اللاجئون الفلسطينيون في لبنان.. بَـيادِق أم أصحاب حقّ؟
مَـنْ وماذا وراء تحريك "ورَقة" اللاّجئين الفلسطينيين في لبنان؟ قبل محاولة الإجابة عن هذا السؤال يجدر التذكير بأن الفلسطينيين في لبنان، والذين يترواح عددهم بين 350 إلى 400 ألف شخص، هُجّر مُـعظمهم إلى بلاد الأُرْز بعد قِـيام دولة إسرائيل عام 1948، يُـعانون من مشاكِـل اقتصادية واجتماعية طاحِـنة.
فهُـم محرومون من حقّ العمل ومن تملّـك المنازل أو الأراضي ومن أيِّ حقوق مدنية أو اجتماعية. كما أن المخيمات الـ 12، التي يتوزّعون عليها من شمال لبنان إلى جنوبه، مروراً بضواحي بيروت، تُـعتبر، باعتراف منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، التي تُشرف منذ ستِّـين عاماً على برامج مساعدة اللاجئين، من أسوإ مناطق السَّـكن في العالم. فالمجاري الصحية معدومة، وثمة نقْـص دائم في إمدادات الكهرباء والماء، كما أن المدارس تنقصها الهيئات التعليمية الكُـفْـأة، وهي على أي حال لا تُخرِّج سوى عاطلين عن العمل.
الأمن الداخلي في المخميات من مسؤولية العديد من الفصائل المسلّـحة الفلسطينية، وفي مقدمتها حركات فتح وحماس والجبهة الشعبية، لكنها أيضاً مرتَـع لبعض المنظمات المتطرِّفة التي تفجِّـر بين الفينة والأخرى اشتباكات مسلّـحة عنيفة داخل المخيمات وخارجها، هذا في حين أن الجيش اللبناني يُحكم الحِـصار على المخميات من خارجها في كل الإتِّـجاهات ويشتبِـك أحياناً مع بعض الجماعات المتطرِّفة فيها، كما جرى في الماضي في معارك مخيم نهر البارد قرب طرابلس في الشمال.
سببَـان
شهِـدت هذه المخميات بدءً من عام 1969، حين انتقلت الفصائل الفلسطينية المسلحة من الأردن إلى لبنان غداة حرب “أيلول – سبتمبر الأسود”، التي هزمتها فيها القوات الأردنية، ازدهاراً واسعاً لسببيْـن. الاول، احتِـضان الحركة الوطنية اللبنانية للمخيمات، باعتبارها بُـؤَراً ثورية لإقامة نظام سياسي جديد (يساري – وطني – ماركسي) في لبنان، ولشنِّ حرب الشعب لتحرير فلسطين. وهكذا، كان مشهداً عادياً في الفترة بين 1969 و1982 أن نرى الشبان اللبنانيين يقومون بحِـراسة المخيمات أو يعملون في مجال الخدمات الطبية والإجتماعية فيها.
والسبب الثاني، هو الكميات الهائلة من الأموال التي أدخلتها منظمة التحرير الفلسطينية إلى لبنان (ما يُقدّر بنحو مليون دولار يومياً) والتي خلقت كمّـا كبيراً من الوظائف في شتّـى المجالات للفلسطينيين في المخيمات (بما فيها الوظائف الأمنية والعسكرية)، لا بل شكلّت هذه الأموال أيضاً رافِـعة للاقتصاد اللبناني نفسه.
كل هذه المُـعطيات الإيجابية في المخيمات، انهارت دُفعة واحدة حين غزا الجيش الإسرائيلي لبنان عام 1982 وطرَد مِـنه قوات منظمة التحرير الفلسطينية. وما تلا ذلك، لم يقتصر فقط على مذبحة صبرا وشاتيلا المروِّعة وحسب، بل شمِـل أيضاً “مذابح” اجتماعية واقتصادية بحقّ اللاّجئين، وذلك بتواطُـؤٍ هذه المرة مع العديد من الأطراف السياسية اللبنانية. وهكذا، وصلت المخيمات إلى ما وصلت إليه اليوم: أحْـزِمة فقْـر وبُـؤس ومآسٍ، لا يبدو أن ثمة نهاية قريبة لها.
أي أهداف؟
نعود الآن إلى السؤال الأولي: لماذا تحريك “ورقة اللاجئين” اليوم، على رغم أن المعاناة الإنسانية متواصلة منذ أكثر من 30 عاماً؟
القصة بدأت في 15 يونيو الماضي، حين فجّـر زعيم الدروز وليد جنبلاط قُـنبلة في الساحة السياسية، عبْـر اقتراحه قانونا لمنْـح اللاجئين الفلسطنيين حقوقاً اجتماعية واقتصادية، استحقُّـوها منذ أمَـد بعيد. وسرعان ما خلقَ هذا الاقتراح استِـقطاباً في المشهد السياسي اللبناني، وِفق خطوط الحرب الأهلية القديمة. فالقادة المسيحيون في كل من 14 و8 آذار/مارس عارَضوه، والقادة المسلمون في كِـلا هذين المعسكرين أيّـدوه.
وتعتقد مصادر سياسية لبنانية أن هذا في الواقع، هو بالتحديد ما كان يستهدفه جنبلاط، في سبيل إضعاف كلٍّ من التحالفيْـن السُـنّي – المسيحي والشيعي – المسيحي، ومن ثَـمَ، إعادة بناء أنظمة التحالف القديمة، التي كان هو فيها (وقبله والِـده كمال)، عنصراً رئيسياً في تحالفٍ يشمَـل السُـنّة والشيعة والفلسطينيين، في مواجهة تحالف مسيحي عامَـة.
مُـسودّة القانون تمنَـح اللاجئين الفلسطينيين حقّ شراء مِـلكية مساكن في لبنان وحق العمل وحق تلقّـي الخَـدمات الاجتماعية والطبية، هذا علاوة على تلقّـي تعويض نهاية الخِـدمة من صندوق الضمان الاجتماعي اللبناني. ويُـجادل أنصار الإقتراح، أن هذا الأمر ضرورة إنسانية، فيما يقول المعارضون إنه يضع أعباءً جديدةً على كامِـل أموالٍ عامّـة، غارِقة حتى أُذُنيْـها في الدُّيون، وإنه يتعيّـن أن يسبقها نزْع سلاح الميليشيات الفلسطينية، كما أنهم يجادِلون بأن هذه الإجراءات يُـمكن أن تكون مقدِّمة فِـعلية لتوطين اللاّجئين الفلسطينيين في لبنان.
مُـسودّة القانون مطروحة الآن على طاولة اللجنة البرلمانية اللبنانية المختصّـة، لكن من غير المُـحتمل أن تحظى بالموافقة في شكلها الراهن، هذا في حين يُـمكن لصيغة مُـعدّلة ومُخفّـفة، أن ترى النور في نهاية المطاف.
لكن، على أيّ حال، توقيتُ الاقتراح كان مُـثيراً، ويقول هنا بول سالم، مدير مركز كارنيغي للشرق الأوسط، إن هذه قد تكون مُـحاولة من محاولات جنبلاط لتغيير المشهد السياسي، بيْـد أنه من غير المُـحتمل أن يكون هذا الإقتراح قد طُـرح من غير معرفة و/أو مُـوافقة سوريا. ففيما يواصل المبعوثون الأمريكيون السَّـعْـيَ إلى إحياء محادثات السلام الإسرائيلية – الفلسطينية، متجاهِـلين بذلك إلى حدٍّ بعيد دمشق، ربّـما شاءت سوريا أن توضِّـح بأن نفوذها في لبنان قد يكون هاماً جداً لمعالجة مسألة اللاجئين الفلسطينيين المركزية.
وعلى رغم أن سوريا تُـعارض التوطين الكامل في كل من لبنان وسوريا، لأن هذا سيؤثِّـر بشكل دراماتيكي على التوازُنات الطائفية في كِـلا البلدين، إلا أن منح اللاجئين حقوقاً اجتماعية واقتصادية في لبنان – كما هو الحال في سوريا – هو أمرٌ تستطيع دمشق أن تضغط من أجله.
بيْـدَ أنه من سوء الحظ أن ردودَ الفِـعل الطائفية على الإقتراح الأخير، تُـشير إلى أن لبنان لم يبتعِـد بعدُ عن خِـطاب الحرب الأهلية. فالفلسطينيون يحتاجون بشدّة لهذه الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، لكن المسألة في حاجة لأَنْ تُـعالَـج بطريقة لا تشعل حرباً أهلية جديدة في لبنان ولا تُـستخْـدَم كذريعة لحِـرمان الفلسطينيين من حقّـهم في العودة.
محاذير فلسطينية
هذه نقطة. وثمة نقطة ثانية لا تقل أهمية، تتمثّـل في أن الفصائل الفلسطينية نفسها، والتي تعاني هي الأخرى من انقِـسامات سياسية وإيديولوجية عمِـيقة، ربّـما تتعرّض إلى إغراء الإنغِـماس مجدّداً في لُـجَجِ الصِّـراعات الطائفية اللبنانية، كما حدث معها بدءً من عام 1975 وما بعده.
وإذا ما حدث ذلك، فإن مآسي الفلسطينيين ستزْداد أضعافاً مُـضاعفة، لأنهم سيُستَخْـدَمون حينها، كبيْـدقٍ من بَـيادِق الصراع المذهبي والطائفي في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط الإسلامي برمَّـتها، سواء من جانب السعودية (التي تدعم حركة فتح التابعة للرئيس عباس) أو من جانب إيران (التي ترعى حركة حماس).
على أي حال، يبدو أن ورقة اللاّجئين في لبنان فُتِـحت ولن تُغلَـق قريباً. وأفضل حصيلة يُـمكن أن تخرُج بها المنظمات الفلسطينية المُسيْـطرة على المخيمات، هي أكْـل عِـنَب قانون جنبلاط، من دون الإنجِـرار إلى الألعاب الطائفية، التي ستجعل الفلسطينيين طرفاً مُـداناً، بدل أن يكونوا أصحاب حقٍّ وقضِـية.
سعد محيو – بيروت – swissinfo.ch
بيروت (ا ف ب) – طالب السفير الفلسطيني في لبنان في لقاء حول العلاقات اللبنانية الفلسطينية يوم الثلاثاء 29 يونيو 2010، بقرار “لبناني توافقي جامع” من أجل منح اللاجئين الفلسطينيين حقوقا، مثل التملك والعمل والضمان الصحي، مع كل “الضوابط التي يراها المشرِّع اللبناني ضرورية”، لضمان عدم التوطين.
وقال السفير عبدالله عبدالله في كلمة ألقاها خلال لقاء عقد في مقر رئاسة الحكومة في حضور وسائل الإعلام، “لا نريد أن تكون الحقوق مدعومة من طرف ومرفوضة من طرف آخر، نريدها (…) بتوافق مجتمعي لبناني من أقصاه إلى أقصاه”.
وجاء اللقاء الذي رعاه رئيس الحكومة سعد الحريري وشارك فيه ممثل الأمم المتحدة مايكل وليامز والمدير العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في لبنان سالفاتوري لومباردو، في خضم جدل في لبنان حول حقوق اللاجئين الفلسطينيين.
وناقش البرلمان يوم 15 يونيو، ثلاثة اقتراحات قوانين تنصّ على منح الفلسطينيين حقوقا تتعلق بالعمل والتملك والرعاية الصحية، من دون أن يتمكن من إقرارها، نتيجة انقسام طائفي حاد بين أعضائه.
فقد رفض المسيحيون من كل الأحزاب السياسية التصويت على الاقتراحات مع إقرارهم بضرورة تحسين أوضاع اللاجئين، لكنهم طالبوا بالتعمق في درس القوانين خِـشية أن تكون تمهيدا لتوطين محتمل، بينما أيدت غالبية النواب المسلمين الاقتراحات.
ويتحجج المسيحيون بالتوازن الديموغرافي والطائفي الهش لرفض كل ما يمكن أن يؤدي إلى استقرار نهائي للفلسطينيين المسلمين السُـنّـة بغالبيتهم في لبنان.
ويبلغ عدد الفلسطينيين في لبنان، المسجلين لدى الاونروا حوالى 400 ألف، لكن عددهم الفعلي لا يتجاوز 270 ألفا بسبب الهجرة على مَـرّ الأعوام.
وتعاني المخيمات الفلسطينية الـ 12 المنتشرة على الأراضي اللبنانية والتي ينتشر فيها السلاح والخارجين على القانون، من وضع اجتماعي ومعيشي مُـزْرٍ. ويُـمنَـع الفلسطينيون من العمل في القطاعات المهنية، كما مُـنِـعوا بموجب قانون صدر في 2001 من حقّ التملك.
وأضاف عبدالله “الفلسطيني وهو يطالب بحق العمل لن يزاحم اللبناني (…). ما يريده أن لا يُـستَـثنى، شأنه شأن الكثير من غير اللبنانيين”، مشيرا إلى أنه “في لبنان، 136 ألف إجازة عمل لغير اللبنانيين، نصيب الفلسطينيين منها 261 فقط”. وتابع “لا نطالب بضمان صحي من الدولة اللبنانية”، إنما بأن يحصل العامل الفلسطيني “الذي يعمل بطريقة قانونية ويسهم في الضمان الصحي ويدفع اشتراكه حسب قوانين العمل” على “حق الاستفادة إذا تعرض لعارض صحي”.
وعن حق التملك، قال “لا نريد أن يتملك الفلسطيني أرضا يفلحها ويقيم عليها شركة أو يستثمرها، نقصد أن يكون له الحق المشروع الذي كفلته شرعية حقوق الإنسان بسقف فوق رأسه وفوق رأس عائلته” وحق توريث شقته لأولاده. وشدّد على ضرورة أن يضع “المشرِّع اللبناني كل الضوابط التي يراها ضرورية وأساسية من أجل أن لا يكون في هذا التملك أي مساس بحق العودة ولا فتح منفذ إلى توطين مبطن أو ظاهر”.
وقال الحريري من جهته “هناك واجبات إنسانية واجتماعية وأخلاقية، لابد للدولة اللبنانية أن تتحمل مسؤولية القيام بها تجاه الإخوة الفلسطينيين”. ودعا إلى إخراج المسألة “من التجاذب وعدم تحويلها إلى نقطة خلافية بين اللبنانيين أو بين اللبنانيين والفلسطينيين”.
وتحدث الحريري عن واقع اجتماعي وصحي “لا يطاق” في المخيمات، لكنه أكد أن “الواقع الأمني مأساوي” فيها كذلك. وقال إن هذا الواقع “يُـلقي بظله على حدود واجبات الدولة اللبنانية ومواقف العديد من الأطراف منها”. واعتبر أن “الفصائل الفلسطينية معنية بحماية الاستقرار في لبنان والتزام موجبات القانون اللبناني”، مشيرا إلى أن لبنان “لا يحتاج ولا يتحمل إضافة أي بند خلافي إلى جدول أعماله الوطني”.
واتخذ مجلس الوزراء قرارا بنزع سلاح الفلسطينيين خارج المخيمات (نقاط عسكرية في الجنوب والشرق)، من دون أن يضعه موضع التنفيذ بعد. وينظر العديد من الأطراف السياسيين إلى السلاح الفلسطيني داخل المخيمات وخارجها، كعنصر يمس بالسيادة اللبنانية.
(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب بتاريخ 29 يونيو 2010)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.