الوضع في سويسرا: ما الذي تكشف عنه مناقشات ميزانية 2025؟
نجحت سويسرا في إقرار ميزانية السنة قبل نهاية العام. ورغم كلّ الاستقطاب، لا يزال البرلمان قادرًا على الوصول إلى حلول وسطى. وبيّنت النتيجة أيضًا أن "سويسرا أولاً" هي القاعدة الأساسية التي تحظى بالأولوية تحت قبة البرلمان.
المزيد
نشرتنا الإخبارية حول التغطية السويسرية للشؤون العربية
استقطاب حاد بشأن الميزانية
واجهت الميزانيّة في وضعها الأوّلي صعوبة كبيرة؛ إذ مثّل الترفيع في ميزانية الجيش مطلب الجميع تقريبا، ولكن عموما، ظلت الكثير من التفاصيل مثيرة للجدل. فاتّضح أنّ على سويسرا أن توفّر في مجالات أخرى، كي تتعامل مع المهام الإضافية. لكن، أين؟ وكيف يمكن ذلك؟ لقد تعدّدت الآراء وتباينت، حتى كادت تضاهي تعدّد مقاعد البرلمان.
لقد تولّدت الصعوبات من اختلاف الآراء بين المجلسين (مجلس الشيوخ المكوّن من ممثلي الولايات، ومجلس النواب المكوّن من ممثلي الشعب) عند تقديم المقترحات، إذ اختلفا في الرأي حول الادخار. فحدد بعض المعلقين والمعلقات في بداية الجلسة، السيناريو الذي ينتظر سويسرا دون اتفاق العام المقبل، بميزانية طوارئ.
وقد تميّزت جلسة الميزانية بكثرة التحديات، حتى في ظلّ وضع مالي جيد نسبيًا، خاصة في غياب ديون قديمة بفضل سياسة الحكومة الصارمة للحد منها. وقد انهارت الحكومة في ألمانيا بسبب الميزانية، وأجبرت ميزانية الديون الحكومة في فرنسا على الاستقالة، وتلتهم خدمات الديون في الولايات المتّحدة ما يناهز مجموع ميزانية الدولة السويسرية بأكملها.
لحظة تألّق في العمل البرلماني
ويُعتبر تمرير الميزانية الوطنية في سويسرا من الناحية الفنيّة، بمثابة لعبة كرة الطاولة بين المجلسين؛ فيمرر كل منهما قراراته ذهابًا وإيابًا، حتى تحظى بنودها بالتوافق.
وقد جرت المناقشة الأولى في مجلس النواب في صخب وتوتّر؛ إذ تعارضت الأطراف المختلفة حتى لم يعد للتوفيق بينها مجال، وقابل كلّ منهما الآخر بالسخرية والازدراء أحيانا.
ثم جاء دور مجلس الشيوخ، وتدخّل في النقاش بطريقة كانت أبرز ما في الجلسة، لأنها تقدم مثالاً رئيسيًا على سياسة التسوية القديمة الجيدة، دون أي مشهد، فقط من أجل ذلك. فدخلت لجنته المالية في جلسة مغلقة للنظر في مقترحات مجلس النواب أوّلا، ثم طلعت على المجلس بمقترح واحد متوازن بدقة للتخفيضات. ويُعدّ ذلك وحده لحظة تألّق، بالنظر إلى موقف البداية.
“ليس كل شيء مناسبا… لكنه مناسب بما يكفي”
قدم ماتياس زوبفي، عضو مجلس الشيوخ عن كانتون غلاروس، المقترح الذي توصلت إليه اللجنة قائلا: “لا يمكن سماع صوت سقوط عود ثقاب، للتركيز الكبير الذي ميز عمل هذه الغرفة”.
