النزاعاتُ المسلحة في العالم بصدد “اتخاذ أشكال جديدة”
يسعى السويسري بيتر ماورر، رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر، إلى جعل هذه المنظمة العالمية أكثر شفافية. وفي هذا الحوار الذي أجرته معه swissinfo.ch، يتحدث الدبلوماسي السابق عن التحديات التي تُواجه عمل الصليب الأحمر عموما وفي سوريا وجمهورية إفريقيا الوسطى بوجه خاص.
نجحت swissinfo.ch في ترتيب هذا اللقاء مع ماورر بالمقرّ الرئيسي للجنة الدولية للصليب الأحمر في مدينة جنيف بعد جولة مرهقة قادته إلى كل من سوريا والعراق وجنوب السودان وجمهورية افريقيا الوسطى، تخللتها اجتماعات ماراثونية وعمليات ميدانية وذلك منذ شهر يناير 2014.
وبعد أن أحيت اللجنة الدولية للصليب الاحمر العام الماضي الذكرى 150 لنشأتها، تحتفل هذه السنة بالذكرى 150 للتوقيع على اتفاقية جنيف الأولى، التي تعتبر نقطة الإنطلاق لمدوّنة القانون الإنساني الدولي بأكمله.
swissinfo.ch: تعود للتو من جمهورية افريقيا الوسطى حيث يتسم الوضع بالكارثية. ما هي الأولويات هناك؟
بيتر ماورر: هناك الكثير من الأشياء التي لابد أن تحدث، وهي لا تمثّل جزءً من مهمّة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ونحن نشجّع الجهات الأخرى الفاعلة أن تتدخّل. ومن هذه الأولويات، تعزيز الوجود الأمني الدولي في هذا البلد، الذي افتقد بإستمرار إلى جيش وقوات أمنية فاعلة، ولابد أن يكون هذا الحضور الدولي موثوقا، ذا مصداقية. وسأرحّب بالتأكيد باتفاق دولي في إطار الأمم المتحدة يقدّم الدعم للبلدان الإفريقية وقوات حفظ السلام بقيادة فرنسا.
نحن بحاجة أكثر إلى بذل جهود ذات مصداقية في مجال نزع السلاح. وكلجنة دولية للصليب الأحمر، نحن مدعُـوّون إلى بذل المزيد من الجهود لضمان احترام سيادة القانون ونظام العدالة.
وما هو مفقود بالأساس في جمهورية افريقيا الوسطى هو عملية سياسية شاملة وذات مصداقية من شأنها أن تُرجع الثقة للمجتمع الدولي للإستثمار في كل الجهود المبذولة من أجل اعادة الإستقرار إلى هذا البلد.
في هذه اللحظة، نحن نعوّض دور الدولة بالكامل: ليس هناك تقريبا أي هياكل رسمية تقدّم الخدمات الصحية، او المياه الصالحة للشرب، أو الصرف الصحي، وهناك عشرات الآلاف من الناس نازحون في جميع أنحاء البلاد.
المزيد
مندوبون للصليب الأحمر على جبهات القتال
swissinfo.ch: ما هي التغيّرات التي سجّلتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر منذ صدور قرار مجلس الأمن الدولي في 22 فبراير2014 المطالب بتوفير ممرات آمنة لإيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين في سوريا، بما في ذلك عبر الحدود؟
بيتر ماورر: الوضع عامة لم يتغيّر على الرغم من الجهود الدبلوماسية وقرار مجلس الأمن. المشهد لايزال صعبا، والإحتياجات والنزوح والإنشغالات الإنسانية، كلها في ازدياد.
ليس هناك أي دليل على تراجع أعمال العنف أو ازديادها. ولكن العمليات العسكرية متواصلة، والسكان يُجبرون على النزوح، ويصبحون محاصرين من الجبهات المختلفة. ويُشكّل الوصول إلى هؤلاء الناس تحديا كبيرا، فالإحتياجات متعاظمة والقدرة على تلبية تلك الإحتياجات هي عبارة عن قطرات في محيط جارف.
أقرّ بحصول تقدم في بعض المجالات. ومنذ شهر يناير الماضي قمنا ببعض عمليات الإغاثة عبر خطوط التماس وفي المناطق المحاصرة ونظّمنا قافلة إغاثية ذات مغزى إلى بلدة برزة، كما حصلنا على تراخيص بالعمل في العديد من المناطق المهمة، وهو ما سمح لنا بالنشاط ليس فقط في دمشق وحلب، بل كذلك في حمص وحماه وطرطوس.
قطعنا بعض الخطوات المهمة، ونتطلّع إلى تطوّرات إيجابية، ونقدّم اليوم المساعدة إلى المزيد من الناس بالمقارنة مع ما كان عليه الوضع قبل شهريْن، لكن المشكلة أن هذه الإحتياجات تبقى على نفس الوتيرة إن لم يكن بشكل أسرع، فيما يظلّ سدّ هذه الفجوة تحديا كبيرا.
swissinfo.ch: خلال العاميْن اللذيْن قضيتهما حتى الآن على رأس اللجنة الدولية للصليب الاحمر سعيت لتثبيت أسلوب جديد في الإدارة، وطلبت من العاملين هنا أن يُنادوك “بيتر”، بدلا من “الرئيس بيتر”؟ لماذا؟
بيتر ماورر: ليس لديّ أي فكرة واضحة وثابتة عن القيادة. أنا هو أنا، لقد تمّ اختياري لقيادة هذه المنظمة، ولا أريد أن أصبح مختلفا بشكل جذري عن الهوية التي أنا عليها. وإلا فإنك لن تكون رئيسا أو قائدا ذا مصداقية.
نحن نعيش في زمن حيث التفاعل المرن بين حوكمة وإدارة المنظمة – ليس على المستوى الضيق بل على المستوى الأرحب – أمر مهمّ جدا. نحتاج إلى منظمات خفيفة الحركة، وسريعة التغيّر والتكيّف لإنجاح دورها والمشاركة في اتخاذ القرار. هذا ما يفسّر الطريقة الجماعية في الإدارة. هذا ما يُناسبني كشخص، وهو الوضع المثالي للمنظّمة كذلك.
وُلد بيتر ماورر في مدينة تون Thun بكانتون برن سنة 1956.
درس التاريخ والقانون الدولي في جامعة برن وتحصّل على شهادة الدكتوراه في نفس المجال.
انخرط في السلك الدبلوماسي السويسري في عام 1987، حيث تولى العديد من المناصب في كل من برن وبريتوريا (عاصمة جنوب افريقيا)، قبل أن ينتقل للعمل في الولايات المتحدة كمراقب دائم ضمن بعثة سويسرا لدى الأمم المتحدة في نيويورك. ثم تقلّد لاحقا منصب سفير.
في عام 2010 أصبح كاتب الدولة بوزارة الخارجية السويسرية، وكانت تلك آخر مسؤولية حكومية يتقلدها قبل أن يُصبح رئيس اللجنة الدولية للصليب الاحمر في 1 يوليو 2012.
swissinfo.ch: يبدو أن “المزيد من الشفافية” من بين أهدافكم الجديدة مثلما ورد في إحدى التغريدات على حسابكم بتويتر، وفي السلسلة الوثائقية الجديدة “بين جبهات القتال” التي تصوّر عمل وفود اللجنة الدولية للصليب الأحمر على الميدان؟
بيتر ماورر: هناك أسباب وجيهة لنكون أكثر شفافية بشأن العديد من القضايا التي نتحدث عنها، وأن نكون أكثر ثقة في أنفسنا ولكن أيضا منفتحين وصريحين بشأن الشكوك التي تنتابنا والأسئلة التي نطرحها على أنفسنا. ولا يجب أن نطمح للعمل مع أنفسنا بعيدا عن الأنظار، وأن نفاجئ العالم بحلولنا. هذا ليس العالم أن نعيش فيه اليوم. نحن نعيش اليوم ضمن نظام دولي إنساني يشاركنا آخرون التفكير فيه، وعلينا أن نُسهم في عملية التفكير هذه، وتصوّر الدور الذي علينا القيام به. هذه العملية تحتاج إلى انخراط قوي، وإلى شراكة وشفافية، فضلا عن أنشطة في بعض الأوقات وفي بعض السياقات، وبالإمكان العمل بهدوء بعيدا عن الأضواء.
