برن تجد صعوبة في الوفاء بتعهداتها في مجال حقوق الإنسان
هل تفي الدول بالتزاماتها عندما تتعهّد باحترام حقوق الإنسان؟ يمكن لآلية الإستعراض الدوري الشامل التي يعتمدها مجلس حقوق الإنسان تقديم الإجابة، وسوف تخضع سويسرا لهذه الآلية للمرة الثانية يوم 29 أكتوبر 2012.
منذ عام 2008، يسلّط الضوء على أوضاع حقوق الإنسان في كل بلد من بلدان العالم وأمام الجميع داخل مجلس حقوق الإنسان بجنيف. وفي ظل آلية الإستعراض الدولي الشامل المبتكرة (EPU/UPR) ، استغرق مرور جميع البلدان الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 193 بهذه التجربة 4 سنوات كاملة.
وخلال هذا العام، تنطلق الدول في إجراء دورة ثانية من هذا الإستعراض الشامل. وهي خطوة حاسمة، مثلما يرى فالتر كالين، أحد أفضل المدافعين عن حقوق الإنسان في سويسرا الذي يقول: “هذه الجولة الثانية ذات أهمية حاسمة لانها ستظهر إذا كان من الممكن التأكد من التنفيذ الفعّال للتوصيات التي قبلت بها الدول خلال الجولة الأولى من الإستعراض الدوري الشامل. نحن الآن في بداية الدورة الثانية، وفي غضون سنة أو سنتيْن، سيكون من الممكن الحكم على جدوى وفعالية هذه الآلية على أساس الخبرات التي تم استخلاصها من التجارب”.
دور المجتمع المدني
وبالنسبة لفالتر كالين، الذي يُدير مركز الخبرة السويسري لحقوق الإنسان، فإن الإستعراض الدوري الشامل هو من أفضل ما يحدث على المستوى الدولي خصوصا وأنه “باستثناء الإجراءات الردعية المعتمدة من مجلس الأمن الدولي، والتي تظل مقتصرة على الجرائم الخطيرة المرتكبة ضد الإنسانية، لا توجد آليات مُلزمة في مجال حقوق الإنسان، على مستوى منظمة الامم المتحدة.. الفرصة الوحيدة المتاحة هي تقديم توصيات إلى الدول، خاصة في سياق الإستعراض الدوري الشامل”.
هذا التمرين الشفوي الذي يمتد لنصف يوم يرتكز على ثلاثة أصناف من التقارير: التقرير الرسمي للدولة المعنية، وتقرير المؤسسات المختصة التابعة للامم المتحدة، وتقرير هيئات المجتمع المدني على المستويين الوطني والدولي. ومثلما يبيّن أندريان – كلود زولّر، رئيس جمعية “جنيف من أجل حقوق الإنسان” والمشرف على موقع الكتروني يُتابع أخبار الإستعراض الدوري الشامل أولا بأول، فإن “مجموع هذه الوثائق، تنضاف إليها ردود حكومات البلدان المعنية، موجودة كلها على الإنترنت وهي متاحة للجميع. ومع مرور السنوات والدورات، فإن هذا الأمر سوف يسمح بالحصول على نظرة دقيقة حول أوضاع حقوق الإنسان في العالم.. هذه الوثائق مفيدة جدا بالنسبة للمدافعين عن حقوق الإنسان الناشطين في الميدان”.
الخطر في هذه العملية، بالنسبة لأدريان – كلود زولّر هو “تحوّل تقييم البلدان لبعضها البعض إلى نوع من الإشادة بالذات وهذا الوضع يُجبر المجتمع المدني على المشاركة في لعبة قد تصبح بمثابة التمرين الروتيني. لذلك من الضروري بالنسبة للمنظمات غير الحكومية وضع استراتيجية لا تعتمد فقط على إثارة القضايا الجديدة، بل الإصرار أيضا على الوفاء بالإلتزامات التي سبق قطعها”، على حد قوله.
وحتى بالنسبة للبلدان التي تصنف ضمن الدول المعادية لحقوق الإنسان، فمن الممكن أن يشكّل هذا الإستعراض الدوري خطرا عليها حيث “بدأت هذه البلدان تعبّر عن خشيتها من هذه الآلية” حسب بعض المراقبين، وهو ما يؤكده كذلك أدريان – كلود زولّر، مشيرا إلى أن غالبية الدول تقبل بقوانين اللعبة، مع اختلاف في درجات الحماسة. وهذا هو حال سويسرا، التي ستخضع إلى الإختبار في موفى شهر أكتوبر.
سويسرا تقبل بقواعد اللعبة
في نهاية الإستعراض الدوري الأوّل لأوضاع حقوق الإنسان في سويسرا قبل أربع سنوات، صرّح بول سيغر، رئيس الوفد السويسري حينها أن “سويسرا تدرس التدابير التي سيتم اتخاذها خلال الاشهر المقبلة من أجل ضمان استمرارية هذا الإستعراض، وألا يكون مجردّ تمرين يقتصر على أن يكون مجرّد تمرين في جنيف كل 4 سنوات”.
وبحسب كلود فيلد، خليفة سيغر على رأس الوفد السويسري الذي سيمثل أمام مجلس حقوق الإنسان بجنيف يوم 29 اكتوبر فإن “وزارة الخارجية على اتصال مستمر مع ممثلي المنظمات غير الحكومية النشطة في ميدان حقوق الإنسان. وهذه الإتصالات تغطي جميع أبعاد حقوق الإنسان”.
