المساكن المُخصَّصة لقضاء العطل تقسم قرية صغيرة إلى مُعسكرين
منذ اعتماد الناخبين السويسريين في مارس 2012 للمُبادرة الشعبية المُناهضة لإنشاء مساكن ثانية مُخصَّصة لقضاء العطلة، تدفَّـقت طلبات الحصول على تراخيص البناء على العديد من البلديات الواقعة في المناطق الجبلية السياحية.
هذه الحالة، تنطبق على قرية “كومبل” Cumbel في كانتون غراوبوندن (جنوب شرق سويسرا) حيث يُحاول العديد من الراغبين ببناء هذه المساكن، وفي سباق مع الوقت، الحُصول على تصريح بناء قبل إغلاق باب قَـبول هذه الطلبات نهاية العام الحالي.
وبِغَضِّ النظر عن بعض المنازل القديمة، لا تقدّم هذه القرية، التي يبلغ تعداد سكانها 245 نسمة، ما يدعو لاستصدار بطاقة بريدية. ولم تُشَيَّد المباني خلال السنوات الأخيرة في مركز أو ضواحي هذه البلدية الجبلية الصغيرة الواقعة في “فال لومنيتسيا” (وادي الضوء) فقط، ولكنها امتدت هنا وهناك، لتستَـقِـر حتى في وسط الحقول الخضراء، وبشكل لم يسبَـق له مثيل. أما أغلب هذه المنشآت، فهي ما يُطلَق عليه “المساكن الثانية”، المُخصصة لقضاء أيام العطلة.
وفي العادة، لا تُشغل هذه المساكن من قِبَل مالكيها لمدة تزيد عن ثلاثة أو أربعة أسابيع، أما في بقية أيام السنة، فإنَّ أسِرّة هذه البيوت تظل فارغة وباردة ومصاريع نوافذها مُغلقة، حتى أثناء ساعات النهار.
هذا ما كان عليه الحال أيضاً في يوم أربعاءٍ ماطر خلال شهر سبتمبر الماضي. وعدا عن تواجد بعض العمّال في مواقع البناء، تنفرِد حركة المرور وحدها بالحركة في هذه القرية، حيث لا أثَـر للمُـشاة على قارعة الطريق، كما أن مطعم “لاريش”، الواقع في مركز القرية، يتمتع بيوم عطلة، وحتى الباب المؤدية إلى قاعة البلدية، فهي مُوصدة طوال النهار.
وحدها كافيتِـريا دار المُـسنين “دا كازا فال لومنيتسا”، التي تسود فيها بعض الحركة، حيث تلقّى بعض النُزلاء الذين ينتسِـب معظمهم إلى الوادي، زيارات من أبنائهم أو أحفادهم الذين جاءوهم من المناطق المُنخفِـضة.
وحسب إحدى الموظفات القائمات على رعاية المسنّين، لم يَعُد هؤلاء مُهتمين بسياسة القرية. وعند سؤالها عن رأيها، لم تَرغَب بالتعليق على قضية المساكن الثانية، التي أصبحت حديث القرية هذه الأيام.
على العكس، عبَّرت زميلتها أورسولا سولير، التي تعيش في قرية مجاورة وتعمل في نفس الدار، عن رأيها الصريح حول هذا الموضوع بالقول: “أجد أنَّ من الوقاحة أن يمتلِـك الضيوف القادمين لقضاء العطلة، مساكن أكثر مِنّا نحن السكّان المحليون”. وأضافت “يُواجه الشباب في قُـرى الوادي، صعوبة بالغة في العثور على شقة”.
وكما تقول، فإنها لن تتوان بدورها عن التوقيع على نص المُبادرة الشعبية، التي وقَّع عليها بالفعل 45 مُقيماً من قرية “كومبل”، لو أنَّها كانت تَقطن فيها. ويُمثل القائمون بالتوقيع رُبع عدد الأفراد الذين يحِق لهم التصويت بالضبط، وهُـم يطالبون البلدية في حملتهم، بإصدار قرار يقضي بتجميد عمليات بناء المساكن الثانية.
“وقف تراخيص البناء”
بعد إعتماد المبادرة الشعبية السويسرية ضد “البناء غير المحدود للمساكن الثانية” في 11 مارس الماضي، إنهالت طلبات تراخيص البناء على العديد من البلديات الجبلية. ويأمل معظم الراغبين بالبناء، بالحصول على ترخيص بسرعة، قبل أن يحظر القانون الفدرالي ذلك.
وفي كانتون غراوبوندن (شرق سويسرا)، قامت بعض البلديات بتشريع ما يُسمّى “منطقة تخطيط عمراني”، للرد على الطوفان الوارد لطلبات البناء. وتؤدي هذه المنطقة إلى تجميدٍ مؤقت لعمليات بناء المساكن الثانية، وهو بالضبط، ما طالب به الموقّعون على المبادرة من بلدية “كومبل” أمام بلديتهم.
