المبادرات الشعبية: ليس من حق الشعب التصويت على كل شيء
رفض مجلس النواب السويسري مبادرة شعبية تطالب بضرورة منح الشعب مزيدا من الصلاحيات لإبداء رأيه في المعاهدات الدولية، ولكن البرلمانيين قبلوا مشروعا مضادا يخصص مجالا أوسع لممارسة الشعب لحقوقه في هذه الميادين.
تسمح الإجراءات المعمول بها حاليا، بإمكانية التصويت الإجباري للشعب والكانتونات على بعض الاتفاقيات الدولية، ولكن هذا الاستفتاء الإجباري لا ينطبق إلا على بعض الاتفاقيات الخاصة، مثل التي تتعلق بالانضمام لمنظمات أمن جماعي (مثل حلف النيتو) او لاتحادات دولية مثل الاتحاد الأوروبي.
فقد طالبت جمعية العمل من أجل سويسرا مستقلة ومحايدة والمعروفة باختصار باسم ASIN في مبادرة شعبية حملت شعار “إعطاء الكلمة للشعب في الاتفاقيات الدولية” بضرورة توسيع مجال تطبيق مبدأ الاستفتاء الشعبي الإجباري، إذ أشار نص المبادرة الى ضرورة استشارة الشعب في كل الاتفاقيات التي تمس “ميادين هامة” قد تجبر سويسرا على تغيير قوانينها او كل الاتفاقيات التي قد تترتب عنها نفقات غير متكررة تفوق المليار فرنك أو نفقات متكررة تفوق 100 مليون فرنك.
دعم من اليمين المحافظ
لم تحصل جمعية العمل من أجل سويسرا مستقلة ومحايدة داخل محافل البرلمان الفدرالي، إلا على دعم اليمين المحافظ، بحيث تردد ممثلو حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي) على منصة الخطابة في نقاش استمر لأكثر من اربع ساعات ونصف، للدفاع عن هذا المشروع، إذ يلاحظ اليمين المحافظ بأن الاتفاقيات الدولية أصبحت متعددة وأن الحكومة تبرم اتفاقية دولية كل يوم تقريبا، وهو ما يعمل على التأثير بشكل مباشر في أغلب الأحيان على حياة المواطن، لذلك يجب أن يكون للشعب كلمته في ذلك.
ويقول على سبيل المثال، إيف نيديغر، الممثل البرلماني عن حزب الشعب السويسري من جنيف:”بأن كل شعوب العالم تتمنى لو كانت لديها آليات سياسية تسمح لها بالتحكم قدر المستطاع في التقلبات العنيفة للعولمة، والمترتبة عن انفتاح العلبة السحرية للقانون الدولي التجاري”.
ويواصل الممثل البرلماني في تأكيد هذه الفكرة بقوله: “في الوقت الذي ينظر فيه جيراننا الأوروبيون إلينا بمزيد من الغيرة، لأننا نتمتع بحق التصويت على كل المواضيع التي حُرموا من إبداء رأيهم بشأنها، يبدو لنا أن النخبة السويسرية أصبحت تشعر بالضجر من التعايش مع هذه التقاليد، التي يجب أن نعترف أنها تدخل في خلاف مع السيادة وتفوق القانون الدولي على القوانين والأعراف الوطنية”.
الديمقراطية قد تقضي على الديمقراطية
لكن ممثلي ما سمي بـ “النخبة”، أي كل ممثلي الأحزاب السياسية الأخرى، لم يتأثروا بأطروحة حزب الشعب السويسري. وهكذا تردد على المنصة ممثلون من يمين الوسط ومن اليسار على حد السواء، لتعداد مساوئ وعيوب هذه المبادرة من وجهة نظرهم.
ومن هذه العيوب، كونها غامضة الى حد كبير. فقد تساءل العديد من الممثلين البرلمانيين عن حقيقة “الميادين الهامة التي يطالب أصحاب المبادرة أن تكون موضع استفتاءات إجبارية”.
وما هو أهم بالدرجة الأولى، هو كون هذه المبادرة لو جاءت لتطبَّق، لعملت على مضاعفة حالات الاستفتاء الشعبي في البلاد، وهو ما قد يعمل على تقليص هامش مناورة الحكومة ويعمل على المساس بمصداقية وسمعة سويسرا على المستوى الدولي، إذ قالت في هذا المجال الممثلة البرلمانية من الحزب الديمقراطي المسيحي إيستر إيغر “لا يمكن تعطيل كل المفاوضات، ولو كانت بسيطة، بذريعة احتمال أن يُعرض موضوعها على الاستفتاء الشعبي”.
