“الوضع الإقليمي والدولي لا يساعد الآن على تسوية النِّـزاع”
في الوقت الذي كان فيه المبعوث الخاص للأمم المتحدة للصحراء الغربية يجُـول في منطقة المغرب العربي، بحثا عن منافذ لإخراج عملية السلام الصحراوي من مأزقها، كانت مدينة العيون، كُـبرى حواضر الصحراء، تشهد أنشطة وندوات سياسية وفِـكرية وثقافية ورياضية مكثّـفة ولقاء بين وفد دبلوماسي فرنسي والمسؤولين بالمدينة.
في الوقت نفسه، كان ناشطون صحراويون مؤيِّـدين لجبهة البوليساريو معتقلين، يشنّـون إضرابا عن الطعام وناشطون آخرون يجُـولون في عدد من المدن المغربية للدِّعاية للجبهة وانجازاتها، على ضوء ما شاهدوه في مخيّـمات تندوف، حيث قيادة الجبهة وآخرون يزورونها الآن.
ومع كل هذه الجوْلات والأنشطة، كانت مدينة العيون تتزيّـن في انتظار زيارة للعاهل المغربي الملك محمد السادس وساكنتها في جوْلاتهم في الشوارع، حتى ساعات الليل المتأخرة، يبحثون عن نسمة ريح تخفِّـف من حرارة الصيف القادم مبكّـرا. وعلى مدار ثلاثة أيام قضّـيتُها في المدينة، لم يبادر أحد ممّـن التقيت بهم بالسؤال عن المبعوث الأمريكي روس وجولته والنّـدوات وما تبحثه أو عن الناشطين وحركيتهم. وحين كنت أسأل، لم تكن الأجوبة تعبِّـر عن اهتمام كبير بكل ذلك.
فهل أصبحت ساكنة الصحراء غير مبالية بتحركات (تعرفها الرباط وتندوف ونواكشوط والجزائر، قبل الإنتقال إلى نيويورك في النصف الثاني من أبريل القادم) لتسوية نزاع، هم المعنيون به بالدرجة الأولى؟ أم أن مَـن سألته كان متوقِّـعا السؤال وكان يعتقد أيضا أنني أتوقع الجواب؟ أم أن ذِهنه يحمِـل أسئلة أو سؤالا محددا لا يعرف جوابه ولا أحد يستطيع الاقتراب منه؟ وهو سؤال: ماذا بعد؟ أو إلى متى يبقى ملف نزاع 35 عاما مفتوحا دون أن تقترب أطرافه والمعنيون به من صميم جوهره؟
“السيادة”.. الكلمة المفتاح!
الأوساط السياسية بمدينة العيون قالت لـ swissinfo.ch: إن جولة كريستوفر روس، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، لا تخرج عن إطار العلاقات العامة ومحاولة المنظمة إبقاء دورٍ لها في النزاع، لأنها لا تستطيع الانسحاب وأيضا لا تستطيع فرْض حلٍّ على الأطراف.
وفي هذا الإطار، على كريستوفر روس أن يقدِّم إلى بان كي مون تقريرا حول تطوّرات النزاع، يشكِّـل جوهر تقرير الأمين العام إلى مجلس الأمن الدولي، الذي يجتمع في النصف الثاني من شهر أبريل القادم، ليُـقرِّر تمديد ولاية بِـعثة الأمم المتحدة المُـنتشرة بالمنطقة (مينورسو)، وعلى هامش ذلك، يناقش التطورات ويصدر قرارا جديدا يدعو طرفَـيْ النزاع والأطراف المعنِـية إلى بذْل المزيد من الجهود والتعاون مع المبعوث الخاص، لإيجاد مخرَج لمأزق عملية السلام.
إن النزاع يدور رسميا حول كلِـمة واحدة هي “السيادة” على المنطقة المُـتنازع عليها والحلول المطروحة للتسوية منذ اندلاع النزاع عام 1975 ومنذ أن دخل دائرة التسوية المتّـفق عليها في قمة نيروبي الإفريقية عام 1981، ومِـن ثَـمَّ، انتقاله إلى الأمم المتحدة عام 1985، تدور في دائرة مُـفرغة لأنها تخلص إلى تفويض “السيادة” إلى أحد طرفَـيْ النزاع، وهو ما يعني منْـح النّـصر لطرف والهزيمة لطرف آخر، في ظل موازين قِـوى وأوضاع على الأرض وتداخلات أطراف إقليمية وتأثير أطراف دولية، لا تسمح بهزيمة ساحِـقة أو انتصار نهائي لأيٍّ منهما.
