مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

المواطن المصري في واد.. ورجال السياسة في واد آخر

مواطنون مصريون يرددون شعارات خلال مظاهرة نظمت أمام مكتب النائب العام في القاهرة يوم 26 مارس 2013 احتجاجا على طلب إحضار خمسة معارضين وجّهت لهم تهم التحريض على ممارسة العنف ضد الأخوان المسلمين في مواجهات 22 مارس التي أسفرت عن جرح أكثر من 100 شخص. Keystone

لا زال المشهد السياسي في مصر مرتبكا للغاية. فبينما يعاني الإقتصاد من آلام حادّة لم تُفلِح معها المسكِّنات، ويشكو المواطن البسيط محدود الدخل، من غياب أو تدنّي الخدمات الأساسية وارتفاع أسعار السلع الغذائية واشتعال أزمات الوقود في ظلّ حالة من الفوضى والانفِلات الأمني، ينشغل أهل السياسة بتبادُل الإتِّهامات.

ففيما يتهم الرئيس محمد مرسي وجماعته (الإخوان المسلمين) وحزبه (الحرية والعدالة) وغالبية الأحزاب السياسية، ذات المرجعية الإسلامية المؤيدة له، معظم القِوى والأحزاب السياسية الأخرى (الليبرالية/ اليسارية/ الاشتراكية/ العلمانية) بالضلوع أو الوقوف خلْف الفوضى السياسية وإرباك المشهد بالتّحريض على العنف والتدمير والتخريب وإضفاء غطاء سياسي على أعمال العنف التي يمارسها جيش من البلطجية (يُزعم أنهم من بقايا النظام السابق)، تتهم القوى والأحزاب السياسية المُنضوية تحت مسمّى “جبهة الإنقاذ الوطني”، الطرف الآخر بالطّمع السياسي والأخونة المُمنهجة، للسيطرة على مفاصل الدولة والتخطيط للتحكّم في مقاليد السلطة في مصر للسنوات المقبلة، دون السماح للمعارضة بالمشاركة في بناء مستقبل مصر، بعد ثورة شارك فيها الجميع.

في الأثناء، يبدو أن مشاغل المواطن العادي في الشارع المصري، وأولوياته تختلف جذريا عن اهتمامات رجال السياسة ووسائل الإعلام في ظل مشهد سياسي غائم لم تتضح آفاقه بعدُ، مثلما يتضح في التحقيق الميداني الذي أجراه مراسل swissinfo.ch في بعض شوارع القاهرة.

توفير السِّلع الأساسية هو الأهم!

أنهار سعيد (ليسانس آداب – 36 سنة – ربة منزل): “أنا كربّة منزل وأم لأولاد في مراحل التعليم، لا يعنيني كل هذا الجدل السياسي والصراع الدائر بين الإسلاميين والعلمانيين، بين الرئيس ومعارضيه، كل ما يهمّني هو توفير السلع الأساسية، مثل: رغيف الخبز والسكر والزيت والسمنة والدقيق والأرز والمكرونة والخضروات والفواكه، مع ضرورة ضبْط الأسعار، التي زادت بشكلٍ لا يُطاق، لدرجة أن الكثير من الأسَـر في مصر اليوم، أصبحت لا تقوى على شراء اللحوم والطيور، هذا بمُنتهى الأمانة ما يهمّني وما يهم كل أو غالبية الأسَر، وخاصة محدودي الدخل في مصر!

حرام عليكو.. سيبو الرئيس يشتغل!

أما سهير السيد (52 سنة – موظفة بالشؤون الإدارية بالتربية والتعليم)، فرغم اتفاقها على المطالِب الأساسية لربّات البيوت واعترافها بأن هذه هي المعاناة الحقيقية لكل الأسَر المعدومة والفقيرة ومحدودة الدخل، إلا أنها تقول: “السبب في كل هذا الغلاء، أن المعارضة لا تترك الرئيس يعمل، بل إنها تعوقه وتشغله عن العمل على الارتِقاء بحالة الشعب ورفع الهموم عنهم، وعليه، فإنني أقول لجبهة الإنقاذ: حرام عليكوا، كفاية، هتوَلَّعوا البلد، سيبيوا الرئيس يشتغل الـ 4 سنين بتاعته (مدة الحكم)، وبَعدِين ابقوا حاسبوه”.

