برن تقترح تدابير للحدّ من أضرار الإنبعاثات الضوئية
في السنوات الأخيرة، انتشرت الإضاءة الإصطناعية على نطاق واسع. وبإمكان هذه الظاهرة إدخال الإضطراب على نمط حياة الطيور والحيوانات، أو النيل من رفاه الكائن البشري وراحته. وسعيا لمقاومتها، تدعو برن إلى اتخاذ التدابير اللازمة للحد من أضرارها.
في لقائها الأسبوعي، أقرّت الحكومة الفدرالية يوم 13 فبراير 2013 تقرير “آثار الإضاءة الإصطناعية على تنوّع الكائنات الحية وعلى الكائن البشري”، الذي يقترح تعديلات قانونية وتعزيز البحوث العلمية حول الإنبعاثات الضوئية ردا على الإلتماس الذي تقدمت به في عام 2009 انجيلا موزار، عضو مجلس النواب عن حزب الخضر الليبراليين (زيورخ).
وعن الحاجة الملحة للتحرّك الآن وبسرعة في هذا المجال، تقول لورانس فان فالينبرغ، العاملة بقسم جودة المناظر الطبيعية وخدمات النظام الإيكولوجي بوزارة البيئة السويسرية في حديث إلى swissinfo.ch: “لقد لاحظنا خلال السنوات الأخيرة زيادة كبيرة في انبعاثات الضوء ليس داخل المدن فحسب بل كذلك في القرى وعلى الطرقات، وفي الغابات أيضا، وتجاوزت نسبة هذه الزيادة 70% في الفترة المتراوحة بين 1994 و2012، وذلك استنادا لصور التقطت بالأقمار الإصطناعية”.
أضرار على أكثر من صعيد
من جهة أخرى، أشارت السيدة فان فالينبرغ إلى أن “المساحات المظلمة تراجعت أكثر فأكثر، مما ضيّق من مساحات سكن وراحة الطيور الليلية، وأفقد الطيور المهاجرة القدرة على تحديد الإتجاه، وجذب الحشرات إلى مصادر الضوء مما أدى إلى احتراقها، وطرد الخفافيش من أوكارها”.
التقرير الذي أقرّته الحكومة يُشير إلى أن انبعاثات الأضواء الإصطناعية تضرّ بقدرة الكائنات التي لا تحتمل الأضواء على البقاء والإستمرار في الحياة، مما يزيد من مخاطر انقراضها. أما أكثر المناطق عرضة لهذه الأخطار، وفقا لهذا التقرير، فهي المحميات الطبيعية، والمناطق البيئية الحيوية ذات الأهمية الوطنية، حيث يوجد احتياطي الطيور المائية والطيور المهاجرة، وكذلك مجاري المياه الطبيعية، الغنية بالحشرات. ذلك أن توسّع المناطق المضاءة على حساب المساحات المظلمة يحدّ من فضاء تحرّك هذه الكائنات الضعيفة، ومن فرص عثورها على الغذاء الكافي والمناسب، ناهيك أن هذه الكائنات سوف تتأخّر في النهوض للسعي إلى جمع غذائها مما يقلل أكثر من فرص بقائها.
ورغم اعتراف السيدة فان فالينبرغ بأن الإنبعاثات الضوئية لوحدها لا تؤدي بالضرورة إلى انقراض هذا الكائن أو ذاك، لكنها تنوه إلى أنه “إذا اضفنا هذه الإنبعاثات إلى العديد من العوامل الاخرى المتراكمة، فإن هذا العنصر قد يصبح العامل المحدّد”.
الخطورة المترتبة عن هذه الأضواء لا تتوقّف على الحيوانات او الحشرات فحسب، بل يمكن أن يتعدى ذلك إلى البشر، مثلما تشرح المسؤولة بوزارة البيئة قائلة: “الكائن البشري كذلك يمكن أن يتضرر بسبب هذا الإضطراب الإيكولوجي الناتج عن الإنارة الإصطناعية في الليْل أو ضوء الشمس عندما ينعكس على أسطح أو واجهات بلورية في النهار. ومن ذلك أن هذه الإنبعاثات قد تتسبب في اضطراب خلال النوم أثناء الليل عندما تتسلل إلى داخل المنازل”.
من المتوقع أن يكون نظام مكوّن ديود الضوئي المشع الأساس الذي ترتكز عليه الثورة الضوئية المقبلة بعد انتهاء عهد المصابيح الملتهبة والمصابيح الكلاسيكية.
تم اكتشاف مصابيح مكوّن ديود الضوئي المشع سنة 1907، ولكن تمت أول عملية تسويق لها سنة 1967.
من حيث المبدأ، تتأسس هذه التكنولوجيا على مُوجه بلوري صغير الشكل يقوم بتحويل الطاقة الكهربائية إلى ضوء. ومكون ديود هذا يتمتع بإيجابيات كثيرة، فهو صغير الحجم، وصلب، ومقتصد في الطاقة، وهو قابل للاستخدام لمدة طويلة جدا.
أما المصابيح الكلاسيكية ذات الشكل الإجاصي فإن الواحدة منها تستهلك بين 5 و20 وات، في حين لا يتجاوز استهلاك المصابيح الملتهبة الصغيرة المستخدمة منذ عدة سنوات في إنارة أعياد الميلاد 0.5 وات إلى وات واحد (للمصباح الواحد).
في المحصلة، تعتبر المصابيح المستخدمة لنظام مكون الديود الضوئي المشع الأقل استهلاكا، حيث يتراوح استهلاك الواحدة منها ما بين 0.05 و0.1 وات.
خطوات قُطعت حتى الآن
انتشر الوعي بمخاطر الإنارة الإصطناعية على نطاق واسع في سويسرا، وبات ينظر إليها كالعنف المسلّط على البيئة، ونوعا من التلوّث الذي يجب الحد منه. وإزاء هذا الوضع، بدأت الجماعات المحلية والكانتونات في اتخاذ بعض التدابير المستعجلة.
فقد أصدر كانتون تيتشينو توصيات للإدارات وللمتساكنين بشأن الحد من الإنارة الإصطناعية، واستجابة لذلك، أقدمت بلدية “كولدريريو” التابعة للكانتون نفسه على استبدال جميع المصابيح القديمة بمصابيح حديثة موفّرة للطاقة، فيما أقرت إطفاء الإنارة الخاصة بالإعلانات والمباني من منتصف الليل حتى الفجر.
وبفضل هذه المبادرة وتحركات أخرى، تسلمت كولدريريو جائزة “الوات الذهبي” لعام 2008، فئة “مجتمع”، التي يمنحها المكتب الفدرالي للطاقة، لمكافأة أفضل أداء في مجال توفير الطاقة.
وكذلك فعل كانتون بازل، وبلدية Köniz بكانتون برن حيث بادرت هذه المناطق إلى استبدال المصابيح الضوئية المستهلكة للطاقة بأخرى من نوع الصمامات المشعة للضوء light emitting diode (LED) .
في تصريحاتها إلى swissinfo.ch، حثت فان فالينبرغ البلديات والكانتونات إلى “طرح السؤال كل مرة: أيّ نوع من المصابيح يجب تثبيته؟ وأيْن؟ ولماذا؟. وإذا لم تكن هناك ضرورة للإنارة، فلماذا يجب تبذير الطاقة وتلويث البيئة؟”، ثم تضيف متسائلة: “إذا كانت هناك حاجة لإنارة بعض الشوارع حفاظا على أمن وسلامة المارين أو العاملين في الليْل، فهل من الضروري إنارة الطرقات السيارة، والمناطق المحاذية للغابات، أو الأرياف النائية، وهل يجب أن تستمرّ الإنارة الإصطناعية طوال الليْل؟”.
تدابير يجب اتخاذها
“أن يتأخّر الردّ أفضل من أن لا يأتي أبدا”.. يصدق هذا المثل على تحرّك الحكومة التي انتظرت ثلاث سنوات للإستجابة لنداء النائبة موزار. وجاء الرد ّ على شاكلة ثلاث توصيات تتعلّق بالتشريعات وبالبحث العلمي وبالتوعية والتحسيس.