“طريق مسدود”
كريستوفر روس، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، قال أثناء جولته “إن المفاوضات التي من شأنها فتْـح الطريق أمام حلٍّ سياسي تقبله جميع الأطراف، قد وصلت إلى طريق مسدود”، لأنه سمع من العاهل المغربي الملك محمد السادس أن استفتاء تُـجريه الأمم المتحدة لتقرير مصير الصحراويين، أصبح أمرا نادِرا في ممارسة الأمم المتحدة، ولذا، بات مستبعَـدا بشكلٍ نهائي كآلية لتسوية النزاع، وأن المبادرة المغربية بمنح الصحراويين حُـكما ذاتيا تحت السيادة المغربية، يستجيب استجابة كاملة لمحدّدات وتوجّـهات قرارات مجلس الأمن الدولي، ذات الصلة بالنزاع.
وسمع روس أيضا من قادة جبهة البوليساريو والمسؤولين الجزائريين، أن استفتاء تجريه الأمم المتحدة للصحراويين لتقرير مصيرهم بدولة مستقلّـة أو الاندماج في المغرب، والذي نصّـت عليه قرارات مجلس الأمن، يبقى هو الخِـيار الوحيد لحلّ النزاع. وبغضِّ النظر عن “ديمقراطية” الإستفتاء، فإن جبهة البوليساريو والجزائر تأملان من هذا الاستفتاء، الذي تعثر إجراؤه على مدى عشرين عاما، الخلوص إلى دولة مستقلة على المنطقة المُـتنازَع عليها.
ومنذ أن طرح المغرب مبادرة الحُـكم الذاتي للصحراويين عام 2007، جرت بين المغرب وجبهة البوليساريو، تحت رعاية الأمم المتحدة وبحضور الجزائر وموريتانيا، أربع جوْلات من المفاوضات المباشرة، وجولتان من محادثات غير رسمية، كانت تدور في حلقة مُـفرغة، لأن كل طرف متمسِّـك بموقِـفه ومقاربته للنزاع وتسويته، ولم يتقدّم أيٌّ من الأطراف أو الراعين أو الحاضرين بأفكار جديدة أو مبادرة تنال مُـوافقة الجميع. وحتى على صعيد المناقشات غير الرسمية، إن كان هنا أو هناك، لم يقترح أحد إمكانية حلٍّ آخر.
المسؤولون المغاربة يقولون دائما، إن مبادرتهم قابلة للمناقشة والتطوير، ما دامت تحتفظ بجوهرها، وهو وضع خاص للمنطقة المتنازَع عليها في إطار الوِحدة الترابية المغربية، وهو ما يعني نظريا، رفْـع سقف الحُـكم الذاتي وصلاحيات مؤسساته المُـنتخبة ديمقراطيا، إلى المدى الذي يُـبقيها تحت السيادة المغربية. ويتذكّـر هؤلاء المسؤولون ما أعلنه العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني في ثمانينات القرن الماضي، أنه لا يريد بالصحراء سوى العَـلَـم والعُـملة والطابع البريدي، وكل ما عدا ذلك، يكون من تدبير ساكنة المنطقة.
استمرار النزاع.. خلل في تدبير المغرب
بشير الدخيل، أحد القادة المؤسسين لجبهة البوليساريو وعُـضو لجنتها العسكرية العُـليا، حتى عودته إلى المغرب عام 1992، يستبعِـد أية إمكانية للوصول إلى تفاهم بين المغرب وجبهة البوليساريو عبْـر المفاوضات، لأن كلاّ منهما لا يجد ما يُـجبره على التنازل عن موقِـفه أو التراجع عن مُـقاربته. فالمغرب يعتقد أن المنطقة جزء من تُـرابه الوطني، استردّها من إسبانيا بعد 20 عاما من حصوله على الإستقلال من فرنسا، كما استردّ مدينة طرفاية وسيدي إيفني بعد 4 و14 سنة من الإستقلال، وكما يطالب حتى الآن بإعادة مدينتّـيْ سبتة ومليلية. وجبهة البوليساريو تعتقِـد أن المنطقة ليست جزءً من المغرب وساكنتها ليسوا جزءً من الشعب المغربي وأنه من حقِّـهم الإستقلال وإقامة دولتهم.
ويقول الدخيل في لقاء مع swissinfo.ch أجري بمدينة العيون: “إن الوضع الإقليمي والدولي، لا يساعد الآن على تسوية النِّـزاع ولا الضّـغط على الأطراف لقَـبول تسوية مُـلزمة، بغضِّ النظر عن الموقِـف منها”، ويشير إلى أن كلاّ من واشنطن وباريس ومدريد، التي اعترفت بمبادرة الحُـكم الذاتي كمبادرة جادّة وذات مِـصداقية، إلا أنها لم تتقدّم للتّـنصيص على ذلك بقرارات مجلس الأمن الدولي.
