اهتمام إيراني بالمنطقة المغاربية في محاولة للإبقاء على صورة “النموذج الإيجابي”
تنامت التحركات الإيرانية في المغرب العربي بشكل لافت في الفترة الأخيرة، حيث تحول علي أكبر صالحي وزير الخارجية الايراني مؤخرا إلى تونس، بالتزامن مع زيارة قام بها محمد علي التسخيري رئيس المجمع العالمي للتّقريب بين المذاهب الإسلامية في الجمهورية الإيرانية إلى الجزائر المجاورة.
وأتت الزيارتان بعد زيارة صالحي إلى كل من موريتانيا وليبيا في العام الماضي، فيما العلاقات مجمدة مع المغرب بسبب دعمه للحكومة البحرينية في مواجهة الإحتجاجات التي تقوم بها المعارضة بقيادة زعامات شيعية.
ومثلما زار صالحي ليبيا في وقت سابق لتقديم الدعم لثورتها، صرح في تونس بأنه أتى أيضا للتعبير عن “مدى الدعم الإيراني للشعب التونسي ولثورته”، مؤكدا أن “الشعور لدى الشعب الايراني لما بدأ الاعداد للثورة التونسية كان نفس الشعور الذي انتاب الشعب التونسي لما بدأت الثورة الاسلامية في إيران” على حد قوله.
وعلى الجانب الآخر أولى المسؤولون التونسيون اهتماما خاصا بزيارة صالحي الذي يُعتبر أرفع مسؤول إيراني يزور البلد بعد “ثورة الكرامة”، إذ لاقى حفاوة كبيرة من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس المجلس الوطني التاسيسي.
نصيحة للشعب التونسي
في ختام الزيارة قدم الوزير الإيراني نصائح هامة للتونسيين، بعد تلك اللقاءات، مفادها أنه “يتمنى أن يتفهم الشعب التونسي وأن يتفاهم مع حكومته.. ويقلّل من الإنتظارات والتوقعات لأن تحقيق تلك الانتظارات في مدة قصيرة غير ممكن. ويمكن للذين لا يرجون الخير للشعب التونسي أن يلعبوا على هذا الوتر، وأن يحرّضوا بذلك الناس ويؤلبوهم على حكومتهم”. أضاف شارحا “والمعنى من كلامي هذا أنه يظل من الضروري أن يتحلى الشعب التونسي بالصبر، ونحن واثقون من أن الحكومة التونسية المنبعثة من إرادة الشعب تقوم بأقصى جهودها حتى تلبّي انتظارات شعبها”.
في جانب آخر ركزت طهران على الجزائر منذ عودة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى سدة الحكم في 2001 إذ سرعان ما طوى البلدان صفحة القطيعة السياسية والديبلوماسية التي أعقبت اتهام الجزائريين لطهران بدعم التمرد الذي قاده الجيش الإسلامي للإنقاذ في 1993. وتكثفت زيارات المسؤولين الإيرانيين إلى
الجزائر، وفي مقدمتهم الرئيس أحمدي نجاد، فيما أدى بوتفليقة ثلاث زيارات رسمية لطهران منذ اعتلائه سدة الرئاسة. وكان لافتا أن أول بلد زاره وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي بعد تسلمه قيادة الديبلوماسية في طهران كان الجزائر. واستمرت هذه العلاقات من خلال زيارات متوالية لشخصيات سياسية ودينية بارزة آخرها المرجع الشيعي آية الله محمد علي التسخيري رئيس المجمع العالمي للتّقريب بين المذاهب الإسلامية.
أما العلاقات الإقتصادية فظلت هزيلة إذ لم تتجاوز المبادلات الثنائية مائة مليون دولار، وعزا محللون هذا الضعف إلى كلفة النقل المرتفعة واعتماد الجزائر تجاريا على أوروبا في الدرجة الأولى. وتردد أن إيران سعت لتأمين تسويق سيارات مجموعة “خودرو” في الجزائر وحتى إنشاء مصنع للتجميع فيها. لكن الجزائريين قطعوا شوطا متقدما مع مجموعة “رينو” الفرنسية لتجميع أصناف من سياراتها في بلدهم.
وعلى رغم العلاقات المتينة بين طهران والعقيد الراحل معمر القذافي، الذي ساعد إيران بالصواريخ وأسلحة متطورة أخرى في حربها مع العراق (1980 –1988 ) سحب الإيرانيون سفيرهم من طرابلس منذ فبراير من العام الماضي، وأقاموا علاقات مع المجلس الوطني الإنتقالي تمهيدا لمد الجسور مع حكام
ليبيا الجدد. وعينت طهران ضابط الإرتباط مع الجانب الليبي حسين أكبالي سفيرا جديدا لدى طرابلس في الخريف الماضي، وأرسلت فريقا متخصصا بإزالة الألغام إلى وزارة الدفاع الليبية، فيما أكد وزير الدفاع الإيراني البريغادير جنرال أحمد وحيدي في تشرين الأول / أكتوبر الماضي أن طهران مستعدة لتطوير التعاون الدفاعي مع ليبيا وباقي “الدول المحررة حديثا مثل تونس ومصر” على حد تعبيره.
كما استقبلت طهران أكثر من مائتي جريح ليبي نقلتهم من بنغازي إلى إيران. وعرضت على المجلس الإنتقالي فتح مركز لإنشاء الأطراف الصناعية اعتمادا على الخبرة الإيرانية في هذا المجال في ضوء الحروب السابقة . وأردفت طهران رسائلها الموجهة للقيادة الليبية الجديدة بزيارة لوزير الخارجية صالحي أداها إلى طرابلس في شهر نوفمبر 2011.
مشرق ومغرب
ولمح مراقبون في الزيارات المتكررة لمسؤولين إيرانيين إلى العواصم المغاربية المختلفة محاولة لخطب ود حكوماتها وشعوبها على السواء، في ظل محاولات العزل التي تتعرض لها طهران في الساحة الدولية ومن ضمنها البلدان الإسلامية.
هل يدل هذا الحرص على إقامة جسور متينة مع منطقة بعيدة جغرافيا عن الخليج والشرق الأوسط على رغبة إيران بأن تستعيض عن صعوباتها المشرقية، الناتجة أساسا عن موقفها من الثورة في سوريا، بمحاولة الإنتشار مغاربيا؟ لا يشاطر الخبير المعروف في الشؤون الإيرانية الدكتور محجوب الزويري هذا التحليل
ويرى أن موقع إيران مازال قويا في المشرق العربي، بحكم وجودها البارز في العراق وشبكة علاقاتها في بلدان أخرى.
وأكد الدكتور الزويري، الذي يدرس في جامعة قطر، لـ swissinfo.ch أن إيران “شعرت أنها فقدت كثيرا من قواعد اللعبة بعد ثورات الربيع العربي، إذ تأثرت مكانتها في مصر والخليج، ما جعل صورتها الإيجابية تتغير. وزاد تدخلها في العراق ودورها في دعم النظام السوري من تعميق الصورة السلبية”. وأضاف أن طهران تسعى لبناء تحالفات جديدة أو على الأقل الإبقاء على نشاطها السياسي قائما، وخاصة في المناطق البعيدة عن الصراع مثل الجزائر وليبيا، فمع تسوية ملف الإمام موسى الصدر (رئيس حركة المحرومين الشيعية اللبنانية الذي اختفى في ليبيا عام 1976) لن تبقى هناك مشكلة في العلاقات الثنائية.
وعزا الدكتور الزويري الاهتمام المتزايد بالمغرب العربي إلى رغبة طهران بالإبقاء على مستوى جيد من العلاقات مع هذه الدول بعدما غدت الصورة سلبية في الدول المشرقية عدا سوريا والعراق، إذ تعالت في مصر أصوات ثورة تختلف عن الثورة الإيرانية، وحيث الكل ينأى بنفسه عن النموذج الإيراني.
ورجّح الزويري أن تكون للعلاقات المتطورة مع الجزائر تحديدا أبعاد ثنائية على اعتبار أن هذا البلد، الذي توسط بين الرئيس العراقي الراحل صدام حسين وشاه إيران الراحل محمد رضا بهلوي للتوصل إلى اتفاق شط العرب في 1975، لم يُخاصم طهران إلا في 1993 بعد اتهامها بتأييد الجماعات الإسلامية المسلحة التي تمردت على الحكم. وبعد ذلك لم تبق بينهما مشاكل سياسية، بل على العكس بات هناك تنسيق لمساعدة إيران على مواجهة مشاكل تصدير النفط، باعتبار الجزائر إحدى الدول التي يمكن أن تدعم الموقف الإيراني.
أبعاد مذهبية
في سياق العلاقات الإيرانية المغاربية لا يمكن فصل الأبعاد السياسية والإقتصادية في نظام يقوم على مرجعية مذهبية واضحة عن المشروع الشامل الذي آلت القيادة الإيرانية على نفسها تزعمه في محيطها الإسلامي، إذ تنشط المراكز الثقافية الإيرانية للترويج لرموز الثقافة والأدب الفارسيين وتصنع جمهورا أليفا من المعجبين بهما، أسوة بما يقوم به المركز الثقافي الإيراني في تونس الذي تم افتتاحه في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.