كما ان تكاثر حالات الاستفتاء الشعبي قد يدفع الى إحساس الشعب السويسري بالملل، مما قد يعمل على تراجع نسبة المشاركة التي هي منخفضة نسبيا، وهو ما دفع النائب الاشتراكي جون كلود رينفالد في ختام كلمته إلى القول: “لقد قال ممثلو اليمين من قبل، بأن كثرة الضرائب تضر بالضرائب. إذن، اقول بدوري اقتباسا للغتهم، بأن المبالغة في اتخاذ قرارات شبه ديمقراطية قد يقضي على الديمقراطية”.
المشروع المضاد
اعترفت سيمونيتا سوماروغا، وزيرة العدل والشرطة أمام الممثلين البرلمانيين بأن عدم عرض بعض الاتفاقيات الدولية على الاستفتاء الشعبي، قد يثير بعض القلق داخل أوساط الشعب. لذلك، تقدمت الحكومة بمشروع بديل لمواجهة مواقف جمعية العمل من أجل سويسرا مستقلة ومحايدة.
أما فيما يخص باقي المعاهدات والاتفاقيات المتعلقة بالانضمام الى منظمات دولية والتي تتطلب سن قوانين جديدة، فإنها تبقى خاضعة لتنظيم استفتاء اختياري، مثلما هو الحال اليوم.
وقد ظل حزب الشعب السويسري وحده غير مقتنع بهذا الاقتراح الذي وُصف بالاقتراح “التجميلي” أو “بالفخ” ولم يستطع اليمين المحافظ الوقوف لوحده ضد باقي التيارات الأخرى اثناء التصويت، وهو ما جعل المجلس الوطني يرفض مبادرة منظمة “العمل من أجل سويسرا مستقلة ومحايدة” ويقبل المشروع المضاد الذي تقدمت به الحكومة، وبذلك سينتقل الملف الآن لكي يُناقَش أمام الغرفة الثانية في البرلمان السويسري، أي مجلس الشيوخ.
اتخذ مجلس النواب السويسري، يوم الأربعاء أيضا، موقفا من مبادرة برلمانية تقدمت بها الممثلة الليبرالية الراديكالية إيزابيل موري.
فقد اقترحت هذه الأخيرة ضرورة مراجعة جهة قضائية في الحسم في مدى صلاحية مبادرة شعبية قبل بداية جمع 100 الف توقيع الضرورية لإطلاقها.
وقد طُرحت في السنوات الأخيرة، مرات عديدة، مسألة قانونية المبادرات الشعبية بالخصوص لما تم التقدم بمبادرة حظر بناء مآذن جديدة او مبادرة طرد المجرمين الجانب الخطيرين.
وقد تم رفض الممثلون البرلمانيون مبادرة السيدة موري بأغلبية 101 صوتا مقابل 47.
تأسست في عام 1986 نتيجة لتشكيل لجنة لمناهضة انضمام سويسرا إلى منظمة الأمم المتحدة.
هدفها هو مراقبة السياسة الخارجية التي تنتهجها الحكومة الفدرالية، وللحفاظ على مبدأ الحياد الكامل للبلاد، ولتفادي الالتزامات الدولية التي ترى أنها غير مفيدة.
نشطت منذ قيامها في معارضة انضمام سويسرا الى المجال الاقتصادي الأوروبي وضد الانضمام الى الاتحاد الأوروبي وضد إرسال قوات عسكرية سويسرية ضمن مهام دولية لحفظ السلام، وضد اتفاقيات دوبلين شينغن لتنقل الأشخاص في المجال الأوربي.
وتعرف ASIN نفسها كمنظمة موجهة لكل المواطنين “الذين لديهم الرغبة في التجند لصالح الحفاظ على الاستقلال والحياد والنظام الفدرالي، وعلى حقوق وحريات المواطنين”.
ولكنها في الواقع، عبارة عن منظمة ترتبط بعلاقات وثيقة مع حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي)، ولهذا نجد عددا من الوجوه السياسية الكبرى من هذا الحزب في المناصب القيادية لهذه المنظمة.
(ترجمه من الفرنسية وعالجه محمد شريف)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.