“النظام الضريبي السويسري، نظام تكافلي بما فيه الكفاية”
تؤكد دراسة أنجزتها "رابطة الشركات السويسرية" الطابع التكافلي للنظام الضريبي المعمول به في سويسرا.
وبحسب نتائج هذه الدراسة، التي عرضت خلال ندوة صحفية يوم 20 أغسطس بزيورخ، تتأتى 60% من تمويلات خزينة الكنفدرالية والكانتونات والمجموعات المحلية من القطاع الخاص ومن الأثرياء.
وقد علق جيرولد بوهرر، رئيس “رابطة الشركات السويسرية” على ذلك أمام وكالات الأنباء قائلا: “إن الدراسة التي نعرض نتائجها اليوم تثبت أن الأثرياء، الذين لا يمثلون سوى 20% من مجموع السكان، هم الذين يموّلون الدولة، ويوفرون 27% من الغطاء المالي للتأمين ضد الشيخوخة والبقاء على قيد الحياة، والتأمين ضد العجز”، مقابل 31% من الشركات الخاصة. وأما الطبقة الوسطى، فإنها تساهم بنسبة الثلث من الإيرادات العامة، في حين لا تتجاوز مساهمة أصحاب الدخل المحدود نسبة 4%.
وتحذّر الدراسة المشار إليها أعلاه، والتي تأتي قبل شهرين فقط من الانتخابات العامة، من أنه ليس هناك بديل للسياسات المالية القادرة على المنافسة عالميا، لأن “اعتماد سياسة ضريبية تفتقر إلى الواقعية من شأنه أن يضر باقتصاد البلاد على أكثر من صعيد، فيضطر دافعو الضرائب الأثرياء إلى مغادرة سويسرا، وتفتقد الساحة المالية الداخلية جاذبيتها، وتدفع الطبقة الوسطى الثمن غاليا، لأنها المتضرر الأول من أي زيادة محتملة في الضرائب”.
والأرقام التي تكشف عنها الدراسة تؤكد أن النظام الضريبي السويسري تكافلي على كل المستويات، ويتناسب مع حظ كل فئة من الثروة ومستوى الدخل، فالطبقة الغنية تساهم في تمويل خزينة الدولة بأكثر من ثلاث مرات حجم مساهمة الطبقة الوسطى، وبأكثر من سبع مرات حجم مساهمة ذوي الدخل المحدود، كما تبلغ مساهمة الطبقة الوسطى ضعف مساهمة الطبقة محدودة الدخل.
ويشدد السيد توماس دوم، رئيس اتحاد أرباب العمل السويسريين في سياق متصل على أن “النظام الضريبي الحالي غير مخل بالتوازن الاجتماعي، فنسبة الرسوم المفروضة تتناسب ومستوى الدخل والثروة، وحتى الضريبة على القيمة المضافة، تكلّف الخواص الأثرياء أكثر مما تكلف الطبقات الاجتماعية محدودة الدخل”.
القدرة التنافسية
ولكن فهم هذه الأرقام والنسب فهما صحيحا، يتطلب وضعها في سياق السياسات المالية العامة المتبعة، وهو ما سيكشف فعلا انه برغم التحسن الحالي لمالية الدولة والذي يعود إلى تحسن الوضع الاقتصادي عامة، فإن الخزينة السويسرية تظل تعاني من ظاهرة الديون، ومن الزيادة المضطردة في نفقات الدولة (100 مليار سنة 1990، مقابل 170 مليار فرنك سنة 2005)، ومن غياب السيولة لتمويل التأمينات الاجتماعية بسبب التحولات الديمغرافية التي تميزت في العقود الأخيرة بضعف نسب الولادة، وارتفاع معدلات العمر.
كما يؤكد المختصون على أنه إذا أريد المحافظة على تمويلات الدولة والتأمينات الاجتماعية بالحجم المتوفر حاليا، لابد من الحفاظ على القدرة التنافسية للسوق السويسرية، ولابد من الإسراع في تنفيذ الإصلاحات الضريبية التي هي الآن قيد الدراسة خاصة تلك الإصلاحات المتعلقة بالشركات الصغرى والمتوسطة، والإصلاحات المتصلة بالضريبة على القيمة المضافة.
كما يوصي هؤلاء بالإنكباب على إدخال إصلاحات جديدة والاستفادة من الهامش الموجود حاليا لأن ذلك في صالح المنتج والمستهلك على حد سواء. ويشير خبراء “رابطة الشركات السويسرية” إلى أن الإصلاح الضريبي عملية دائمة ومستمرة في وضع دولي متقلب، تشتد فيه المنافسة يوما بعد يوم. فعندما يكون النظام المالي قادرا على جذب الاستثمارات، يتحسن الوضع الاقتصادي، وتتغيّر الأوضاع الاجتماعية إلى الأحسن.
نحو ترشيد الخطاب السياسي
من شأن النتائج التي كشفت عنها هذه الدراسة أن تضع حدا لجدال إيديولوجي غير مؤسس على معطيات وأرقام حكم الصراع بين اليسار واليمين في ما يتعلق بإعادة توزيع الثروة وبتحقيق العدالة الاجتماعية. كما قدمت الدراسة نماذج تحليلية لقياس درجة التكافل والتضامن بين مختلف شرائح المجتمع، وبين القطاعات الاقتصادية و مختلف المناطق والأجيال.
وتبيّن جليا، بعد الكشف عن هذه المعطيات أن غياب الشفافية والوضوح، والافتقار إلى المعطيات والأرقام الدقيقة، وغياب الرؤية المتكاملة للمسألة الاقتصادية قد حوّل النقاش السياسي في سويسرا إلى حروب إيديولوجية لا طائل من وراءها. ومن المؤكد أن هذه الدراسة ستساهم في وضع لبنات متينة لنقاش سياسي حقيقي يستند إلى معرفة بالعناصر المتحكمة في الوضع الاجتماعي، خاصة وأن البلاد مقبلة على استحقاق انتخابي، وحملات لكسب أصوات الناخبين.
ويقول جيرولد بوهرر، الذي أشرف على إعداد هذه الدراسة: “من الواضح أنه لا بديل عن اعتماد سياسة مالية قادرة على المنافسة على المستوى الدولي”. وأن أي تفكير في تغيير النظام الضريبي يتطلب دراسة تفصيلية لمعرفة من ناحية الشرائح الاجتماعية الأكثر تضررا من النظام المعمول به، ومن ناحية أخرى الشرائح المستفيدة من خدمات الدولة، وبذلك تكتمل الرؤية حول عمليات توزيع الثروة، وإن كان هناك ضرورة لإعادة النظر فيها.
وتوصي الدراسة في النهاية باعتماد مقاربة عملية تعتمد المرحلية والتدرج، تعكف الخطوة الأولى منها على الجواب عن السؤال: من يموّل خزينة الدولة؟، وفي مرحلة ثانية، تحاول الإجابة عن السؤال: من المستفيد من الخدمات العامة؟ وبعد تحليل مصادر التمويل، وأوجه الإنفاق والخدمات، عندئذ فقط يصبح بالإمكان وضع الخطوط العريضة لسياسة اقتصادية مدروسة.
مقاربة تفتقر إلى المصداقية
في المعسكر المقابل (أي الشغالين والنقابات واليسار)، كانت الرؤية مغايرة حيث صرح بياترو كافاديني، الأمين المركزي لاتحاد النقابات السويسرية “نحن متفقون مع الأرقام لكننا نختلف مع تفسير رابطة الشركات السويسرية لها”.
وأشار النقابي إلى أن “الأرقام تقول إن الثروة موزعة بشكل شديد التفاوت في سويسرا وهو واقع يُصحح بشكل محدود جدا بواسطة نظام الضرائب التصاعدي”.
ويرى كافاديني أيضا أن “المنظمة الراعية (لأرباب العمل) تتحدث عن نظام ضريبي تضامني لكنها تروج في الوقت نفسه لفكرة إقرار الضريبة المبسطة (والموحدة). هذا أمر يفتقر للمصداقية لأن إقرار ضريبة فردية (بنسبة وحيدة) يقضي على التأثير المرتبط بإعادة توزيع الثروة الناجم عن تطبيق الضريبة التصاعدية”
من جهته، اعتبر الحزب الإشتراكي السويسري أن رابطة الشركات السويسرية تغفل الإشارة إلى أن القوة الإقتصادية لسويسرا لا يمكن أن تستغني عن نظام ناجع للتعويض الإجتماعي.
ويرى الحزب الثاني في البلاد أن الدراسة الجديدة لا تذكر شيئا عن الفارق المتنامي بين الأثرياء والفقراء، كما يذهب إلى أن النمو الحالي للإقتصاد لا يكاد يُشعر به من طرف الأجراء، في الوقت الذي تشهد فيه مخصصات “كبار المسيرين” ما يشبه الإنفجار.
سويس انفو مع الوكالات
● تساهم الشركات والمشروعات الخاصة بنسبة 22% من ميزانية الكنفدرالية والكانتونات والمجموعات المحلية، في حين يساهم الأثرياء الخواص بنسبة 35% من موارد الدولة.
● بلغت نسبة مساهمة الشركات الخاصة في تمويل التأمينات الاجتماعية المختلفة 31% سنة 2003.
● بلغت قيمة المساعدات العينية التي قدمها القطاع الخاص لصالح الرعاية الاجتماعية 33 مليار دولار سنة 2003.
● تساهم الطبقة الوسطى بنسبة 30% من إيرادات الدولة.
● ازداد حجم نفقات الدولة ليبلغ 170 مليار دولار سنة 2005، بعد أن كان 100 مليار دولار سنة 1990.
● يساهم قطاع المصارف والسياحة بنسبة 7% من مجموع إيرادات الدولة.
الهدف المعلن لهذه الدراسة هو تحليل تدفق الثروة وإعادة توزيعها بناء على معطيات وأرقام دقيقة. ويتعلق الأمر بتحديد الفئات الاجتماعية التي تتحمل العبء الأكبر من الضرائب من ناحية، والفئات المستفيدة أكثر من الخدمات العامة، وفي مستوى لاحق وضع أحكام معيارية حول النظام الضريبي المتبع.
في مرحلة أولى، عمدت الدراسة إلى تحديد مصادر الضرائب والإستخلاصات الإجبارية لصالح الدولة، وبقية الموارد التي تستفيد منها الخزينة العامة، ثم حاولت رصد صرف تلك الأموال ولصالح من تنفق؟.
ومن شأن الإجابة عن سؤال: “من يمول خزينة الدولة في سويسرا؟”، أن يمكن من وضع المرتكز الأول لمقاربة شاملة لإشكالية العدالة الاجتماعية واختبار مدى موضوعية الدعاوى المرفوعة المطالبة بإعادة توزيع الثروة، وتساعد على فهم آليات إعادة توزيع الموارد من خلال مالية الدولة، هذه العملية التي تهدف في الأساس إلى تصحيح الحيف المحتمل لسوق رأس المال وسوق العمل.
لكن هذه الدراسة بينت أيضا أن التكافل بين طوائف المجتمع وأجياله لا تقتصر فقط على الضرائب الإجبارية التي تمر بخزينة الدولة، وبالمسارات القانونية المتعارف عليها، بل وأيضا من خلال المبادرات الخاصة والطوعية من المؤسسات الاقتصادية والنسيج الجمعياتي الضامن الحقيقي للتكافل، والمكوّن الأساسي لكل مجتمع متعاون، وإن كان ليس بالإمكان دائما التقدير الدقيق لحجم تلك المساهمة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.