فعلى المستوى التشريعي، دعت الحكومة الفدرالية إلى النظر في إمكانية إدخال أحكام جديدة في المدوّنة القانونية المتعلّقة بحماية البيئة والمناظر الطبيعية (OPN; RS 451.1)، يكون الهدف المرجو منها “ضمان الإستخدام السليم للإضاءة الثابتة والمتنقلة لحماية لحماية الأنواع الحية وموائلها”.
وعلى مستوى البحث العلمي، دعت الحكومة إلى ضرورة اشتمال برنامج البحث العلمي الوطني PNR 70 على محور يتعلّق بما تسميه “الإنحراف في استعمال الطاقة”، وتضمين برنامج البحث العلمي الوطني PNR 71 دراسة تأثيرات الإنبعاثات الضوئية المرتبطة بتقنيات الإضاءة الجديدة وبالطاقة المتجددة على البيئة والحياة الإنسانية. ويدخل في هذا الإطار البحث حول التأثيرات المحتملة لتقنيات الصّمامات المُشعة للضوء (تعرف اختصارا بـ LED).
أخيرا، دعت الحكومة بالإضافة إلى ذلك المكاتب الفدرالية المتخصصة والكانتونات والبلديات إلى “العمل، ولأغراض وقائية من أجل الحد من الإنبعاثات الضوئية التي لا تساهم بشكل مباشر في الإضاءة”. كما عبّرت برن عن استعدادها لتقديم الدعم للجهات التي ستعمل في هذا الإتجاه، خاصة من خلال وضع التوصيات اللازمة، وضبط المعايير الضرورية لهذه التدابير، والتحسيس والتوعية بالأضرار التي تلحقها هذه الإنبعاثات الضوئية بالبيئة والإنسان.
لترشيد الإضاءة، يدعو المكتب الفدرالي للبيئة جميع الأفراد والهيئات العامة والخاصة، إلى احترام المعايير والتوصيات التالية للحد من تلوّث الانبعاثات الضوئية:
احترام التوازن البيئي: لابد أن تأخذ الإضاءة الإصطناعية في الخارج بعين الإعتبار التوازن بين حاجات الإنسان والمناظر الطبيعية والنظم الإيكولوجية.
الحدّ من الإنبعاثات من مصدرها: بصفة عامة، لابد من العناية والإهتمام بالأضرار التي يمكن أن تتسبب فيها المصابيح الكهربائية المثبّتة في الخارج. تقييم هذه الأضرار لابد أن يأخذ بعين الإعتبار في عمليات التخطيط الحضري، وأن توكل إلى مختصين.
التحقق من حقيقة الإحتياجات: المصابيح الخارجية التي لا تساهم في تعزيز الامن، لابد ان يعاد النظر في جدواها. وتقييم الجدوى يجب ان ياخذ في الإعتبار كذلك احتياجات البيئة والمناظر الطبيعية، والافراد.
وضع قنوات للتحكّم في الإنارة: يجب أن تزوّد الاجسام المضيئة بتقنية لا تسمح للإنارة إلا في الإنتشار حيث هي مطلوبة وضرورية وفي مساحة محددة بشكل مدروس. ومن الأفضل أن تكون الإضاءة موجهة إلى الأعلى أو إلى الأسفل.
تحديد كثافة ونوعية الضوء: تحديد كثافة الضوء بحسب الضرورة وبحسب المكان والزمان، فإذا كانت المصابيح كبيرة الحجم، لابد من تخفيض الكثافة، ولابدّ من تجنّب الأضواء البيضاء أو الأشعة فوق البنفسجية في المساحات القريبة من المناطق الطبيعية خاصة المحميات.
التحكّم في مدد الإضاءة: هذه الإضاءة لابد أن تكون متكيّفة مع فترات الراحة الليلية، وأن يحد منها إلى ابعد الحدود ما بين العاشرة ليلا والسادسة صباحا، تماما مثل الضجيج. ولوحات الإعلانات والإشهارات لابد من إطفائها في هذه الفترة من اليوم.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.