“الليبيون لديهم ما يكفي من الوعي والوطنية لتسيير أمورهم”
تتابع منظمة التضامن لحقوق الإنسان غير الحكومية انطلاقا من مقرها بسويسرا ثورة الشعب الليبي بشكل فعال ونشيط على المستوى القانوني من خلال إعداد ملفات محاكمة مستقبلية لرموز نظام القذافي، وإعلاميا عبر تزويد وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية بمعلومات دقيقة عما يجري في الداخل، وعلى المستوى الإنساني بإيصال مساعدات حتى لبعض المناطق المحاصرة.
في المقابل، لا تتردد المنظمة في انتقاد التضارب المسجل في مواقف الدول، غربية كانت أو عربية، بل لا تتوانى عن توجيه النقد إلى أداء المجلس الوطني الإنتقالي، مثلما يشرح أمينها العام السيد خالد صالح في تصريحات خاصة أدلى بها إلى swissinfo.ch.
وكان اجتماع لندن حول ليبيا الذي شاركت فيه أكثر من أربعين دولة ومنظمة إقليمية انتهى يوم الثلاثاء 29 مارس 2011 دون تقديم إجابات مقنعة عن العديد من التساؤلات التي يطرحها الليبيون وغيرهم بخصوص مستقبل الدعم المقدم للشعب الليبي الثائر ضد نظام العقيد القذافي. بل أسفر المؤتمر عن إثارة العديد من التساؤلات الإضافية عما إذا كانت الخطوات المتخذة ترقى إلى مستوى التطلعات التي تفرضها الظروف الحالية.
من بين المنظمات الحقوقية المتابعة عن كثب لتطورات الأوضاع في ليبيا منذ سنوات طويلة، هناك منظمة التضامن لحقوق الإنسان التي تتخذ من سويسرا مقرا لها. وفي حوار أجرته معه swissinfo.ch، يحلل أمينها العام السيد خالد صالح الأبعاد السياسية والعسكرية والدبلوماسية والإنسانية لما سيترتب عن قرارات اجتماع لندن ويشدد على ضرورة استقلالية القرار الليبي.
ترحيب بالدعم.. لكن بدون وصاية
من أهم النتائج التي ترتبت عن اجتماع لندن تشكيل لجنة لمتابعة الأوضاع في ليبيا تضم ممثلين عن عدد من الدول والمنظمات الى جانب نقل صلاحيات قيادة العمليات العسكرية إلى حلف شمال الأطلسي. وهو ما عارضته أو انتقدته العديد من الدول، بعضها مشارك في الإائتلاف.
عن نظرة الليبيين لهذه الخطوة يقول السيد خالد صالح: “لا نتمنى كليبيين أن يملي أحد شروطه علينا أو أن تكون له وصاية علينا”، وذكّـر بأن “ما طالبنا به المجتمع الدولي هو فرض حماية ضد قتل المدنيين وبفرض تغطية جوية أو بتحجيم القدرات الجوية للقذافي”.
وفيما يتعلق بتسيير أمور الثورة، يرى خالد صالح أن “الليبيين حرصوا منذ البداية على تفادي حصول وصاية من أيّ كان لأن الليبيين يملكون ما يكفي من الوعي ومن الوطنية ما يستطيعون به تسيير أمورهم”. وفي هذا السياق، استعرض “تشكيل المجلس الوطني الانتقالي، والتسريع بتكوين لجان وطنية، ومجالس تمثل المدن الرئيسية بما في ذلك تلك التي لا زالت تحت ما نسميه باحتلال القذافي، مثل الزنتان وطرابلس والزاوية ومصراته التي أعلنت مساندتها للمجلس”. ويذهب الأمين العام لمنظمة التضامن لحقوق الإنسان إلى أن هذه الخطوات سمحت بتجنيب حدوث ما كان يردده القذافي من إمكانية استيلاء تنظيم القاعدة على زمام الأمور أو نشوب صراع قبلي في البلاد.
ويرى السيد خالد صالح أيضا أن المجلس الوطني الإنتقالي قادر على بناء مؤسسات الدولة الليبية المستقبلية، لو أمكن تفادي النقص الذي يعاني منه الثوار في المجال العسكري.