إحدى هؤلاء الموقِّـعات، هي كاثرين بيلزير، التي لا تستخدِم حقوقها المَدنِية من أجل مَنع بناء المساكن الثانية في هذه البلدية للمرة الأولى. وكانت بيلزير قد طالبت بمثل هذه المنطقة بالفعل، قبل التصويت على مُبادرة بناء المساكن الثانية، ولكن بدون نجاح.
وكي لا يتم الالتفاف على إرادة الناخبين السويسريين الراغبين بوضع حدّا للبناء العشوائي لهذه المساكن، ومن أجل مَنع حدوث تجاوزات، نتيجة العدد الكبير من طلبات تراخيص البناء، التي انهالت على البلدية قبل أن تدخل مبادرة بناء المساكن الثانية حيِّـز التنفيذ، ساهمت بيلزير بنفسها في عملية جمع التوقيعات.
“البعض يستفيد”
وكما تقول بيلزير:”لقد إنتقلنا من منزل إلى آخر. وفي غضون خمسة أيام، كُنا قد جمعنا بالفعل 45 توقيعاً، وهي أكثر من كافية. وكان من ضمن الموقعين، أشخاص يعملون في قطاع البناء. كما وجدنا مَن لم يرغب أو يجرُؤ على التوقيع، ولكننا لم نلتق بأي شخص يرى بأن التطورات الحاصلة في بناء المساكن الثانية، أمر جيد”.
من ضمن الموقعين أيضاً، كانت كورين آرباغاوس، التي قالت: “من المُحزِن أن تتم عمليات البناء في كل حَدب وصوْب، وأينما نَنظُر نَجد مساكن جديدة لا تنسجِم مع صورة القرية، كما أنَّ مصاريع نوافذها مُغلقة في أغلب الأوقات”.
ووفقاً للشابة التي تعمل في الزراعة العُضوية في بلدية “كومبل”، فقد استفادت بعض الشركات من عمليات البناء – لفترة قصيرة فقط على الأغلب – وفي الكثير من الأحيان، يتم تكليف شركات أجنبية أيضاً. وحسب آرباغاوس، لا يجني معظم الأشخاص في القرية فائدة تُذكر من هذه المساكن الثانية، بل إنَّ عليهم تحمُّل سلبياتها فقط. وكما تقول: “يأتي العديد من أصحاب هذه المنازل لِبِضعة أيام فقط لقضاء العطلة، وهم يجلِبون معهم كافة المواد الغذائية من الأراضي المُنخفضة”.
تراخيص بناء للمجلس البلدي
ومنذ 11 مارس من العام الحالي، تم تقديم 25 طلباً للحصول على تراخيص بناء مساكن ثانية في هذه البلدية، التي يقطنها 245 شخصاً، والتي تملك بالفعل نسبة تزيد عن 60% من هذه المباني.
وقد تم تقديم هذه الطلبات من قِبَل شركة “ألبين” للعمارة والبناء”، التابعة لنجارة “آرباغاوس”، التي يملكها أوتمار آرباغاوس (وهو لا يمتّ بصلة قرابة لـ كورين آرباغاوس). وجدير بالذكر، أنَّ آرباغاوس هو أحد الأعضاء الخمسة في الهيئة الإدارية لبلدية “كومبل” والمسؤول عن عمليات البناء فيها.
ولم يكن أوتمار آرباغاوس مستعداً للإدلاء بأي تعليق أمام swissinfo.ch، لكنه كتب في رسالة بعث بها بالبريد الإلكتروني: “من نافلة القول أن عضو المجلس البلدي يتنحّى عن منصبه، حالما توجد هناك تعاملات مع القطاع العقاري متعلَّقة بهذا الشخص بأي شكل من الأشكال”.
“الحماقة مُنجزة بالفعل”
من ناحية أخرى، قال بيوس بوندي، الذي يعمل كمزارع ويشغل منصب رئيس بلدية “كومبل” أمام swissinfo.ch، بأنه لا يستطيع أن “يعمل الكثير” مع المبادرة التي تقدَّم بها مواطنوه، مُلَمِّحاً إلى أنَّ “الحماقة مُنجزة بالفعل”، ومؤكداً رَفض طلبات الإستئناف. وحسب كلماته: “سوف تتم الموافقة على طلبات تراخيص البناء من قِبَل البلدية، في حال إنطبقت عليها شروط قانون البناء”.
