برلمان “مُواز” في مصر: حركة احتجاجية أم بداية الطريق لتوحيد المعارضة؟
تباينت آراء خبراء وسياسيون مصريون متخصصون في دراسة النظام السياسي وشؤون الحزب الوطني (الحاكم) والعلوم السياسية وشؤون البرلمان، حول أهمية وجدوى "البرلمان المُـوازي"، الذي أعلن عن تأسيسه ممثلون عن مُـعظم القوى السياسية المعارضة، من المستقلين وجماعة الإخوان إلى جانب ممثِّـلين عن أحزاب الوفد والجبهة والتجمع.
وفيما قلَّـل قيادي بالحزب الحاكم من الفكرة، معتبرا أنها “مظاهَـرة احتجاجية”، وصفها محلِّـل سياسي بأنها “تحرّك سياسي رمزي” ورأى فيها قيادي مستقل وبرلماني سابق “أول خطوة عملية للتصعيد وإعلان رفض البرلمان المزيَّـف”.
وإن اتَّـفق الخبراء الثلاثة في تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch على أن الإعلان عن تشكيل برلمان مُـوازٍ، يمثل رسالة احتجاجية على إقصاء رموز ونجوم المعارضة عن برلمان 2010 واعترفوا أنها “فكرة سياسية أكثر منها تنفيذية”، فقد أكدوا أيضا – كل من وجهة نظره – على أن التحرك له “أهداف سياسية أكثر منها قانونية”.
“رفض للبرلمان المزيف”
الدكتور جمال زهران، أستاذ ورئيس قسم العلوم السياسية بجامعة بورسعيد ومنسِّـق كتلة المستقلِّـين بمجلس الشعب عن الدورة المنتهية (2005 – 2010) أوضح لـ swissinfo.ch أن “الفكرةَ كانت مطروحة منذ شهور كبديل لمقاطعة الانتخابات، بعد إلغاء الإشراف القضائي الكامل، وقد نضجت في رحِـم الانتخابات وما شابَـها من تزوير” وأنها “نمَـت وفرضت نفسها على أجندة اجتماعات القوى السياسية المعارضة”.
وقال زهران: “هي أول خُـطوة عملية للتصعيد وإعلان عن رفضنا للبرلمان المزيَّـف، الذي جاء بالتزوير الفاضح، وقد أعْـلنَّـاها في نفس يوم انعقاد الجلسة الافتتاحية للبرلمان غير الشرعي ومن أمام مجلس الدولة”، موضِّـحا “لن نصمت وسنذهب إلى آخر الدنيا وسنطلب من كل برلمانات العالم عدم التعامل مع البرلمان الحالي، لأنه مُـزوَّر وباطل ولا يمثل الشعب”. على حدِّ قوله.
من ناحيته، اعتبر المحلل السياسي ضياء رشوان، الباحث المتخصص في دراسة النظام المصري بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، أنه “تحرُّك سياسي رمزي، وسيكون له أهمية كبيرة، لأن ما حدث من تزوير مخالف لإرادة الشعب”، وذهب إلى أنه “أمر مهم وضروري لإبراز الغضب وإعلان عدم شرعية البرلمان الرسمي”، في حين يُـعرِّفه الدكتور حمدي السيد، نقيب الأطباء ورئيس لجنة الصحة بمجلس الشعب السابق، وعضو المجلس الأعلى للسياسات بالحزب الوطنى الديمقراطى، والعضو المؤسس بالحزب، بأنه “فكرة احتجاجية على البرلمان الحالي، باعتباره يفتقد إلى رموز الحركة البرلمانية المعارضة”.
أهداف سياسية.. وفكرة ضرورية
وحول الهدف من تأسيس برلمان مواز، يقول الدكتور جمال زهران: “هدفنا الأساسي أن نصبح صوتَ الشعب، الذي حُـرِمَ من ممثليه الحقيقيين”، مشيرا إلى أن “له أهدافًا سياسية أكثر منها قانونية، وإن كان سيُـمارس عمله الرقابي والتشريعي، رقابيا من خلال تشكيل حكومة ائتلافية موازية، لتظل في حوار مع البرلمان الموازي، بهدف تطوير أعماله ودعمه لمواجهة السياسات المتوحِّـشة لحكومة نظيف”.
