القذافي يدسّ ملف “الدستور” في الأدراج.. وسيف الإسلام قد يدير “مركز دراسات”
بعد مرور أقلّ من شهر على تأكيد سيف الإسلام، النجل الثاني للعقيد معمر القذافي في تصريحات أدلى بها إلى صحيفة "الشرق الأوسط" يوم 3 فبراير الماضي، أن مسألة سنّ دستور في ليبيا، أمر لا رِجعة عنه، تبدّدت الآمال التي علّقها الليبيون على تلك الحركة، إذ حل ميقات تكريس الفِـكرة، وهو آخر فبراير الماضي، ليتّـضح أن المشروع طـُوي، مثلما طُويت في الفترة نفسها وعود والِـده بتوزيع الثروة النفطية على الليبيين.
وأفادت مصادِر مطّـلعة أن النجل الثاني، الذي رأت فيه العواصم الغربية خليفة مقبولا لوالده، بات يقضي وقته متنقِّـلا بين النمسا وسويسرا وليبيا وكرواتيا، ورجّـحت أنه يعمَـل على تأسيس مركز للأبحاث والدراسات في الخارج، خاصة وأنه سبق أن أكّـد رغبته في “الاهتمام بالعمل الأكاديمي في الطِّـباعة والنشر والكتابة”، بعدما أكمل الدكتوراه.
واعتبر المعارض اللِّـيبي العتيق علي زيدان في تصريحات خاصة لسويس إنفو من مقرّه في ألمانيا، أن القذافي الأب يمسك بجميع خُـيوط القرار في ليبيا، مؤكِّـدا أنه لن يتنازل عن الحُـكم لأحد، “لأنه يُـدرك أن القبضة الأمنية، إذا ما ارتخت قليلا، فتلك بداية نهاية النِّظام برُمَّـته”.
لكن كيف برّر الماسِـكون بالحُـكم استبعاد مشروع سنّ دستور للبلاد بعد أربعة عقود من الحُـكم المطلق، وبعدما شغلوا الرأي العام فترة طويلة بالإعلان عن أنهم منشغِـلون باستكمال إنضاج العملية الدستورية؟ وكيف فسّـروا التخلّي عن الوعد بتوزيع عوائد النفط على المواطنين وإحالة الملفّ إلى خزائن مؤتمر الشعب العام (البرلمان)؟
حَـرس قديم ونُخَـب جديدة
في الحالة الأولى، استُخدم بُـعبُـع “الحرس القديم”، لتبرير تأجيل البحث في إيجاد دستور، مع أن سيف الإسلام شدّد على أن معركة الدّستور هي معركته ومعركة كلّ الليبيين، قائلا “نحن نحتاج إلى دستور وإلى مرجعية أو قوانين… لابد للدولة أن تقوم بإعادة النظر في كل هياكِـلها الإدارية والتنظيمية، لكن هذا موضوع لابد من إقحام الخمسة ملايين ونصف مليون ليبي فيه… هذه ليست معركتِـي الشخصية كسيف الإسلام، هذه معركة الشعب الليبي كله”.
أما في الحالة الثانية، فتذرّع رأس الحُـكم، بأن مؤتمر الشعب العام (الذي يأتمر بإشارة من بنانه)، لم يُوافق على توزيع الثروة على الشعب، لكن على رغم إجهاض المشروعيْـن، ما زال كثير من أفراد النّخبة في الدّاخل يعتقدُ أن المعركة من أجل الإصلاحات مستمرّة وأنها ستُـعطي أكلها بالمُـثابرة والصّبر، وإن تقدّمت خطوة خطوة.
وأشار إعلامي، فضَّـل عدم الكشف عن اسمه في اتصال هاتفي مع سويس أنفو، إلى “مكاسب مهمّة”، قال إنها تحقّـقت في الفترة الأخيرة، ومن ضِـمنها مساحة حرية التعبير التي أتاحتها مطبوعات مؤسسة الغَـد، التي يملكها سيف الإسلام والقناة الفضائية “الليبية”، وكذلك السّماح أخيرا للمؤسسة بتوزيع العديد من عناوين الصحافة الدولية في الأكشاك، بعد غياب دام رُبع قرن.
وكان عبد السلام المشري، مدير شركة الغد، أكّـد أن الصحف الأجنبية “لن تخضع لأي رقابة”، وأفاد الإعلامي الليبي أن 90 صحيفة، بين غربية وعربية، ستُـوزَّع في البلد بمُـوجب القرار، غير أن الحقوقي علي زيدان، الذي يُـدير الرابطة الليبية لحقوق الإنسان من الخارج، قلّـل من فُـرص تطوير هذه الهوامش الديمقراطية، مؤكِّـدا أن السلطة تستعيد بسُـرعة أي مساحة تبدُو أنها ستفلِـت من قبضتِـها، واستدلّ بمؤسسة الغد، التي قال إن الحكم سارَع لفرض الانضباط عليها، عندما تطوّرت، فعزل مديرها السابق عز الدين اللواج ليحُـل محلّـه عبد السلام المشري.
واعتبر زيدان، الذي التقى سيف الإسلام مرات عدة في الخارج، أن الانفتاح الظاهري الذي أبداه الحُـكم تُـجاه المعارضين في الدّاخل والخارج، هو “مجرّد لُـعبة”، مُـشيرا إلى أن الحِـوار مع السّجناء الإسلاميين، أسفر عن إطلاقهم لاحِـقا، لكن بـ “عفو غير معلن”، وتوقّـف في السياق نفسه عند تجربة الأكاديمي عاشور الشامس، الذي تَـحاوَر مع سيف الإسلام منذ سنة 2004 وعاد إلى ليبيا، مثلما فعل آخرون، غير أن السلطات ما لبِـثت أن أغلقت موقِـعهم الإلكتروني، لا بل وبثّـت “وثائق وشواهِـد”، تفيد حصولهم على تمويلات من الخارج لاتِّـهامهم بكونهم “عملاء”، بينما يتعلّـق الأمر بدعمٍ بسيطٍ للمساعدة على طبْـع كِـتاب مَـثلا، وأضاف أن عناصر السلطة تتسلّـل إلى البريد الالكتروني للمعارضين وتشتغل عليه، لدقّ إسفين بينهم وتشويه صورتهم لدى الرأي العام، واستدلّ أيضا بملاحقة الأكاديمي والمحامي المعروف جُـمعة عتيقة، الذي اعتـُقل ثم أطلِـق سبيله أخيرا، على رغم أنه كان السّـاعِـد الأيمن لسيف الإسلام. ورأى زيدان أنه “من الصّعب القول أن النظام يسير في اتِّـجاه الإصلاح، لأن مؤدى أي إصلاح، هو تقييد سلطات معمر القذافي، وهذا غير مقبول”، على حد تعبيره.
وتجلّـت قلّـة إيمان القذافي بضرورة سنّ دستور وإدخال إصلاحات على نظامه، عندما أطنب، كالعادة في خطابه أمام الزعماء الأفارقة في أديس أبابا، في تعداد محاسن “النظام الجماهيري”، الذي ابتدَعه، ساخرا من الأنظِـمة السائدة في الديمقراطيات الغربية باعتبارها “تمثيلا وتزويرا لإرادة الشعب”، على حد قوله.
صلاحية مُنتهية؟
هل كان سيف الإسلام من هذه الزاوية، مجرّد كومبارس ينفِّـذ الأدوار التي يرسمها له والده وينفض يديه منها بمجرّد انتهاء الدور؟ الأرجُـح، أن الأمور لم تتِـم بهذه البساطة، فبُـروز النّـجل الثاني، ارتبط بمرحلة كسْـر العُـزلة التي فرضتها على نظام والده العقوبات الدولية، التي أخضع لها البلد، لكن نجمه بدأ ينطفِـئ مع تضاؤل الحاجة لهذا الدِّيكور.
