القذافي يُقاتل ويُفاوض لإيجاد مخرج سياسي
يحشد المجلس الوطني الإنتقالي في ليبيا كل أنواع الدّعم العربي والدولي، لكسب غطاء شرعي يُحوِّله إلى الممثل الشرعي الوحيد للشعب الليبي، وسط محاولات مكثفة يقوم بها العقيد معمر القذافي لفكّ العُـزلة الدولية والعربية، التي تخنق نظامه.
ويُعاتب معارضون ليبيون في الخارج عواصِـم غربية وعربية مؤثّـرة على تقاعُـسها في الإعتراف بالمجلس الإنتقالي، على رغم ظهور توافُـق عربي ودولي للمرة الأولى حول مقاطعة النظام الليبي. وأشار وزير الخارجية الإيطالي فرانكو فراتيني في معرض وصفه لعزلة القذافي، إلى أن الغرب والعالم العربي توحَّـدا لأول مرة، غير أن روما وباريس تلتزِمان موقِـفا حذِرا من فرْض حظْـر جوّي على القوات الموالية للقذافي، مُحذِّرتيْـن من أن الأمر ليس لُـعبة فيديو، “بل عملية معقّـدة جداً بسبب نتائجها العسكرية”.
تفوّق القوة النيرانية
مع ذلك، يعتقد العميد المتقاعِـد صفْـوت الزيات، أن من المهِـم أن القذافي لم يستطع استِـرجاع أي مدينة، على رغْـم الخسائر الكبيرة التي أوقعها في صفوف الثوار، وإن أكّـد الزيات أن القوة النيرانية ما زالت في جانب كتائب القذافي، مشيرا إلى أن الأخير يقتصر على استخدام قاذفة واحدة أو اثنتين في كل غارة، مع توقّـف العمليات ليلا، ما يدُل على أنه لا يملك أجهزة قِـتال ليلية وأن قواته محدودة الفعالية، وأن الوقت لا يعمل لصالحه، طالما أنه لم يُحقِّـق نصرا عسكريا واحدا.
وأكّـد الزيات في تصريح لـ swissinfo.ch أن الكتائب الأمنية “لا تتمتع بالكفاءة ولا حتى بالوَلاء، ما دفع القذافي إلى الإعتماد على قليل من المُـوالين وكثير من المُـرتزقة”. وشدّد على أن نقطة الضعف الأساسية لدى كتائب القذافي، تتمثل في طول خطوط التّـموين من طرابلس أو سِـرت نحْـو المدن الشرقية، التي توجد تحت سيْـطرة الثوَّار، وخاصة رأس الأنوف وبن جواد وميناء البريقة النفطي، وصولا إلى بنغازي. وأشار إلى أن “التقدّم مئات الكيلومترات في الصحراء، لا يعني شيئا، بل قد يُصبح عِـبءا عليك ويُنْـهك قوّاتك، فتُضْـطر إلى الإرتداد، مثلما أظهرت المعارك التي دارت في هذه المدن بالذات خلال الحرب العالمية الثانية بين الجنراليْـن الألماني رومل والبريطاني مونتغومري”.
ويُُقدر ليبيون يعرفون المنطقة، أن خطوط إمداد كتائب القذافي تصِـل إلى 350 كيلومترا، بالإضافة إلى أن مدينة مصراتة التي تقع على بُـعد 160 كيلومترا شرق طرابلس، أي في نصف الطريق نحو سِـرت، ليست مع القذافي. ومن هنا، تأتي أهمية تأمين عدم قصف قوات الثوار إذا ما زحفت نحو طرابلس العاصمة. غير أن خبراء قالوا لـ swissinfo.ch إن الحظْـر الجوي لا معنى له، إن لم يشمل الطائرات العمودية التي يستخدِمها القذافي لضرْب مواقِـع الثوار، وهناك مَـن يذهب إلى القول، أن فرض منطقة حظْـر جوي no fly zone غير كافٍ، وإنما لابد من فرض منطقة حظر على نقل القوات البرية no drive zone، كي تُـشل المدفعية الثقيلة التي تقصِـف المناطق السكنية قصفا عشوائِـيا.
صفْـوت الزيات ركّـز على عملية اعتَـبرها انعطافا في الحرب الدائرة بين كتائب القذافي وقوات الجيش الوطني، وتمثلت في قصف طيران القذافي صهاريج النفط في منطقة السَّـدرة في الشرق ومِـصفاة الزاوية في الغرب، عِـلما أن الصهاريج تملِـكها مجموعات نفطية أمريكية، ما سيُشكِّـل كارثة بيئية لمنطقة جنوب المتوسط ويُعزِّز من عُـزلة القذافي دوليا.