وأضاف بوندي بأن بلدية “كومبل”، سوف تُدمَج مع 7 بلديات أخرى في وادي “فال لومنيتسيا”، لتكون بالنهاية بلدية واحدة في 1 يناير 2013. ويُبرر بوندي قرار المجلس البلدي بالقول: “لا تسمح لنا اتفاقية الإندماج بالدخول في مشاريع وقرارات جديدة”.
جدير بالذكر أن إتفاق الإندماج يَنُص حَصْراً على عَدم السماح للبلديات بالدخول في إلتزامات مالية جديدة في الفترة الانتقالية، وعلى وجوب توافق قوانين البلديات المُختلفة في مدة لا تتعدّى 5 أعوام.
في 11 مارس 2012، اعتمد الناخبون السويسريون مبادرة “البناء اللامحدود للمساكن الثانية” بأغلبية ضيقة.
وتطالب هذه المُبادرة بأن لا تتجاوز نسبة المساكن الثانية المُخصصة لقضاء العطلة في البلدية الواحدة 20%، وهو ما يؤدي الى تجميد عمليات بناء هذه المساكن في البلديات، التي تجاوزت هذا الحَد. غير أن ذلك لا يعني هَدم المساكن الثانية القائمة بالفعل.
ومنذ إعتماد هذه المُبادرة، إحتدم النزاع حول توقيت دخولها حَيِّز التنفيذ. وفي شهر أغسطس الماضي، قرر المجلس الفدرالي (الحكومة السويسرية)، السماح بِبناء المساكن الثانية في البلديات المَعنية حتى نهاية العام الحالي. غير أنَّ أصحاب المُبادرة الشعبية المُناهضة لإنشاء مساكن ثانية، يطالبون من جانبهم بعدم مَنح أية تراخيص إضافية، وهو ما دفعهم إلى تقديم الاعتراضات والطعون ضد طلبات البناء الجديدة في العديد من البلديات.
ولن يتم الحُكم في هذه الدعاوى القضائية، سوى من قِبل المحكمة الفدرالية، وهو ما قد يستغرق عاماً على أقل تقدير.
وقد إرتفع عدد الطلبات على تراخيص البناء في المناطق السياحية بشدة، في الأسابيع الأخيرة، وهي في مُعظمها طلبات يتقدّم بها أصحابها قبل دخول قرار الحكومة السويسرية الجديد، الذي يحدّ من المساكن الثانية، حيِّز التنفيذ بداية عام 2013. وقد سَنَّت عدة بلديات في كانتون غراوبوندن ما يُسمى بـ “مناطق التخطيط العمراني”، التي تهدف الى تجميد عمليات بناء المساكن الثانية المخصصة لقضاء العطلة.
وفقا للمكتب الفدرالي للتنمية العمرانية (ARE)، هناك نحو 500000 مسكن ثاني في سويسرا. ويتصدر كانتون فالي القائمة مع 62000 مسكن غير مشغول معظم أيام السنة، يتبعه كانتون غراوبوندن، الذي يقع فيه 48’000 من تلك المساكن، ثم كانتون برن بواقع 45000 مسكن، يليه كانتون فو مع 43000 مسكن.
وبالقياس مع إجمالي عدد المساكن الحالية، نجد أن المساكن الثانية تشكل أعلى نسبة في كانتونات غراوبوندن (37%) والفالي (36%) وتيتشينو (24%) وأوبفالدن (22%).
وتظهر على الخارطة السويسرية 573 بلدية (أي نحو خُمس العدد الإجمالي للبلديات)، تتواجد فيها نسبة من المساكن الثانية تزيد عن 20% أو أكثر. وتحتل بلدية سانت – لوك المرتبة الأولى بنسبة 83%، تليها بلدية غيرميتس 82%، التي تقع كِـلتاهما في وادي “فال دانيفيي”Val d’Anniviers في كانتون فالي، تتبعها بلدية “لاكس” في كانتون غراوبوندن بنسبة 81%.
لا تُستَخدم مُعظم المساكن الثانية في المناطق السياحية لأغراض تجارية، وهي غير مَشغولة في العادة من قِبَل أصحابها لأكثر من 30 أو 40 يوما في السنة. ويصل عدد “الأسِـرّة الباردة” إلى نحو 900000 سرير. أما ما يجري تسويقه وتأجيره، فيقرب من حوالي 100000 سرير، مضافاً إليها 160000 سرير فندقي.
ويُعَرِّف المكتب الفدرالي للتنمية العمرانية، المسكن الأول بكونه السكن الذي يَشغُلُه السكان المحليين بشكل دائم. ويقصد بالمسكن الثاني، ذلك السكن الذي يُشغَل من قِبل أصحابه بشكل مؤقت لقضاء أيام العطلة أو تلك المساكن التي تقدِّمها الشركات لموظفيها، للسكن فيها خلال الأسبوع.
(المصدر: المكتب الفدرالي للتنمية العمرانية)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.