ومن الصّـعب التغافل في هذا السياق، عن تسمية رئيس جهاز الأمن الخارجي القوي موسى كوسا، وهو من غرماء سيف الإسلام، على رأس وزارة الخارجية خلفا لعبد الرحمان شلقم، الذي عيّـنه القذافي مندوبا دائما لليبيا لدى الأمم المتحدة.
وكان موسى كوسا أول مَـن باشر المفاوضات مع مسؤولين أمنيين ودبلوماسيين أمريكيين وبريطانيين في لندن مطلع العقد الحالي، رِفقة مدير إدارة أوروبا في الخارجية، السفير عبد العاطي العبيدي، بُغية تطبيع العلاقات الثنائية والتّـفاهم على دفع التعويضات التي كانت العاصِـمتان تُـطالبان بها، لطي صفحة العَـداء مع ليبيا، غير أن القذافي فضّـل في مرحلة لاحقة تكليف نجله سيف الإسلام بملف المفاوضات، التي أظهر فيها هذا الأخير كثيرا من الحذاقة، ما جعله شخصية جذّابة للأمريكيين الذين باتوا يتساءلون عن الدّور الذي يُـمكن أن يلعبه بعد رحيل والده، وصاروا يأملون أن يأخذ أدوارا أكبر في النظام.
وبحسب علي زيدان، استثمر معمّـر القذافي علاقات نجله مع الأمريكيين والأوروبيين، للحصول على ثقتهم في صحّـة توجهاته الجديدة، وما أن استكمل تطبيع العلاقات معهم وضمن إعادة فتح السفارات وتنشيط الصفقات، حتى أبعدَه من الواجهة.
وأكّـد سيف الإسلام هذا السيناريو، عندما أعلن اعتزاله العمل السياسي والابتعاد عن الشأن العام نهائياً من أجل التفرغ لموقِـعه الجديد في المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية، وقال في هذا الإطار، “أنا عمَـلت مجهوداً كبيراً من أجل أن تتحوّل ليبيا من دولة مُـحاصَـرة ومقاطعة، إلى دولة لديها كُـرسي في مجلس الأمن”.
واعترف أن تلك المرحلة ولّـت قائلا: “أنا دوري الآن هو بناء مجتمع مدني فيه نقابات حرّة وحقيقية ومؤسسات وروابط ومنظمات حقوقية واتحادات، هذا هو مجالي، أما الدولة والحكومة والشأن العام، فهذا أمر انسحبْـت منه انسحاباً نهائيا”. وأكّـد في الإطار نفسه، عزمه على إقامة مركز دراسات في دولة أوروبية، ربما تكون سويسرا، وتفكيره في التفرّغ لهذا المركز، وإذا ثبَـت هذا الاتجاه، فهو دليل على رغبة القذافي الأب بتسليم ملفّـات الخارجية بالكامل إلى قائد المخابرات الخارجية السابق، وسحبها نهائيا من يدَيْ نجله.
والظاهر، أن الزعيم اللِّـيبي سعى للحصول على رئاسة الإتحاد الإفريقي بجميع الوسائل في القمّة الأخيرة المنعقدة في أديس أبابا، لكي يجِـد نفسه في موقِـع المحاور الذي لا مندوحة للإدارة الأمريكية الجديدة من التّخاطب معه بالصّـفة التي ظلّ يتمناها دائما، وهي النّـاطق باسم القارّة الإفريقية.
وقطع القذافي نصف الطريق في الوصول إلى حُـلمه، عندما أتى إليه رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلوسكوني أخيرا وسلّـمه رسميا دعوةً لحضور القمّة المقبلة للدّول الصناعية الثمانِ في جنوب إيطاليا في يونيو المقبل، بصفته رئيس حكومة البلد الذي سيترأّس القمّة، ولإجراء لقاءات مع الزّعماء على هامش أعمالها، ومن ضِـمنهم الرئيس الأمريكي باراك أوباما.
وما لم تحدُث مفاجآت، فإن القذافي الأب (69 عاما)، سيحتفل في مطلع سبتمبر المقبل بتتويجه “ملك ملوك إفريقيا”، كما يتمنى أن يُسمّـى، بعد تكريس الاعتراف الدّولي بدوره الإقليمي في قمّة الدول الثمانِ، ويكون في مقدوره آنذاك الاحتفاء مع ضيُـوفه الأفارقة والغربيين بمرور أربعين عاما على اعتلائه سدّة الحكم في 1 سبتمبر 1969.
والأرجُـح، أن رسالته الرئيسية للبلدان الحليفة والشقيقة، سيكون مفادها أنه ملِـك بلا ولِـي عهد ولا وريث، لأنه ما زال مُعمّـرا في الحُـكم. لكن هل يستطيع أحد التكهّـن بالآتي بمثل هذا الوُثوق؟
رشيد خشانة – تونس
طرابلس (رويترز) – قالت جمعية حقوق الانسان في ليبيا يوم الخميس 12 مارس، ان الحكومة الليبية تعتزم إطلاق سراح 170 عضوا بجماعة إسلامية أصولية سُـجِـنوا بتهمة التآمر للإطاحة بحكومة الزعيم معمر القذافي.
وقالت الجمعية، التابعة لمؤسسة القذافي العالمية للجمعيات الخيرية والتنمية التي يرأسها سيف الاسلام نجل القذافي، ان إطلاق سراح السجناء ثمرة عامين من المحادثات مع الجماعة الاسلامية المقاتلة في ليبيا. وأفادت في بيان بأن 136 من متشددي الجماعة أفرِج عنهم بالفعل وبأن “العمل يجري الآن للافراج عن دفعة أخرى ممن تبقى منهم والذين يصل عددهم الى 170 عنصرا”، ولم تحدّد الجمعية موعد الافراج عن العدد المتبقي منهم.
وقال عبد الحكيم بلحاج واسمه الحركي أبو عبد الله الصادق، زعيم الجماعة الاسلامية المقاتلة في خطاب نشرته صحيفة أويا الليبية اليومية المقربة من سيف الاسلام يوم الخميس، ان جماعته بنت ثقة مع الحكومة خلال عامين من الحوار. وأضاف في الخطاب الذي نشرته الصحيفة في موقعها على شبكة الانترنت أن المحادثات التي استمرت لأكثر من عامين وفرت “الثقة في الاستمرار بخطوات ثابتة في قطع ما تبقى من مراحل”.
وخاضت الجماعة معارك طاحنة في شوارع المدن والجبال في التسعينات وقتلت عشرات الجنود ورجال الشرطة في إطار محاولاتها للاطاحة بالقذافي.
وقالت مصادر سياسية وأمنية ليبية ان تنظيم القاعدة يحاول اقناع الجماعة الاسلامية المقاتلة بالانضمام الى جناحه في شمال افريقيا لكن معظم قيادات الجماعة يعارضون الاستراتيجية العالمية للقاعدة ويعتقدون أن من غير المرجح أن تحدث أي تغيير في ليبيا.
وقال نشطون في مجال حقوق الانسان ان السلطات الليبية أطلقت يوم الثلاثاء 11 مارس سراح جمال الحاجي وفرج احميد، وهما معارضان ليبراليان حكم عليهما بالسجن لمدة 12 عاما في 2007 بعد ادانتهما بالتخطيط لاول مظاهرة سلمية ينظمها معارضون للحكومة في طرابلس منذ أكثر من عقدين من الزمن.
وقالت منظمة هيومان رايتس ووتش (منظمة مراقبة حقوق الانسان) ومقرها نيويورك في بيان “خطوة (الافراج عن الاثنين) تحظى بالترحيب خاصة على ضوء مبادرة السلطات الليبية المعلنة بوضع حد لممارسات الماضي”.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 12 مارس 2009)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.