swissinfo.ch: أحييتم العام الماضي الذكرى 150 لنشأة اللجنة الدولية للصليب الأحمر. وصرحت في أحد الحوارات آنذاك “بدلا من أن تكون هذه الذكرى مناسبة لتهنئة النفس، لابد أن تكون محطّة للتفكير المتجه نحو المستقب”ل. ما هي الأفكار الجديدة التي استلهمتموها من هذا العام المهم؟
بيتر ماورر: هناك الكثير من المبادئ الأساسية في نهج اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي تظل صحيحة وموضع تقدير.. منظمة تجمع بين تقديم الدعم، والحماية، وتطوير القوانين المنظمة للعمل الميداني، والبقاء بجوار الضحايا والدخول في علاقة تفاعل مع جميع الأطراف الفاعلة. هذه كلها مبادئ تشغيلية، فضلا عن الحياد والإستقلالية، جميع هذه القيم تظل صالحة في كل يوم.
ولكننا نعيش في فترة تتخذ فيها النزاعات أشكالا جديدة، وتتسم بتدخّل أصناف جديدة من الفاعلين ومن الأسلحة. البيئة الإنسانية أيضا بصدد التغيّر، فلم نعد الطرف الوحيد الذي يقدّم الدعم والحماية الإنسانييْن.
خلال السنوات القادمة (2015- 2018)، سوف نحاول مواجهة التحديات عبر المزاوجة بين الأصالة والبيئة الجديدة. وسوف نستمرّ من دون شك في التأكيد على أهمية دور الحماية، وسوف نحدد بشكل دقيق شراكاتنا (ما الذي تعنيه، وما هي حدودها؟). وسوف نتعامل مع التطوّرات الجديدة في مجال العنف والأسلحة والأطراف المشاركة فيها. هذا الأمر يتطلب أفكارا جديدة، فليست هناك وصفات جاهزة لمعالجة مثل هذه التحديات.
المزيد
تواريخ مهمّة في مسيرة ثـريّـة
swissinfo.ch: هذا العام يقابل أيضا ذكرى مرور 150 عاما على التوقيع على اتفاقية جنيف الأولى. ولكن عندما تنظر إلى النزاعات في سوريا وجنوب السودان وجمهورية افريقيا الوسطى، حيث تتعرّض المستشفيات التي تعالج الجرحى إلى الهجوم وكذلك العاملون فيها، ويُحرم المصابون من العلاج. هل أصبحت هذه الأداة القانونية بلا معنى؟
بيتر ماورر: هذا لا يعني أن القانون لا معنى له، بل هي إشارة إلى أن التحديات مستمرة. إن هذا الوضع يُظهر أن هناك صعوبة في التوفيق بين الواقع في ميادين المعارك من جهة والقوانين والمعايير من جهة أخرى. ليس هناك أدنى شك في أن هذه المعايير والقوانين جيّدة في حد ذاتها.
هذا يدلّ على أنه علينا أن نجد طرقا جديدة للتواصل مع الأطراف الفاعلة ومع المنخرطين في النزاعات، ومع الحالات الميدانية لتوفير أكبر فرص لاحترام القوانين والإلتزام بها. لكن هذه مشكلة تنفيذ ولا يتعلّق الأمر بمدى صلاحية تلك القوانين. من المحتمل أن تكون اللجنة الدولية للصليب الأحمر وفاعلين آخرين قد أساؤوا تقدير حجم الوقت والطاقة والجهد التي تستوجبها عملية توضيح القوانين وشرح دلالاتها الحقيقية.
المبادئ في حدّ ذاتها جيّدة، لكن نظرا للوضع الحالي، فليس أمامنا من خيار سوى مضاعفة الجهود لجعلها مفهومة ومُحترمة.
(نقله من الإنجليزية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.