مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“بركان غير مستقر” يـمُـور في الشرق الأوسط

الدخان يتصاعد إثر هجوم صاروخي إسرائيلي على مواقع حكومية وأمنية في غزة يوم 30 ديسمبر 2008 Keystone

قبل أربعة أيام من انقضاء عام 2008، بدا ظاهريا أن شيئا لم يتغير في الشرق الأوسط، وأن التاريخ أعاد نفسه عاما آخر، فالأحداث التي جرت إلى ذلك اليوم على المستوى العسكري، أشارت إلى أن الإقليم لا يزال غير مستقر وأن تلك الحالة قد أصبحت مزمنة، لكن التفاصيل والتطورات اللاحقة حملت مفاجأة من العيار الثقيل.

فمعظم المراصد المتابعة لحالة الصراعات في العالم، تؤكد أن تلك المنطقة احتلت رقم 4 من حيث عدد الصراعات القائمة فيها، إلا أن طبيعة صراعات الإقليم قد تكون الأسوأ على الإطلاق مثلما اتضح مجددا من خلال الهجوم الإسرائيلي العنيف على قطاع غزة.

إن “بارومتر الصراعات” الذي أصدره معهد هيدلبرغ لأبحاث الصراع الدولي بألمانيا لعام 2008، يقرر أن منطقة آسيا – الهادي قد شهدت 111 حالة صراعية وأن إفريقيا جنوب الصحراء قد تَـلتْـها بحوالي 78 حالة صراع، وأتت بعد ذلك المنطقة الأوروبية ذاتها، التي تشهد 56 حالة صراعية متفجرة أو كامنة، ثم تأتي منطقة الشرق الأوسط بحوالي 47 صراعا، ولم تلِ الشرق الأوسط، سوى الأمريكتين التي لا تشهد سوى 43 مشكلة تثير حالات أو احتمالات صراعية.

إن تلك المؤشرات بالطبع تعاني من بعض المشاكل “الأكاديمية”، لكن ذلك لا يغير من الأمر شيئا. فالشرق الأوسط بالفعل لا يمثل، من الناحية الكمية، أعلى أقاليم العالم من حيث عدد الصراعات، إلا أن المشكلة الحقيقية هي ما يبدو بوضوح من أنها لا تعكس الواقع، فكل التقييمات الخاصة بحالة المنطقة خلال العام، تؤكد أنها بدأت تتجاوز سِـمة عدم الاستقرار التي اتّـسمت بها دائما إلى ما يشبه “حالة حرب” وأنها تكاد تنجرف نحو الفوضى.

مفتاح الإقليم

إن هذا الوضع يُـشير إلى أحد أهم مفاتيح فهم ما يجرى فى المنطقة، وهي أن المسالة لم تكن أبدا ترتبط بعدد الصراعات وإنما – كما تمت الإشارة – بطبيعة الصراعات، فمعظمها لا تمثل صراعات مصالح يمكن التوصّـل على حلول وسط بشأنها، وإنما نوعية معقّـدة من الصراعات التي ترتبط بمزاعم تاريخية وتوترات ممتدة وتدخلات دولية وعنف كاسح وترسانات ضخمة وإشارات نووية ومشكلات إنسانية، وهنا تبدو أبواب الجحيم وكأنها لا تزال مفتوحة على مِـصراعيها خلال عام 2008، والمؤشرات كالتالي:

1 – أن الصراعات الحادة في المنطقة قد زادت من 16 إلى 17 صراعا وأن الحروب قد زادت من حربين إلى ثلاث حروب، بما يعني أن مستوى العنف المستخدم، استنادا على مؤشرات الخسائر البشرية أو المادية، قد ارتفع وأن أطراف الإقليم قد أصبحت أكثر شراسة في مواجهة بعضها، خاصة داخل الدول.

2 – أن الصراعات الكامنة قد تحوّلت من 13 إلى 12 صراعا وأن الأزمات الحادّة قد انخفضت من 8 إلى 6 أزمات، ومعنى ذلك أنه حتى الصراعات غير النشطة لا تنتهى – فهي تتحول – بمعدلات يمكن ملاحظتها، وأنه قد تمت السيطرة على التصعيد في أزمة واحدة، فالإقليم يقف عاجزا أمام صراعاته.

