الناخب السويسري يُحكّم قـلبه أكثر من عقلـه لمعاقبة استغلال الأطفال
أحدث تصويت الناخبين السويسرين يوم 30 نوفمبر 2008 على خمسـة مواضيع اجتماعية هامة مفاجأة كبرى بعد موافقة أغلبية ساحقة على مبادرة تطالب بعدم إسقاط جرائم الاستغلال الجنسي للأطفال بالتقادم. ويبدو أن الطابع العاطفي وحده هو الذي يفسر نجاح هذه المبادرة التي لم تكن قد حظيت بدعم سياسي هام. في المقابل، كانت نتائج التصويت على باقي المواضيع منطقية.
لم تكن عملية استطلاع آراء الناخبين التي نُظمت قبل أسبوعين من تصويت يوم الأحد 30 نوفمبر قد اشتملت على سؤال يتعلق بمبادرة جمعية “المسيرة البيضاء”، بحيث لم تكن تتوقع غالبية الرأي العام نجاحها لأن نص المبادرة لم يحظى إلا بدعم حزب كبير واحد، ألا وهو حزب الشعب السويسري (اليميني المتشدد).
وخلال حملة كتومة، قدّم المعارضون جملة من الحجج المنطقية والقوية، إذ شددوا مثلا على أن جرائم الاستغلال الجنسي أو الإباحي للأطفال، رغم بشاعتها، لا يجب أن تسقط بالتقادم، وأن عدم التقادم ينبغي أن يظل محفوظا لجرائم الحرب أو الإبادة الجماعية. كما نوهوا إلى أن المبادرة تطالب بإلغاء تقادم اعتداءات جنسية بينما لا ينطبق نفس الشيء على جرائم القتل.
وتيرة القضـايـا
غير أن الناخبين السويسريين لم يقتنعوا بتلك الحجج المنطقية بالتأكيد، والقانونية “كثيرا” رُبما. فيبدو أن العامل الذي سيطر على قلب الناخب قبل عقله هو الرعب الذي توحي به جرائم الاستغلال الجنسي للأطفال. فبالنسبة لغالبية المواطنين، يظل الاعتداء الجنسي على طفل جريمة بشعة لا ينبغي أن تسقط في عالم النسيان.
وتُعزز هذا الطابع العاطفي وتيرةُ قضايا وحالات الاستغلال الجنسي والإباحي للأطفال التي تتصدر عناوين وسائل الإعلام في سويسرا والخارج على حد سواء، وذلك منذ قضية دوترو في بلجيكا. وفي مجال الاستغلال الجنسي للأطفال، لم يتردد قلب المواطنين إذن بين العاطفة والمنطق.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن نجاح المبادرات الشعبية شيء نادر في سويسرا، لكن من الواضح أن المبادرات الثلاث الأخيرة التي وافق عليها الناخبون في تصويت شعبي (وهي إلغاء تقادم جرائم الاستغلال الجنسي للأطفال، وحظر المواد المعدلة وراثيا، والاعتقال المؤبد لمرتكبي جرائم الاعتداءات الجنسية أو العنيفة الذين يُعتبرون عناصر خطرة) لها قاسم مُشترك: فهي تتطرق إلى مواضيع يتغلب فيها شعور المواطنين بالخوف على الحجج الأكثر منطقية.
المزيد
المبادرة الشعبية
قانون المخدرات ليس بـثورة!
أما قبول الناخبين للقانون الفدرالي الجديد للمخدرات فلم يكن مُفاجئا، فالسويسريون صادقوا في نهاية المطاف على أن تُدرج في القانون سياسةُ مخدرات أثبتت جدارتها منذ سنوات عديدة ولا تشكل ثورة في أي حال من الأحوال.
وتقوم هذه السياسة المسماة بـ “سياسة الأعمدة الأربعة” أو “الأركان الأربعة” على: الوقاية لتجنب استهلاك المخدرات، والردع والمراقبة لمكافحة الاتجار بالمخدرات، وتقليص الأخطار ومساعدة المدمنين الأكثر اعتمادا على المخدرات للبقاء على قيد الحياة، وأخيرا، علاج المدمنين وإعادة تأهيلهم.