دعم دولي لتسليح القذافي.. وتردد بالنسبة للثوار!
من النقاط التي لم يعمل اجتماع لندن على تبديد الغموض الدائر بخصوصها مسالة تسليح الثوار الليبيين، إذ في الوقت الذي ترتفع فيه من حين لآخر تصريحات محتشمة حول إمكانية تسليح الثوار أو تدريبهم، تقابلها اعتراضات صارخة من قبل بعض الدول المعارضة لعمليات الإئتلاف في ليبيا (حتى من طرف بعض الأعضاء فيه)، بحجة أن قرار مجلس الأمن عدد 1973 لا يسمح بذلك.
وبالرغم من أن قرار مجلس الأمن يشير بوضوح إلى منع تصدير الأسلحة إلى كل الأطراف المشاركة في صراع ليبيا، أشار أمين عام منظمة التضامن لحقوق الإنسان السيد خالد صالح الى أن النظام الليبي “مازال يحصل على تسليح لآخر لحظة ومن عدة دول بما فيها بعض الدول العربية”، وأضاف بالخصوص “لدينا صور جديدة سيتم نشرها قريبا عن أسلحة حديثة حصل عليها القذافي من دول عربية”.
وعن نظرته لضرورة تسليح الثوار، يقول السيد خالد صالح: “المجتمع الدولي له مسؤولية فيما يحدث اليوم في ليبيا لأنه (هو) الذي قام بتسليح القذافي بهذا الشكل خصوصا وأنه سخر معظم جهود التسليح في البلاد لميليشياته المسخرة لحماية نظامه. ومن هذا المنطلق هناك ضرورة لتسليح الشعب الليبي اليوم لمواجهة بطش القذافي”.
ضرورة تحسين أداء المجلس الانتقالي
في سياق متصل، يرى أمين عام “التضامن لحقوق الإنسان” أن مسالة تسليح الثوار أو الإعتراف بالمجلس الانتقالي لم تأخذ الاهتمام المنشود من قبل المحافل الدولية يعود إلى “ضعف أداء المجلس وعدم قدرته على الإقناع داخليا وخارجيا”. ويعود ذلك حسب رأيه إلى تراكمات اربعين عاما من حكم القذافي التي “اهتم فيها بتعزيز نظامه فقط ولم يترك مجالا لتنظيم المجتمع المدني وأفرغ المؤسسات المهنية من محتواها لتسخيرها فقط لخدمة مصالح القذافي”.
ومع أنه يرى أن الفراغ السياسي الناجم عن الثورة قد تم تداركه من خلال تأسيس المجلس الانتقالي، إلا أن خالد صالح يعتبر أن “هذا المجلس يفتقر الى جهد إعلامي يسمح له بالتعريف ببعض الانجازات التي تم تحقيقها على الأرض”.
ويذهب الأمين العام لمنظمة التضامن من أجل حقوق الإنسان إلى أن نظام القذافي “استطاع أن يُسخر حتى الهزائم لصالحه في حين أن المجلس الانتقالي لم يتمكن بعدُ من تعزيز ظهوره إعلاميا”. ويقول: “لقد كنا نحث المجلس الانتقالي بطريقة شبه يومية على تعزيز هذا الظهور الإعلامي”.
هذا المجهود الإعلامي يبدو في نظر السيد خالد صالح مهما “ليس فقط بالنسبة لإقناع وطمأنة الخارج بل أيضا لطمأنة الداخل وإقناعه بما يقوم به”. ومن نقاط الضعف يعدد السيد خالد “التباطؤ في تعين أعضاء المجلس المتبقين ولو أن هناك حرصا على إخفاء البعض لأسباب أمنية”. كما يعتبر أن “على المجلس أن يكثف من تواصله مع المواطن وتحسيسه عبر الإذاعة المحلية بالمؤسسات القائمة، وحثه على القيام بأدواره، وتعزيز الروح المعنوية”.
استنتاجات السيد خالد صالح نابعة حسب قوله من اتصال يومي مع العديد الجهات داخل ليبيا ويقول: “هناك حوالي 90% من المدن الليبية التي شكلت مجالس محلية ولدينا أسماء أعضاء بعض منها، بالإضافة الى تواجد ائتلاف شباب 17 فبراير في جميع هذه المجالس التي أعلنت انضمامها للمجلس الوطني الانتقالي”.
ومع أنه يعترف بأن “مثل هذه الأخطاء قابلة للإصلاح ومن الطبيعي أن تتم في ظروف كالتي تجتازها ليبيا اليوم”، إلا أنه يشدد على ضرورة “التسريع بتداركها نظرا لأهميتها ك وباعتبارها “خطوات استباقية تحيد سلطة القذافي وتعمل على إرساء قواعد الدولة الليبية القادمة”.
تجنب المبالغة في إبراز “الطابع العلماني”
من النقاط التي بالغ نظام القذافي في تقديمها كذريعة للغرب من أجل تبرير فرض فبضته الحديدية طوال العقود الماضية ولتبرير استخدامه للعنف ضد مواطنيه، تخويفه للغرب بأن وراء انتفاضة الشعب الليبي عناصر القاعدة.
رد فعل المجلس الانتقالي على هذه الاتهامات، وتصرفاته لإبعاد هذه الشبهة، يرى فيها أمين عام منظمة التضامن لحقوق الإنسان السيد خالد صالح، تصرفا “تميز بالمبالغة في إبراز الطابع العلماني، وبالاعتماد بشكل مفرط على ليبيي الخارج من ذوي التوجه العلماني”.
وفي هذا السياق، يقول خالد صالح: “من السلبيات التي أراها في أداء المجلس الانتقالي، حرصه على إبداء صورة نمطية لهذا المجلس وهي الصورة العلمانية، فيما أن الوضع لا يحتاج الى إبراز هذه الصورة لأن المجتمع الليبي متمدن من ناحية ومتدين ومحافظ يغلب عليه الإسلام من ناحية أخرى”.
ولتعزيز هذه النظرة يقول: “يكفي أن نلقي نظرة خلف هذا المجلس لنرى جموع الناس تصلي في الساحة أمام المحكمة في بنغازي. لذلك يجب الا نبالغ في تقدير تخوفات الغرب من الإسلام المعتدل لأنه هو نفسه يرغب في معرفة هذا الإسلام المعتدل”.
ومن هذا المنطلق انتقد السيد خالد صالح “مبالغة المجلس الانتقالي في إظهار هذا الطابع العلماني لإرضاء الغرب، وفي تعيين أناس يحملون هذا الاتجاه اليساري الذي هو في الأصل قليل داخل المجتمع الليبي المتميز بالتسامح”. وبدل التركيز على مثل هذه المسائل، يرى الأمين العام لمنظمة التضامن لحقوق الإنسان أنه يجب على المجلس أن “يركز على طمأنة الداخل وان يحرص على تسيير أمور البلاد وإعادة المؤسسات والمصالح الى تقديم الخدمات للمواطن”.
خلال منذ الأيام الأولى لاندلاع الثورة التي أطلقها الشعب الليبي ضد نظام الزعيم القذافي، تحركت منظمة التضامن لحقوق الإنسان على أكثر من صعيد، وقامت بنشاط كثيف شمل عدة محاور.
محاكمة القذافي وأعوانه
مهما تكاثرت السناريوهات المقترحة بخصوص المخرج الذي يمكن أن يترك مفتوحا أمام الزعيم الليبي وعائلته لإنهاء الصراع، ترى منظمة التضامن على لسان أمينها العام خالد صالح أن “على القذافي وعائلته أن يعترفوا بما اقترفوه من انتهاكات في حق الشعب الليبي. ومهما تعددت الحلول المقترحة من قبل البعض فإننا كحقوقيين شرعنا، بصحبة منظمات حقوقية أخرى مثل منظمة حقوق للجميع، في الإعداد لرفع قضايا ضد أفراد عائلة القذافي أمام المحكمة الجنائية الدولية”.
وكما أوضح السيد خالد “شرعت المنظمة بالفعل في إعداد قائمة بأسماء 460 من الأشخاص المطالبين بالتحقيق معهم. كما تقوم بإعداد قائمة بأسماء 34 شخصا ممن يقومون بإدارة معارك النظام الليبي. وقد تم اختيار محامي سويسري لتولي العملية”. وشدد السيد خالد على “إصرار المنظمة على محاكمتهم كمجرمي حرب حتى ولو تمت ممارسة ضغوط من الداخل او من الخارج”.
