اليمن.. إرهاصات لتحوّلات جوهرية في الحرب على “الإرهاب”
تصاعدت في الفترة الأخيرة وتيرة المُـواجهات بين القوات الحكومية اليمنية وما يُـسمّـى بتنظيم القاعدة. وفي الوقت الذي كثّـفت السلطات من عملياتها العسكرية، ارتفعت حدّة التّـحذيرات الأمريكية من خطر تزايُـد أعضاء تنظيم القاعدة في اليمن، ما يُـعدّ مؤشِّـرا على أنّ ما بات يُـعرف بمكافحة الإرهاب في اليمن، يجتاز مرحلة حاسمة ويُـمثل مقدِّمات وإرْهاصات لبداية جديدة في إستراتيجية وأهداف الحرب على الإرهاب، منذ إعلانها في سبتمبر 2001.
فعلى مدار الأسابيع القليلة الماضية، تحوّل اليمن إلى ساحة حرب شِـبه يومية بين القوات الحكومية وعناصر القاعدة، أدّت إلى سقوط العشرات من القتلى في مناطق يمنِـية متفرِّقة، أغلبهم من رجال الأمن وضبّـاط استخبارات، فيما تعالت الأصوات في واشنطن محذّرة من خطر القاعدة في اليمن.
وبعد أيام معدودات من الكشْـف عن تحذير القيادة المركزية الأمريكية من انهِـيار قوات الأمن والجيش اليمني، والذي ذهب فيه الجنرال جيمس ماتيس، قائد القيادة المركزية الأمريكية إلى القول بأن “صنعاء يُـمكن أن تستنفذ مواردها العسكرية والأمنية إلى الحدّ الذي يوصل الوضع إلى الانهيار”، على حدّ تعبيره، جاء تحذير المخابرات المركزية الأمريكية، الذي اعتبر أن خطر القاعدة في اليمن “أكثر التّهديدات العاجلة على الأمن الأمريكي، وأنه أخطَـر ممّـا تشكِّـله قيادة القاعدة في باكستان”.
“ساحة حرب مفتوحة على كل الاحتمالات”
وارتفعت نَـبرة التحذيرات الصادرة عن أهمّ مرجعيات صُـنع القرار الأمريكي، في الوقت الذي كشفت فيه صحيفة نيويورك تايمز أن العملية التي استهدفت نائب محافظ مأرب الشيخ جابر الشبواني وأسفرت عن مقتله ومجموعة من مرافقيه في مايو الماضي، هي ضربة ضمن الغارات السرية الموجّـهة ضد أهدافٍ لتنظيم القاعدة في جبال وصحراء اليمن منذ ديسمبر 2009، الأمر الذي يضع البلاد والحرب على الإرهاب أمام استِـحقاقات ومُـطالبات أمريكية ودولية جديدة.
الأستاذ محمد الصبري، المحلل السياسي المتخصّـص في العلاقات اليمنية الأمريكية قال لـswissinfo.ch في تعليقه على هذه الأحداث: “هذا التطوّر وضع اليمن، بدولته ومجتمعه، تحت المراقبة، بل فوق كل ذلك، سيجعله ساحة بديلة للحرب على الإرهاب في أفغانستان وباكستان، لقد نقل البلاد من إطار ما كان يُـسمّى دولة حليفة في الحرب ضدّ الإرهاب أو من مرحلة الشراكة في مكافحة الإرهاب، إلى ساحة حرب مفتوحة على كل الاحتمالات”.
ويرى الصبري أن العلاقات اليمنية الأمريكية أمام مرحلة لا يُـمكن وصفها بالجديدة، حسب ما يذهب إليه، لأن الجديد كما يسترسِـل في حديثه، قد يحمل في طيّـاته معنىً إيجابياً، وإنما نحن أمام مرحلة تَـحوُّل سلبي فيما يتعلّق بما يسمّـى بالحرب على القاعدة.. والمشكلة الأكبر، أن الأوضاع في اليمن، كما يراها هذا الخبير تتهيّـأ لكي تكون بِـيئة تتوفّـر فيها كل شروط وذرائع توسّع الحرب على الإرهاب، خاصة مع التطورات الأخيرة.
