“الفيتو” الفلسطيني.. تغيير نحو المجهول
لم يتردّد الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الردّ بـ "لا" قوية على باراك اوباما، سيد البيت الأبيض الأمريكي خلال المكالمة الهاتفية التي جرت بينهما ليل 17 فبراير الجاري.
كانت المكالمة التي حرّضت القيادة الفلسطينية على الترويج لها، قد استغرقت قُـرابة الساعة، حيث حاول الرئيس أوباما إقناع عباس (ترغيبا وترهيبا) بعدم الذهاب إلى مجلس الأمن الدولي بمشروع قرار يُـدين الاستيطان الإسرائيلي، فكان الفيتو الأمريكي مقابل الرّفض الفلسطيني.
الضغوطات الأمريكية التي مارسها أوباما على عباس وشملت تهديدات بقطع المساعدات وإعادة النظر في العلاقات الفلسطينية الأمريكية، لم تفلح، وظل الرئيس الفلسطيني على موقِـفه وبادَر إلى دعوة القيادة الفلسطينية للاجتماع، والتي بدورها أعلنت بالإجماع رفضها للمطالب والضغوط الأمريكية، وقالت إنها تقف مع خِـيار الشعب.
القيادة الفلسطينية كانت تتحرّك في سياق كامل، قريب من الثورات المجاورة، التي ضربت كلا من تونس ومصر وأسقطت حليفين قويِّـين للسلطة الفلسطينية، على رأسهم الرئيس المصير حسني مبارك، الذي كان يُـعتبر أحد أهم وأقوى هؤلاء الحلفاء، بل وأقواهم تأثيرا في القرار الفلسطيني.
صحيح أن الرئيس عباس كان قد وقف رافضا أمام ضغوط مماثلة عندما حاولت إدارة أوباما قبل أشهر إقناعه بالعودة إلى المفاوضات المباشرة مع إسرائيل، دون وقف الإستيطان، لكن الرفض الأخير حول مشروع إدانة الاستيطان كان أقوى درجة وفعلا، وهو موقف كان سبقه إعلان السلطة الفلسطينية عزمها إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في شهر سبتمبر المقبل، هو هذا الموعد الذي وضعته القيادة الفلسطينية لإعلان الدولة الفلسطينية على الأرض. وترافقت دعوة الانتخابات كذلك مع إقالة حكومة سلام فياض الحالية وإعادة تكليفه بتشكيل حكومة جديدة.
تسارع دون نتائج ملموسة
وقد ترافقت هذه الخطوات المحمولة على متْـن التغيير الشامل في المنطقة، مع دعوات، بل خطوات حثيثة من جانب السلطة الفلسطينية وحركة فتح إلى العمل بشكل جدّي على إنهاء الإنقسام الذي يضرب صفوف الفلسطينيين منذ أكثر من أربع سنوات.
وقد ذهب نبيل شعث، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح وأحد أبرز قيادييها، إلى حد الإعلان عن احتمال تشكيل حكومة وِحدة وطنية مع حركة حماس. وقال شعث، وهو المقرب من الرئيس عباس، “لا داعي لتشكيل وزارة جديدة الآن ويجب أن ننتظر قليلا إلى حين تشكيل حكومة وحدة وطنية قريبة تضُـم حماس، لاسيما وأننا نسعى للمصالحة الوطنية”.
وتابع شعث: “إننا فقط نحتاج إلى الوقت لاستعادة الوحدة الوطنية، ويجب أن لا نضيع هذه الفرصة السانحة الآن ولا أرى أن هناك شيء مُـلِـحّ لتشكيل وزارة جديدة”.
وحسب مسؤول رفيع مقرّب من الرئيس الفلسطيني، رفض الكشف عن هويته، فإن عباس أخبره أنه لا يمكن للقيادة الفلسطينية، وفي ظل المتغيرات الكبيرة التي تجتاح المنطقة، أن تتخذ قرارا يُـمكن أن يفسّـر على أنه تنازل، كان هَـمّ الرئيس في الحديث مع المسؤول، هو موقف الشارع الفلسطيني.
القيادة الفلسطينية، كانت قد خرجت للتَّـو وبصعوبة بالغة من معركة وثائق “كشف المستور”، التي بثتها قناة الجزيرة القطرية في موفى شهر يناير الماضي حول موقف المفاوضين الفلسطينيين مع نظرائهم الإسرائيليين خلال سنوات المفاوضات العِـجاف الأخيرة.
وفي غضون ذلك، كشف استطلاع حديث للرأي أجري في قطاع غزة والضفة الغربية، أن الغالبية ستُـشارك في الانتخابات المقبلة وتؤيِّـد إجراء انتخابات رئاسية. وأظهرت نتائج الاستطلاع الشهري لمؤسسة الشرق الأدنى للاستشارات، أن أكثر من 85% من الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة يؤيِّـدون إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية خلال الأشهر المقبلة. كما أظهرت النتائج أن ما يقارب 67% من المستطلعين لا يؤيدون موقف حماس بمقاطعة الانتخابات.
وقالت المؤسسة إنه وربما تعود رغبة الفلسطينيين في مشاركة حماس في الإنتخابات المقبلة لقناعتهم بضرورة التغيير في النظام السياسي الفلسطيني، الذي هو مطلب ما يقارب 71% من المستطلعين، علما أن النسبة كانت أعلى في قطاع غزة منها في الضفة الغربية.
نهاية الطريق
قد تكون القيادة الفلسطينية اتَّـخذت مواقف “غير مسبوقة” في التعامل مع الوضع السياسي العام، لاسيما موقفها الأخير أمام إدارة أوباما، لكنها لا تبدو أنها قادرة على الخروج بسياسة جديدة غيْـر تلك التي تعتمد المفاوضات أساسا لحل الصراع مع إسرائيل.
وقد أعاد الرئيس عباس، بعد قليل من حديثه مع الرئيس الأمريكي، التأكيد أن القيادة الفلسطينية ستعود إلى المفاوضات المباشرة مع إسرائيل حال أوقفت الأخيرة الاستيطان. ولا يبدو واضحا حتى الآن كيف يُـمكن للقيادة الفلسطينية أن تستمِـر في البقاء دون الدّعم الأمريكي والأوروبي، السياسي والمالي.
وفي غضون ذلك، تُـطرَح تساؤلات عديدة على القيادة الفلسطينية، التي سبق وأن أعلنت أن العام الحالي سيكون عام إقامة الدولة الفلسطينية على الأرض الفلسطينية، حول القدرة على تحويل مكاسِـب المعركة الدبلوماسية التي خاضتها خلال العامين الخيرين، إلى نتائج ملموسة تُـتَـرجم إلى دولة فلسطينية حقيقية على الأرض.
وقالت حنان عشراوي، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير في تصريحات صحفية: “إن القيادة الفلسطينية سنطالب بعقْـد اجتماع للجمعية العمومية وسنذهب نحو ملاحقات قضائية وقانونية لإسرائيل على خلفية الاستيطان والحصار ومصادرة الأراضي وحصار القدس ومصادرة أراضيها، لمحاسبتها على ممارساتها، لتدفع إسرائيل لإنهاء احتلالها وتحويل هذا الإحتلال لعِـبء حقيقي ومُكلف”.
وقالت عشراوي “أمامنا العديد من المحافل الدولية للعمل من خلالها، مثل مجلس حقوق الإنسان ومحاكم دولية ومحكمة العدل العليا، ونحن بحاجة للعمل مع حلفائنا، كوننا دولة غيْـر مُـعترف بها”. وأوضحت أن العمل مع المجتمع الدولي سيتم من أجل إيجاد وسائل سياسية أخرى، للضغط على إسرائيل لإنهاء احتلالها، من نوع البحث في المؤتمر الدولي، وعلى المؤتمر أن يضع خُـططا لإنهاء الاحتلال، و”سنطالب الأمم المتحدة بالدعوة له، حتى يأخذ المؤتمر الصلاحيات اللازمة”، على حد تعبير السيدة عشراوي.
دعا رئيس الوزراء الفلسطيني المكلف سلام فياض يوم الاثنين 21 فبراير، إلى اعتماد السياسيتين الأمنيتين المتبعتين في غزة من قبل حماس وفي الضفة الغربية من قبل السلطة الفلسطينية، كموقف فلسطيني موحد لتحقيق المصالحة.
وقال فياض خلال لقائه مع صحفيين فلسطينيين في مكتبه الاثنين “المطروح هو ترسيم المفهوم الأمني الذي تعمل حركة حماس بموجبه حاليا في قطاع غزة، وهو ذات المفهوم الأمني المعتمد من السلطة الوطنية وتمارسه في الضفة الغربية”.
وأضاف “يتم بعد ذلك تشكيل حكومة وحدة وطنية، من مهامها الإشراف على تنفيذ المفهوم الأمني المتفق عليه، من خلال المؤسسات الأمنية القائمة، وكما هي في الضفة الغربية وقطاع غزة”. وقال فياض “إذا أردنا تحقيق المصالحة، يجب أن ندفع الثمن، وإلا فوضع الانقسام سيبقى قائما ومرشحا إلى ما شاء الله”.
وأوضح فياض أن عرضه هذا ليس سوى “أفكار لديه تسهم في تحقيق المصالحة الفلسطينية الداخلية”، موضحا أنه غير مُـخوَّل للدخول في الحوار “لا كشخص ولا كحكومة”.
وقدم فياض استقالة حكومته إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي أعاد تكليفه مجددا لتشكيل حكومة جديدة، ويواصل فياض مشاوراته مع مختلف القطاعات الفلسطينية لتشكيل هذه الحكومة.
وتسيطر حركة حماس بالكامل على قطاع غزة، منذ أواسط عام 2007، حيث تفرض الحركة رؤيتها الأمنية على القطاع، في حين فشلت كافة المحاولات التي بُـذلت لتحقيق المصالحة بين فتح وحماس منذ ذلك التاريخ.
ودعا فياض، خلال لقائه بالصحفيين الفلسطينيين، المجتمع الدولي إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية في شهر سبتمر المقبل. وقال فياض “في صيف هذا العام، العالم يجب أن يتحمل مسؤولياته، وهو من وضع لنا امتحان الجدارة، ونحن قلنا إنه امتحان غير عادل، وقلنا إننا سنأخذه وننجح”.
وأضاف فياض “سنرى كيف أن العالم سيكون في يوليو المقبل، سيكون مدعُـوا للاعتراف بجمهورية جنوب السودان، التي تبلغ مساحتها مثل مساحة فرنسا، ولا يوجد فيها سوى 50 كيلومتر من الطرق معبَّـدة، وسنرى كَـم عدد مؤسسات الحكم والإدارة في جنوب السودان التي سيتِـم الاعتراف بها”.
وأشار فياض إلى ما يجري من تغييرات في الأنظمة العربية، موضحا “ما جرى في المنطقة إنما هو أمر طبيعي، والأفضل أن نتعود عليه، خاصة إذا تأكدنا أن ما يجري، ليست ثورات جياع وإنما ثورات من أجل حقوق المواطنة”. واعتبر فياض أن التحولات في الوطن العربية، كانت متوقعة “والمسألة فقط كانت مسألة وقت”.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 21 فبراير 2011)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.