المالكي في مواجهة “لعنة” الأكـراد..
تتجه العلاقات بين رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وحكومة إقليم كردستان شِـبه المستقلة، من سيء إلى أسوإ، وهي تشبه إلى حد كبير ما كانت عليه في عهد الدكتور إبراهيم الجعفري، وقد تشهد الأيام المقبلة انقلابا على المالكي من قِـبل حلفائه في المجلس الإسلامي الأعلى، مثل ما حصل بالضبط مع الجعفري، برغم كل الإنجازات الكبيرة التي يقول المالكي إنه حققها للعراق..
فالمجلس الإسلامي الأعلى، الذي لم يكن على ودٍّ تام، لا مع الجعفري ولا مع المالكي ولا مع سِـواهما في حزب الدعوة الإسلامي بكل أجنحته، يبدو مستعدا تماما لعقد صفقة مع حكومة كردستان وعموم التحالف الكردستاني الحليف في الحكم، للتخلّـص من المالكي والتمهيد لنائب رئيس الجمهورية عادل عبد المهدي لتولِّـي منصب رئاسة الوزراء، وبذلك يتحقق حلم المجلس بالاستيلاء على رئاسة الحكومة بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة المقرّرة نهاية عام 2009 كاستحقاق انتخابي.
فالمالكي الذي بدا منذ عملية “صولة الفرسان” في البصرة في مارس الماضي، وكأنه يمارس دوره كرجل دولة من الطراز الأول، حين انقلب على حلفائه الصدريين الذين أوصلوه إلى رئاسة الحكومة، أظهر حَـزما شديدا مع الأكراد عندما طالب بتعزيز صلاحيات حكومة المركز مقابل حكومات الأقاليم، مشيرا بشكل خاص إلى كردستان الذي تتمتع لوحدها من سائر مناطق العراق بنفوذ فريد وبسلطة باتت في الكثير من الأحيان تنافس سلطة المركز، بل وتهددها.
وحتى إذا صدّقنا ما يقال ضدّ المالكي بأنه يفعل ذلك مع الأكراد لأسباب تتعلّـق بالدعاية الانتخابية لقائمته التي ستخوض سباق انتخابات مجالس المحافظات، من دون تحالفات هذه المرة، متدثرة بالقانون الذي فرضه كسلطة عليا إلى حد كبير في البصرة والموصل والديوانية وحتى ديالى وغيرها، فإن العلاقة بين المالكي والأكراد دخلت في الآونة الأخيرة منعطفا دقيقا إثر التوتر الذي ترتب على دعوة رئيس الوزراء إلى تشكيل مجالس الإسناد العشائرية لحفظ الأمن والنظام في المحافظات التي تشهد انفلاتا أمنيا، بما فيها المتنازع عليها مثل كركوك، وبعدها دعوته إلى إعادة كتابة الدستور، للتخلص من عبء الابتزازات التي تمارسها معه حكومة كردستان، مثلما حصل في أزمة خانقين.
وفي ضوء ما تشهده معظم مدن العراق من أمن نسبي (لا زال يبحث عن الاستقرار المطلوب)، واستنادا إلى طريقة حكمه والصبر الذي كان عليه مع المشاركين في العملية السياسية (وبشكل خاص جبهة التوافق وازدواجيتها ومكاييلها المتعدّدة في سبيل تحقيق المكاسب)، ومع كل العثرات الداخلية، خصوصا في اختيار فريق عمله وجيش مستشاريه (عدا القليل منهم)، وبعض الإخفاقات الإقليمية والدولية، يمكن القول أن المالكي، وهو بالمناسبة أمين عام لحزب سياسي ديني عريق (حزب الدعوة)، سعى إلى إقامة الدليل على أنه رئيس “مستقل” لحكومة عراقية وأنه يعمل من أجل العراق ووحدته، ملتزما بالقسم الذي أداه أمام مجلس النواب وأنه غير مستعد للتفريط بسيادة بلاده، حتى وهو يفاوض الولايات المتحدة، أكبر قوة عظمى في العالم على سحب قواتها من العراق.