ويقول ممثل كانتون غلاروس: ”ربما يكون هذا أهم أعمال الدورة. نعم، نحمل مسؤولية. ونحتاج أولًا إلى ميزانية؛ وثانيًا، علينا أن نتعامل مع تجهيز جيشنا بعدالة، وحس واقعي، وحكمة. وأشعر حتى الآن، أنّ البرلمان يقدم صورة محزنة إلى حد ما. وللجميع أن يقرر إمّا الاستمرار على هذا المنوال، أو التدرّج الآن إلى وضع الحل”.
واقترحت اللجنة المالية حلاً متكاملاً للمشكلة. فقال موضّحا معنى التكامل هنا: “ليس كلّ شيء مناسبا لي، ولكنه يناسبني بما يكفي ليكون منطقياً. وأعلم أن هناك إغراءً كبيرًا للتصويت لصالح ما يناسبك في كل مجال على حدة، هذا الإغراء كبير بالنسبة إليّ أيضا، لكنني أقول لكم: قاوموا!“
فقد أعاد الرجل الأربعيني من كانتون غلاروس في تلك اللحظة بالذات، النقاش حول الميزانية إلى المسار الصحيح، بعد أن تحكّم فيه الاستقطاب الشديد.
الجيش: أين نضع كل هذه الأموال؟
فرفض مجلس الكانتونات جميع اقتراحات مجلس النواب، وصوّت بالإجماع على مقترحات لجنة المالية بمجلس الشيوخ، مرسلا بذلك إشارة قوية لا يستطيع حتى المجلس الوطني تجاهلها. وبالتالي، أمكن الآن حل ما تبقّى من خلافات بين المجلسين بالمفاوضات.
ونتيجة لذلك، انتصر المجلس الوطني، الذي يهيمن عليه يمين الوسط إلى حد كبير. وسيحصل الجيش على 530 مليون فرنك سويسري. ومع ذلك، تساءل هؤلاء أيضا في المجلس، عن كيفية إنفاق هذا المبلغ المالي الكبير بمعقوليّة في عام واحد. كما ستقتطع حوالي 100 مليون فرنك سويسري من المساعدات الإنمائية، في حين ستُجنّب الزراعة.
حدود التضامن
وشكّلت تخفيضات التعاون الإنمائي خاصّة، موضوع نقاش ساخن خلال المفاوضات. ودافع وزير الخارجية إينياتسيو كاسيس عنها بكلمات صارمة قائلا: ”نحتاج، في ضوء ’حلقة النار‘ على أبواب قارتنا، والحرائق العديدة التي نشهدها فيها، إلى الحماية من الحرائق وإلى فرقة إطفاء، وعلينا ألّا نجعلهما في مواجهة بعضهما البعض”.
وقصد كاسيس بفرقة الإطفاء المساعدات الإنسانية، وبالحماية من الحرائق المساعدات التنموية.
ترسل جلسة مناقشة ميزانية البرلمان السويسري رسالة بسيطة إلى بقية العالم، مفادها: ” إنّ تضامن سويسرا له حدود”. كما قرر البرلمان تقييد وضع الحماية للأشخاص القادمين من أوكرانيا، ولن يحصل عليه مستقبلا، سوى مَن نزح مِن مناطق الحرب فيها.
ميثاق الأمم المتحدة للهجرة دون سويسرا
كما أسقط المجلسان ميثاق الأمم المتحدة للهجرة، الذي يحدد التدابير اللازمة لتنظيم الهجرة عبر الحدود، التي ساهمت سويسرا في صياغتها في الأصل. لكن قرر بلد جبال الألب الآن، عدم الانضمام إليه نهائيا. وقد وصفها وزير الخارجية كاسيس، بأنها أداة مفيدة في التعامل مع تدفقات الهجرة، لكن تخشى الأغلبية أن يشكّل الانضمام إلى الاتفاق ضغطًا على سويسرا.
المزيد
نشرتنا الإخبارية المتخصصة في السياسة السويسرية
تحرير: مارك لوتنيغير
ترجمة: ماجدة بوعزّة
مراجعة: عبد الحفيظ العبدلي
التدقيق اللغوي: لمياء الواد
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.