ويضيف زهران في تصريحات خاصة بـ swissinfo.ch: “سنُـمارس التشريع على جزأين، جزء يتعلّـق بالدستور، من خلال تشكيل هيئة قانونية تجمع الموافقات من الشعب لوضع دستور جديد للبلاد، وجزء يعطي أولوية للقوانين السياسية (قانون مباشرة الحقوق السياسية) والقوانين المكملة للدستور، بجانب القوانين الاقتصادية”.
الدكتور حمدي السيد يرى أن البرلمان الموازي مجرد “فكرة نظرية أكثر منها عملية، تعبِّـر عن عدم رضا المعارضة عن تشكيل البرلمان الحالي”، ويذهب إلى أن “هدفها تنوير الرأي العام، وهي وظيفة تقوم بها وسائل الإعلام والأحزاب”، فالأصل أن “الأحزاب المعارضة تنشِـئ برلمانات موازية وتعقد جلسات وتدرس مشروعات القوانين، وتُـبدي رأيها فيما يناقش من موضوعات وقضايا”.
متفقا مع زهران ومختلفًا مع السيد، يعتبر ضياء رشوان أن: “الفكرة جيِّـدة، ومن الممكن أن تنجح وتُـحدِث حِـراكا كبيرًا في الشارع، كما أنها ضرورية، وخاصة في هذا التوقيت الذي شهد تزويرا فاضحا، هو الأكبر في تاريخ مصر، بشهادة الداخل والخارج”.
العدد والمعايير والقوى المشاركة
وبخصوص ما نشر في بعض وسائل الإعلام أن البرلمان الموازي سيتكوَّن من 500 نائب، تساءل الدكتور حمدي السيد: “أيْـن المكان الذي سيتَّـسع لهذا العدد؟!”، وأضاف أنه “مُـظاهرة احتجاجية لها تأثير رمزي، أكثر منه فعالية”، موضحا أن “المعايير المطروحة لاختيار النواب، ستواجهها إشكاليات كثيرة”.
وفيما أوضح الدكتور ضياء رشوان أن “الصيغة النهائية لتشكيله لم تكتمل بعد”، أفاد بأن “هناك مناقشات لتحديد معايير الاختيار، وربما يكون من بينها أن نائبا سابقا أو مرشحا تم التزوير ضدّه أو ممّـن صدرت لصالحهم أحكام قضائية أو ممَّـن صعدوا لجولة الإعادة وتمّ إسقاطهم بالتزوير” وبكلمة أخرى فإن “الصورة لم تتّـضح والمعايير النهائية لم تُـحدّد” بعدُ. ومع ذلك، يشدد رشوان على أنه “لابد أن يكون برلمانا جديا، ليشعر الشعب أنه يمثله تمثيلا فِـعليا، لكن ما زالت الآليات التي سيستخدِمها غيْـر واضحة، وهي قيْـد الدراسة”، مؤكدا أن “الخطوة القادمة هي الإستقرار على التشكيل”.
في السياق نفسه، أشار الدكتور جمال زهران، أستاذ ورئيس قسم العلوم السياسية بجامعة بورسعيد إلى أنه “سيتكون من النواب السابقين، الذين دخلوا الانتخابات وتمّ إقصاؤهم، كما ندرس مقترحا بضم ممثلين عن القِـوى التي لم يكن لها نواب، إضافة إلى بعض المهتمِّـين بالشأن العام، كما اتفقنا على أن لا يقل عدد نوابه عن 100 وأن لا يزيد عن 200، لنتمكَّـن من توفير مكان لجلساتهم”، كاشفا أنه “سيعقد جلساته في “بيت الأمة”، بمقرّ حزب الوفد، وبعضها سيُـعقد بحزب الجبهة”.
وعن القِـوى المُمَـثَلة في اللجنة التأسيسية؛ قال زهران: “كتلة المستقلِّـين ويمثِّـلها: جمال زهران ومصطفى بكري ومحمد حسين، وحزب الوفد ويمثله: علاء عبد المنعم ومصطفى الجندي ومحمد العمدة، وجماعة الإخوان ويمثلها محمد البلتاجي ومحسن راضي وأحمد دياب، وحزب الجبهة ويمثله أسامة الغزالي حرب، وحزب الكرامة (تحت التأسيس) ويمثله: حمدين صباحي وسعد عبود، وحزب التجمع ويمثله: أبو العز الحريري والبدري فرغلي وعبد الغفار شكر (وهي أسماء مطروحة، وليست نهائية)، فيما يمثل الحزب الوطني أحمد أبو حجي ومحمد خليل قويطة”!