وكان لافتا في هذا السياق أن الليبيين فوجئوا بوجود كتب شيعية مع جرحاهم لدى عودتهم من رحلة علاج إلى
إيران، ما ولّـد لديهم حذرا من العروض الإيرانية. وتدعم طهران الجماعات الشيعية التي قد تظهر في المنطقة أسوة بـ “جمعية أهل البيت الثقافية” التي حصلت على ترخيص العمل في تونس في ظل نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي. إلا أن آية الله محمد علي التسخيري نفى في حديث خصّ به صحيفة ”الخبر” الجزائرية اطلاعه على ظاهرة التبشير الشيعي في الجزائر، مُبدياً رفضه لهذه الحملات سواء في الجزائر أو في دول العالم الإسلامي السُّنّية، معتبراً أنها “لا تخدم قضية الوحدة الإسلامية”.
ويقول الدكتور محجوب الزويري إن إيران “دولة مذهبية في دستورها وتكوينها، ولا يمكن تجاهل أن هذا الجانب يشكل جزءا من سياستها الخارجية”. وهو يرى أن ما حدث في تونس والجزائر قد يكون له بعد مذهبي قبل الثورات العربية “أما اليوم فهناك حذر شديد من ذلك البعد المذهبي، بل بات هناك وعي كبير به إذ لم يعد ممكنا أن يمر على الناس بسهولة”، كما قال.
ومضى شارحا أن إيران “كانت في وقت ما نموذجا، لكن بعدما أجريت انتخابات شابتها طعون عدة واتهامات بالتزوير انهار النموذج وصار الخطاب الديني أقل تأثيرا من الماضي، لذا فإن طهران تحاول فقط ترميم ما يمكن ترميمه من الصورة”. ولدى سؤاله عن حقيقة التمدد الشيعي في المغرب العربي، اعتبر أنه أمر “مبالغ فيه، فالناس مُتعلقون بآل البيت بحكم التدين وهو تعلق تاريخي، وليس بدافع من انتماء مذهبي”.
عبر وزير الخارجية الايراني علي أكبر صالحي يوم الثلاثاء 24 أبريل 2012 عن أمله في أن تشكل المفاوضات حول البرنامج النووي الايراني المرتقبة في 23 مايو في بغداد مع الدول الكبرى في مجموعة 5+1 “بداية النهاية للملف النووي الايراني”.
وقال صالحي للصحافيين عقب لقاء في تونس مع الرئيس التونسي منصف المرزوقي “إن ما حصل في اجتماع اسطنبول كان خطوة إلى الأمام ، وفي (اجتماع) بغداد سوف نخطو خطوات أكبر إلى الأمام ونرجو أن يكون هذا الاجتماع بداية النهاية للملف النووي الايراني”.
واختتم وزير الخارجية الايراني يوم الثلاثاء 24 أبريل زيارة من أربع وعشرين ساعة إلى تونس.
وصرح المسؤول الايراني الاثنين للصحافيين “ان نتائج اجتماع اسطنبول كانت مرضية وانا متفائل ازاء الاجتماع المقبل في بغداد”. واستأنفت طهران المباحثات حول نشاطاتها النووية الحساسة في 14 أبريل في اسطنبول مع مجموعة 5+1 وهي الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الامن الدولي:الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا اضافة الى المانيا.
ويفترض ان يعقد الطرفان اجتماعا في بغداد في 23 مايو للدخول في صلب المفاوضات. وتتهم الدول الغربية ايران بالسعي إلى تطوير سلاح نووي وهو أمر تنفيه طهران باستمرار. ويحاول الغرب الحصول من طهران على ضمانات تؤكد أن البرنامج النووي الايراني مدني “محض”.
وبشأن سوريا قال وزير الخارجية الايراني ان تونس وطهران “اتفقتا على مواصلة التشاور لتقريب وجهات نظرهما المختلفة” حول الملف السوري دون الكشف عن نقاط الاختلاف.
وأوضح وزير الخارجية التونسي رفيق عبد السلام للصحافيين ان تونس تطالب برحيل النظام السوري في حين تؤيد إيران هذا النظام، لكنه اضاف ان البلدين يرفضان التدخل الاجنبي في سوريا. وصرح صالحي يوم الاثنين 23 أبريل للصحافيين “يجب اعطاء فرصة للنظام السوري،ان نظام بشار (الاسد) وعد باصلاحات وبدا يطبقها.اننا نامل ان يتوقف العنف وان تنجح مبادرة كوفي انان” (موفد الامم المتحدة والجامعة العربية الى سوريا).
والتقى صالحي يوم الثلاثاء 24 أبريل مع راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الاسلامية التي تقود الائتلاف الثلاثي الحاكم في تونس. ووصف الوزير الايراني علاقات بلاده مع السلطات الجديدة في تونس بانها “على أحسن ما يرام” داعيا إلى “رفع مستوى المبادلات التجارية والاقتصادية” بين البلدين.
(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية فرانس برس بتاريخ 24 أبريل 2012)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.