ولقد قاد المالكي مؤخرا حملة قوية جدا ضدّ نظام المحاصصة والشراكة في الحكم، ورأى أن ذلك يُـعرقل أداء حكومته، وطالب بجرأة بوجوب أن تكون شراكة الأقاليم في الحكومات الاتحادية فقط في الوزارات، ما يعني عدم السماح بتولي الأكراد منصب وكيل ومدير عام في الوزارات، وبذلك ألغى المالكي مناصب الوكلاء والمدراء العامين الأكراد وأبقى فقط على الوزراء منهم، لكي لا يُُبقي الدولة تحت رحمة المحاصصات، غير أنه نسي أو ربما تجاهل أن الأكراد لن يغفروا له ذلك.
تعديل توافقي!
أكراد العراق الذين تعرّضوا للإضطهاد في كل الحقب السابقة، وصل إلى درجة الإبادة والقتل الجماعي باستخدام الأسلحة الكيماوية وقدموا العون “المفتوح” للمعارضين السابقين، حلفاء الحكم الحاليين، وجدوا ضالّـتهم قبل سقوط نظام صدّام في فرض شروطهم على القوة الأمريكية الغازية وعلى حلفاء الحكم الجديد، لتحقيق أكبر قدر من المكاسب السياسية والقومية والتي توصل بالتالي إلى تحقيق حلم الأكراد الأزلي في إنشاء دولة كردية، ولو غير مستقلة تماما لحاجتها الماسة إلى دعم المركز المالي والاقتصادي.
وبالفعل، تمّـت كتابة الدستور على مقاس الأكراد الذين مُنحوا حق النقض لدى أي محاولة لتعديله، بما لا يتوافق مع شروطهم.
وكذلك الحال، حين يتعلق الأمر بكركوك النفطية وتشكيل تلك المجالس فيها، يبرّر الأكراد رفضهم خطة المالكي بأنها عودة للعمل بسياسة الرئيس السابق صدّام حسين في كسب العشائر وتوظيفها في ضرب الخصوم وسعيه لكسب ولاء أكبر عدد ممكن من العشائر العراقية له، بخاصة العشائر المناوئة حاليا للحكومة وللعملية السياسية ولتعزيز نفوذه، ولذلك، يعارضونها جُـملة وتفصيلا، كما برز ذلك الحزبين الكرديين الرئيسيين، الاتحاد الوطني الكردستاني والديمقراطي الكردستاني، بزعامة جلال الطالباني ومسعود البارزاني، حكومة إقليم كردستان العراق إلى منع المواطنين الأكراد وشيوخ العشائر في كردستان وأطرافها من الإسهام في تلك المجالس. ووصل الأمر بحكومة كردستان إلى استخدام عصا التّـرهيب للتصدّي لخطّـة المالكي في تشكيل هذه المجالس.
رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني رفض القبول بتشكيل مجالس الإسناد، معتبرا ذلك محاولة “لزرع بذور الفتنة واللعب بالنار”، مهدّدا كعادته باللّـجوء إلى خيارات أخرى، منها الانسحاب من العملية السياسية، لأن كركوك بالنسبة للأكراد هي قدس الأقداس ولا يمكن المساومة بشأنها، ما يزيد من التوتّـر بين الجانبين، خصوصا بعد أن أطلق المالكي دعوته إلى إعادة النظر في الدستور، بما يؤدّي إلى تقليل صلاحيات الأقاليم والمحافظات وزيادة صلاحيات الحكومة المركزية.