إن النقطة الأخيرة تتّـسم بأهمية خاصة، فتحليلات الصراعات الدولية تقرّر أن عام 2008 (وكذلك العام السابق 2007)، لم يشهد إنهاء أي صراع من كل تلك الصراعات، وبالتالي، فإن معدلات انفجار المشاكل لا تزال أكبر من معدّلات حلها أو ببساطة، لا يبدو مما جرى عام 2008 أن المشاكل تحلّ في الشرق الأوسط، فالبركان لا يزال غير مستقر بل بدأ في إطلاق بعض الشرر.

ساحة المعارك

إن الأرقام المجرّدة تجعل المسألة تبدو وكأنها عمليات إحصائية، وليست مأساة إقليمية، فما يحدث على الأرض، هو أنه في منطقة المغرب العربي، تضرب “قاعدة المغرب الإسلامي” في الجزائر وموريتانيا بعنف غير مسبوق، وهناك توتر بين الجزائر والمغرب، وتشهد ليبيا بوادر مشاكل لا يعرف أحد إلى أين قد تصل فجأة.

وفى وادي النيل، توجد احتجاجات شعبية مستمرة في مصر، ويشهد السودان أعمال قتل واسعة النطاق في دارفور وتوترات في الجنوب، وبدايات مشكلة في الشرق، وفي القرن الإفريقي وصلت أوضاع الصومال إلى حدّ الكارثة المستحكمة، وبدأت تلقي بالحاح خارج الدولة المنهارة في شكل قرصنة بحرية.

في دائرة الصراع العربي – الإسرائيلي، لا تزال إسرائيل تضرب في غزة والضفة ولا تزال مشاكل حماس وفتح مستمرة، وسجل تزايد عدد المنظمات الأصولية المتطرفة في قطاع غزة وتصاعدت التوترات بين مصر وحماس، أما لبنان، فإنها لا تزال تعاني من كل أعراض الصراعات الكامنة التي تنفجر بين وقت وآخر. وقد قامت إسرائيل والولايات المتحدة باستهداف سوريا مرّتين خلال العام في دير الزور والبوكمال.

العراق يمثل حالة خاصة وحده، فقاعدة بيانات “هيدلبرغ” المُـشار إليها، تقرر أن هناك ما لا يقل عن 6 حالات صراعية تحدث داخل العراق، لكل منها أطراف وقضايا وأساليب، فهناك ميليشيات الصّدر وتنظيم القاعدة والمقاومة السُنية وقوات الحكومة والقوات الأمريكية وجماعات الصحوات وغيرها، وهناك حرب صغيرة في الشمال بين حزب العمال الكردستاني وتركيا، وقد بدأت كركوك في الانفجار.

تبقى منطقة الخليج والجزيرة العربية، التي تشهد توترات مكشوفة بين إيران ودول الخليج، كما بدأ الداخل الإيراني ذاته يشهد توترات، إضافة إلى مشكلات الشيعة في البحرين وأعمال الإرهاب في السعودية وعنف الحوثيين في اليمن، وإذا تم توسيع الشرق الأوسط نحو حدود أفغانستان، سوف تضاف 6 حالات صراعية أخرى إلى كل ما سبق.

داخل البركان

داخل تلك الساحة، يمكن بالعين المجرّدة مشاهدة الظواهر التي بدأت تشكل ملامح الموجة الحالية من الصراعات في الإقليم والتي أدّت إلى وصفها في البداية بأنها الأكثر سوءً في العالم، فحوالي 75% من تلك الصراعات تجري داخل الدول، علما بأن حوالي 90% من ضحايا الصراعات الداخلية، يكونون عادة من المدنيين.

كما أنه بعد أن كانت الدول في الماضي تمثل الأطراف الرئيسية للصراعات، بدأ ظهور ما يسمى “الفاعلون من غير الدول” وبأعداد كبيرة، تصل إلى 15 طرفا في العراق و8 أطراف في السودان وعدد مماثل في لبنان والصومال، وهي أطراف يصعب إلزامها بأي شيء ببساطة.