توفير العلاج والدواء

طه محمود (28 سنة – طبيب بشري): “الذي يشغل بالي كمواطن مصري أعمل في قطاع الصحة، هو توفير العلاج والدواء في المستشفيات الحكومية بالمجّان للمواطن البسيط، الذي لا يملك من المال ما يدفعه للمستشفيات الخاصة والإستثمارية”، معتبرا أن “هذا الدور هو أبسط حقوق الشعب على الحاكم، وللأسف الشديد، فإن غالبية المستشفيات الحكومية تُعاني مَرارة أكثر من 30 عاما من الإهمال الشديد”.

الناس لا تهتم بالإخوان أو المعارضة

وبمُنتهى الصراحة والوضوح، يقول فريد حنا (35 سنة – صاحب محل ملابس): “مُعظم الناس في الشارع مالهاش في السياسة، ومش مهتمّة لا بالإخوان ولا بالمعارضة، كل همّهم لُقمة العيش، وللأسف من ساعة ما الثورة قامت، والحال واقف في البلد، واحنا ورانا بيوت وعيال ومصاريف وإيجارات، كفاية عطل حال، عايزين البلد تهدى شوية، علشان نعرف نبيع ونشتري ونتاجر، خلونا بنقفل بدْري من الخوف، والناس معهاش فلوس وظروفها صعبة، أنا مش فاهم دا في مصلحة مين؟”.

الأسعار بقت نار والدنيا غلا!

وبنبرة لا تقل حدّة عن سابقه، قال محروس الحدق (42 سنة – جزار): “حال البلد لا يسرّ عدوّ ولا حبيب، الناس  حالها تَعبان وظروفها صعبة والأسعار بقت نار والدنيا غلا على الكل، كل حاجة ثمنها غالي، والأسعار تضاعفت، والزبون اللّي كان يأخذ 5 أو 6 كيلو لحمة، يادوب بياخذ كيلو أو كيلو ونصف، واحنا غصب عنّا، أسعار البهايم والعجول ولّعت، واللّي زاد وفاض تكلفة نقل المواشي زادت النص، علشان أزمة السولار والبنزين، ربنا يسترها علينا جميعا”.

اختفاء الأمن وانتشار البلطجية

أما أحمد جابر (30 سنة – موثّق في الشهر العقاري)، فيرى أن أكثر ما يشغل الشارع في مصر، هو توفير الأمن والأمان. فالمواطن المصري معروف بقُدرته على الصّبر والتحمّل والتكيّف مع الظروف، غير أن ما يشغل بال كل الأسَر اليوم، اختفاء الأمن وانتِشار البلطجية واللّصوص، للدرجة التي يلجأ فيها غالبية الناس إلى حمْل السلاح لحماية أنفسهم من خطر “التثبيت” والتهديد والسّطو والبلطجة، مشيرا إلى أن وزارة الداخلية لم تعُد حتى اليوم إلى حالتها المعهودة، كما أنها لا تعمل بكامل طاقتها.

الذهب ولَّـع والأفراح اتأجلت!!

أما محمود رمزي (47 سنة – تاجر ذهب) فيتعجّب من أنه “رغم هذه الظروف الصعبة في مصر، فإن أسعار الذهب ولّعت، الغرام عِيار 21 وصل لـ 307 جنيه، دا غير المصنعية والضريبة والدمغة، يعني الغرام يدخلوا في 350 جنيه!! طيب، الناس هتجيب منين؟ وعلشان كِده الأفراح معادِتش زي زمان، معظم الناس أجّلت الأفراح لحدّ ما الجو يهدأ، والأسعار تنزل، ولا يقدُم على الزواج اليوم سوى الأغنياء، أو اللّي راجعين من الشغل في الخليج، وعلشان كِده تلاحظ انتشار محلاّت الذهب الصيني والتقليد، الناس حتعمل إيه؟”.

انتشار مقالب الزبالة في الشوارع

وبطريقة مغايِرة، يقول حسني عبد المجيد (58 سنة – موجّه لغة إنجليزية): “أكثر ما نأسف له في مصر اليوم، انتشار مقالب الزبالة في الشوارع والنواصي والميادين بصورة مؤسفة، مما يجلب الأمراض والأوبِئة، وقد كنت أعتقد أننا سنهتَم بنظافة بلدنا بعد الثورة، لكن للأسف الوضع ازداد سوءا، رغم الجهود التي تبذُلها الحكومة مُمثلة في هيئة النظافة والتجميل والأحياء ومجالس المدن، لكن المشكلة في سلوكيات الناس، فضلا عن عمليات الفرز والتنقيب في أكوام الزِّبالة التي تتم يوميا وبشكل مستمِر، من طائفة من الناس التي اتّخذت هذا الأمر مِهنة ووسيلة للتكسب، في ظل غياب الرقابة والمحاسبة من جهاز الشرطة!”.

