الملكيات العربية “تفاعلت” مع احتجاجات شعوبها ولكن على “طريقتها”
على مدى الشهور الماضية، استجابت الملكيات العربية غير النفطية للربيع العربي ونأت بنفسها عن تحوّل نسائمه إلى عواصف كالتي أطاحت بالنظاميْـن التونسي والمصري ولا زالت تُـزعْـزع الأنظمة القائمة في كل من ليبيا وسوريا واليمن.
سِـمات مُـشتركة للملكيات في المغرب والبحرين والأردن قد تكون المحفّـز لهذه الإستجابة، وإن كانت بنِـسب مُـتفاوتة، التي لقِـيت تفاعُـلا داخليا وارتياحا دوليا، قد يكون مشجِّـعا لها للذهاب بعيدا نحو اعتماد أوسع للملكية البرلمانية أو للملكية الدستورية.
ومن أبرز السِّـمات المشتركة لهذه الملكيات، تزامُـن تولِّـي ملوكها الثلاثة للحُـكم. فملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة تولّـى الحكم في مارس 1999 وفي الفترة نفسها، تولى الملك عبد الله الثاني الحكم في الأردن وفي يوليو من نفس العام، أصبح محمد السادس ملِـكا للمغرب.
في الوقت نفسه، عرفت الملكيات الثلاثة نُـخبا سياسية متعلِّـمة ومثقّـفة، عارضت ووُوجهت بالعنف والسِّـجن والنَّـفي، وقبلت فيما بعدُ بالحوار على الحدّ الأدنى لحياة سياسية تتطوّر، ولعل الصبغة “اللانفطية” للملكيات الثلاث، أسهمت في نشوء مجتمعات منتجة لا تقوم على ما يشبه الإقتصاديات الريعية كما هو الحال في الملكيات العربية النفطية (السعودية والكويت والإمارات وعُمان).
من جهة أخرى، تتقارب أعمار الملوك الثلاثة (نهاية العقد الرابع)، أي أنهم ينتمون إلى نفس جيل أغلبية الشعوب التي يحكمونها كما أنهم تولَّـوا الحُـكم بعد أن كان أسلافهم قد هيّـأوا أجواء انفراج وطني وتوسيع هامش الحريات وإشراك جُـزء من قوى المعارضة في الحياة السياسية، ليُـصبح الصراع السياسي تحت سقْـف النظام ومظلَّـته، وليس معه أو خارجه.
عوامل أساسية للملوك الثلاثة
في هذا السياق، يُشير الدكتور علي كريمي، رئيس المركز المغربي للدراسات والأبحاث في حقوق الإنسان، إلى أن التطور السياسي الذي عرفه الأردن والبحرين والمغرب منذ نهاية القرن الماضي بالدفع نحو الديمقراطية، وإن كانت قوة الدفع تتبايَـن من ملكية إلى أخرى، والذهاب نحو وضع أسُـس مَـلَـكية دستورية أو برلمانية، بغضِّ النظر عن متانة هذه الأسُـس، سهَّـل على ملوكها إلتقاط الشعارات التي رُفِـعت في الشارع.
ويقول كريمي: “إن هذه العوامل لعِـبت دورا أساسيا في مُـحاكاة الملوك الثلاثة للتظاهرات، حيث أن طبيعة النظام السياسي والنُّـخبة في الملكيات الثلاث، جعلت التظاهرات التي خرجت في الشوارع تُـطالب بالإصلاح، تحت سقف النظام لا خارجه، إذ تنادي بالإصلاح وليس بالتغيير، وتطالب بالقضاء على الإستبداد، لا القضاء على النظام وتردِّد بمحاربة الفساد لا بشعارات (ارحل)”.
ويعتقد الباحث الجامعي المغربي أن سوء تدبير نظام الرئيس بن علي في تونس وحسني مبارك في مصر للإحتجاجات ومطالب الشباب في الأيام الأولى لثورتهم، كانت السبب الرئيسي لتصعيد حِـدّة التظاهرات ورفع سقف مطالبها للوصول إلى اسقاط النظام ورحيل رموزه، وهي نفس الأخطاء التي ارتكبها كل من الرئيس اليمني علي عبد الله صالح والليبي معمر القذافي والسوري بشار الاسد، إذ بدلا من الإستجابة لمطالب الشباب والدفع نحو نفحة ديمقراطية للنظام السياسي وتقليص جشاعة الفساد والمفسدين، واجهوا المتظاهرين بالعنف فارتفع السقف ليصل إلى إسقاط النظام.
ويشير كريمي أيضا إلى أن “تدبير الرباط وعمّـان والمنامة للتظاهرات كان حكيما، رغم الضغوط التي مُـورسَـت من طرف قِـوى محافظة لاستخدام العنف المفرط (تحاشي ما وقع في تونس ومصر)، لكن الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البحرين، تدارك مخاطِـر العنف الذي استخدمه ضد متظاهري ساحة اللؤلؤة، التي هدمها وأزالها بالإستعانة بقوات خليجية وسعودية أساسا، ودعا لحوار وطني لا زال متعثِّـرا. وقام الملك عبد الله الثاني بتأسيس لجنة حوار مماثلة، تسعى لاستيعاب احتجاجات الشباب ومطالبهم. وذهب الملك محمد السادس بعيدا بتشكيل لجنة إعداد دستور جديد للبلاد ودعا كل الفاعلين للمساهمة في مناقشة اللجنة وإبداء آرائهم”.
رفض ملكي للمرجعية الديمقراطية
الاستاذ الجامعي المغربي الدكتور علي كريمي يعتبر أيضا أن التعاطي مع تداعيات الربيع العربي في كل من المغرب والأردن والبحرين يُشكل تطوّرا في مجال المَـلكية في الوطن العربي كما أعطى دُفعة لإعادة النظر في عدد من المفاهيم التي سادت خلال العقود الماضية وشجّـع على بروز المقارنة من جديد بين الأنظمة الملكية والأنظمة الجمهورية، لكن في هذه المرحلة تبرُز المقارنة لصالح الأنظمة المَـلَـكية.
وفي تصريحات لـ swissinfo.ch، يوضِّـح رئيس المركز المغربي للدراسات والأبحاث في مجال حقوق الإنسان والإعلام أن عقدَيْ الخمسينات والستينات وبعد الثورة التي قادها جمال عبد الناصر في مصر عام 1952 والمد الثوري القومي، عرف اجتثاثا لعدد من العروش، حيث سقطت الملكية في تونس عام 1957 وفي العراق عام 1958 وفي اليمن عام 1961 وفي ليبيا عام 1969 واهتزت العروش في السعودية والأردن والمغرب، وكانت المفاهيم السائدة أن الجمهورية تقدم وتطور والملكية رجعية ومحافظة.
في زمن الربيع العربي، ظهرت تغييرات كثيرة في المشهد السياسي العربي ولم تعد هذه المفاهيم مقبولة، خاصة وأن الجمهوريات التي عصفت بها رياح الربيع القادم مع الثورة التونسية نهاية العام الماضي، كانت أنظمة شبه مَـلكية لسعْـي حكّـامها بتوريث أبنائهم وإنتاج ما سُـمي بـ “الجمهولكية” أو “الجُملكية”، دون أن تضمن لمواطنيها حياة كريمة ولا استقرارا سياسيا للمجتمع مماثل لما ضمنته الأنظمة الملكية، ولتنتصر بالتالي المرجعية الكونية للدول، وهي الديمقراطية، أي أن شرعية أي نظام سياسي، تتأتّـى من مدى ديمقراطيته ومساهمة المواطن في صناعة القرار داخله.
ولاحظ الدكتور كريمي أن الملكيات المحافظة تُـحاول بكل السُّـبل إسقاط مرجعية الديمقراطية للنظام السياسي واستبدالها بشكل النظام السياسي (ملكي وجمهوري) وتحرص على إبراز محاسن النظام الملكي كما تقوم وسائل إعلامها بالتشجيع على الدعوة لعودة الملكيات الساقطة في العراق ومصر بزعم أن “الملكية هي الضمان للرفاهية والإستقرار”، متجاهلة تجاهلا كاملا مسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات الفردية، وهو ما لا يتناسب مع ما عرفته الأردن والمغرب والبحرين من تطوّرات سلبية خلال السنوات الماضية.