مخاطر فشل الدولة
هذا التفسير يبدو متّـفقا حوله إلى حدٍّ كبير مع العديد من الآراء التي باتت تتحدّث عن مخاطر فشل الدولة اليمنية، وآخرها ما ذهب إليه تقرير لدائرة الأبحاث في الكونغرس الأمريكي والذي جاء فيه، أن بعض الخبراء يرون «أن فشل الدولة في اليمن سيكون ذو تأثير مُـباشر على الأمن القومي الأمريكي، في حين يرى آخرون أن عدم الاستقرار في اليمن، سيؤثِّـر ليس على المصالح الأمريكية فحسب، ولكن على أمن إمدادات الطاقة العالمية بسبب الموقِـع الإستراتيجي لليمن على باب المندب».
وثمّـة مَـن يَـرى أن هناك تضخيما مقصُـودا للقاعدة في اليمن، بُـغية تبْـرير العمليات العسكرية ضدّ المُـشتبهين بضُـلُـوعِـهم في عمليات إرهابية، وهي العمليات التي تلاقي رفْـضا شعبيا، لاسيما في المناطق القبَـلية التي يتركّـز فيها بعضٌ من أولئك المُـشتبهين، ويحظى خِـطابها بقَـبولٍ ملحوظٍ في تلك الأوْساط المتوجِّـسة من نوايا الولايات المتحدة ضدّ الإسلام والمسلمين، وينتشر فيها الفقر والأمية.
تضخيم مقصود
ويذهب بعض المحلِّـلين إلى أن هناك تضخيم مقصود للقاعدة في اليمن، له غايةً مُـزدوجة. فهو من ناحية، يرمي إلى تبرير المزيد من التدخّـل الأمريكي في البلاد، ومن ناحية أخرى، فإنه بالنسبة لصنعاء، وِفْـق هذا التفسير، يهدف إلى إعطاء غِـطاء لتحْـجيم، ليس للجهاديين من المُـشتبه بانتِـمائهم إلى تنظيم القاعدة، وإنما أيضا إلى وضْـع حدٍّ لِـما تُـطلِـق عليه السلطات، بالخارجين على القانون، وهذا التَّـوصيف، وإن كان يُـشير إلى الحِـراك الجنوبي الذي يُـقلِـق النظام، إلا أنه يشمَـل أيضا مُـرتكِـبي الأعمال الإجرامية والتقاطعات التي استهدفَـت العديد من المصالِـح الحكومية والأفراد، بعد أن ارتفعت وتِـيرتها في الأشهر العشرة الأخيرة، بشكلٍ غيْـر مسبوق.
لكن ناصر الربيعي، المحلِّـل السياسي استبعد في تعليقه لـ swissinfo.ch فرضِـية التَّـضخيم، مؤكِّـدا أن القوات اليمنية بوضعها الحالي، غير قادِرة على حسْـم ملَـف القاعدة في اليمن بشكل نهائي، وأن الحكومة اليمنية، إذا كانت تتحدّث عن القاعدة من أجْـل الحصول على دعْـم، فهي فِـعلا تحتاج إليه، لأنها على حدِّ تعبيره، لا تقدِر على حسْـم المسألة، لا أمنِـيا ولا عسكريا ولا اقتصاديا، وتحتاج إلى تعاوُنٍ إقليمي ودولي لوضْـع حدٍّ لتنامي نشاط العناصِـر الإرهابية.
توفير ذرائع أو خلقها لشن الحرب
غير أن الباحث والمحلِّـل الصبري يضفي شيئا من الوجاهة على فرضية التّـضخيم، موضِّـحا بأن ثمّـة محدّداً لابُـد من أخذِه في الحُـسبان، عندما يتعلّـق الأمر بالحديث عن مُـقتضيات العلاقات الدولية، وعلى وجْـه الخصوص منها، الجانب المتعلّـق بالحروب، وذلك المحدّد كما يسرده، هو ما يُـعرف بتوفّـر الذرائع أو خلقها لشنّ حرب. موضِّـحا أن تضخيم قُـدرات الخصْـم، عمل مقصود لتوفير ذريعة لتَـبرير الحرب وتبرير النّـفقات، وغايتها، إضْـفاء مشروعيةٍ على تنفيذ العمليات العسكرية والاستخباراتية في مجتمع يُـعارض مثل ذلك التدخل.
الأمر الثاني، الذي يسوقه الصبري أن “اليمن، بالإضافة لكونها، ومنذ أحداث 11 سبتمبر أو ربّـما من قبل ذلك، تتوفّـر على بيئة جاذبة لتواجُـد بعض أفراد تنظيم القاعدة، سواء من أيام تفجير المدمّـرة الأمريكية إس إس كول عام 2000 أو ما بعدها، لكن اليوم، هناك ذريعة أخرى تُـبرِّر التدخّـل، وهي أن اليمن على مشارف الانهِـيار أو التحوّل إلى دولة فاشلة، وهذا النّـوع من الدول التي باتت تُـصنَّـف بأنها خطيرة تهدِّد الأمن والسلام الدوليَـيْـن، حسب المنظور الذي ازداد حضورا مع عهْـد أوباما، يفتح الباب أمام كلّ الاحتمالات. واليمن بوضعه الحالي، يُـبرِّر كلّ أنواع التدخّـل بذريعة مساعدته على محاربة الإرهاب”.
الحرب السرية
وحول طبيعة التدخل الأمريكي المُـحتمل، يعتقِـد الصبري أنه سيتّـخذ أولا طابع الحرب السرية، التي أعلِـن عنها صراحة مؤخَّـرا، وهي أخطَـر الحروب، مذكِّـرا في هذا الإطار ما أكَّـدته إدارة أوباما، بأن واشنطن تقوم بحرب سرية في اليمن، وهي التي تجري الآن عبْـر الاستخبارات وتنفيذ عمليات ضدّ أهداف للإرهابيين.
وفي مرحلة ثانية، يمكن أن تنتقِـل إلى تدخّـل مُـباشر عبْـر تنفيذ عمليات عسكرية على الأرض في مناطق جغرافية معيَّـنة، ربما تكون المناطق القبلية (شبوة، مأرب، أبين)، التي تدور فيها المعارك، وربما تمتَـدّ إلى جهات أخرى.
وفي كل الأحوال، يبدو أن تزايُـد وتيرة المُـواجهات مع عناصر القاعدة وارتفاع نَـبْـرة التحذيرات من مخاطِـر الإرهاب على أمْـن البلاد وعلى المنطقة والعالم في آن واحد، مقدّمة أو إرهاصات لتَـحوُّلات جوهرية في السياسة الأمريكية تُـجاه ما ينضَـوي تحت لافِـتة ما يُـسمَّـى بمكافحة الإرهاب في اليمن، الذي رفعته واشنطن بُـعيْـد تفجيرات 11 سبتمبر 2001، وعلى أساسِـه، أصبح العالم عامّـة واليمن خاصة، ساحة مفتوحة لمُـطاردة الإرهابيين.
وعلى ما يبدو، فإن تكثيف قاعِـدة الجهاد في اليمن والجزيرة، كما يطلقونه على أنفسهم لعملياتهم في الآونة الأخيرة، والاشتباه بضلوعهم بالإعداد والتّـخطيط لعمليات خارج التراب اليمني، كالتي نفَّـذها نضال حسن ضدّ زملائه في قاعدة فورت هود، ومحاولة عمر فاروق اختطاف الطائرة الأمريكية، التي كانت في طريقها إلى مدينة ديرويت نهاية شهر ديسمبر من العام المنصرم، وإعلان مسؤوليتهم عن محاولة اغتِـيال السفير البريطاني في وقت سابق من العام الجاري، وجميع تلك العمليات يُـعتقَـد أن العقل المُـدبِّـر لها هو أنور العولقي، وبأنه مَـن أعَـدّ وأعطى الأوامر والتوجيهات لمنفِّـذيها، والذي يلوذ بالمناطق القبلية البعيدة عن سيطرة الدولة، الأمر الذي سيقود إلى تكثيف العمليات في تلك المناطق بحثاً عن العولقي وقيادات ما يُـسمى بـ “تنظيم القاعدة في شبة الجزيرة العربية”.
مصالح متعددة المطامح والأهداف
ومع كل هذه التطوّرات ودلالتها، ثمَّـة مَـن يذهب إلى أنه لا يُـراد لهذا الإشكال أن يُـحلّ ويُـحسَـم بشكل نهائي، طالما يخدِم أهدافا بعيدة الأمَـد، منها ما هو داخلي يتعلق بحسابات مصالح الداخل، ومنها ما هو خارجي يرتبِـط بحسابات المصالح الإقليمية والدولية، دونَـما اعتبار لتداعِـيات ذلك على مستقبل البلاد خاصة، وعلى مستقبل المنطقة عامّـة،- وربما أن بعض جوانِـبها تتعلّـق بالتحضير لضرْب إيران.
لكن عموما، يبدو أن مسألة مكافحة الإرهاب في اليمن ستشهَـد مرحلة مُـختلفة عن سابقها وأن التفاعلات والتطوّرات الأخيرة، التي تُـحيط بهذا الملفّ، ليست إلا مقدِّمات وإرْهاصات لترتيبات، من السابق لأوانه تحديد طبيعتها كاملا، وأن القضايا المحرّكة للصِّـراع في المنطقة، تتداخل وتتضارب حوْلها مصالِـح أطراف محلية وإقليمية ودولية، متعدِّدة المطامح والأهداف.
صنعاء – عبد الكريم سلام – swissinfo.ch
صنعاء (رويترز) – قال مسؤول يوم الخميس 27 أغسطس، إن القوات اليمنية لا تحتاج إلى أطراف خارجية لتتولّـى قِـيادة الحملة على تنظيم القاعدة، وذلك ردّا على تقارير مفادُها أن الولايات المتحدة قد تكثّـف الهجمات على تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، الذي يتّـخذ من اليمن مقرّا له.
وفند المسؤول الأمني تصريحات لمسؤولين أمريكيين، قالوا فيها إنهم قد يُـصعِّـدون الهجمات. ونقلت وكالة الأنباء اليمنية سبأ عن المسؤول قوله أن اليمن قادِر على مكافحة تنظيم القاعدة، دون تدخُّـل خارجي. وقال “القوات اليمنية، وبدعْـم الأصدقاء والأشِـقّـاء، قادِرة على تحمُّـل مسؤوليتها كاملة في القضاء على عناصِـر القاعدة، ومَـن يُـساندهم من عناصر التخريب”.
وشنّ اليمن، المجاور للمملكة العربية السعودية، حملةً على تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، بعد أن أعلن التنظيم مسؤوليته عن محاولة فاشلة لتفجير طائرة ركّـاب متّـجهة للولايات المتحدة في شهر ديسمبر الماضي.
وتشارك الولايات المتحدة منذ سنوات في محاربة الحكومة اليمنية للتشدّد، لكن محاولة التفجير الفاشلة أقلقت واشنطن بشدّة، بحيث كثفت مساعداتها لليمن في مجالات التّدريب ومعلومات المخابرات والمعُـونة العسكرية، وأرسلت قوات خاصة إلى هناك.
وجرى التّـشكيك في دوْر الولايات المتحدة في وقت سابق هذا الأسبوع، حين نشرت منظمة العفو الدولية تقريرا، جاء فيه أن القوات الأمريكية قد تكون تعاوَنت مع اليمن في هجمات على متشدِّدين، تمثِّـل انتهاكا للقانون الدولي.
وقالت المنظمة المعنِـية بالدفاع عن حقوق الإنسان، إن القصف الجَـوّي للمُـشتبه في انتمائهم لتنظيم القاعدة، يُـعتبر إعداما بدون محاكمة، وحثَّـت الولايات المتحدة على توضيح طبيعة مشاركة قوّاتها أو طائراتها بلا طيار في هذه الهجمات.
وفي مايو الماضي، ذكرت وسائل إعلام يمنية مؤيِّـدة للمعارضة، أن طائرة بلا طيار نفَّـذت غارة جوية اسْـتهدَفت تنظيم القاعدة، أسفرت عن مقتَـل وسيط حكومي بطريق الخطأ، مما أدّى إلى اشتباكات بين القوات الحكومية وأقاربه.
وصعَّـد متشدِّدو تنظيم القاعدة من هجماتهم على رجال الأمن اليمنيين منذ يونيو الماضي وأعلنوا المسؤولية عن هجمات راح ضحيَّـتها عشرات القتلى، ووصفوها بأنها عمليات انتِـقامية ردّا على تواطُـؤ الحكومة المتزايِـد مع الولايات المتحدة.
وقال مسؤولون أمريكيون يوم الأربعاء 26 أغسطس، إنهم قد يبحثون زيادة الضَّـغط على جناح القاعدة باليمن، باستخدام طُـرُق مُـماثلة لهجماتهم بطائرات بلا طيار على تنظيم القاعدة بباكستان.
أما اليمن، الذي يُـناضل لكبْـح جِـماح حركة انفِـصالية في جنوبه، وتعزيز هُـدنة مع المتمرِّدين الحوثيين في شماله، فيواجه ضغوطا متزايِـدة لحلِّ صراعاته الداخلية، حتى يركِّـز على تنظيم القاعدة.
وعلى الرغم من تصاعُـد وتيرة العُـنف في محافظة ابين المُـضطربة بالجنوب على مدى الأسبوع المنصرم، والذي أنحت الحكومة باللاّئمة في مُـعظمه على تنظيم القاعدة، فإن المسؤول الأمني اليمني قال، إن قوات الأمن تُـحقِّـق نجاحات في مُـواجهة المُـتشدِّدين.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 27 أغسطس 2010)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.