وإذ لا يغطي الخلاف على مجالس الإسناد و”تعديل الدستور” أصل المشكلة بين الأكراد والمالكي، والتي تتمحور حول مسائل عدّة، منها النفط والموازنة والمناطق المتنازع عليها، ها نحن نرى موقف الأكراد المتصلّب من الدّعوة إلى تقليل صلاحيات إقليم كردستان وزيادة صلاحيات المركز، وقد رأوا فيها معانٍ خطيرة، تتمثل باستبدال “ديكتاتور” بآخر، مشدّدين على أن تعديل الدستور ليس من صلاحيات رئيس الوزراء، وهو أمر يُـدركه المالكي الذي يعلم أيضا أن طلب تعديل الدستور يجب أن يقدّم في نص مكتوب تتِـم مناقشته في لجنة التعديلات الدستورية بالصورة التوافقية الراهنة، ومن ثم إذا تم التوافق على التعديل، يُطرح في المجلس السياسي للأمن الوطني قبل طرح الموضوع برمّـته أمام مجلس النواب، أي أن تعديلا دستوريا يحتاج موافقة الأغلبية وعدم رفض ثلاث محافظات له، لأن أي تعديل دستوري يتعارض مع صلاحيات الأقاليم سيتم رفضه من قبل محافظات إقليم كردستان ومن الجهات الأخرى المطالبة بتفعيل نظام الأقاليم.
مصير المالكي!
والأخطر على المالكي، أن تشكيل مجالس الإسناد في كردستان وحواليها وتعديل الدستور، لا تحظى بتأييد المجلس الإسلامي الأعلى، المُـطالب بإقليم الوسط والجنوب، والذي يرى أن صلاحيات رئيس الوزراء كثيرة، “وعليه أن ينشغل بوظائفه ويترك للمحافظات وظائفها”.
هذا الموقف ينسجِـم مع ما يطمح له المجلس الإسلامي الأعلى في تشكيل إقليم يضُـم تِـسع محافظات في الوسط والجنوب، وبصلاحيات تساوي أو تفوق صلاحيات إقليم كردستان..
وهنا ينبغي للمالكي الاستعانة بكل القِـوى التي ترفض تقسيم العراق، لدعمه في مواجهة معارضيه وحلفائه المناوئين له. وقد يستنجد المالكي مرّة أخرى بالتيار الصدري – رغم كل الجراح – إذا اقتنعت إيران ونجح هو نفسه أو بعض أصدقائه من العراقيين العاملين مع إيران في إقناع السيد مقتدى الصدر بأن ما جرى في البصرة أثناء عملية صولة الفرسان، كان يستهدف مجرمين طالما أخفوا أنفسهم تحت عباءته الواسعة.
وبذلك، يُصبح أمام المالكي خياران لا ثالث لهما: إما الحفاظ على حلفائه من الأكراد والمجلس، بالتراجع عن دعوته إلى تشكيل مجالس الإسناد وتوسيع صلاحيات المركز على حساب الأقاليم أو مواصلة مواجهته المفتوحة على نتائج خطيرة لتحجيم الدور الكردي.
فإذا اختار المالكي التّهدئة مع الأكراد والمجلس الإسلامي الأعلى حتى العام المقبل، موعد الانتخابات النيابية، فقد يكون يلعب على عامل الوقت بانتظار ما ستؤول إليه الاتفاقية الأمنية مع واشنطن المعرّضة للسقوط، إذا نجحت إيران وفصائل المقاومة الخاصة “كتائب حزب الله” و”عصائب الحق” ومعهما “لواء اليوم الموعود” الجديد، الذي بشر به زعيم التيار الصدري في مواجهة الاتفاقية.
أما إذا أصرّ رئيس الوزراء على سلوك طريق المواجهة، فإنه بالتأكيد سيفقد – على أعتاب انتخابات مجالس المحافظات – علاقته بحلفائه السابقين الذين قد يرفعون بوجهه ورقة سحب الثقة في مجلس النواب، ويحصد هو تحالفات جديدة مراهنا على الوطنيين، وهم ليسوا كُثُرا في عراق يشهد توالد المقاولين السياسيين.
وما لم يبادر مقتدى الصدر وباقي المعارضين لنظام المحاصصة الطائفية والعرقية في العراق الجديد، خصوصا السُـنّة العرب، إلى دعم المالكي في مواجهته نحو تقليص نفوذ إقليم كردستان المتنامي بقوة، فإن مصير رئيس الوزراء الحالي قد لا يختلف كثيرا عن رئيس الوزراء السابق إبراهيم الجعفري، الذي أصابته ما يمكن تسميتها بـ “لعنة” الأكراد.
