“النهضة لا تريد مجتمعا رِجْـعـــيا”
رفَـض بدر الدين عبد الكافي، عضو المجلس الوطني التأسيسي في تونس، انتقاد حزبه بالظلامية، مُصرِّحا بأنه لا توجد أي نِـيّة لدى حزب النهضة للحدّ من حرية التعبير، بشرط أن يتِم احترام القانون.
فاز حزب النهضة بانتخابات تشكيل المجلس الوطني التأسيسي التي أجْـرِيت في أكتوبر 2011، حيث حاز على نحو 37٪ من أصوات الناخبين، ويُـعتَـبر الأهم من بين أحزاب الترويكا الثلاثة (النهضة والمؤتمر من أجل الجمهورية والتّكتّل)، التي تقود البلاد خلال المرحلة الانتقالية لفترة ما بعد الثورة التونسية.
وتتهم المعارضة العِلمانية الحزب الإسلامي بقيادة راشد الغنوشي، بأنه خان المُـثُـل العُليا للثورة، وأنه يريد فرْض تصوّر إسلامي رِجعي يتعارض مع النموذج الليبرالي الذي يسود المجتمع التونسي، وهو ما ردّه بدر الدّين عبد الكافي، مساعد رئيس المجلس الوطني التأسيسي والمكلّف بالعلاقات مع المجتمع المدني، قائلا: “نحن نُـؤمن بالإسلام المُتسامح والمُنفتح على الحِوار”.
swissinfo.ch: ما هي المشاكل الأكثر إلحاحا في تونس، والتي يتعيّن حلّها سريعا؟
بدر الدين عبد الكافي: في هذه الفترة الانتقالية، هناك مشكلتان رئيسيتان. الأولى، تتعلق بالأمن، بينما تتعلق الثانية بالجانب الاجتماعي، وأعتقد بأن جميع المشاكل الأخرى ناجمة عن هاتين المُعضلتين.
فاليوم، هناك العديد من الأشخاص الذين يعانون ويتعرّضون للتّهميش، ومن الضَّروري التَّعجيل في معالجة هذا الوضع، قبل أن يرسّخ في عقول الناس أن هذه الثورة لم تجلب لهُم أي شيء. وبالنسبة للأوضاع الأمنية، المُشكلة خطيرة للغاية ويجب حلّها، حتى يتمكن الناس من العمل بأمان، والحرية الكثيرة الموجودة حاليا قد تتجاوز في بعض الأحيان القانون.
ومِن ثمّ، لابد من منح الحكومة المُقبلة، والتي تدوم خمس سنوات، الوقت الكافي لتحديد الأولويات والبدْء في بناء تونس جديدة. نحن ماضون خطوة بخطوة في بناء دولة ديمقراطية، تحترم حقوق الإنسان وتحترم تاريخ البلاد وقِيَمها، وتُـقدّم مثالا رائدا يُحتذى به في جميع بلاد العالم العربي.
لقد تطرّقتم إلى الحديث عن حرية التعبير. فهل تروْن ضرورة الحدّ منها؟
بدر الدين عبد الكافي: لا، إنما المطلوب بكل بساطة، تطبيق القانون، وليس المساس بحرية الرأي أو بالحق في الإضراب، والشيء الذي نعترض عليه هو إغلاق الشوارع أو إجبار المصانع على التسكير، وهو ما لا نقبَـل به، ويجب أن يتم تطبيق القانون، بغضِّ النظر عن الهوية السياسية للأشخاص الذين يقومون بمثل هذه الأعمال.
تأسّس حزب النهضة في عام 1981 تحت اسم حركة الاتّجاه الإسلامي، ويتزعّمه راشد الغنوشي، الذي يُعتبر الشخصية القِيادية الأولى فيه. وقد عاش في المنفى في العاصمة البريطانية لندن منذ أوائل التسعينات حتى أن عاد إلى أرض الوطن إثر اندِلاع الثورة التونسية وهروب بن علي إلى خارج البلاد في يناير 2011.
تعرض أعضاء حزب النهضة للقمع والتعذيب الشديديْن تحت نظام بن علي، وقد أمضى بدر الدين عبد الكافي، على سبيل المثال، 11 عاما في السجون التونسية.
للحزب 89 مقعدا من أصْل 217 في المجلس الوطني التأسيسي المُنتَخَب في أكتوبر 2011.
تَتّهم المعارضةُ العِلمانية حزب النهضة بأنه كثيرا ما يتعمَّد استخدام لُغة مُزدَوجة. فهو معتدل ومنفتح أمام وسائل الإعلام، خاصة الغربية منها، بينما هو محافِظ بعيدا عن الميكروفونات وعدسات الكاميرا.
فعلى سبيل المثال، تمّ قبل بضعة أشهر عرض فيديو يظهر فيه راشد الغنوشي، بينما هو يشجِّع السلفيين على البدء التَّدريجي في إنشاء محطّات إذاعة وتلفزة وتأسيس مدارس قُرآنية وجمعيات دعوية، تعمل على تطبيق الشريعة الإسلامية، لكن الغنوشي دافع عن نفسه قائلا بأن شريط الفيديو مُزوَّر.
كيف تردّون على الذين يقولون بأن النهضة تريد مجتمعا رِجعيا؟
بدر الدين عبد الكافي: هذه الانتقادات متكرّرة، ولكنها فاقِدة المصداقية. فنحن نؤمن بالإسلام السّمح المُنفتح على الحوار مع الآخرين. وعلى سبيل المثال، مشكلة المرأة بالنسبة لنا، لا وجود لها، وعلى العكس من أحزاب إسلامية أخرى، نحن لا ندعو إلى أن تلزم المرأة بيتها، وأيضا نحن مع إصدار قانون ينصّ على المُساواة بين الجنسين، بالإضافة إلى كون ما يقرب من نصف مُمثلينا في المجموعات البرلمانية من النساء.
هل معنى هذا أنّكم مختلِفون عن الأحزاب الإسلامية الأخرى؟
بدر الدين عبد الكافي: نعم، خاصة تلك الأحزاب التي تتبنى العنف.
تتخوّف أطراف عدّة من احتمالية وقوع البلاد في دوّامة عُنف، فما رأيكم؟
بدر الدين عبد الكافي: عندما أغْـتِيل شكري بلعيد [زعيم الجبهة الشعبية المعارضة، الذي قُتل في 6 فبراير 2013]، سارع بعض اليساريين إلى اتهام النهضة بالوقوف وراء الحادث، لكن، هل يُعقَـل أن حزبا في الحكومة يسعى إلى زعزعة استقرار البلاد؟
وحصل بعد هذه الجريمة، أن أضْرِمَت النيران في بعض مقرّاتنا، ومع ذلك، طلبنا من أعضائنا البقاء جانبا. فحزب النهضة لا يُـؤمن بالعنف، وباعتقادي أن بإمكانه أن يحُول دون انزِلاق البلاد في الفوضى، وبإمكاننا أن نستخدِم الصّراخ، لكننا لن نستخدِم العُنف.
وأمَلي أن يكون اغتيال شكري بلعيد، ما هو إلا حلقة واحدة فقط وأن نستطيع تجاوزه، وما من ثورة إلا وتمُر بفترة انتقالية، ونؤكّد بأننا كلّنا تونسيون وأننا بحاجة إلى أن تكون هناك انتخابات وأن على الجميع احترام نتائجها. وللأسف، هناك أشخاص يعتقدون بأن العُنف يمكن أن يُضعِف حزب النهضة أو أن يُغيِّـر الحياة السياسية في البلاد، ولحُسن الحظ، أن الغالبية من السياسيين التونسيين برْهَـنت حتى الآن على أنها قادِرة على تغليب الحِكمة.
كثيرا ما يُقال بأنه “لا سلام بدون عدالة”، أليس لحزبكم المصلحة في الضغط لأجل تسريع التحقيق في مقْـتل شكري بلعيد؟
بدر الدين عبد الكافي: مؤخّرا، تم تعيين لطفي بن جدو، وزيرا للداخلية، وهو شخصية مُستقلة تحظى بثِقة الجميع، وعلينا أن نُتيح للشرطة ولوزير الداخلية الجديد، الوقت اللازم لكشف خفايا هذه الجريمة. ففي جميع أنحاء العالم، وقعت اغتيالات سياسية، وحتى هذه اللّحظة، لم تُعرَف حقيقتها، ومع ذلك، يُطلب من تونس كشْف الحقيقة على الفوْر؟ هذا غيْر معقول.
في المجال الاقتصادي، كان السائد في عهد نظام بن علي، مُحاولة استقطاب الشركات الأجنبية عن طريق إعفائِها من الضرائب. ما هو موقِفكم؟
بدر الدين عبد الكافي: على الحكومة المُقبلة أن تقدّم الإجابة، ولكنني أعتقد بأنه ليس في إمكان تونس أن تعيش كما لو كانت جزيرة، نحن مُنفتحون ثقافيا واقتصاديا، شريطة أن تُحتَرم قوانيننا وخُصوصية بلادنا. ولبناء اقتصاد قوي، علينا أن نُهيِّـئ الفُـرص للمُستثمرين التونسِيين والأجانب.
هناك بعض الأصْوات، من اليَسار على الغالب، تعتقد بأنه ينبغي إعادة النظر في مسألة الدّيون الخارجية، وربما تعليق السّداد. فما رأيكم؟
بدر الدين عبد الكافي: يرى حِزبنا ضرورة استمرارية الدولة، والرسالة التي أراد أن يوصِلها، هي أن تونس قادِرة على الوفاء بالْـتزاماتها، حتى وهي تعيش فترة انتِقالية، وفي نفس الوقت، طلبنا الحُصول على مساعدات، وأعتقد بأن هذه هي الوسيلة الأفضل، وإرسال إشارات تُنبِّئ بأننا لم نعد قادرين على الوفاء بواجِباتنا، ستكون لها نتائج عكسية.
المزيد
ثـورة الألـوان بعد ثورة الوجـدان
حتى تلك التي يُطلق عليها “الديون الكريهة”، بمعنى القروض التي مُنِحت باسم البلاد واستغلّها بن علي وزمرته في الإثراء؟
بدر الدين عبد الكافي: نعم، لأن هذه الديون أُخِذت باسم الدولة وليس باسم بن علي وعائلته، لكن الأمر يختلف بالنسبة للأموال التي اختلسوها، ولقد انتهينا مؤخرا من سَـنّ قانون يَسمح لنا بالتّعجيل في استرداد هذه الأموال.
بعد الثورة، دخل الساحة مستثمرون أجانب آخرون، وبالأخصّ دولة قطر، هل معنى هذا بأن تونس بدأت تبتعِد عن مُحيط البحر الأبيض المتوسط؟
بدر الدين عبد الكافي: تاريخ بلدنا مُنغرس في البحر الأبيض المتوسط، ولا نرغب في تقويض علاقاتنا مع أوروبا، وليس ذلك ليمْنعُنا من التّطلّع إلى آفاق أخرى أو ليُحول دول تنويع علاقاتنا، سواء مع الدول العربية الأخرى أو مع القارّة الأمريكية، على سبيل المثال.
الخطوة الكبيرة التالية بشأن الداخل التونسي، هي إقرار الدستور الجديد للبلاد. فإلى أين وصلت أعمال المجلس الوطني التأسيسي؟
بدر الدين عبد الكافي: في 27 أبريل 2013، سنتقدّم بالدستور الجديد، وبعدها بأسبوعين، سيُشرع في مناقشته مادة بعد مادة، بحيث يمكن أن يتِم يوم 8 يوليو 2013، كحدٍّ أقصى، اعتماده في القراءة الأولى، وإذا لزم الأمر، فسيكون هناك شهر إضافي لإقراره في قراءة ثانية، وإذا لم يتِم التوصل إلى اتفاق، فسوف يتِم عرضه للاستفتاء.
وعلى أية حال، نحن مطمئِنون، ولا نعتقد بأن الأمر سيصِل إلى الاستفتاء، لأن هناك شِبه إجماع تام من جميع الأطراف، ولم تتبقّ سوى بعض النِّقاط القليلة التي هي بحاجة إلى تعديل، إذ لم يتِم الاتفاق بعدُ على النظام السياسي الجديد، وهل هو رئاسي أو برلماني، وبالتالي، لم تتحدّد بعدُ صلاحيات الرئيس، وأنا على يقين بأن مُعظم أعضاء المجلس الوطني التأسيسي متّفقون على حاجة الدولة إلى دستور وأنه ليس بالإمكان تطويل أمد المرحلة الانتقالية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.