ويبدو أن هذه السياسة ساهمت في تحسين الوضع بشكل موضوعي، إذ أن عدد الوفيات الناجمة عن تعاطي المخدرات قد تراجع، كما اختفت تماما من المشهد السويسري تلك “الساحات المفتوحة لتعاطي المخدرات” التي كانت شائعة في أواخر عقد الثمانينات في قلب المدن، وخاصة في زيورخ. آنذاك، كانت سويسرا تواجه وضعا مأساويا ومؤسفا في مجال المخدرات، وتناقلت وسائل الإعلام حول العالم صور تـجمُّع المدمنين في الأماكن العامة.
أما معارضو هذا القانون الجديد، والذين لم يكونوا سوى قلة قليلة، فلم ينجحوا في إقناع الناخبين بمبرراتهم، ولعل أبرزها القول ان القانون المُقترح لا يُبرز بدرجة كافية مبدأ الامتناع عن تعاطي المخدرات. لكن هذه الحجة لم تصمد أمام التحسينات الملموسة التي جلبتها سياسة “الأعمدة الأربعة” منذ اعتمادها في البلاد قبل أكثر من 15 عاما.
وتدل نتائج التصويت على أن واضعي القانون الجديد للمخدرات أصابوا الهدف عندما لم يدمجوا في القانون إلغاء تجريم استهلاك القنب. وبالفعل، أظهر الناخبون بشكل واضح في تصويت 30 نوفمبر أنهم لا يتفقون مع فكرة إلغاء تجريم المخدرات “الخفيفة”.
وكان إلغاء تجريم استهلاك القنب قد بـدا مُمكنا في عقد التسعينات، لكن سرعان ما شهد الوضع تشددا في بداية الألفية الجديدة، بما في ذلك تعطيل المشروع الأول للقانون الجديد للمخدرات في البرلمان. ويؤكد تصويت الناخبين يوم الأحد بأن هذا التوجه المتشدد لن يتغير في المستقبل القريب.
التقاعد المرن.. ضحية للأزمة المالية
وفيما يخص المبادرة اليسارية الداعية إلى توفير مساعدة تسمح لأصحاب الدخول المنخفضة بالتقاعد المبكر، فقد فشلت بصورة منطقية نتيجة لعدة عوامل. أولا، بدت المناطق السويسرية المتحدثة بالألمانية مترددة في زيادة العبء على التأمينات الإجتماعية، وهو ليس بالأمر الجديد بحيث أن هذه الهوة بين المناطق الروماندية (المتحدثة بالفرنسية) والمناطق المتحدثة بالألمانية غالبا ما تظهر عندما يتعلق الأمر بمثل هذه المواضيع.
وفضلا عن ذلك، يسمع السويسريين منذ سنوات عديدة بأن الشيخوخة السكانية تهدد نظام المعاشات التقاعدية، وهم يستنتجون بعدُ أن بعض البلدان الأوروبية قد رفعت بالفعل سن التقاعد لمواجهة هذه الظاهرة. وفي مثل هذا السياق، كان من الصعب على اليسار شرح الحاجة إلى تعزيز المغادرة المبكرة للعمل.
وأخيرا، يمكن القول بأن هذه المبادرة طُرحت في أسوأ لحظة، بحيث تم عرضها في إطار أزمة اقتصادية تهدد العالم بأسره. ونادرا ما يقترن الكساد الاقتصادي بزيادة الخدمات الاجتماعية. وفي ظل تآكل قوتهم الشرائية، لم تحبذ غالبية المواطنين السويسريين بالتأكيد فكرة ارتفاع المساهمات الإجتماعية، وإن كان ذلك ببضع فرنكات فقط.
ويذكر أن اليسار كان قد مُني بالهزيمة في مناسبات عديدة أمام البرلمان بشأن مسألة التقاعد المرن، وقرر اللجوء إلى الشعب كملاذ أخير. وبعد نتائج يوم الأحد (رفض الناخبين بنسبة 58%، ورفض 19 كانتون من أصل 26)، لم يعد هنالك أدنى شك بأن ملف مرونة سن التقاعد بات تحت حصار قد لا يُرفع في وقت قريب.
سويس انفو – أوليـفيي بوشار
عدم إسقاط جرائم الاستغلال الجنسي أو الإباحي للأطفال بالتقادم:
النسب: نعم: 51،9% – لا: 48،1%.
إلغاء تجريم استهلاك الحشيش:
النسب: نعم: 26،8% – لا: 63،2%
القانون الفدرالي حول المخدرات:
النسب: نعم: 68% – لا: 32%
التقاعد المرن:
النسب: نعم:41،4% – لا: 58،6%
الحدّ من حق الاعتراض للمنظمات المدافعة عن البيئة:
النسب: نعم: 36،8% – لا: 63،2%
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.