ربما نعم.. ربما لا.. فالأمر سيعتمد على ما تبقى من “حسّ وطني” لدى الساسة الجُـدد في العراق الجديد وعلى الكيفية التي يزنون بها الأمور.
نجاح محمد علي – دبي
واشنطن (رويترز) – قال مسؤول عراقي كبير يوم الخميس 11 ديسمبر 2008 ان العراق سيحتاج الى وجود قوات أمريكية للمساعدة في بناء قواته العسكرية لفترة تتجاوز السنوات الثلاث التي تم الاتفاق عليها في الاونة الاخيرة كموعد انسحاب نهائي للجنود الامريكيين.
وقال علي الدباغ المتحدث باسم حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي انه قد تكون هناك حاجة لبعض القوات الامريكية لمدة عشر سنوات لكنه قال للصحفيين ان شروط اي تمديد لوجود قوات امريكية سيتم التفاوض عليه بين الحكومتين العراقية والامريكية.
وتفاوضت بغداد وواشنطن في الاونة الاخيرة بشأن اتفاقية لوضع القوات تقضي بمغادرة القوات الامريكية للمدن العراقية بحلول منتصف عام 2009 والانسحاب من البلاد بحلول عام 2011. ويسري العمل بالاتفاقية في اول يناير كانون الثاني عندما ينتهي تفويض الامم المتحدة الذي يحكم وجود القوات الامريكية في العراق.
وقال الدباغ في افادة صحفية في وزارة الدفاع الامريكية (البنتاجون) “نفهم ان الجيش العراقي لن يبنى في ثلاثة اعوام. نحتاج حقا الى سنوات اخرى كثيرة. قد تصل الى عشر سنوات.”
وكان مسؤولون عراقيون تحدثوا عن الحاجة المحتملة لوجود مطول للقوات الامريكية قبل التوصل الى اتفاقية وضع القوات. لكن تصريحات الدباغ هي الاولى فيما يبدو التي تتناول الحاجة المحتملة لبقاء قوات امريكية منذ اعلان التوصل الى الاتفاقية.
وقالت الحكومة العراقية ان جيشها سيكون مستعدا لتولي المهام الامنية في المناطق الحضرية بحلول الصيف المقبل. لكن مسؤولين امريكيين يعتقدون ان الامر سيستغرق اعواما حتى يكون للعراق من القوة الجوية والدعم والامدادات ما يؤهله ليكون قوة قتالية حديثة.
وقال مسؤول من وزارة الدفاع البريطانية ان بلاده الشريك الرئيسي للولايات المتحدة في العراق ستبدأ سحب قواتها البالغ قوامها 4100 جندي في مارس اذار نتيجة تحسن الوضع الامني.
ويوجد حاليا للولايات المتحدة 149 الف جندي في العراق الكثير منهم يكرسون جهودهم لتدريب قوات الامن العراقية.
وقال الدباغ ان القرار بشأن اذا ما كان سيمتد الوجود الامريكي لن تتناوله اتفاقية وضع القوات الحالية.
واضاف “ترك الامر للحكومة في عام 2011 كي تفكر وتتفاوض مع الامريكيين بشان ماهي القوات التي يحتاج اليها العراق.”
واضاف “بحلول ذلك الوقت سيتضح مستوى القوات المطلوب ونوع التعاون والدعم الذي يحتاج اليه الجيش العراقي.”
ودعا الرئيس الامريكي المنتخب باراك اوباما الذي ستنتهي ولايته في 20 من يناير كانون الثاني عام 2013 الى سحب القوات الامريكية من العراق في خلال 16 شهرا لكنه ترك الباب مفتوحا لبقاء بعض القوات لتدريب العراقيين ومحاربة المتمردين.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 11 ديسمبر 2008)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.