مساعدات إنسانية انطلاقا من سويسرا
على المستوى الإنساني، أجرت منظمة التضامن اتصالات مع عدد من المنظمات الإنسانية بما فيها جمعية الصليب الأحمر السويسري من أجل تأمين وصول مساعدات إنسانية للمناطق المتضررة في ليبيا. لكن السيد خالد يقول ” أن التردد كان بسبب الأوضاع الأمنية وبسبب عدم سماح نظام القذافي بمرور تلك المساعدات”.
لكن عجز المجموعة الدولية في تأمين ممرات إنسانية آمنة لحد الآن، لم يمنع هؤلاء الليبيين من تجاوز هذه العقبات بحيث يقول السيد خالد صالح” كنا من بين الأطراف الرئيسية التي سهرت على إعداد بواخر المساعدات التي وصلت الى ليبيا خلسة بحيث قمنا بجمع المساعدات والأدوية التي يقدمها الأطباء السويسريون. وكنا أول من أوصل المساعدات الطبية وقوافل الإغاثة الى ليبيا إما مباشرة او بواسطة منظمات ساعدنا على إقامتها في مصر وتونس”. وإذا كان وصول قوافل الإغاثة لا يشكل مشكلة بالنسبة للمناطق الشرقية التي عرقت وصول عدة قوافل، فإنه يشدد على ” أن ذلك كان حتى في المنطقة الغربية بحيث يتم، مرتين الى ثلاث مرات في الأسبوع إيصال المساعدات وتسليمها لفرق تقوم، رغم كل المخاطر، بتزويد مصحات متنقلة في مصراتة والزنتان والزاوية وزوارة، هذه المناطق المحاصرة منذ حوالي شهر، والتي تفتقر حتى لحليب الأطفال”.
وقد أسهم في هذه العمليات الى جانب منظمة التضامن مركز أولتن للمعلومات ومنظمات إنسانية مثل أطباء بدون حدود.
تغطية إعلامية وتسهيل لمهمة الإعلاميين
على مستوى التغطية الإعلامية، قامت منظمة التضامن بمساعدة منظمات أخرى بتأسيس وكالة أنباء “Press Solidarity” تجمع المعلومات عن العمليات والأحداث الدائرة في داخل ليبيا، وتصفيتها والتأكد من صحتها، وتوزيعها باللغتين الانجليزية والعربية على وسائل الإعلام.
وكما يقول أمين عام منظمة التضامن” تحسبا لما يمكن أن يقوم به نظام القذافي من قطع لوسائل الإتصال حرصنا على إدخال وسائل اتصال تسمح لنا بالبقاء في على اتصال دائم بمصادرنا في داخل ليبيا وإيصال صوتهم عما يحدث داخل ليبيا للخارج”.
كما قامت منظمة التضامن، حسب السيد خالد صالح ” بتسهيل مهام وصول إعلاميين ومنظمات حقوقية مثل هيومان رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية الى مناطق الصراعات بما في ذلك تلك الواقعة تحت سيطرة قوات القذافي”. ومن الأمثلة تسهيل مهمة وصول مراسل الإذاعة السويسرية الروماندية (الناطقة بالفرنسية) إلى الزنتان وتأمين عودته منها سالما.
دور في بناء المؤسسات المستقبلية
باعتبارها منظمة حقوقية، تطمح منظمة التضامن لحقوق الإنسان في ليبيا أن تلعب دورا في استدراك ما هدره نظام العقيد القذافي في مجال بناء قدرات المجتمع المدني داخل ليبيا. وقد أنشأت فرعا في مدينة بنغازي. ويأمل أمينها العام خالد صالح أن يتم التسريع بفتح فروع في باقي المدن الأخرى نظرا لكثرة النشاطات التي عليها القيام بها من الداخل”.
كما تعتزم منظمة التضامن القيام بدور فعال في مرحلة توثيق الإنتهاكات بغرض تقديم الجناة للمحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية. أما الدور الهام فهو مواكبة صياغة الدستور الجديد، والحرص على ضمان احترام الحريات الأساسية وضمان استقلالية القضاء. وهذا بالطبع بعد وقف إراقة الدماء.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.