ويرى الدخيل أن استمرار النِّـزاع يعود لخلَـل في تدبير المغرب على مدى العقود الماضية للملف والمنطقة، وأن حلّ النزاع يكون من خلال إجراءات مغربية تعترف للمنطقة بوضعها الخاص وخصوصياتها الاجتماعية والثقافية والتّـعاطي مع ساكنتها كمواطنين قادِرين على تدبير هذا الوضع وهذه الخصوصية.
البشير الدخيل، ينشط في إطار العمل الجمعوي الاجتماعي وجمعيته “منتدى البدائل” أنجزت 18 مشروعا استثماريا صغيرا تُـديره وتستفيد منه نساء وفتيات من ساكنة المنطقة، ونظمت العشرات من دورات محو الأمية والتوعِـية الصحية، استفادت منها مئات من هؤلاء النِّـسوة والفتيات.
ويعتقد البشير الدخيل، وهو أحد المرشحين لرئاسة المجلس الملَـكي الإستشاري لشؤون الصحراء، أن السلطات اتّـخذت مثل هذه الإجراءات نظرِيا، من خلال إعلانها عن وضع تصوّر شامل لنظام الجهوية كنظام إداري للمغرب كله، يعترف بخصوصية كل منطقة، وأيضا من خلال سلسلة تعيينات إدارية في المناطق الصحراوية.
وقال الدخيل لـ swissinfo.ch، إن الإنسان الصحراوي يريد الحياة بكرامة واحترام عاداته وتقاليده وثقافته ويضمن لأبنائه مستقبلا آمنا ومستقِـرا، وهو ما يمكن أن يجده في نظام الجهوية، إذا ما طبّـق بشكل جاد وسليم وسيكون حلاّ مقبولا من الساكنة وجاذبا للاجئين المقيمين حاليا في مخيمات تندوف فوق الأراضي الجزائرية.
اقتراحات الدخيل إذا كانت لا تلقي بالمُـطلق قبولا من جبهة البوليساريو، فإنها أيضا، ونتيجة لالتزامات المغرب الدولية تجاه النزاع، لا تطرح على الصعيد الدولي، وهو لا ينفي ذلك، لكنه يُـشير إلى أن حلا للنزاع وِفق المواصفات المطروحة، إقليميا ودوليا، ليس بالأفق المنظور كما أن الدّوران في الحلقة المُـفرغة، قد يستمر سنوات طِـوال لا تستطيع المنطقة وساكنتها انتظارها، لذلك، يبقى على المغرب أن يُقدِم على خطوات جريئة وتحوّلات في تدبير المِـنطقة تشجِّـع الساكنة على الإلتفاف حولها وتحفِّـز الآخر على الإلتِـحاق بها ويقابلها العالم بالتّـصفيق.
محمود معروف – مدينة العيون – swissinfo.ch
الرباط (رويترز) – استقبل العاهل المغربي الملك محمد السادس يوم الخميس 18 مارس 2010، كريستوفر روس، مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى الصحراء الغربية، الذي يزور المنطقة. وقالت وكالة المغرب العربي للأنباء، إن العاهل المغربي “استقبل المبعوث الأممي اليوم بقصره بتطوان، الذي يقوم بجولة في المنطقة”. ومن المنتظر أن تقوده الجولة، التي بدأت يوم الأربعاء 17 مارس وتنتهي في 25 من هذا الشهر، إلى كل من تندوف ونواكشوط والجزائر.
وبدأ الصِّـراع بين المغرب وجبهة البوليساريو، عندما ضمّ المغرب المنطقة إليه بعد انسحاب المُـستعمِـر الإسباني منها في 1975، وسارعت البوليساريو إلى تشكيل جبهة في العام التالي، لتطالب بانفصال الإقليم -الغني بالأسماك والفوسفات، والذي يُـعتقَـد أن به مكامن نفطية – عن المغرب، في حين يعتبرِه المغرب جزءً لا يتجزّأ من أراضيه. واندلعت الحرب بين الطّـرفين إلى أن توسطت الأمم المتحدة في وقف لإطلاق النار في عام 1991.
وأجرى الطرفان أربع جولات من المفاوضات بغرض إيجاد حل سياسي ونهائي للنزاع، لكن المحادثات تعثرت بسبب تشبّـث كل طرف بمواقفه. ويقترح المغرب خطة تنصّ على منح حُـكم ذاتي واسع للصحراء الغربية تحت السيادة المغربية، في حين تطالب البوليساريو باستفتاء لتقرير المصير تحت إشراف الأمم المتحدة، يترك للصحراويين خِـيار الاستقلال.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 18 مارس 2010)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.