في المقابل، يُبدي آلان بوفار، وهو خبير قانوني يعمل مع منظمة العفو الدولية، قدرا أقلّ من التفاؤل ويقول: “بعد الإستعراض الأول الذي وقع في عام 2008 دعت وزارة الخارجية إلى اجتماع. ثمّ كان الإنقطاع لمدة عاميْن. ولم تقع أي متابعة. وكان لابد من انتظار بداية هذه السنة لينطلق الحوار من جديد برعاية مركز الخبرة السويسري لحقوق الإنسان. ولقد تعاونت المنظمات غير الحكومية مع كلود فيلد أثناء صياغة التقرير الذي ستتقدم به سويسرا، والذي يشير بصريح العبارة إلى انتظارات هذه المنظمات غير الحكومية. وهو ما تنفرد به سويسرا عن العديد من البلدان الأخرى”.
وبخصوص التعهدات التي قطعتها سويسرا على نفسها خلال الدورة الأولى، يرى آلان بوفاي أن التقدم المسجل “أقل مما كان منتظرا”، وهو ما يؤيده فالتر كالين الذي يقول: “إن سويسرا قطعت على نفسها العديد من الإلتزامات المهمة، لكنها تأخرت كثيرا في وضعها قيد التنفيذ. ولقد توصّل مركز الخبرة السويسري لحقوق الإنسان في إحدى الدراسات التي أنجزها العام الماضي إلى أنه على الرغم من الخطوات التي اتخذت على المستوى السويسري، فإن قلة من التوصيات فقط وجدت طريقها إلى التنفيذ”.
كوابح البرلمان
قد تشكّل هذه الصعوبات في التنفيذ مفاجأة خاصة وأنها تحدث في بلد نشط جدا على الساحة الدولية في مجال حماية حقوق الإنسان. وفي هذا السياق، يشير ألان بوفار إلى أن “الهوّة بين عمل الدبلوماسية السويسرية على الساحة والدولية وعمل السلطات في الساحة الداخلية تتجه إلى الإتساع اكثر فأكثر”.
وعزا ذلك إلى تقاسم الأدوار بين المستويات المختلفة على المستوى الفدرالي، حيث أنها بيد الحكومة الفدرالية فيما يتعلّق بالسياسة الخارجية، بما في ذلك مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. أما على المستوى الفدرالي، فإن تحديد السياسة الداخلية موكول إلى البرلمان، وهو أقلّ حساسية وانشغالا بقضايا حقوق الإنسان من الحكومة”.
السفير كلود فيلد لا يُؤيد هذا الرأي ويقول: “هذا القول غير صحيح، فالبرلمان يُناقش بانتظام قضايا حقوق الإنسان بشكل مباشر أو غير مباشر، وتنضاف على ذلك ردود الحكومة على أسئلة البرلمانيين، التي توجّه باستمرار وكل سنة. وعلى سبيل المثال فقط، عُقدت منذ بداية عام 2011، تسعة وعشرون (29) جلسة نقاش في البرلمان حول الإقتصاد وحقوق الإنسان”.
وفي معرض التدليل على كلامه، أشار آلان بوفار إلى قضية تشديد الإجراءات والتدابير ضد الأجانب والمهاجرين، وقال: “الكثير من التوصيات قدّمت إلى سويسرا من طرف البلدان الأخرى في مجال قوانين الهجرة واللجوء. ومع ذلك فإن الأوضاع في هذيْن المجاليْن صعبة جدا. كما أن جهود الحكومة الملزمة بتنفيذ التوصيات العشرين التي قبلت بها تتم عرقلتها باستمرار من طرف البرلمان”.
فالتر كالين يعتقد أنه بالإمكان تجاوز هذه المعضلة ويقول: “آلية الاستعراض الدوري الشامل ليست معروفة على نطاق واسع. ولكن ما ينقص في هذه اللحظة خاصة هو عدم وجود طريقة منسقة لتنفيذ التوصيات التي قبلت بها سويسرا.. طريقة تسمح بالتعاون بين الكانتونات، والجماعات المحلية، والبرلمانات بشتنى أصنافها”.
“قبلت معظم البلدان بحرية التوصيات التي تقدمت بها نظيراتها. وهذه هي المرة الأولى التي تعترف فيها البلدان علنا بتعهداتها السابقة وتعرّض نفسها لانتقادات المنظمات غير الحكومية إذا لم يتم تحويل تلك التعهدات إلى ممارسات في الواقع…
.. من هنا تنبع أهمية الإستعراض الدوري الثاني، لتشكل فرصة لحماية المجتمع المدني في جميع البلدان. وتكافح العديد من البلدان من أجل تنفيذ التوصيات الموجهة إليها. لذلك لابد من حماية المدافعين عن حقوق الإنسان من عمليات الإنتقام من جهات في السلطة. وهناك خطر حقيقي في أن تتحوّل المنظمات غير الحكومية في هذه البلدان إلى كبش فداء خاصة في البلدان الآسيوية”.
الخبير أندريان – كلود زولّلر متحدثا إلى swissinfo.ch
“ساعدت الطبيعة العالمية لآلية الإستعراض الدوري الشامل بلا شك في الحد من تسييسها. ولقد صاغت سويسرا ما مجموعه 430 توصية خلال الإستعراض الدوري الأوّل وقد قبل منها الثلثيْن.
القبول الطوعي للبلد المعني بجزء من التوصيات يوفّر العديد من السبل لتعزيز التعاون بين الدول.
العمل الذي تقوم به سويسرا لا يتوقّف على صياغة التوصيات، لكنها تتكفّل أيضا بالمتابعة عن قرب من خلال المشاورات الثنائية مع الدول المعنية”.
السفير كلود فيلد، متحدثا إلى swissinfo.ch
(ترجمه من الفرنسية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.