أوراق القذافي… وخطتان متوازيتان
في سياق متصل، يُشدِّد زعماء المعارضة الليبية في الخارج، بمختلف أطيافهم، على أن المجلس الإنتقالي لا يحتاج اليوم إلى الحظر الجوي، بقدْر ما يحتاج إلى أسلحة وذخيرة لتكريس التَّـعادل في الميزان العسكري على الميدان. وأفادوا أن بُـلدانا عربية عدّة أبدت استعدادها لدعم “الجيش الوطني الليبي” بالسلاح، لكنها لم تفعل حتى الآن. وربما يخشى بعضها، مِـثل السعودية، من تِـكرار السيناريو الليبي على أراضيها، خاصة في ظل وجود تشكيلة قبلية ومناطقية مشابهة.
ولاحَـظ المعارض البارز جبريل إبراهيم محمد في تصريح لـ swissinfo.ch أنه لا يوجد تكافُـؤ في القِـوى، لأن الصراع انطلق بين شعب أعْـزل قاوَم نظاما عاتِـيا وجيشا منظما بوسائل سِـلمية. وأضاف “وجَّـهنا نداء إلى المجتمع الدولي، وطلب المجلس الوطني الإنتقالي مد يَـد العون له، لكن لا جواب حتى الآن”. وقال جبريل “صحيح أن هناك حِـصارا ماليا تَـقرَّر في حق القذافي، لكن ما زال لديه احتياطي كبير”. وتُـشير مصادر مُـطَّـلعة إلى هيئات مِـثل الهيئة الليبية للإستثمار، التي تمتلك أكثر من 70 مليون دولار موزّعة على عدّة مصارف خاصة في إيطاليا وبريطانيا.
أما على الصعيد السياسي، فاعتبر جبريل أن القذافي جرّب جميع الأوراق من التلويح بخطَـر “القاعدة” إلى تأكيده أن انهيار نظامه سيشكِّـل “خطرا على اسرائيل”، إلى استخدام فزّاعة إقامة إمارات إسلامية في المناطق المحرَّرة، إلى محاولة إقناع أوروبا بأنه الجِـدار الواقي من اجتياح المهاجرين الأفارقة لسواحلها. ورأى أنه “أخفَـق حتى الآن في إقناع العالم بهذا الخطاب، من أجْـل إيجاد مخرج من مأزقه السياسي والدبلوماسي”.
غير أن معارضين آخرين رأوا في الطائرات الثلاث التي غادرت مطار طرابلس يوم 9 مارس الجاري، مؤشِّـرا على أن القذافي يُطبِّـق خطَّـتيْـن متوازيتيْـن في وقت واحد. فالطائرة التي أقلَّـت الجنرال عبد الرحمان الزوي، أحد “الضباط الأحرار”، الذي سماه القذافي رئيسا للأركان في فترة سابقة، حطَّـت في القاهرة بعد المرور من الأجواء اليونانية.
وطِـبقا لمعلومات مصادِر ليبية، طلب الزوي من المجلس العسكري المصري أولا، إقفال الحدود المُـشتركة مع ليبيا، لمنع الإمدادات عن الثوار. وثانيا، الحؤول دون اتِّـخاذ مواقف في الجامعة العربية تتماهى مع العقوبات الدولية، وخاصة الحظر الجوي. وثالثا، الإبقاء على ممثّـل النظام الليبي في مقعد ليبيا في الجامعة العربية.
وبحسب المصادر نفسها، رفض المصريون المطلب الأول مَتسائلين لماذا لا تُـقفل السلطات الليبية المنافذ من الجانب الآخر، إذا كانت تسعى لفرض السيادة؟ كما أشاروا إلى أن المواقف المتعلِّـقة بالجامعة العربية، لا تحسمها مصر، وإنما ترتبِـط بموقف عربي جماعي. وأوضحت المصادر أن هناك ضغْـطا من المنظومة الخليجية لعزل القذافي، إلا أن كُـلاّ من سوريا والجزائر، تُقاتلان دِفاعا عنه في المحافل العربية.
وإلى جانب مهمّـة الزوي في القاهرة، أرسل القذافي موفديْـن إلى بروكسل ولشبونة لمحاولة عرْقلة اتخاذ قرارات أوروبية ضدّ نظامه، بالإضافة للسَّـعي للتأثير على البرتغال، الذي يشغَـل مقعدا في مجلس الأمن، لكن العارفين بشخصية القذافي، لم يستبعدوا أن يكون أرسل مَـن يستطلع إمكانات التفاوض على لجُـوئه إلى مقاطعة الغرب ALGARVE في جنوب البرتغال، التي يهيم بها والتي استوطَـنها المسلمون في الماضي طيلة أربعة قرون.
ويعتقد هؤلاء أن لدى القذافي خطتيْـن: واحدة للمواجهة، والثانية، للتفاوض بعيدا عن الأضواء على مخرَج سياسي يُتيح له إخراج أفراد عائلته ومعاوِنيه المقرّبين، تمهيدا لذهابه إلى المنفى.
حلف الاطلسي يحدد شروط اتخاذ أي اجراء في ليبيا
في بروكسل، قال الامين العام لحلف شمال الاطلسي أندرس فو راسموسن يوم الخميس 10 مارس إن أي عمل عسكري لحلف شمال الاطلسي في ليبيا لابد وأن يستند الى حاجة ظاهرة وتفويض واضح وأن يحظى بدعم اقليمي. وقال راسموسن “أي عملية نضطلع بها تتطلب احترام ثلاثة مباديء أساسية.. أولها أن تكون هناك حاجة ظاهرة لقيام حلف الاطلسي بعمل وثانيها أن يكون هناك أساس قانوني واضح وثالثها أن يتوافر دعم اقليمي قوي.” وجاءت هذه التصريحات في حين اجتمع وزراء دفاع الحلف لبحث الخيارات المتاحة بشأن ليبيا بما في ذلك فرض منطقة حظر جوي.
فرنسا تؤيد المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا
وفي باريس، قال مسؤول بمكتب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يوم الخميس 10 مارس ان فرنسا تعتبر المجلس الوطني الانتقالي هو “الممثل الشرعي للشعب الليبي”. وأضاف المسؤول أن فرنسا سترسل سفيرا إلى بنغازي وستستقبل مبعوثا ليبيا في باريس. وأدلى المسؤول بهذه التصريحات بعد اجتماع بين ساركوزي ومسؤولين بالمجلس الوطني الانتقالي الليبي.
بريطانيا ترى في المجلس الوطني الليبي المعارض “محاورا شرعيا”
في لندن، قالت وزارة الخارجية البريطانية يوم الخميس 10 مارس إن اعضاء المجلس الوطني الانتقالي المناهض للزعيم الليبي معمر القذافي هم “محاورون شرعيون”. وجاء ذلك بعد ان اعترفت فرنسا بالمجلس كممثل شرعي للشعب الليبي. وقال متحدث باسم الخارجية البريطانية لرويترز “المملكة المتحدة تعترف بدول لا بحكومات. المجلس الوطني الانتقالي هو محاور شرعي نأمل ان نعمل معه عن كثب”. وأضاف “أوضحنا أن القذافي يجب ان يرحل الان ونعمل عن كثب مع شركائنا الدوليين لتحقيق ذلك. ندرس مجموعة من الخيارات ونتطلع لمناقشتها مع الرئيس (الفرنسي نيكولا) ساركوزي والشركاء الاخرين في المجلس الاوروبي غدا”.
روسيا تعلن حظرا على مبيعات الاسلحة لليبيا
في موسكو، قال الكرملين في بيان أصدره يوم الخميس 10 مارس إن روسيا ستحظر كل مبيعات السلاح لليبيا مما سيعلق فعليا العمل بعقود الاسلحة المبرمة مع حكومة الزعيم الليبي معمر القذافي. وبهذا القرار تستجيب موسكو لحظر على السلاح واجراءات عقابية اخرى فرضت بموجب قرار لمجلس الامن التابع للامم المتحدة في 26 فبراير الماضي ضد ليبيا حيث تواصل المعارضة المسلحة القتال ضد الزعيم معمر القذافي الذي يحكم البلاد منذ وقت طويل. لكن روسيا التي تحتفظ بحق النقض (الفيتو) داخل مجلس الامن التابع للامم المتحدة حذرت من أنها تعارض التدخل العسكري في ليبيا حتى مع مناقشة الولايات المتحدة ودول حلف شمال الاطلسي لخيارات تدعم المعارضة المسلحة الليبية ومنها فرض منطقة حظر جوي.
تقرير: القذافي سيقبل بمحادثات عن انتقال السلطة
وفي لشبونة، نقلت صحيفة بوبليكو Publico البرتغالية يوم الخميس 10 مارس عن مصدر دبلوماسي قوله بعد ان اجتمع وزير الخارجية البرتغالي لويس أمادو مع مبعوث للزعيم الليبي معمر القذافي في لشبونة “إن القذافي سيقبل باجراء محادثات عن انتقال السلطة”. وقال المصدر الدبلوماسي للصحفية إن هذه الرسالة يجب ان تؤخذ بحذر لانها جاءت ردا على اقتراحات أمادو بوقف القتال ضد المناهضين للقذافي وانتقال السلطة في ليبيا سلميا.
(المصدر: نقلا عن وكالات الأنباء بتاريخ 10 مارس 2011)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.