انتقادات لتجاهل الاحتلال في تقرير إسرائيل أمام آلية الاستعراض الدوري الشامل
تقرير إسرائيل أمام آلية المراجعة الدورية الشاملة لمجلس حقوق الإنسان يثير انتقادات الدول العربية والإسلامية ويقابل بانتقادات محتشمة من بعض الدول الغربية، في الوقت الذي اعتبر فيه ممثل إسرائيل بأنه "حتى ولو أن الحصيلة ليست ممتازة فإن من مزايا النظام الديمقراطي أن به آليات متعددة تسمح بالنقد والمراقبة".
أخضعت آلية الاستعراض الدوري الشامل التابعة لمجلس حقوق الإنسان، يوم الخميس 4 ديسمبر، إسرائيل لأول مرة لعملية تقييم حصيلة حقوق الإنسان في هذا البلد الذي تتصدر أحداثه الأنباء العالمية يوميا بسبب الاحتلال والحصار والمضايقات اليومية التي يتعرض لها الفلسطينيون في قطاع غزة والضفة الغربية والتي تطال أيضا بعض الأقليات داخله.
وإذا كان العديد ينتظرون رؤية أن تكون عملية الاستعراض الدوري الشامل، مختلفة عما تعودت تجربته لجنة حقوق الإنسان من قبل ومجلس حقوق الإنسان اليوم، من انقسام بين الكتل بخصوص معالجة أوضاع حقوق الإنسان في هذا البلد نظرا لكونها طوعية وبمحض إرادة الدولة المعنية وليست قرارا يستفرد ببلد بحاله مثلما رددت إسرائيل دوما عند معالجة البند الثابت في آليات حقوق الإنسان ألا هو “وضع حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة من قبل إسرائيل”، فإن النتيجة كانت هي نفسها.
انتقاد شديد من الدول العربية والإسلامية وبعض الدول من مجموعة عدم الانحياز، وتوصيات محتشمة من بعض الدول الغربية برفع الحصار والسماح للمساعدات الإنسانية بالمرور. بل إن بعض الدول الغربية لم تتردد في تقليد “إطناب” بعض الدول العربية (في كيل المديح لبعضها البعض في جلسات سابقة) لتشيد بالنظام الديمقراطي في إسرائيل والتذكير بالاحتياجات الأمنية لهذا البلد.
“ديمقراطية فتية رغم النقائص”
فقد لخص الممثل الدائم لدولة إسرائيل لدى الأمم المتحدة في جنيف ورئيس الوفد الإسرائيلي فحوى تقرير إسرائيل المقدم أمام آلية الاستعراض الدوري الشامل بقوله “إن هناك نوعا من الفخر بثقافة حقوق الإنسان التي حرصت إسرائيل على تطويرها منذ قيام الدولة قبل ستة عقود”.
وبعد أن ذكّر بضرورة خلق “ملجأ آمن لكل اللاجئين اليهود من مختلف أنحاء العالم، خصوصا بعد ويلات الحرب العالمية الثانية وبعد حدوث المحرقة “الهولوكوست””، أعاد الممثل الإسرائيلي التذكير بأن “مؤسسي دولة إسرائيل تعهدوا بتكوين مجتمع يضمن الحماية من مثل هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان، ومجتمع يعكس القيم المقدسة للأنبياء”، على حد تعبيره.
ولكن الممثل الإسرائيلي اعترف بان “الحصيلة ليست ممتازة، لكن الميزة في كوننا في بلد ديمقراطي هو أن هناك آليات متعددة للحوار المنتقد وللمراقبة”.
وقد عدد أعضاء الوفد الإسرائيلي ما يرونه نقاطا إيجابية في حصيلة إسرائيل في مجال حقوق الإنسان مثل التوقيع على المعاهدات الأساسية لحقوق الإنسان، والسماح لثمانية مقررين خاصين بزيارة إسرائيل خلال الثلاثة أعوام الماضية.
كما أوضح أعضاء الوفد الإسرائيلي بأن الكنيست (البرلمان) يشتمل على ممثلين من مختلف الطوائف حتى الأقليات، ومن عرب ويهود ومن متدينين وعلمانيين.
تجاهل للمسؤولية كقوة محتلة
سفير فلسطين لدى الأمم المتحدة في جنيف أعرب في تدخله عن “الاستغراب” لكون التقرير الذي قدمته إسرائيل “خلا من أية إشارة إلى مسؤولية إسرائيل كقوة احتلال عن حالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة”، مطالبا إسرائيل بإنهاء الاحتلال، والالتزام بحق تقرير المصير، والإعتراف بحق اللاجئين الفلسطينيين، ووقف الأنشطة الاستيطانية، وإلغاء الإجراءات غير القانونية بضم القدس الشرقية وتهويدها وإطلاق سراح كافة الأسرى.
المندوب السوري انتقد العرض الإسرائيلي قائلا: “إن التقرير صور إسرائيل وكأنها واحة للديمقراطية وحقوق الإنسان… وأهمل أن إسرائيل هي دولة يهودية وأن اليهود هم وحدهم من يشكلون الدولة مثلما جاء في التقرير”. وانتهى السفير السوري إلى أنها “عنصرية فاضحة تخضع اليهود للقوانين المدنية بينما يخضع العرب للقوانين العسكرية الجائرة”، ثم وجّـه توصياته إلى “ترويكا” آلية الاستعراض الدوري الشامل متفاديا مخاطبة الوفد الإسرائيلي مباشرة.
ممثل مصر أوضح بأن “المجلس لم يختر الانفراد بمحاكمة إسرائيل على سجلها في مجال حقوق الإنسان بل إن إسرائيل هي التي اختارت ذلك لأنها تعمدت تجاهل القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي بمواصلة احتلال أراضي ثلاث دول عربية”. وأشار مندوب مصر في المجلس إلى أنها “المرة الأولى في تاريخ البشرية أن قررت دولة بناء جدار أمني على أرض شعب آخر وليس على أراضيها”، في إشارة الى الجدار العازل الذي كان محط انتقاد من طرف العديد من الوفود العربية وغير العربية.
من جهته، قال ممثل إيران في مستهل تدخله بأن “جلسات مجلس حقوق الإنسان سوف لن تكفي لاستعراض الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان المرتكبة من قبل إسرائيل”، وقد أثار أثناء تدخله قلق رئيس مجلس حقوق الإنسان بوصف الدولة العبرية بـ “النظام الصهيوني”، وهو ما تطلب تدخلا من الرئيس للتذكير بالعبارات التي يجب تفاديها في مثل هذا المحفل.
إطناب في المدح يسبق نقدا محتشما
إذا كانت الدول العربية قد تعرضت للإنتقاد في الدورات السابقة بسبب إطنابها في مدح بعضها البعض وتجنب تقديم الأسئلة المحرجة، فإن الدول الغربية في تدخلها للتعليق على التقرير الإسرائيلي لم تخرج عن هذه الممارسة إلا نادرا.
فقد اعتبر ممثل ألمانيا أنه “يجب دوما أخذ بعين الاعتبار الظروف الأمنية التي تحيط بإسرائيل عند مناقشة أوضاع حقوق الإنسان في هذا البلد”، وشدد على أنه “يدين باسم المانيا والاتحاد الأوروبي الهجمات بالصواريخ ضد إسرائيل انطلاقا من غزة”، ثم اكتفى بالتساؤل: “ما الذي تقدمه إسرائيل لضمان حرية تنقل عمال الإغاثة والدبلوماسيين والصحفيين” بسبب الحصار المفروض على غزة.
المندوب الأسترالي أشاد بما جاء في التقرير من تعاون إسرائيل مع ممثلي المجتمع المدني ومع منظمات حقوق الإنسان ومع المدافعين عن حقوق الإنسان قبل أن يشجع إسرائيل على مواصلة هذا التعاون ومواصلة حماية حقوق الأقليات. ثم تحول الممثل الأسترالي الى التعبير عن “تفهمه للمخاطر الأمنية التي تواجهها إسرائيل من قبل الهجمات الإرهابية” التي قال عنها “إنها تمس بالأسس الرئيسية لحقوق الإنسان”. ومع أنه أشاد بما جاء في التقرير الإسرائيلي من تفاصيل عن أوضاع السجناء، إلا أنه أشار الى وجود تقارير لمنظمات مدنية تشير إلى سوء المعاملة. وفي إشارة الى الحصار المفروض الأراضي الفلسطينية، اكتفى الممثل الأسترالي بدعوة الوفد إلى “توضيح الإجراءات التي تتخذها إسرائيل للسماح بمرور المساعدات الإنسانية”.
ممثل فرنسا استهل كلمته بـ “الإشادة بالتقاليد الديمقراطية للمجتمع الإسرائيلي والدور الذي تلعبه المحكمة العليا لضمان الحقوق والحريات الأساسية”، ثم تطرق إلى تعداد النقاط التي يود توضيحها مثل الحبس الإداري بدلائل تبقى سرية التي يلجأ لها الأمن الداخلي بكثرة والتي تطبق في حق النشطاء الفلسطينيين وفي بعض الأحيان أيضا في حق المدافعين عن حقوق الإنسان.
كما أثار الممثل الفرنسي موضوع النصوص القانونية التي تخول اليهود حقوقا أكثر من حقوق الأقلية العربية في إسرائيل وهذا على الرغم من اعتماد النصوص المؤسسة لدولة إسرائيل مبدأ المساواة بين كل المواطنين. وعلى غرار العديد من الوفود أثار الممثل الفرنسي وضع البدو الذين قال عنهم “إن هناك محاولات لمنعهم من العيش فوق أراضيهم في جنوب إسرائيل”.
ممثلة سويسرا التي رحبت بتوقيع إسرائيل على أغلب المعاهدات والصكوك الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، وباستقبال عدد من المقررين الخاصين، طالبت الوفد الإسرائيلي بإدماج محتوى تلك المعاهدات والصكوك في القوانين الوطنية وبعدم الإعتراض على طلبات الزيارة التي تقدمها لجان أممية. وبعد ان تساءلت عن وضع البدو في إسرائيل طرحت المندوبة السويسرية مشكلة الحصول على الجنسية الإسرائيلية التي تمنع من جمع الشمل بالنسبة لعرب إسرائيليين وأقارب لهم في الأراضي المحتلة.
الممثلة السويسرية طلبت من إسرائيل ” مراعاة احترام حقوق الإنسان أيضا في الأراضي المحتلة مثلما نصت على ذلك الآليات التعاقدية لحقوق الإنسان ومحكمة العدل الدولية”. وبخصوص احترام القانون الإنساني الدولي طالبت الممثلة السويسرية من إسرائيل “وقف كل عمليات الاستيطان، وعمليات هدم المباني التابعة لعائلات فلسطينية في القدس الشرقية، ورفع الحصار المفروض على قطاع غزة وعلى حرية التنقل في الأراضي الفلسطينية المحتلة”.
وسيقدم مجلس حقوق الإنسان في وقت لاحق توصياته النهائية المتمخضة عن هذا النقاش التفاعلي الذي استغرق 3 ساعات وتدخلت فيه 54 دولة مع ملاحظة عدم تدخل الولايات المتحدة الأمريكية.
سويس إنفو – محمد شريف – جنيف
قبل يوم من عرض إسرائيل لتقريرها أمام آلية الاستعراض الدوري الشامل، انتقد تحالف لمنظمات المجتمع المدني الفلسطينية في لقاء مع الصحافة في جنيف ما وصفته بـ “سياسة التمييز العنصري الرسمية في إسرائيل”.
فقد أوضحت إينجريد جرادات غاسنرن مديرة مركز البديل في بيت لحم بأن القوانين الإسرائيلية “تفرض بوضوح تمييزا عنصريا” ضد العرب والفلسطينيين.
وقد أوضح تحالف المنظمات المدنية الفلسطينية، بأن “السلطات الإسرائيلية تعمل على إقامة نظام تفرقة عنصرية للفصل بين العرب واليهود، وذلك بتوسيع المستوطنات تحت قناع برامج التنمية، وتوسيع المناطق الأمنية، ومصادرة الأراضي الزراعية، وهدم المنازل في القدس الشرقية وفي مناطق أخرى من الأراضي المحتلة، ومواصلة بناء الجدار العازل لخنق السكان غير اليهود”.
واشارت سهاد بشارة مديرة منظمة عدالة، الى أن “سياسة إسرائيل عملت على إرغام 115 ألف فلسطيني على الرحيل منذ عام 1995 والى تحطيم 19 ألف منزل منذ عام 1967”.
وعن أوضاع البدو داخل إسرائيل تقول منظمات المجتمع المدني الفلسطينية “إن هناك أكثر من 160 الف مهددين بالطرد من قراهم في جنوب إسرائيل ومصادرة أراضيهم للزج بهم في المدن التي تقام حديثا”.
وعلى الرغم من أن هذه المنظمات تدرك جليا بأن قرارات ونداءات مجلس حقوق الإنسان، ومن قبله لجنة حقوق الإنسان والأمم المتحدة عموما ستبقى حبرا على ورق إلا أنها – وعلى غرار سهاد بشارة – ترى “أنه على الرغم من وجود العديد من القرارات الأممية التي لم تؤد الى اية خطوات عملية، إلا أنه يجب ان نواصل الحديث عن الانتهاكات المرتكبة من قبل إسرائيل لأن توقفنا عن القيام بذلك سوف لن يساعدنا في شيء”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.