ملكيات فقيرة.. وأخرى ثرية
الدكتور علي كريمي يلفت الأنظار أيضا إلى أن الملكيات العربية الفقيرة أو غير النفطية (الأردن والمغرب والبحرين)، تواجه ضغوطات متعدِّدة الإتِّـجاهات. فهناك ضغوطات الشارع والنُّـخبة السياسية، التي تعتبر أن ما تحقق خلال الشهور الماضية مكسبٌ لا مجال للتنازل عنه، بالإضافة إلى ضغوطات الأطراف الخارجية، وأساسا الإتحاد الأوروبي، الذي يشجِّـع ماديا وسياسيا باتِّـجاه ترسيخ ما تحقَّـق ومزيد تطويره.
وفي المقابل، هناك الملكيات العربية النفطية المحافظة التي لا تزال تغلق وبإحكام، كل نسائم الربيع الزاحف وتحاول تعويض الحريات والإنفتاح والديمقراطية بـ “هبات وعطايا مالية” ترسِّـخ المجتمع القائم على الإنتاج الريعي، وهو ما يدفع كلا من الأردن والمغرب والبحرين لعدم الذهاب بعيدا في تجاوبها مع شعوبها واحتجاجات شبابها. إضافة إلى ذلك، تحاول الملكيات الغنية إغراء الأردن والمغرب عبر إلحاقهما بمجلسها (مجلس التعاون لدول الخليج العربية)، ومع البحرين بإشعارها بحمايتها، عسكريا وأمنيا، خاصة وأن المعارضة بالبحرين تقع تحت هيْـمنة التيارات والأحزاب الشيعية، وبالتالي ربطها بإيران التي وضعتها دول الخليج بمكانة العدوّ الأول لها.
وفيما تحاول الملكيات الخليجية المحافظة (المملكة العربية السعودية أساسا) الإستناد إلى توتر العلاقات مع إيران للحدّ من أي احتجاجات تطالب بالديمقراطية وحقوق الإنسان، إلا أنها تجد أمامها النظام السياسي الإسلامي في تركيا كقطب إقليمي يُـنافس على قيادة العالم الإسلامي بقوة الديمقراطية (التي بدّدت ربط التيارات الأصولية بالظلامية والتخلف والإستبداد) وبقوة التنمية والتقدم الاقتصادي، الذي حققته تركيا في العشرية الماضية بقيادة حزب العدالة والتنمية.
وهكذا، تجد الملكيات العربية الثلاث في الأردن والمغرب والبحرين نفسها، أمام اختيارات متعدِّدة، إغراءات للحد من الإصلاح والتطور الديمقراطي، مقابل تسهيلات ومِـنَـح وقروض مالية واقتصادية أو عقلنة مطالب الشارع بتلبية ما يدفع باتجاه ملكية دستورية (أو برلمانية) تقلِّـص من سلطة الملِـك لصالح مؤسسات دستورية مُـنتخبة. ومع أن هذه الإستجابة المحدودة لن ترضي كل المحتجِّـين والمعارضين، لكنها تضمن بقاء النقاش ديمقراطيا وتحت مظلّـة النظام، وليس خارجه، تحت شعار التطوير والإصلاح بدل شِـعار “ارحـل”.
دبي (رويترز) – وافق عاهل البحرين الملك حمد بن عيسى على إصلاحات برلمانية يوم الخميس 28 يوليو 2011 بعد قمع احتجاجات مؤيدة للديمقراطية ومنحَ مزيدا من الصلاحيات لمجلس النواب المنتخب لكنه ابقى على هيمنة مجلس الشورى الذي تعينه النخبة الملكية.
وكان الملك حمد بن عيسى يتحدث لهيئة عينتها الحكومة تسمى الحوار الوطني – شكلت لمعالجة الشكاوى العامة بعد انهاء العمل بالاحكام العرفية في مايو الماضي – بعدما قدمت الهيئة مقترحاتها النهائية بشأن الاصلاحات.
وجاءت المقترحات اقل كثيرا مما طالبت به جماعات المعارضة والمحتجون في فبراير ومارس حين قمعت الإحتجاجات.
وانسحبت جمعية الوفاق وهي اكبر جماعة معارضة شيعية من الحوار الاسبوع الماضي ووصفته بأنه “مسرحية”.
وقال العاهل البحريني في كلمة بثها التلفزيون “وفي سبيل أن تأخذ مرئيات التوافق الوطني طريقها نحو التفعيل عن طريق المؤسسات الدستورية فقد أمرنا السلطتين التنفيذية والتشريعية باتخاذ ما يلزم”. وأمر ايضا بزيادة في “رواتب موظفي الدولة من مدنيين وعسكريين والمتقاعدين” وهو اجراء يعيد للاذهان اجراء اتخذته السعودية في وقت سابق هذا العام بصرف توزيعات نقدية كبيرة لقطاعات اساسية من المجتمع في محاولة لمنع تمرد شعبي مثل الانتفاضات التي هزت دولا عربية أخرى هذا العام.