الأهم، أن العامل الأيديولوجي أو الدِّيني، قد بدأ يُـسيطر على قضايا الصراعات، فهناك تصاعد واسع النطاق للتوترات المذهبية الشيعية – السُـنية، وحالة “أسلمة” للصراع العربي الإسرائيلي، يضاف إلى ذلك، أن الصراعات العِـرقية قد بدأت بالتّـصاعد في حالة السودان، مرتبطة بكل أشكال العنف السيئة التي أدّت إلى إثارة مسألة محاكمات مجرمي الحرب لثالث مرة بشكل جاد في المنطقة.

وإضافة إلى أن بعض الصراعات التي شهدها العام هي من النوعية طويلة المدى التي استمر بعضها لأكثر من 30 سنة، فإن الظاهرة الأغرب هي استمرار اندلاع مجموعة من الحروب الصغيرة قصيرة المدى، التي تظهر فجأة وتنتهي فجأة، بنسبة وصلت إلى 28% من صراعات المنطقة، كما حدث في مخيمات لبنان وفي مناطقه الشمالية، وبعض مناطق العراق واليمن وإيران، وهي تشير إلى وجود أعمال إستخباراتية أو توجهات فوضوية خطرة يصعب توقعها.

في النهاية، فإن أهمية أحداث عام 2008 لا تأتي فقط من أنها تقدّم صورة لما جرى في الإقليم خلال العام، فتلك الصورة – ظاهريا – لم تتغير رغم الإنفجار الأخير في غزة، لكنها تأتي في الأساس من أنها تشير إلى “شكل المستقبل”، فبينما يبدو أن أحوال الأقاليم الأخرى في العالم قد تستقِـر في مدى زمني يمكن تصوّره، لا يبدو الشرق الأوسط في سبيله إلى الاستقرار، وإذا لم تحدُث تطورات كبرى في اتجاه ما، سيُـعيد التاريخ نفسه خلال العام القادم (2009) على الأقل، هذا إذا لم ينفجر البُـركان!

د. محمد عبد السلام – القاهرة

القاهرة (رويترز) – أكد الرئيس الامريكي المنتخب باراك اوباما بصمته على الهجمات التي تشنها اسرائيل في غزة، توقعات العرب بأن التغيرات في السياسة الخارجية للولايات المتحدة ستكون صغيرة وبطيئة حين يأتي الى البيت الابيض الشهر القادم. وفي اليوم الخامس للغارات الجوية الاسرائيلية التي أسفرت عن مقتل اكثر من 380 في غزة لم يتخذ الرئيس الامريكي المنتخب موقفا بعد على الرغم من تعليقه بعد الهجمات التي شنها متشددون في مومباي كما أدلى بتصريحات مفصلة بشأن الاقتصاد الامريكي.

وقال حسن نافعة، المحلل السياسي المصري وأمين عام منتدى الفكر العربي في عمان ان اوباما يريد أن يكون حذرا وبأنه سيظل حذرا لان الصراع العربي الاسرائيلي ليس من بين اولوياته. وعلق هلال خشان، استاذ العلوم السياسية بالجامعة الامريكية في بيروت بأن موقف اوباما خطير للغاية فجماعات الضغط اليهودية حذرت من انتخابه وبالتالي اثر التزام الصمت بشأن غزة. وقال بول وودوورد من منتدى الصراعات وهي منظمة تهدف الى تغيير السياسة الغربية تجاه الحركات الاسلامية مثل حماس “اذا استمر اوباما على صمته… سيتم النظر الى صمته واعتبار أن له التأثير العملي بتقديم تأييد لحرب اسرائيل على غزة”.

وكان العالم العربي بشكل عام متحمسا بشأن فوز اوباما في الانتخابات في نوفمبر، اعتقادا بأن وجها جديدا في البيت الابيض لابد أن يكون أفضل من الرئيس المنتهية ولايته جورج بوش الذي غزا العراق ومنح اسرائيل دعما قويا، لكن اختياره لفريق السياسة الخارجية خاصة هيلاري كلينتون كوزيرة للخارجية ورام ايمانويل كرئيس لفريق موظفيه، أثار الشكوك بشأن حدوث تغييرات كبيرة. وعبر مصطفى السيد من جامعة القاهرة عن تشاؤمه، حيث قال انه حين يرى نوعية الناس التي تحيط بالرئيس المنتخب اوباما، يجد أنهم أفضل أصدقاء اسرائيل الذين لا يجرؤون على أن ينأوا بأنفسهم عن مواقف الحكومة الاسرائيلية.

وخلافا لمعظم الحكومات الكبرى، لم تناد ادارة بوش بوقف فوري لاطلاق النار بين اسرائيل وحركة المقاومة الاسلامية حماس التي تسيطر على غزة وتبنت موقفا مماثلا للموقف الذي اتخذته حين قامت اسرائيل بغزو لبنان عام 2006. وكانت قد عارضت وقفا لاطلاق النار في لبنان الى أن بات واضحا أن اسرائيل لن تستطيع تحقيق أهدافها من الحرب ضد مقاتلي حزب الله وأن الخسائر البشرية بين الاسرائيليين كبيرة للغاية. وقال نافعة، ان الحكومة الاسرائيلية اختارت هذا التوقيت لمهاجمة حماس، لانها ليست واثقة ان كانت ستحصل على دعم اوباما اذا انتظرت حتى توليه مهام منصبه في 20 يناير، وأضاف أنها تعلم أنها تتمتع بالدعم غير المشروط لبوش، غير أن نتيجة حملة غزة سيكون لها أثر كبير على التخطيط الجيواستراتيجي الذي سيرثه اوباما.

واذا لم تستطع اسرائيل هزيمة حماس، فمن الممكن أن تخرج الحركة اكثر قوة على حساب الرئيس الفلسطيني محمود عباس والحكومة المصرية، وهما الطرفان العربيان اللذان تعتمد الولايات المتحدة عليهما في معظم الاحيان في سياستها الخاصة بالعلاقة بين العرب واسرائيل. واذا نجحت اسرائيل واستبعدت التهديد الذي تمثله الصواريخ التي تطلق من غزة، فمن الممكن أن يحيي اوباما بسهولة اكبر المحادثات المباشرة بين اسرائيل وعباس بشأن اتفاق للسلام قائم على اقامة دولتين تعيشان جنبا الى جنب. ويتوقع العرب من اوباما بشكل رئيسي، أنه سيكون على الأقل اكثر اهتماما بالسلام في الشرق الاوسط من سلفه الذي بدأ يوليه اهتماما في المراحل الاخيرة من رئاسته.

وقال بول سالم مدير مركز الشرق الاوسط في بيروت التابع لمعهد كارنيجي للسلام “من المؤكد أن وجود اوباما الذي سيحث اللاعبين على الحديث مقابل بوش الذي لم يفعل هذا يحدث فرقا”، وأضاف “لكن اوباما لن يجبر اسرائيل (على تقديم تنازلات). سياسيا، لن يمارس قدرا هائلا من الضغط على الاسرائيليين”. ويرى وليد قزيحة، الاستاذ بالجامعة الامريكية بالقاهرة أن اوباما سيكون عليه اتخاذ خطوات جريئة، اذا كان يريد استعادة نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الاوسط الذي ينظر اليه على نطاق واسع على أنه تراجع بشدة خلال عهد بوش الذي استمر ثمان سنوات. واستطرد قائلا، ان البوادر الاولى لا تشير الى أن اوباما سيفعل هذا، وقال انه اذا كان الرئيس الامريكي المنتخب سيأخذ موقفا لكان قد قال شيئا، فهو حين يريد أن يقول شيئا يستطيع أن يقوله. وتوقع السيد أن يدور صراع بين مستشاري اوباما الذين يحبذون الوضع الراهن والذين يرتبطون بتحالف وثيق مع اسرائيل وبين هؤلاء الذين يفكرون بأسلوب مختلف، وأضاف أن لديه الانطباع بأن أصدقاء اسرائيل الجيدين، سيهيمنون في نهاية المطاف وأن هذا سيسهم في مزيد من التضاؤل للنفوذ الامريكي في المنطقة.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 31 ديسمبر 2008)

الأكثر قراءة
السويسريون في الخارج

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية