اليمن: توافُـق معلَّـق على الحِـوار بين الحكومة والمعارضة
صوّت مجلس النُّـواب اليمَـني يوم الخميس 26 فبراير بالأغلبية المُـطلقة على مُـقترح لتعديل دستوري، تقدّم به نواب الحكومة والمعارضة على السّـواء، يسمح بتمديد فترة المجلس التشريعي لعامَـين إضافيين، حتى يتمكّـن خلالها الطّـرفان من التّـوافق على إصلاحات دُستورية وانتخابي، ظلّـت المعارضة تطرحها كشرط لخَـوض أيِّ مُـنازلة انتخابية مع الحِـزب الحاكم.
ووافق المجلسُ على إحالة المُـقترح إلى لجنة خاصّة للتصويت لدراسته، ومن ثَـمّ التّـصويت عليه في غضون 60 يوما، قبل نهاية المجلس الحالي، طِـبقا للمُـقتضيات الدستورية، ممّـا سيُـمدِّد عُـمره إلى ثمان سنوات، بدلا من ستِّ.
ومن المنتظر أن يُـقر في العامَـين الإضافيين عددا من التشريعات، ذات الصِّـلة بالقانون الانتخابي وتشكيل اللّجنة العليا للانتخابات والاستفتاء، وإدخال نِـظام الاقتراع بالقائمة النِّـسبية، الذي تُـطالب به المعارضة.
وتبايَـنت التفسيرات لقَـبول الحزب الحاكم “المؤتمر الشعبي العام” بتأجيل الانتخابات النيابية والدّخول في جولة جديدة من الحِـوار مع المعارضة. فهناك من عزا هذه الخطوة إلى تحوّلات ومتغيِّـرات هامّـة طرأت على الصعيدين الداخلي والخارجي، عملت على تزايُـد الضغوط على السّـلطة، وهناك من رأى أنها مجرد محاولة استِـدراكية لإعادة الحيَـوية إلى النّـهج الديمقراطي الذي كان قد بدأ يفقِـد وهجَـه مع تفاقُـم الخِـلافات بين الحزب الحاكم والمعارضة.
تحدِّيات أمنية واقتصادية
فعلى الصعيد الداخلي، عرف اليمَـن تحدِّيات كبيرة، على المُـستويين الأمني والاقتصادي.
أمنِـيا، طرحت التّـهديدات الجديدة لتنظيم القاعدة مخاطِـر كبيرة على الحكومة اليمنية، التي عرّضت الشراكة في مكافحة الإرهاب مع الدّول الأخرى، إلى امتحان عسير، فيما ظلت الحركات الاحتجاجية في الجنوب، تُـعاوِد الظُّـهور من حين لآخر، كما أن حرب المتمرّدين “الحوثيين” في شمال البلاد، ما زالت آثارها باقية وفي انتظار تحقيق الوُعود التي قدمت لمعالجتها.
واقتصاديا، وضعت الأزمة المالية العالمية اليَـمن أمام تحدِّيات غير مسبوقة، نتيجةً لتراجُـع أسعار النّـفط في السوق الدولية، التي تشكِّـل أزيد من 60% من موارد الخزينة العامّـة، واضعة بذلك حدّاً لنُـموّ الموارد الرَّيْـعية للنفط، التي استمرت منذ عام 2001، وعلى إثر ذلك، اضطرّت الحكومة إلى تقليص النّفقات العامة (عدا الأجور) بواقع 50% (بعد أن كانت وضعت تقديراتها على أساس أسعارِ النفط قبل انهيارها)، فيما عوّلت على المِـنح والمُـساعدات لتغطِـية تلك الفجْـوة التّـمويلية، التي سبَـق أن تعهَّـد مانحون إقليميون ودُوليون بتقدِيمها لليَـمن، خلال مؤتمر لندن الذي عُـقد تحت رعاية المؤسسات المالية الدولية عام 2006 والتزَمت خلاله الحكومة بتنفيذ جُـملة من الإصلاحات، التي تعزِّز مسار الديمقراطية الناشئة في اليمن.
تلك المُـعطيات مجتمعة، دفعت بعض المراقبين إلى الرّبط بينها وبين التحوّل المفاجِـئ في موقِـف الحزب الحاكِـم من تأجيل الانتخابات التشريعية وقَـبوله الدّخول في جولة جديدة من الحِـوار مع المعارض، بهدفِ ضمانِ مُـشاركتها في الانتخابات، غير أن مصادِر رسميّـة قلّـلت من ذلك وأرجعت التوصّـل إلى ذلك الاتِّـفاق إلى “حِـرص الرئيس علي عبد الله صالح وحِـزبه على الحِـفاظ على حيوية التجربة الديمقراطية وإجراء انتخابات تُـشارك فيها جميع ألوان الطَّـيف السياسي”.
لكل طرف تفسيره
وفي تعليق له على ذلك الرّبط، قال طارق الشامي، رئيس الدّائرة الإعلامية في المؤتمر الشعبي الحاكم لسويس انفو: “إن الاتِّـفاق جاء محصِّـلة لجولات طويلة من الحِـوار بين الجانبين”، مشيرا إلى أن “تلك الجولات، إن كانت قد تعرّضت إلى بعض التوترات، فإن ذلك راجِـع لطبيعة القضايا التي يدُور حولها الحوار”، والمُـهم حسب رأيه، هو إنجاح التجربة الديمقراطية والحِـفاظ عليها، كمكسب للجميع.
وحول الأسباب التي أدّت إلى الاتِّـفاق المفاجئ بين الطَّـرفين بعد طُـول خلاف ووُصول العلاقة بينهما مرحلة حرِجة، قال علي الصراري، القيادي في تكتل المعارضة وعضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني لسويس انفو: “فيما يتعلّـق بموقِـف المعارضة طوال المرحلة السابقة للِّـقاء المشترك، كان يُـطالب بتنفيذ الاتِّـفاقات الموقّـعة بينه وبين المؤتمر الشعبي العام، ومنها بالذّات، الخاصة بتوصِـيات بِـعثة الاتحاد الأوروبي، التي وقّـع عليها الجانبان في ديسمبر 2006، عقِـب الانتخابات الرئاسية والمحلية، وتضمّـنت تلك التوصِـيات جُـملة من إصلاحات العَـملية الانتخابية لجهة قانون الانتخابات وتشكيل اللجنة العليا، لكن منذ ذلك الحين، جرَت عملية تسويف ومُـماطلة”.
واستطرد الصراري موضِّـحا: “لكن في الآونة الأخيرة، مع بدءِ العدِّ التّـنازلي لموعد التحضير للانتخابات التشريعية ونتيجة قِـصَـر المدّة الزمنية، وجد اللِّـقاء المشترك، من الناحية الموضوعية والعملية، أن تمسُّـكه بتنفيذ تلك التوصِـيات، يحتاج إلى مدّة كافية، حتى يتِـم تعديل الدستور والتّـحاور والاتِّـفاق على بنود التعديلات، التي ستدخل على قانون الانتخابات، لاسيما أن الوقت السّـابق ضيّـع في حِـوارات عبَـثية، والنتيجة ستكون هي التّـأجيل، فوافَـقنا على التّمديد، حتى نتمكّـن من إجراء الانتخابات بعدَ تنفيذ الإصلاحات”.
الأمر الآخر، حسب ما يذهب إليه القِـيادي المعارض، هو أن “أعضاء المؤتمر الشعبي العام، بعد أن كانوا يؤكِّـدون أنهم سيمضون للانتخابات منفردين، لابُـد أنهم أدركوا أن السَّـير المُـنفرد إلى الصندوق، ستكون آثاره كبيرة على المستوى السياسي وعلى العملية الديمقراطية”.
الإصلاحات أم الانتخابات؟
وفيما رأى البعض في اتِّـفاق السلطة والمعارضة انتصارا لهذه الأخيرة، يرى الصراري أن “التوصُّـل إلى الاتفاق، ليس فيه نصْـر ولا هزيمة لأي طرف، وإنما يُـمثل فُـرصة للطّـرفين، أجّـلت الأزمة ووفّـرت المناخ الذي سيُـساعد على بحث القضايا الخلافية في جوّ من الهدوء، بدلا من أجواء التوتُّـر التي هيمَـنت قبل الاتِّـفاق، وهو عموما لم يقدِّم مكسَـبا لأحد، لأنه لم يقِـف على كل المشاكل ولم يطرح لها الحلول، وجميع تلك القضايا ما زالت في إطار النقاش”.
التّـركيز على المسألة الانتخابية، كما بدا من خلال اقتصار بُـنود الاتفاق على إيجاد ظروف مناسبة لمراجعة قانون الانتخابات، بما فيه اعتماد نظام الاقتراع بالقائمة النسبية الذي تُـطالب به المعارضة، أظهر المسألة كما لو أنها اختزلت المُـشكلة في جزئية الانتخابات، على الرّغم من أن القضايا التي ظلّـت ترفعها المعارضة، أوسع بكثير من ذلك، وتتعلّـق بإصلاح سياسي ودستوري شامل.
ويطرح هذا التمشي أكثر من علامة استفهام حول جدّية المعارضة في تسوِية الملفّـات، التي ظلّـت تتصدّر أولويات اهتمامها، كما يُـعيد الحديث حول الصَّـفقات التي تُـسوّى بين الجانبين، ممّـا قد يفضي إلى زعزعة الثقة، ليس فقط بالأحزاب السياسية، بل وبالمسألة الديمقراطية على حدٍّ سواء، خاصة وأن مِـثل هذه الآراء بدأت تتبلوَر منذ بدءِ الحديث عن هذا الاتفاق في وسائل الإعلام، والتي على إثره تعالت أصوات منتقِـدة لتكتُّـل المعارضة واتّـهمته بالتفريط بالمطالب الإصلاحية الشاملة وتركيزه فقط على الجُـزئية الانتخابية.
نقطة تحول حقيقية .. أم مؤقتة؟
وفي تعليقه على ذلك، أكّـد علي الصراري على أن الاتفاقية، وإن عالجت الانسِـداد السياسي المتمثِّـل بالتّـرتيب لانتخابات يقبل الجميع بقواعدها، لكنها ستؤدي – حسب رأيه – إلى تهيِـئة الأجواء السياسية لبحث المشاكِـل الأخرى، التي قال إنها ستُـطرح على الطاولة، لأن هذا “هو الوقت المناسب لتسوية المشاكل الكُـبرى، التي تُـعاني منها البلاد على أكثر من مستوى، وليس في مصلحتها أن تظلّ معلّـقة”، على حد قوله.
عموما، يمكن القول أن هذا الاتِّـفاق مثَّـل في نظر المراقبين والمُـتابعين نقطة تحوُّل بارِزة في سماء الحياة السياسية، التي عكَّـرتها خلافات السلطة والمعارضة طيلة الفترة السابقة، لكن على الرغم من نَـشوة الفرَح التي تخامر الكثيرين جرّاء الانفراج الذي ترتّـب على هذه الخطوة، فإنه من السّابق لأوانه الحديث عن تحوّل حقيقي طويل المدى للتوافقات السياسية، خاصة أن تاريخها السياسي حافِـل بوقائع كثيرة من الأزمات، التي كثيرا ما أدّت إلى انتهاء شهر العسل قبل أوانه، إن لم تتحوّل إلى خصومات ومواجهات شرِسة، مثلما حصل في حرب صيف 1994 بين شريكيْ توحيد البلاد، الحزب الاشتراكي اليمني “والمؤتمر الشعبي العام”، ثمّ بين هذا الأخير وحليفه التّقليدي، التجمّع اليمني للإصلاح، وتحوّله إلى قطيعة منذ عام 2001.
الأمر الآخر، أن تحسُّـن العلاقات بين السلطة وأي من اللاّعبين السياسيين، ارتبط دوْما بتقاسُـم غنائم الرَّيْـع السلطاني، وبالتالي، تترتّـب عليه “تبِـعات” ما زالت حاضرة في أذهان الكثير من اليمنيين الذين عايشوا بعض تِـلك المراحل التوافُـقية، بين أطراف اللُّـعبة السياسية في الساحة اليمنية.
باب مفتوح لكل الاحتمالات
الخلاصة، أنه بقدْر ما حملته هذه الخُـطوة من فتح باب للأمل لتجاوز حالة الاحتقان السياسي بين السلطة والمعارضة، يبقى من السّابق لأوانه الجَـزم بأن اليمَـن قد ولَـج إلى مرحلة جديدة من التّـوافق، لاسيما أن اشتِـداد الخلافات بين الفريقين خلال الفترة الماضية، لم تتولّـد إلا عن الجولات الحوارية التي كانت تُـنظّـم بهدف الخروج من مأزق منازعاتهم، وهو ما يترك الباب مفتوحا لكل الاحتمالات ولا يبعَـث على التفاؤل بتجاوز أطول أزمة عرفتها الساحة اليمنية بين السلطة والمعارضة منذ حرب صيف 1994.
عبد الكريم سلام – صنعاء
صنعاء (رويترز) – قالت مصادر برلمانية إن مجلس النواب اليمني صوّت يوم الخميس 26 فبراير لصالح تأجيل الانتخابات البرلمانية، التي كانت مقررة العام الحالي، الى عام 2011 لاتاحة الوقت لتنفيذ اتفاق الاصلاح الانتخابي الذي توصل اليه الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة.
ووافقت أغلبية كبيرة على تعديل دستوري للسماح بتأجيل الانتخابات من ابريل المقبل الى نفس الشهر من عام 2011، وتحتاج المصادقة على الاقتراح، اجراء تصويت آخر في غضون 60 يوما.
وقال وزير الخارجية اليمني أبو بكر القربي أمام الجمعية العامة للامم المتحدة في سبتمبر الماضي، ان اليمن سيسمح لمراقبين دوليين بمراقبة الانتخابات لضمان نزاهتها، لكن أحزاب معارضة عقدت اجتماعات حاشدة في نوفمبر الماضي، احتجاجا على ما وصفته بجهود الحكومة للتلاعب في التصويت المقرر، الذي هددت بمقاطعته.
واتفق اسلاميون واشتراكيون وقوميون عرب من المعارضة الاسبوع الحالي مع حزب المؤتمر الشعبي الحاكم، بقيادة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، على إجراء تغييرات في النظام الانتخابي.
وقال سلطان حزام، زعيم ائتلاف المعارضة في تفسير لسبب تأجيل الانتخابات، ان الاتفاق سيحتاج لمزيد من الوقت للمناقشة والتنفيذ. وأجريت آخر انتخابات برلمانية في اليمن عام 2003. وفي عام 2007، حدث تأجيل سابق للانتخابات لاجراء تعديل دستوري أيضا.
ويزيد الفقر والبطالة من حالة الاستياء في اليمن، الذي يصل تعداد السكان فيه الى 22 مليون نسمة، وهو أحد أفقر الدول خارج قارة افريقيا، كما يواجه حركة تمرد في محافظات شمالية.
وقاطعت المعارضة اليمنية انتخابات المحافظين العام الماضي، وقالت ان الانتخابات الرئاسية التي أجريت عام 2006 وأبقت صالح في السلطة، تعرضت للتزوير، بينما قال مراقبون من الاتحاد الاوروبي إن الانتخابات الرئاسية اليمنية كانت “حقيقية”، على الرغم من وجود بعض الانتهاكات.
وشن اليمن، مسقط رأس أجداد أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة، حملة ضد المتشددين. وتعاونت صنعاء عن قرب مع واشنطن بعد هجمات 11 سبتمبر وهجمات شنتها القاعدة في اليمن، من بينها تفجير سفينة حربية أمريكية عام 2000.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 26 فبراير 2009)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.