واستدعى الحكام السنة للبحرين قوات من السعودية ودول خليجية اخرى في شهر مارس الماضي للمساعدة في قمع الاحتجاجات التي قادتها الاغلبية الشيعية التي تشكو من التمييز. وقالت الحكومة إن الاضطرابات طائفية ومدعومة من ايران الشيعية وهو ما نفاه شيعة البحرين.
وتضمن ملخص لمقترحات الحوار الوطني نشر يوم الخميس 28 يوليو دورا رقابيا اكبر لمجلس النواب المنتخب ولكن لم يتحقق تقدم بشأن النزاع الاساسي بخصوص توازن القوى بين مجلسي البرلمان.
وقال ملخص باللغة الانجليزية ارسلته هيئة الحوار الوطني الى رويترز “لم يتفقوا بشأن ما اذا كان مجلس الشورى يجب ان يمنح نفس السلطات مثل مجلس النواب وما اذا كانت مسؤولية التشريع والرقابة يجب ان تقصر على المجلس المنتخب”. واضاف “لم يتوصل المندوبون الى اجماع بشأن عدد من الاقتراحات الاخرى مثل تقييد فترة عمل الوزراء ورئيس الحكومة او حصة محددة للنساء في البرلمان”.
ويضم مجلس الشورى المعين نفس عدد المقاعد مثل المجلس المنتخب ويهيمن على العملية التشريعية.
وقال المتحدث باسم جمعية الوفاق خليل المرزوق ان المقترحات النهائية تثبت صحة قرار الجمعية بالمقاطعة. ولم تشارك الجمعية في الحفل الذي حضره الملك. واضاف المتحدث “هذا هو سبب انسحابنا. مفروض مجلس الشورى موجود فقط من أجل الإستشارة”، وانتقد الضجة في وسائل الاعلام الحكومية بشأن الإصلاحات وقال إنها “لم تتطرق لشريحة كبيرة من البحرينيين”.
وحاولت البحرين التصدي للانتقاد الدولي بما في ذلك الانتقاد الامريكي للاجراءات الامنية الصارمة التي اعقبت فض الاحتجاجات وشملت عمليات احتجاز ومحاكمات عسكرية وحالات فصل من العمل وبعض الوفيات اثناء الاحتجاز.
وقال الملخص “أقر المشاركون بأهمية حل الامور المتعلقة بالاستغناءات اثناء الاضطرابات الاخيرة”، واضاف انهم “اوصوا بالنظر في افضل الإجراءات الدولية للتوصل لحلول للتغلب على الإنقسامات الطائفية ودعم عملية التعافي بعد الأزمة الأخيرة”.
وتعتبر البحرين وبها مقر الاسطول الخامس الامريكي نقطة احتكاك في التوترات بين ايران والسعودية. واصدرت المجموعة الدولية لمعالجة الازمات تقريرا قاتما يوم الخميس 28 يوليو قال “إن تجدد الاضطراب الاهلي محتمل في اي وقت في البحرين إذ يستعد المتشددون بين السنة والشيعة والنخبة الحاكمة لاي صراع جديد”.
وأضاف التقرير أنه “يوجد سبب للخوف من ان تتجه البحرين الى جمود سياسي طويل يعززه وجود امني كثيف بدعم من القوات الاجنبية وتتخلله احتجاجات حين تسمح الظروف.”
ويقول بعض زعماء السنة انهم يعتبرون عائلة آل خليفة الحاكمة حصنا ضد سيطرة الشيعة ويخشون رفع السيطرة الملكية على البرلمان.
ويقول الملخص إن رئيس الوزراء الذي يعينه الملك حمد بن عيسى سيكون عليه الحصول على موافقة البرلمان على اعضاء حكومته.
ويعتبر رئيس الوزراء الشيخ خليفة بن سلمان الذي يشغل المنصب من 40 عاما من بين من يتخذون موقفا متشددا في العائلة الحاكمة ويعارضون تقديم تنازلات للمعارضة.
(المصدر: نقلا عن وكالة رويترز بتاريخ 28 يوليو 2011)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.