أريد وظيفة حلال أوكل منها عيالي!

أما خلف عبد الحفيظ (51 سنة – دبلوم ثانوي زراعي- عاطل)، يقول: أنا متزوج وأعول أسْرة من 8 أفراد، ستة أولاد وأنا وزوجتي، وأولادي ما زالوا في المدارس، وحتى اليوم، لا أعمل في أية وظيفة حكومية، وأعمل باليومية، تحمَّلنا الكثير أيام مبارك، واتعشمنا خير لمّا قامت الثورة، ولكن للأسف لم تفعل لنا الثورة أي شيء، ولا أريد من الرئيس أو الحكومة سوى وظيفة حلال أوكل منها عيالي، لكن حتى الوظيفة بخلت بها علينا حكومة هشام بيه قنديل، منهم لله جميعا، حسبنا الله ونعم الوكيل”.

المعارضة ترفض كل شيء

وفي سياق متّصل، يقول صلاح الدين محمد (63 سنة – مدير إدارة بالمعاش): “كلنا أعطينا أصواتنا للرئيس مرسي، لأننا توسمنا فيه خيرا، ونحن نقدر حجم الأعباء المُلقاة على عاتقه، ويكفي أنه تسلم البلد وهي مُنهارة وخرابة، ولهذا، لابد أنه يأخذ فرصته كاملة، وبعد انتهاء مدّته، نُحاسبه. وبصراحة، أنا لا يعجبني أسلوب المعارضة، فهم يرفضون كل شيء ولا يعجبهم أي شيء؛ لا الرئيس ولا الدستور ولا الحكومة ولا النائب العام ولا مجلس الشعب ولا مجلس الشورى و….إلخ، ويرفضون الجلوس للحوار مع الرئيس أو الأحزاب الإسلامية، ويرفضون المشاركة في الانتخابات، رغم أن الشعب مش عايِزْهم، ولهذا، فإنهم يخافون من الاحتكام للصندوق”. 

“الإخوان” سبب شقاء مصر

وعلى الجانب الآخر، يرى عماد طاهر (21 سنة – طالب جامعي)، أن “الإخوان هُم سبب الشقاء الذي تُعاني منه مصر منذ نجاح الثورة في الإطاحة بالرئيس المخلوع حسني مبارك. فطوال أيام الثورة الـ 18، وقفنا جميعا معا في ميدان التحرير وجميع ميادين مصر، وكان هدفنا واحد، وهو إسقاط الرئيس، وبعدما تحقّق ما أردنا، فوجئنا بالإخوان يركَبون الثورة ويحصدون بمُفردهم ثِمارها، وشيئا فشيئا سيْطروا على مفاصِل الدولة. فالرئيس والوزارات المهمّة وبعض المحافظين ومناصب أخرى مهمّة عديدة، جميعهم من الإخوان، واستبعدوا كل العناصر الوطنية الأخرى، فلم يُشرِكوا أحدا معهم في حُكم مصر، فكان طبيعيا أن تقف كل القوى والأحزاب والحركات ضدّهم، وهو ما أدّى عمليا لنزول شعبيتهم، وخير دليل على هذا، انتخابات اتحاد الطلاب في الكليات والجامعات التي انتهت مؤخرا”.

الإخوان ظلموا قبل الثورة وبعدها!

أما محمد السيسي (28 سنة – صاحب محل سمك – من شباب الإخوان)، فيرى أن “الإخوان تحمّلوا المِحن والابتلاءات والسجون قبل الثورة، وضحّوا بخَيرة أبنائهم في الثورة، وللأسف الشديد، ما زالوا يتعرّضون للظلم الشديد، حتى بعد ثورة 25 يناير!!، رغم أنهم يحملون الخيْر لهذا البلد ويريدون لمصر أن تصبح في مقدِّمة دول العالم، لكن المشكلة أن المعارضة في مصر مُفلسة، وجبهة الخراب (الإنقاذ)، لا تريد للبلد أن يستقِر أو يتقدّم خطوة واحدة إلى الأمام، فهُم يعملون بأقصى جُهد لإفشال الرئيس محمد مرسي، لا لشيء، سوى أنه من الإخوان المسلمين. وفي نظري، أن الأمور لن تستقِر في مصر، إلا بتطهير البلد من فلول الحزب الوطني المُنحلّ وبقايا جهاز أمن الدولة، بالإضافة إلى إعلام الفِتنة”.

الأكثر قراءة
السويسريون في الخارج

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية