الوزير كوشبان يعلن عن استقالته من الحكومة الفدرالية
مرّة أخرى، يختار باسكال كوشبان مفاجأة السويسريين والطبقة السياسية، مُـتوخِّـيا طريقة مُـبتكرة للإعلان عن استقالته من منصبه كوزير للشؤون الداخلية في الحكومة الفدرالية، في 31 أكتوبر 2009.
فقد وجّـه هذا السياسي، الذي انتُـخب من طرف البرلمان الفدرالي عُـضوا في الحكومة يوم 11 مارس 1998، رسالة إلى رئيسة مجلس النواب، السيدة كيارا سيمونيسكي، أعلمها فيها بقراره، وقرأتها بتأثّـر على النواب في مفتتح جلسة الجمعة 12 يونيو.
الأكيد، أن باسكال كوشبان الذي يضع اليوم حدّا لمسيرة سياسية استمرّت 41 عاما، تخلّـلها 27 موعد انتخابي، لم ينهزم فيها مرة واحدة، سيظلّ مُـرتبطا في ذاكرة السويسريين، بالوزير الذي أراد أن يُـمدِّد سن التقاعد إلى السابعة والستين.
وكان الراديكالي، الذي يبلغ اليوم 67 عاما من العمر، قد قضّـى أربعة أعوام على رأس وزارة الاقتصاد ليستلم إثر ذلك وزارة الشؤون الداخلية في عام 2003، مُـبديا قدرا كبيرا من التصميم على سلوك نهجٍ مغايِـر لسلفه روت درايفوس الإشتراكية.
ومنذ الأشهر الأولى، بادر بإلقاء حجر ثقيل في المياه الراكدة، مقترحا الترفيع في سنّ التقاعد إلى 66 أو 67 عاما، لكنه جوبه باحتجاجات هائلة، دفعت حزبه إلى تحميله مسؤولية التراجع الذي سجّـله في الانتخابات العامة الموالية.
في المقابل، تعرّض رجل السياسة، الذي افتخر ذات مرّة بأنه لم يخسِـر في أية مناسبة انتخابية، إلى عِـقاب شعبي مؤلم، حيث رفض الناخبون المراجعة الحادية عشرة للقانون الفدرالي للتأمين على الشيخوخة والعجز في مايو 2004.
تصلّـب الجبهات
هذا التطوّر، ساهم في مزيد تصليب المواقـف بين جبهة يسارية تتّـهم الوزير الراديكالي بالخضوع لإملاءات شركات التأمين، وجبهة بورجوازية تثور لديها المخاوف من الاحتياجات المالية المتصاعدة، المرتبطة بالارتفاع المسجّـل في الأمل في الحياة لدى السويسريين . ومع أن باسكال كوشبان تخلّـى عن السعي الحثيث إلى الترفيع في سن التقاعد، إلا أنه لا يُـخفي اقتناعه بأن التاريخ سيؤكّـد صوابية رأيه.
من الملفات الأخرى التي اشتغل عليها وزير الشؤون الداخلية في السنوات الماضية، مراجعة القانون المنظِّـم للتأمين على المرض، وعلى غِـرار قانون التأمين على الشيخوخة والعجز، تحوّل النِّـقاش حول الإصلاحات المُـقترحة إلى ما يُـشبِـه “الثعبان المائي”، الذي لا يُـعرف له ذنبٌ من رأس، رغم أن كوشبان أثار آمالا واسعة، باعتباره ممثلا لليمين وبالنظر إلى ما يُـعرف عنه من قُـدرة على اتخاذ القرار، بإمكانية إحداثه لمنعرج حقيقي في السياسة الصحية وفيما يتعلّـق بالتحكّـم في النفقات بوجه خاص.
وبعد فترة هدوءٍ في عامي 2008 و2009، لم تُـسجِّـل فيها قيمة التأمين على المرض ارتفاعا كبيرا، مثلما وعد بذلك الوزير كوشبان، قبل التصويت على المقترح الداعي إلى إنشاء صندوق وحيد للتأمين على المرض، يُـخشى الآن من ارتفاعها مجدّدا، بل إن متوسِّـط النِّـسبة المُـرتقبة للعام المقبل تُـناهز 15%.
وفيما يظل ملف التحكُّـم في النفقات الصحية وفي ارتفاع التأمين على المرض من أكثر الملفات إثارة للجدل والنقاش ومدعاة لتبايُـن المواقف والآراء بين جميع المعنيين، يُـمكن القول أن وزير الشؤون الداخلية انتهج أسلوبا تكتيكيا تميّّـز بتقسيمه للإصلاح الضخم إلى أجزاءَ صغيرةٍ جدا، لعلّـه ينجح في تمريره، لكن البرلمان الفدرالي عمِـل في كل مرة على الملاءمة بين المصالح المتضاربة وواجهه بمقترحات بديلة، ما أدى في النهاية إلى عدم تحقيق النتائج المُـرتقبة، نظرا لحجم وثِـقل مجموعات المصالح المعنية، سواء تعلّـق الأمر بالمرضى أو الأطباء أو مقدِّمي الخدمات العلاجية أو صناعة الأدوية أو شركات التأمين.
سُـدّ منيع
بعد وصول اليمين المتشدد، ممثلا في حزب الشعب السويسري إلى الحكومة الفدرالية في عام 2004، حاول السياسي المُـخضرم لفت الأنظار إليه مجدّدا، مقدِّما نفسه كحارس للمؤسسات وللقِـيم الديمقراطية. ومن المؤكّـد أن إطاحة البرلمان بكريستوف بلوخر يوم 12 ديسمبر 2007، قد حرمته من “عدوِّه” المفضّـل.
في نفس اليوم، أصبح باسكال كوشبان رئيسا للكنفدرالية للمرة الثانية، فيما يُـشبه التتويج لمسيرة سياسية سعى إليها منذ شبابه، مع ذلك، التزم بتحفُّـظ أكبر في تلك السنة مقارنة برئاسته الأولى في عام 2003.
على صعيد آخر، لم يتردّد الوزير القادم من كانتون فالي، في تنصيب نفسه مدافعا عن اللاتينيين (أي السويسريين المتحدِّثين بالفرنسية والإيطالية والرومانش) ولم يكتفِ بالأقوال، بل أسند إدارة العديد من القطاعات المُـرتبطة بوزارته (التأمينات الاجتماعية والثقافة والسينما والبحث العِـلمي)، إلى مسؤولين من غير الناطقين بالألمانية.
شخصية مُـميّـزة
في الحكومة الفدرالية السويسرية، يهتمّ كل وزير بقطاعات متعددة، وفي وزارة الشؤون الداخلية، تحمّـل كوشبان مسؤولية التعاطي مع الملفات الاجتماعية والصحية والثقافية والبحث العِـلمي بأسلوب متميِّـز عن بقية زملائه، لكن نزوعه إلى شيء من السلطوية وبعض ردود فعله المتشنِّـجة، إضافة إلى أخطاءٍ في إطلاق بعض التعبيرات، أثّـرت على صورته ووفّـرت مادة خِـصبة لمعارضيه ولرسّـامي الكاريكاتور.
في هذا السياق، لم يتردّد هذا الرجل المعروف بعشقه للتجوال وللمطالعة والأسفار، في الإصداع برأيه وفي اتخاذ قرارات لا تحظى بالإجماع، وخاصة في المجال الثقافي، كما أنه واجه معارضيه بقوّة، سواء تعلق الأمر بالمزارعين (عندما كان وزيرا للاقتصاد) أو بزميله السابق في الحكومة كريستوف بلوخر.
كمال الضيف – swissinfo.ch – مع الوكالات
كانت لبنان وسوريا، آخر بلدين عربيين يزورهما باسكال كوشبان، بصفته وزيرا في الحكومة الفدرالية أو رئيسا للكنفدرالية.
شمِـلت زيارات كوشبان إلى العالم العربي في السنوات الأخيرة، كلا من المغرب والجزائر ومصر والإمارات العربية المتحدة ولبنان وسوريا.
تركّـز اهتمام الوزير السويسري في هذه الزيارات، على الحوار الحضاري بين الشرق والغرب والدعوة إلى تجاوُز الخلافات وعقلية الصِّـدام، من أجل البحث عن نِـقاط الإلتقاء وإمكانيات التعايش والتفاهم، وفي معظم زياراته، حرِص على إجراء مقابلات فكرية مع شخصيات دينية وعِـلمية وثقافية وأكاديمية عربية بارزة.
وفي مجال البحث العِـلمي، حرِص على التحوّل شخصيا إلى الشارقة في منتصف مايو 2009، لوضع حجر الأساس لأول فرع تفتتحه جامعة سويسرية في الخارج، حيث اتّـفق المعهد التقني الفدرالي العالي في لوزان مع سلطات إمارة الشارقة على إقامة فرعٍ للمعهد، متخصِّـص في الأبحاث العلمية المتطوِّرة في مجالات ترتبط بالبيئة والطاقات البديلة.
ولد في 5 أبريل 1942 وحصل على الإجازة في القانون من جامعة لوزان ومارس مهنة المحاماة بعد تخرّجه.
انخرط مبكّـرا في العمل السياسي بعد انضمامه إلى صفوف الحزب الراديكالي الديمقراطي (أصبح اليوم يُـسمى الحزب الليبرالي الراديكالي)، وانتُـخب سنة 1968 في سنِّ السادسة والعشرين، عضوا في المجلس التنفيذي لبلدية مارتنيي، الواقعة بكانتون فالي، وظلّ عُـمدة لهذه المدينة من سنة 1984 إلى سنة 1998.
على المستوى الفدرالي، انتُـخب عضوا بمجلس النواب (الغرفة السفلى) بداية من سنة 1979 وترأس الفريق النيابي للحزب الراديكالي من 1989 إلى 1996.
انتُـخب عضوا بالحكومة الفدرالية يوم 11 مارس 1998 وتولّـى في البداية تسيير وزارة الاقتصاد قبل أن يُـصبح في فاتح يناير 2003 وزيرا للشؤون الداخلية (وتشمل هذه الوزارة الشؤون الاجتماعية والصحة والثقافة والتعليم والبحث العلمي).
ترأس الكنفدرالية عامي 2003 و2008 وتميّـزت الفترتان الرئاسيتان بتعدُّد زياراته إلى الخارج، وشملت معظم القارات والعديد من البلدان العربية والشرق أوسطية.
يوم 12 يونيو 2009، وجّـه رسالة إلى رئيسة مجلس النواب، أعلمها فيها بقراره الاستقالة من منصبه الحكومي ليوم 31 أكتوبر القادم.
طِـبقا للقانون، يحِـق لباسكال كوشبان بعد خروجه من الحكومة، الحصول على مرتّـب سنوي بقيمة 208500 فرنك، أي ما يوازي نصف مرتبه الحالي. وفي صورة استئنافه العمل مقابل مرتّـب، يتمّ تقليص هذا المبلغ.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.