اللاجئان الإيغوريان.. الصين تحذّر، وسويسرا تتريّث
بالإمكان أن تتدهور علاقات الصين بسويسرا، إذا ما قررت هذه الأخيرة منح حق اللجوء إلى صينييْن مسلميْن من أصل إيغوري قضيا حتى الآن ثماني سنوات محتجزيْن في معتقل غوانتانامو.
وتقوم سويسرا حاليا بدراسة ملف الشقيقيْن اللذيْن ينتميان إلى مقاطعة كسنغيانغ المسلمة بعد أن اعلنت الولايات المتحدة أنه بالإمكان إطلاق سراحهما في اي لحظة. هذان الشخصان لم يدانا بأي جرم، وأعلن كانتون الجور، الواقع بغربي سويسرا إستعداده لقبولهما على أراضيه.
لكن سفارة الصين ببرن ترغب في تسليم الرجلين إلى بلدهما. ففي رسالة وُجّهت إلى وزارة العدل السويسرية يوم 18 ديسمبر 2009، أوضح السفير الصيني بسويسرا أن بلاده “تأمل في أن تعبّر سويسرا بشكل واضح وصريح عن رفضها لإستقبال هذيْن الشخصيْن”.
وفي طبعتها ليوم الخميس 7 يناير 2010، نشرت صحيفة “لوماتان” السويسرية الصادرة بلوزان، ما قالت أنه نسخة مختصرة من رسالة حصلت عليها من السفارة الصينية عن طريق البريد الإلكتروني.
ومما جاء في تلك الرسالة “إعتبارا للمصالح المشتركة، و للعلاقة الودية بين البلديْن، فإننا نأمل من الحكومة السويسرية أن تتفهّم المطلب الصيني ، وأن تتعامل معه بجدية”.
ولم يرد نفي سويسري عما نشرته الصحيفة، إذ نقلت وكالة الأنباء السويسرية عن غيدو بالمار، الناطق الرسمي بإسم وزارة العدل تأكيده رد وزيرة العدل والشرطة إفلين فيدمر- شلومبف عن الرسالة الصينية، موضّحة بأنه حتى الآن لم تقرر الحكومة السويسرية منح اللجوء الإنساني إلا إلى أحد المعتقلين بغوانتانامو من جمهورية أوزباكستان. كما أضاف بالمار بأن الحكومة بصدد دراسة قضية الإيغورييْن من جميع أبعادها، بما في ذلك الأبعاد الدولية، وارتباطها بقضايا الأمن والإندماج.
بلد يحظى بالأولوية
في حديث إلى swissinfo.ch، بمناسبة توليها رئاسة الكنفدرالية سنة 2010، أكدت دوريس ليوتهارد، وزيرة الإقتصاد السويسرية ان حكومة بلادها تنظر إلى الصين كشريك يحظى بالأولوية في علاقاتها الخارجية.
و يواصل البلدان التفاوض من أجل التوصل إلى اتفاق للتبادل التجاري الحر. ومن المفترض أن تؤدي ليوتهارد في غضون السنة الجارية زيارة إلى الصين، كما تنتظر سويسرا زيارة وفد صيني رفيع المستوى أيضا.
وقد سبق أن أجابت ليوتهارد عن سؤال حول الآثار المحتملة لقبول اللاجئيْن الإيغوريين على العلاقة بين بلادها والصين، وقالت آنذاك أن الأمر غير مطروح مادامت الحكومة لم تتخذ أي قرار بهذا الشأن.
تعارض المصالح والالتزامات
لاشك أن الرد السويسري على التحذير الصيني سيثير اهتمام المدافعين عن حقوق الإنسان، والجميع يترقب مسلك الحكومة السويسرية، وتطوّرات هذه القضية. فقد تمنى دانيال غراف، الناطق الإعلامي بمنظمة العفو الدولية أن “تستمع سويسرا لنداء الداعين إلى تغليب إحترام حقوق الإنسان على منطق المصالح الإقتصادية”. وذكّر الرأي العام بأن “الصين لا تفرّق بين المقاومة السياسية السلمية، والمناداة بالحقوق الثقافية للأقلية الإيغورية من جهة، والأعمال العنيفة من جهة اخرى”.
كما حاول تبديد المخاوف الأمنية لدى البعض، مشيرا إلى أن سويسرا سبق أن منحت اللجوء إلى عدد من الإيغوريين، لكن لم يسبب هؤلاء أي مشكلة لسويسرا”. أما ما يتعلّق بهذيْن الشقيقيْن، يذكر بيان صادر عن منظمة العفو الدولية أنه “بعد فترة وجيزة من اعتقالهما، وإرسالهما إلى غوانتانامو، أعلنت الإدارة الأمريكية بأن “ليس لهذيْن الرجلين أي صلة بأي من المنظمات الإرهابية”.
كما تضيف صحيفة “لوماتان” السويسرية بأن أحد الشقيقيْن الإيغورييْن سافر قبل اعتقاله، إلى باكستان بحثا عن حياة أفضل، في حين لحق به شقيقه الثاني لإقناعه بالعودة على بلاده.
لكن هذا يُخالف ما ورد في رسالة السفارة الصينية إلى وزارة العدل والتي تصف فيها كل المعتقلين الإيغوريين في غوانتانامو بأنهم “أعضاء في منظمات إرهابية، وفقا لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة”.
وتقول منظمة العفو الدولية انها لم تفاجأ برغبة الصين في تسليمها الرجليْن، على الرغم من تبرئة السلطات الأمريكية لذمّتهما، فبالنسبة للصين: “يكفي لإدانتهما، كونهما إيغورييْن”.
ليست مشكلة سويسرا!
بيار كولر، مؤسس المجموعة البرلمانية للصداقة السويسرية – الصينية، وعمدة دليمون، عاصمة كانتون الجورا،( الكانتون الذي اعلن إستعداده منح اللجوء للإيغوريين)، يرى أن سويسرا ليست ملزمة بقبول هذيْن الرجليْن على أراضيها. وبالنسبة إليه: “الأمريكيون هم الذين خلقوا هذه المشكلة، وليس من مهمة سويسرا حلها”.
ويضيف كولر: “يجب على سويسرا ألا تتدخّل. فقضية الإيغوريين هي قضية صينية داخلية محضة، وليس من حق سويسرا أن تتدخّل في قضية داخلية في بلد آخر”.
ومن الأولى بالنسبة لسويسرا، يضيف عمدة دليمون: “أن تكون لها علاقات جيدة مع الصين، لأن الصين تمتلك موقعا جغرافيا وسياسيا مهما…بالنسبة لي الصين تخلق توازنا في العالم خاصة مع الولايات المتحدة. من المهم جدا أن يوجد هذا التوازن في العالم”.
في انتظار صدور القرار
سوف يتجلى أكثر مصير هذيْن الإيغوريين بعدما تلتقي وزيرة العدل والشرطة في الحكومة الفدرالية مع شارل غويارد، نظيرها في حكومة كانتون الجور، نهاية هذا الشهر.
وقد وعد الناطق بإسم وزارة العدل السويسرية بان “تأخذ في الحسبان (خلال اللقاء) كل الأبعاد الممكنة لهذه القضية”.
وفي تصريح إلى صحيفة “لوماتان”، أوضح وزير العدل بكانتون الجورا بأنه إذا كانت برن لا تخشى ردود فعل انتقامية من شريكها الإقتصادي في بكين، فإنه لا يرى من جهته “مبررا للإعتراض على القرار الحكومي”.
بينما يستمر الجدل حول مصير هذيْن الرجلين، من المنتظر أن يصل إلى كانتون جنيف خلال الأسابيع القليلة القادمة أول لاجئ قادم من قاعدة غوانتانامو تقبل به سويسرا، ويتعلق الأمر برجل من اصل أوزبكي لم يكشف عن هويته. في نفس الوقت أيضا قبلت المحكمة الفدرالية الإدارية النظر في طلب الإعتراض الذي تقدم به معتقل آخر بغوانتانامو، من أصل جزائري، سبق للمكتب الفدرالي للهجرة أن رفض طلبه للجوء.
تجري سويسرا منذ عدة اشهر محادثات مع الولايات المتحدة بشأن إمكانية مساعدتها على إغلاق معتقل غوانتانامو، وذلك من خلال استقبالها لبعض المعتقلين، وكشفت وزيرة العدل والشرطة السويسرية، منذ يونيو 2009، أن معاونيها بصدد دراسة عدة ملفات، لكنها اعترفت بأن اتخاذ قرار بهذا الشأن “لن يكون أمرا هيّنا”. وذلك في ضوء تعقيدات النظام السياسي الفدرالي في سويسرا، فلا معنى لقرار فدرالي بشأن هذه القضية، ما لم يوجد الكانتون المستعد لإستضافة المسرّحين من غوانتانامو؟
جوليا شلاتّر – swissinfo.ch
(ترجمه من الإنجليزية وعالجه عبد الحفيظ العبدلي)
يوجد في معتقل غوانتانامو، 22 معتقلا من اصل إيغوري. ويشتبه بهم في انهم اعضاء في الحركة الإسلامية بتركمانستان الشرقية الموالية لمنظمة القاعدة.
وفي سنتيْ 2004 و2005، أعلنت الإدارة الأمريكية تبرئتهم من كل التهم التي كانت موجهة إليهم، وقالت أنه بالإمكان إطلاق سراحهم فورا. لكن امريكا رفضت تسليمهم إلى السلطات الصينية خشية تعرضهم للإضطهاد والتعذيب.
ومنذ ذلك الحين، أُرسل خمسة رجال منهم إلى ألبانيا سنة 2006، تمكّن احدهم من الحصول على حق اللجوء لاحقا في السويد، وأُرسل أربعة آخرون إلى مثلث برمودا في يونيو الماضي، وستة إلى جمهورية بالاو، مجموعة جزر في المحيط الهادي، في شهر اكتوبر الماضي.
ويظل سبعة إيغوريين رهن الإعتقال في قاعدة غوانتانامو، من بينهم الشقيقيْن باختيار، وأركين ماهنوت، اللذيْن تدرس سويسرا ملفهما لإحتمال منحهما اللجوء الإنساني.
وكان قد عرض على باختيار اللجوء إلى جمهورية بالاو، لكنه رفض العرض ما لم يرافقه شقيقه ماهنوت، الذي تذكر التقارير أنه مريض، ولا يمكنه المداواة في ذلك الأرخبيل.
ووفقا لما نقل عن محامي باختيار، فإن موكله سافر قبل إعتقاله إلى باكستان بحثا عن ظروف حياة أفضل، في حين لحق به شقيقه لإقناعه بالعودة إلى بلاده.
ويذكر أن القوات الأمريكية خلال غزوها لافغانستان نهاية 2001، كانت قد أسقطت بواسطة طائراتها عددا كبيرا من القصاصات في افغانستان وفي باكستان، تعد فيها بتقديم جوائز مالية كبيرة لكل من يُسلّمها “إرهابيا”.
الإيغوريون شعب مسلم يتكلم اللغة التركية، ويعيش في مقاطعة تركمانستان الشرقية. وتتميّز هذه المنطقة بثرواتها الطبيعية الكبيرة، وموقعها الإستراتيجي في وسط آسيا.
أُجبر شعب الإيغور عن النزوح داخل أراضيه بسبب النزوح المكثّف لقبائل الهان التي تمثل حاليا 90% من إجمالي سكان الصين.
وخلال السنوات الأخيرة، حدثت العديد من الإضطرابات في هذه المنطقة، وقد حمّلت بكين المسؤولية عن هذه الإضطرابات إلى من تسميهم “الإنفصاليين” و”الإرهابيين” .
اما منظمات حقوق الإنسان، والهيئات المدافعة عن اللاجئين، فتتهم الصين بممارسة تطهير عرقي، وإضطهاد ديني وثقافي ضد شعب الإيغور.
كذلك يُرجع بعض المراقبين الأحداث المؤلمة التي شهدتها المنطقة السنة الماضية إلى التفاوت الإجتماعي الكبير بين الطوائف المختلفة في الصين، ومحاباة الدولة المركزية للبعض على حساب الآخرين.
وقد أودت الأحداث التي شهدتها كسنغيانغ، عاصمة إقليم تركمانستان المسلم في شهر يوليو 2009، بحياة أكثر من 200 شخص، وأعدمت السلطات الصينية العشرات من الإيغوريين الذين اتهمتهم في محاكمات تفتقد إلى الحد الأدنى من الشفافية والعدالة، بإثارة تلك الإضطرابات.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.