تساؤلات حول “الشرعية”
وردا على وصف نواب من الحزب الحاكم للفكرة بأنها غير دستورية، قال الدكتور جمال زهران: “هؤلاء آخِـر من يتحدّث عن الشرعية والدستورية، خاصة وأن مجلسَـي الشعب والشورى محكوم عليهما بالبطلان، وهم يعلَـمون أننا الممثلون الشرعيون للشعب”، نافيا أن يكون الإعلان “ردّ فعل لرُسُـوبنا”، وأضاف أن “الفكرة سياسية أكثر منها تنفيذية، ونحن نجهِّـز أنفسنا للحُـكم في أي لحظة، في حال حدوث انتخابات حرّة ونزيهة”.
وردّا على وصفهم بـ “التجمع غير الشرعي” و”شلة الخاسرين”، أكد المحلل السياسي ضياء رشوان أن “البرلمان المُـوازي يمثل الشعب كلّـه، وهذه اتِّـهامات غير منطقية وغير صحيحة، لأن الشعب يعلَـم مَـن هُـم نوابه الشرعيون ومَـن هُـم المُزَوّرون؟ ولهذا، فلن يثقوا في أية انتخابات قادمة”.
وحول ما ردّده البعض من أن الحكومة لن تسمح بقيامه، قال رشوان: “الحكومة لا تملك أن تسمح أو تمنع قيامه، لأنه تجمّـع شعبي”، فيما ذهب الدكتور حمدي السيد، عضو المجلس الأعلى للسياسات بالحزب الوطنى الديمقراطى (الحاكم)، إلى أن “هناك فرق بين البرلمان الموازي وحكومة الظل. فالثانية ضرورة لأي حزب معارض يستهدف أن يصل يوما ما إلى الحُـكم”، وهو ما قد يعني أن “البرلمان الموازي” سيواجه العديد من العقبات والصعوبات في مستقبل الأيام.
عقد البرلمان المصري الجديد أول جلسة له يوم الاثنين 13 ديسمبر، فيما أعلن نحو 20 من نواب المعارضة الذين هزموا في الانتخابات التشريعية المثيرة للجدل عن تشكيل برلمان “موازٍ”.
وأعاد البرلمان الجديد انتخاب فتحي سرور رئيسا له قبل جلسة الافتتاح الرسمية الأحد 12 ديسمبر، فيما تلا النائب المستقل المعارض السابق مصطفى بكري بيانا حول تشكيل “برلمان الشعب”.
ووقف بكري مع عدد من النواب من جماعة الإخوان المسلمين وحزب الوفد المعارضين، على عتبات مجلس الدولة المصري المخوّل تسوية الخلافات الإدارية المتعلقة بممارسة السلطة. وأدى النواب السابقون قَـسَـم الولاء لاحترام الدستور، وقالوا إن البرلمان الموازي سيعكس إرادة الشعب.
وشارك في الاحتجاج نحو عشرين نائبا سابقا حمل بعضهم لافتات تدعو إلى إلغاء الانتخابات البرلمانية التي جرت في دورين في 28 نوفمبر و5 ديسمبر. وكُـتِـب على إحدى اللافتات “الانتخابات مزوَّرة”. وحمل محتجّـون لافتة بيضاء كُـتِـب عليها “هذا كفن النزاهة والشفافية”.
وأسفرت الانتخابات عن فوز الحزب الوطني الحاكم بـ 82,6% من مقاعد مجلس الشعب، بينما حصلت المعارضة على نسبة تمثيل هزيلة لم تتعدّ 2,7%.
وحصل الحزب الحاكم على 420 مقعدا من إجمالي 508 مقاعد في مجلس الشعب، بينما فازت أحزاب المعارضة مجتمعة، بما فيها حزب الوفد الليبرالي الذي أعلن انسحابه من الانتخابات، بـ 14 مقعدا والمستقلون بـ 70 مقعدا، وِفقا لبيانات مصححة وزعتها وزارة الإعلام المصرية.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 13 ديسمبر 2010)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.