات المتحدة تمتنع عن التصويت مشيرة الى أنها تنتظر معرفة نتيجة محادثات الوساطة المصرية بشأن التوصل لهدنة.
– وكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للامم المتحدة (أونروا) التي توزع أغلب المساعدات في غزة تعلق عملياتها بعد أن قتلت قذيفة دبابة اسرائيلية سائقا للاونروا في قافلة.
9 يناير: رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود أولمرت يرفض قرار الامم المتحدة بوصفه “غير عملى”، ويشير الى أن الفلسطينيين أطلقوا صواريخهم على اسرائيل، ويقول إن الجيش سيستمر في الدفاع عن الاسرائيليين.
10 يناير: خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحماس، يتهم اسرائيل بارتكاب “محرقة” في غزة، ويقول إن حركته لن تبحث وقف اطلاق النار، الا بعد أن تنهي اسرائيل هجومها.
– الرئيس الفلسطيني محمود عباس يلتقي بمبارك في القاهرة. ومصر تقول في وقت لاحق، انها لن تقبل قوات أجنبية على جانبها من الحدود مع غزة لوقف تهريب الاسلحة.
11 يناير: القوات الاسرائيلية تقترب من أكثر المناطق كثافة سكانية في قطاع غزة وترسل قوات احتياط الى المعركة.
– اسرائيل تقول إن ايقاف تهريب الاسلحة من مصر الى قطاع غزة، ينبغي أن تقوم به القوات المصرية وترفض فكرة قوة دولية.
12 يناير: أولمرت ووزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني، يقررون عدم اصدار أوامر للقوات خلال اليومين أو الثلاثة أيام التالية لخوض معركة أكثر شمولا في مناطق الحضر.
13 يناير: حماس تقول، ان لديها “ملاحظات جوهرية” على المبادرة المصرية لوقف اطلاق النار.
– لويس ميشيل، مفوض المساعدات في الاتحاد الاوروبي يقول، ان اسرائيل تستخدم في ضرباتها العسكرية لغزّة قوة مفرطة وتنتهك القانون الدولي.
– القوات الاسرائيلية تشدّد قبضتها على مشارف مدينة غزة واللفتنانت جنرال غابي اشكينازي، رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الاسرائيلية يقول، “انه ما زال هناك الكثير من العمل” أمام القوات الاسرائيلية في هجومها ضد حماس”.
14 يناير: ثلاثة صواريخ أطلقت من لبنان وسقطت على اسرائيل للمرة الثانية خلال أسبوع.
– الامين العام للامم المتحدة بان كي مون يصل الى القاهرة ويدعو ثانية لوقف فوري لاطلاق النار بين اسرائيل وحماس.
– وفد من حماس يجري محادثات مع مسؤولي المخابرات المصريين بشأن المبادرة المصرية، ولكن حماس قالت ان هناك حاجة لتعديلات على المبادرة.
– تقول منظمة هيومان رايتس ووتش (منظمة مراقبة حقوق الانسان)، ان وقف اسرائيل هجماتها لثلاث ساعات يوميا لتسهيل وصول المساعدات الانسانية الى سكان غزة “غير كاف”.
– مسؤولون بالقطاع الطبي الفلسطيني يقولون، ان العدد الاجمالي للقتلى منذ بدء الهجوم يبلغ 984 قتيلا، وأصيب نحو أربعة الاف فلسطيني، ويبلغ عدد القتلى الاٍسرائيليين منذ بدء الهجوم 13 بينهم عشرة جنود.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 14 يناير 2009)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.